الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى سوسة في جمادى الآخرة من سنته وبها عسكر القائم، وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها.
(وفاة القائم وولاية ابنه المنصور)
ثم توفي القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب إفريقية، بعد أن عهد إلى ولده إسماعيل بعده وتلقّب بالمنصور، وكتم موت أبيه حذرا أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة، فلم يسمّ بالخليفة ولا غيّر السكة ولا الخطبة ولا البنود إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد كما يذكر.
(بقية أخبار أبي يزيد ومقتله)
ولمّا مات القائم كان أبو يزيد محاصرا لسوسة كما تقدّم، وقد جهد أهلها الحصار، فلمّا وليّ إسماعيل المنصور وكان أول عمله أن بعث الأساطيل من المهديّة إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والأمتعة والميرة مع رشيق الكاتب ويعقوب بن إسحاق، وخرج بنفسه في أثرهم، وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الأسطول إلى سوسة، وخرجوا لقتال أبي يزيد وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد، واستبيح معسكره نهبا وإحراقا، ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول وثاروا بعامله فخرج إليه، ورحل إلى سبيبة وذلك أواخر شوّال سنة أربع. وجاء المنصور إلى القيروان وأمّن أهلها وأبقى على حرم أبي يزيد وأولاده، وأجرى عليهم الرزق، وخرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبي يزيد وجاءت أخرى من عسكر أبي يزيد لمثل ذلك فالتقوا وانهزمت سرية المنصور، فقوي أبو يزيد بذلك وكثر جمعه، وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عسكره، وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور، ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهديّة وسوسة. ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل أواخر ذي القعدة، ثم رجع فقاتلهم وكانت الحرب سجالا، وبعث السرايا إلى طريق المهديّة وسوسة نكاية فيهم، وبعث إلى المنصور في حرمه وأولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم. وقد كان
أقسم على الرحيل، فلمّا وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحرّم سنة خمس وثلاثين فهزمهم. ثم عبّى المنصور عساكره منتصف المحرّم وجعل البرابر في الميمنة وكتامة في الميسرة، وهو وأصحابه في القلب. وحمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها ثم على القلب فلقيه المنصور واشتدّ القتال. ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم أثقاله وعسكره وقتل خلق من أصحابه وبلغت رءوس القتلى الّذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف، ومضى أبو يزيد لوجهه، ومرّ بباغاية فمنعه أهلها من الدخول فأقام يحاصرها، ورحل المنصور في ربيع الأول لاتباعه، واستخلف على المهديّة مراما الصقليّ وأدركه على باغاية فأجفل المنصور في إتباعه. وكلّما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بن خزر أمير مغراوة من أصحاب أبي يزيد ومواطئه بالغرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه، وأمره بطلب أبي يزيد. ووصل أبو يزيد إلى بني برزال وكانوا نكاريّة، وبلغه خبر المنصور في اتباعه فسلك الرملة. ثم عاد إلى نواحي غمرت فصادف المنصور وقاتله فانهزم أبو يزيد إلى جبل سالات، والمنصور في أثره في جبال وأوعار ومضايق تفضي إلى القفر، وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس أمامه إلّا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرت من بلاد صنهاجة. ووفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمه ووصله كما يجب له.
وجاء كتاب محمد بن خزر بالمكان الّذي فيه أبو يزيد من المفازة، وأقام المنصور هنالك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد الى المسيلة وحاصرها. فلما عوفي المنصور رحل أوّل رجب سنة خمس وثلاثين وقصده فأفرج عن المسيلة، وقصد المفازة يريد بلاد السودان فأبى عليه بنو كملان أصحابه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصّنوا بها. وجاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهزم وأسلم عسكره وأولاده، وطعنه بعض الفرسان فأكبّه وحامي عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف، وتخلّص. ثم سار المنصور في أثره أوّل رمضان ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته. ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب، وترك أثقاله وساروا إلى رءوس الجبال يرمون بالصخر، وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي وكثر القتل. ثم تحاجزوا وتحصّن أبو يزيد بقلعة كتامة واستأمن الذين معه من هوارة فأمّنهم المنصور، وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرّة حتى افتتحها عنوة وأضرمها نارا، وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية وجمع أهله وأولاده في