الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الفتنة بين مجد الدولة صاحب الريّ وبين أمّه واستيلاء ابن خالها علاء الدين بن كاكويه على أصفهان)
قد تقدّم لنا ولاية مجد الدولة أبي طالب رستم بن فخر الدولة على همذان وقرميس إلى حدود العراق، وتدبير الدولتين لأمّه وهي متحكّمة عليهما، فلمّا وزر لمجد الدولة الخطير أبو علي بن علي بن القاسم استمال الأمراء عنها وخوّف مجد الدولة عنها، فاسترابت وخرجت من الريّ إلى القلعة، فوضع عليها من يحفظها فأعملت الحيلة حتى لحقت ببدر بن حسنويه مستنجدة به. وجاءها ابنها شمس الدولة في عساكر همذان وسار معهما بدر، وذلك سنة سبع وتسعين وثلاثمائة فحاصروا أصفهان وملكوها عنوة. وعاد إليها الأمر فاعتقلت مجد الدولة ونصبت شمس الدولة للملك، ورجع بدر إلى بلده ثم بعد سنة استرابت بشمس الدولة، فأعادت مجد الدولة إلى ملكه.
وسار شمس الدولة إلى همذان، وانتقض بدر بن حسنويه لذلك، وكان في شغل بفتنة ولده هلال. واستمدّ شمس الدولة فأمدّه بعسكر وحاصر قمّ فاستصعبت عليه، وكان علاء الدين أبو حفص بن كاكويه ابن خال هذه المرأة، وكاكويه هو الخال بالفارسية، فلذلك قيل له ابن كاكوي، وكانت قد استعملته على أصفهان، فلما فارق أمرها فسد حاله، فسار هو إلى بهاء الدولة بالعراق، وأقام عنده. فلما عادت إلى حالها هرب أبو حفص إليها من العراق، فأعادته إلى أصفهان، ورسخ فيها ملكه وملك بنيه كما يأتي في أخبارهم.
(وفاة عميد العراق وولاية فخر الملك)
كان أبو جعفر أستاذ هرمز من حجّاب عضد الدولة وخواصه، وصيّر ابنه أبا علي في خدمة ابنه صمصام الدولة، فلمّا قتل صمصام الدولة رجع إلى بهاء الدولة، وبلغه ما وقع ببغداد في مغيبه من الهرج وظهور العيّارين، فبعث بهاء الدولة مكانه على العراق فخر الملك أبا غالب، وأصعد إلى بغداد فلقيه الكتّاب والقوّاد والأعيان في ابن خلدون م 40 ج 4
ذي الحجّة من السنة، وبعث العساكر من بغداد لقتال أبي الشوك حتى استقام.
وكانت الفتنة قد وقعت بين بدر بن حسنويه وابنه هلال، واستنجد بدر ببهاء الدولة فأنجده [1] من يده وأخذ ما فيها من الأموال، وفتح دير العاقول، وجاء سلطان وعلوان ورجب بنو ثمال الخفاجي في أعيان قومهم، وضمنوا حماية سقي الفرات من بني عقيل، وساروا معه إلى بغداد فبعثهم مع ذي السعادتين الحسن بن منصور للأنبار فعاثوا في نواحيها، وحبس ذو السعادتين نفرا منهم. ثم أطلقهم فهمّوا بقبضه، وشعر بهم فحاول عليهم حتى قبض على سلطان منهم وحبسهم ببغداد. ثم شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد فأطلقهم، فاعترضوا الحاج سنة اثنتين وأربعمائة ونهبوهم فبعث فخر الملك إلى أبي الحسن بن مزيد بالانتقام منهم، فلحقهم بالبصرة فأوقع بهم وأثخن فيهم، واستردّ من أموال الحاج ما وجد وبعث به وبالأسرى إلى فخر الملك. ثم اعترضوا الحاج مرّة أخرى ونهبوا سواد الكوفة فأوقع بهم أبو الحسن بن مزيد مثل ذلك، وبعث بأسراهم إلى بغداد.
[1] هكذا بياض بالأصل في الكامل ج 9 ص 215: «وأرسل بدر الى الملك بهاء الدولة يستنجده، مجهّز فخر الملك أبا غالب في جيش، وسيّره الى بدر، فسار حتى وصل الى سابور خواست، فقال هلال لأبي عيسى شاذي: قد جاءت عساكر بهاء الدولة، فما الرأي؟ قال: الرأي أن تتوقف عن لقائهم، وتبذل لبهاء الدولة الطاعة، وترضيه بالمال، فإن لم يجيبوك فضيّق عليهم، وانصرف بين أيديهم، فإنّهم لا يستطيعون المطاولة، ولا تظنّ هذا العسكر كمن لقيته بباب نهاوند، فإنّ أولئك ذلّلهم أبوك على ممرّ السنين.
فقال: غششتني ولم تنصحني، وأردت بالمطاولة ان يقوى أبي وأضعف أنا، وقتله، وسار ليكبس العسكر ليلا. فلما وصل اليهم وقع الصوت، فركب فخر الملك في العساكر، وجعل عند أثقالهم من يحميها، وتقدم الى قتال هلال، فلما رأى هلال صعوبة للأمر ندم، وعلم أن أبا عيسى بن شاذي نصحه، فندم على قتله، ثم أرسل الى فخر الملك يقول له: إنّني ما جئت لقتال وحرب، إنما جئت لأكون قريبا منك، وأنزل على حكمك، فتردّ العسكر عن الحرب، فإنّني أدخل في الطاعة.
فمال فخر الملك الى هذا القول، وأرسل الرسول الى بدر ليخبره بما جاء به. فلما رأى بدر الرسول سبّه وطرده، وأرسل الى فخر الملك يقول له: إنّ هذا مكر من هلال، لما رأى ضعفه، والرأي ان لا تنفّس خناقه. فلما سمع فخر الملك الجواب قويت نفسه، وكان يتّهم بدرا بالميل الى ابنه، وتقدّم الى الجيش بالحرب، فقاتلوا فلم يكن بأسرع من أن أتي بهلال أسيرا، فقبّل الأرض، وطلب ان لا يسلّمه إلى أبيه، فأجابه الى ذلك، وطلب علامته بتسليم القلعة، فأعطاهم العلامة، فامتنعت أمّه ومن بالقلعة من التسليم، وطلبوا الأمان، فأمّنهم فخر الملك، وصعد القلعة ومعه أصحابه، ثم نزل منها وسلّمها الى بدر، وأخذ ما فيها من الأموال وغيرها» .