الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك إلا من حظوظه المؤيدة، وسعوده الطالعة، ومجده المضاعف الناشر فخره على الأيام والليالى:
نبنى كما كانت أوائلنا
…
تبنى ونفعل مثل ما فعلوا
فكم من مسجد وجامع جمعة وخطبة أُنشئ منذ جلوس جلالته على عرش أسلافه الكرام، وآبائه الهداة العظام، وإن أحجمنا عن عدها فلمعرفة الجمهور بها وانتصابها أمام جميع الأنظار، يشاهدها الخاص والعام، وحسبك منها المسجد الجامع المقام بأنحاء زمور الشلح بالمحل المعروف بـ (الخميسات) الذى أصبح عمرانه يتزايد بتزايد الإقبال عليه، ومضاعفة الحركة فيه، وناهيك إنه بمنزلة محطة من أكابر المحطات، وطريق من أوسع الطرق شأنا، وأبعدها مدى، يربط بين أقصى البلاد البربرية وشواهق جبالها الممتدة إلى أقصى حدود الأطلس البعيد، فهلا اعتبرنا ذلك من حسنات عصره الزاهر الذى أمكن أن نشاهد فيه ما لم يكن بالحسبان.
اعتناؤه بنشر العلم وتسهيل سبله:
وكما اهتم بأمور الدين وإظهار شعائره وإقامة مبانيه، كذلك اعتنى بمسألة العلم والعلماء والطلبة وانتقد أسلوب التدريس الذى كان جاريا على عهده من تطويل ممل، واقتصار مخل، واشتغال بالقشور عن اللباب حسبما ترى في هذا الظهير الشريف الذى أصدره لقاضى مدينة فاس يأمره بجمع المدرسين وتنبيههم على خطأ ما جرت به العادة، وإرشادهم لنظام كفيل بالتحصيل والإفادة، ونصه:
"ولد عمنا الأرضى، الفقيه القاضى مولاى عبد الهادى، وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فقد بلغنا توافر طلبة العلم على العادة، وجدهم في الطلب، غير أنه قل التحصيل والإفادة، وذلك لمخالفة الفقهاء في إقرائهم عادة الشيوخ، وإعراضهم عما ينتج التحصيل والرسوخ، فإن الفقيه يبقى في سلكة سيدى خليل نحو العشر
سنين، وفى الألفية العامين والثلاث أكثر ما يجلب من الأقوال الشاذة، والمعانى الغريبة الفاذة، وكثرة التشغيب بالاعتراضات وردها، ومناقشة الألفاظ وعدها، ويخلط على المتعلم حتى لا يدرى الصحيح من السقيم، ولا المنتج من العقيم، وفى ذلك تضييع الأعمار التي هى أنفس المتاجر بلا فائدة، وتعمير الأوقات التي يرتجى نفعها بلا عائدة، فتجد الطالب يرحل في طلب العلم من بلاده، ويتغرب عن أهله وأولاده، ويقيم المدة المتطاولة لا يحصل مع كثرة دءوبه على طائل، ولا يقف على محصول ولا حاصل، فترى الفقهاء يكثرون على المبتدئ من نقول الحواشى والاعتراضات، وينوعون الأقوال والعبارات، حتى لا يدرى ما يمسك، ولا أى سبيل يسلك، ويقوم من مجلس الدرس أجهل مما كان، ولا يجد زيادة مع بلوغه في نفسه الإمكان.
وهذا يؤدى إلى ضياع العلم الذى هو ملاك الدين ويحمل على عموم الجهل في العالمين، وما هكذا كان يفعل أهل الإفادة والتحرير، الذين يحرصون على نفع طلبة العلم رغبة فيما عند الله من الأجر الكبير، فقد كانوا يسهلون لهم طرق العلم واستفادته، ويرتكبون ما يقرب تحصيل العلم وزيادته، ويتنزلون لعقول الطلبة على قدر أفهامهم، ويحتالون على حصول الفهم والعلم للمتعلمين بلطيف عبارة كلامهم، حتى يحصل اللبيب على مراده في أقرب أوان، ولا يضيع عمره سبهللا من غير تحصيل ولا عرفان.
إذ كان مقصودهم في ذلك الله ونشر العلم للعمل، لا التفصح والتمشدق الذى يحصل معه الخلل والملل، ولا ينجح معه لذى أرب أمل.
وهذا من الأمر الذى يجب التنبيه عليه، ويتأكد في جنب أرباب المناصب الجنوح إليه، إذ في الحديث: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المؤمنين وعامتهم.
فبوصول كتابنا هذا إليك اجمع المدرسين وأرشدهم لما فيه المنفعة العامة، والإفادة التامة، وهو الاقتصار في التقرير على حل كلام المؤلفين وإفهامه للسامعين المتعلمين، مع التنبيه على ما فيه من خطأ وتحريف من غير إكثار هدر، ولا تشغيب بترداد اعتراضات وطرر.
إذ المقصود هو حصول الفهم والإفادة، والمناقشة في الألفاظ إنما هى لغو وزيادة، وليست لأهل التحرير بعادة، وما يقدم قراءة النحو والبيان والمعقول، إلا لتحصيل الملكة التي يتوصل بها إلى فهم المنقول، فلا ينبغى في الفقه مناقشة الألفاظ، ولا نقل كل ما سوده الحفاظ، بل ينبغى الاقتصار على بسط المسائل وفصولها، وتقريبها للفهم بتقرير أصولها، فلا يجاوز الفقيه في سلكة خليل، العام، وإن أطال ففى عامين، ولا يجاوز في الألفية الشهر أو الشهرين كما كان يفعل ذلك جهابذة العلم ونقاده، بل كانوا يسردون خليل في أربعين يوما، والألفية في أقل من ذلك، ويحصل الطلبة في ذلك على علوم جمة، ومسائل مهمة، لا يحصلونها في هذا التماطل والتطويل، وعمارة الأوقات بما ليس عليه تعويل.
ولينظروا في سيرة من قبلهم في التدريس والإلقاء، ويسلكون ما هو أقرب للتحصيل وأمس بتسهيل الفهم والإقراء، فبهداهم فليقتدوا، وبأنوارهم فليهتدوا، ليستفيدوا ويفيدوا، ويبدئوا في نشر العلم ويعيدوا، ويحصل الطلبة الغرباء في ذلك على مرادهم، ويدركوا ما يسره الله على قدر استعدادهم، والله ولى التوفيق.
ومن جملة الأمور الموجبة لقصور فهم المتعلمين وعدم نفعهم، تقصير مجلس الإلقاء وخفته، فلا يجاوز من أطال من الفقهاء الساعة، مع أن من رحل للطلب من بلده ونيته تحصيل العلم يستغرق الأوقات، ويعرض عن الراحة واللذات، ولا يكون له غرض إلا في درس أو نظر، ليحصل مطلوبه على الوطر،
[صورة]
ظهير رحمانى لقاضى فاس المولى عبد الهادى في إرشاد المدرسين لسلوك طريق تكون أقرب للتحصيل ونفع الطلبة
[صورة]
ظهير رحمانى للقائم بالزاوية الكرزازية في الإنعام عليه بأعشار بنى عباس وزكواتهم