الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة)
وكان في أوّل المائة الرابعة ملك على الجلالقة أردون بن رذمير بن برمنذ بن قريولة بن اذفونش بن بيطر. وخرج سنة اثنتين وثلاثمائة إلى الثغر الجوفي لأوّل ولاية ولاية الناصر، وعاث في جهات ماردة، وأخذ حصن الحنش، وبعث الناصر وزيره أحمد بن عبدة في العساكر إلى بلاده فدوّخها، ثم أغزاه ثانية سنة خمس فنكث وقتل. ثم أغزى بدرا مولاه فدوّخ ورجع. ثم غزا بنفسه بلاد جليّقة سنة ثمان واستنصر أردون بشانجة بن غرسية ملك البشكنس وصاحب بنبولة فهزمهم الناصر، ووطئ بلادهم وخرّبها، وفتح حصونهم وهدمها وردّد الغزو بعد ذلك في بلد غرسية إلى أن هلك أدفونش وولي بعده ابنه فرويلة. قال ابن حيان لما ملك فرويلة بن أردون بن رذمير ملك الجلالقة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة ملك أخوه أدفونش ونازعه أخوه شانجة واستقل غرسية بليون من قواعد ملكهم، وظاهر أدفونش على أمره ابن أخيه وهو أدفونش بن فرويلة، وصهره شانجة فانهزموا وافترقت كلمتهم. ثم اجتمعوا ثانية وخلعوا شانجة وأخرجوه عن مدينة ليون ففرّ إلى قاصية جليّقة، وولّى أخاه رذمير بن أردون على ملكه بغربي جلّيقة إلى قلنسرية. وهلك شانجة إثر ذلك ولم يعقب.
واستقل أدفونش وخرج على أخيه رذمير وملك مدينة سنت ماذكش. ثم أكثروا عليه العذل في نزوعه عن الرهبانية فرجع إلى رهبانيته. ثم خرج ثانيا وملك مدينة ليون وكان رذمير أخوه غازيا إلى سمورة فرجع إليه وحاصره بها حتى اقتحمها عليه عنوة سنة عشرين وثلاثمائة فحسبه، ثم سمله في جماعة من ولد أبيه أردون خافهم على أمره.
وكان غرسية بن شانجة ملك البشكنس لما هلك قام بأمرهم بعده أخته طوطة وكفلت ولده. ثم انتقضت سنة خمس وعشرين فغزا الناصر بلادها وخرّب نواحي بليونة وردّد عليها الغزوات. وفي أثناء هذه الغزوات نازل محمد بن هشام التجيبي سرقسطة حتى أطاع كما مرّ، وكذا أمية بن إسحاق في تسترين، وكان الناصر سنة اثنتين وعشرين قد غزا إلى وخشمة، واستدعى محمد بن هشام من سرقسطة فامتنع ورجع إليه، وافتتح حصونه وأخذ أخاه يحيى من حصن روطة. ثم رحل إلى ينبلونة فجاءته طوطة بنت أنثير بطاعتها وعقد لابنها غرسية بن شانجة على ينبلونة. ثم عدل إلى البلة
وبسائطها فدوّخها وخرب حصونها. ثم اقتحم جلّيقة وملكها يومئذ رذمير بن أردون فخام عن اللقاء ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها، وهدم برغث وكثيرا من معاقلهم، وهزمهم مرارا ورجع. ثم كانت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه. وكان يردّد الصوائف وهابته أمم النصرانية ووفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل صاحب القسطنطينيّة وهديته وهو يومئذ قسنطين بن ليون بن شل، واحتفل الناصر للقائهم في يوم مشهود، وكتب [1] فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزيّ، وزيّن القصر الخلافيّ بأنواع الزينة وأصناف الستور، وجمّل السرير الخلافيّ بمقاعد الأبناء والإخوة والأعمام والقرابة، ورتّب الوزراء والخدمة في مواقفهم، ودخل الرسل فهالهم ما رأوا وقربوا حتى أدّوا رسالتهم. وأمر يومئذ الأعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل، ويعظّموا أمر الإسلام والخلافة، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه، وذلّة عدوّه فاستعدّوا لذلك. ثم بهرهم هول المجلس فرجعوا وشرعوا في الغزل [2] فارتج عليهم، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق، كان في جملة الحكم ولي العهد، وندبه لذلك استئثارا لفخره، فلمّا وجموا كلهم قام منذر بن سعيد البلوطي من غير استعداد ولا رويّة ولا تقدّم له أحد في ذلك بشيء فخطب واستخفر، وجلا في ذلك القصد، وأنشد آخره شعرا طويلا ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس، وعجب الناس من شأنه أكثر من كل ما وقع. وأعجب الناصر به وولّاه القضاء بعدها، وأصبح من رجالات العالم، وأخباره مشهورة وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حيان وغيره. ثم انصرف هؤلاء الرسل وبعث الناصر معهم هشام بن كليب الى الجاثليق ليجدّد الهدنة، ويؤكد المودّة، ويحسن الإجابة. ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء، وجاءت معه رسل قسنطين. ثم جاء رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ هوتو، وآخر من ملك اللمان، وآخر من ملك الفرنجة وراء المغرب، وهو يومئذ أفوه وآخر من ملك الفرنجة بقاصية المشرق، وهو يومئذ كلدة. واحتفل السلطان لقدومهم وبعث مع رسل الصقالبة ريفا الأسقف إلى ملكهم هوتو ورجعوا بعد سنتين. وفي سنة أربع وأربعين جاء رسول أردون بن رذمير وأبوه رذمير وهو الّذي سمل أخاه أدفونش وقد مرّ ذكره، بعث
[1] بمعنى جعلها كتائب
[2]
بمعنى المديح