الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقصد حسّان بن فرج الطائي، لما بلغ من عيثه وفساده، فلما رحل من غزوة إلى عسقلان لقيه حسّان وأبوه مفرج فانهزم وقتل، ونهبت النواحي وكثرت جموع بني الجرّاح وملكوا الرملة، واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة. ثم استمالهما الحاكم ورغّبهما فردّاه إلى مكة وراجعا طاعة الحاكم، وراجع هو كذلك، وخطب له بمكة. ثم جهّز الحاكم العساكر إلى الشام مع عليّ ابن جعفر بن فلاح، وقصد الرملة، فانهزم حسّان بن مفرج وقومه، وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم، وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة، ووصل إلى دمشق في شوّال سنة تسعين، فملكها واستولى عليها، وأقام مفرج وابنه حسّان شريدين بالقفر نحوا من سنتين. ثم هلك مفرّج وبعث حسّان ابنه إلى الحاكم فأمّنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله.
(خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به)
كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل، وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتّبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة، وقصد القيروان فأقام بها يعلّم الصبيان. ثم قصد مصر وكتب الحديث، ثم سار إلى مكة واليمن والشام وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام، واسمه الوليد وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفيّة. ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قرّة من بادية هلال بن عامر، وأقام يعلّم الصبيان ويؤمهم في صلاتهم. ثم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم. وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم، والناس معه على خطر، وكان قتل جماعة من بني قرّة وأحرقهم بالنار لفسادهم، فبادر بنو قرّة وكانوا في أعمال برقة فأجابوه وانقادوا له وبايعوا. وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الأصل حروب ودماء فوضعوها. واتّفقوا على بيعته. وكتب عامل برقة أنيال الطويل بخبرهم إلى الحاكم فأمره بالكفّ عنهم. ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة، وملكوا برقة وغنموا الأموال والسلاح وقتلوه. وأظهر أبو ركوة العدل، وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه، وكفّ عن
الأذى والقتل، وجهّز خمسة آلاف فارس مع القائد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمّام، وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة، وأمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها على قلبها. ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم، ونال منهم وثبت أبو ركوة واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمّنهم، ولحقوا به، وانهزمت عساكر الحاكم وقتل خلق كثير منهم.
ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافرا وردّد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر. وأهمّ الحاكم أمره وندم على ما فرّط. وجهّز عليّ بن فلاح العساكر لحربهم، وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه، وممن كتب إليه الحسن بن جوهر قائد القوّاد، وبعثهم في ستة عشر ألف مقاتل سوى العرب، وبعث أخاه في سرية فواقع بني قرّة وهزمهم، وقتل من شيوخهم عبد العزيز بن مصعب ورافع بن طراد ومحمد بن أبي بكر، واستمال الفضل بني قرّة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم، وكان يطالعه بأخبارهم. وبعث عليّ بن فلاح عسكرا إلى الفيّوم فكبسه بنو قرّة وهزموه، ونزل أبو ركوة بالهرمين، ورجع من يومه ثم رحل الفضل إلى الفيّوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهم، واستأمن بنو كلاب وغيرهم، ورجع عليّ بن فلاح، وتقدّم الفضل لطلب أبي ركوة وخذل ماضي بن مقرب بني قرّة عن أبي ركوة فقالوا له أنج بنفسك إلى بلد النوبة، ووصل إلى تخومهم وقال: أنا رسول الحاكم فقالوا لا بدّ من استئذان الملك، فوكّلوا به وطالعوا الملك بحقيقة الحال. وكان صغيرا قد ولي بعد سرقة أبيه، وبعث إليه الفضل بشأنه وطلبه فكتب إلى شجرة بن منيا قائد الخيل بالثغر بأن يسلّمه إلى نائب الحاكم، فجاء به رسول الفضل وأنزله الفضل في خيمة وحمله إلى مصر فطيف به على جمل لابسا طرطورا [1] وخلفه قرد يصفعه. ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل، فمات قبل وصوله، وقطع رأسه وصلب. وبالغ الحاكم في إكرام الفضل ورفع مرتبته، ثم قتله بعد ذلك، وكان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين.
[1] قلنسوة طويلة يلبسها عادة المهرّجون.