الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزحف زيّان إليها بجميع من معه من المسلمين سنة أربع وثلاثين ونفر معه أهل شاطبة وجزيرة شقر فكانت عليهم الواقعة العظيمة التي استشهد فيها أبو الربيع سليمان، وأخذ الناس في الانتقال عن بلنسية، فبعث إليهم يحيى بن أبي زكريا صاحب إفريقية بالمدد من الأموال والأسلحة والطعام مع قريبه يحيى عند ما نبذ دعوة بني عبد المؤمن وأوفد عليه أعيان بلنسية وهي محصورة فرجع إلى دانية. ثم أخذ الطاغية بلنسية سنة ست وثلاثين، وخرج زيّان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الأمير أبي زكريا، وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبي عبد الله محمد بن الأنباري فوصل إلى تونس، وأنشده قصيدته المشهورة على رويّ السين بلغ فيها من الإجادة حيث شاء، وهي معروفة وسيأتي ذكرها في دولة بني حفص بإفريقية من الموحدين.
ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسية على ابنه أبي بكر الواثق، وكان واليه بها أبو بكر بن خطّاب، فبعثوا إلى زيّان واستدعوه فدخلها وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للأمير أبي زكريا على ولاية شرق الأندلس كله، وذلك سنة سبع وثلاثين. ثم انتقض عليه ابن عصام بأريولة ولحق به قرابة زيّان بمدينة لقنت فلم يزل بها إلى أن أخذها منه طاغية برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس، وبها مات سنة ثمان وستين. وأمّا ابن هود فسيأتي الخبر عن دولته، وأما ابن الأحمر فلم تزل الدولة في أعقابه لهذا العهد. ونحن ذاكرون أخبارهم لأنهم من بقايا دولة العرب والله خير الوارثين.
(الخبر عن ثورة ابن هود على الموحدين بالأندلس ودولته وأولية أمره وتصاريف أحواله)
هو محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العظيم بن أحمد بن سليمان المستعين بن محمد بن هود ثار بالصخيرات من عمل مرسية مما يلي رقوط [1] عند فشل دولة الموحّدين، واختلاف السادة الذين كانوا أمراء ببلنسية، وذلك عند ما هلك المستنصر سنة عشرين. وبايع الموحدون بمراكش لعمّه المخلوع عبد الواحد بن أمير المؤمنين
[1] رقوط: لعلها رقوبل- ولم نجد لرقوط اي اسم: وهي مدينة بين شنت بريّة ومدينة سرتّة بالأندلس، قديمة البناء (معجم البلدان) .
يوسف. ثار العادل ابن أخيه المنصور بمرسية ودخل في طاعة صاحب حيّان أبو محمد عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن، وخالفهما في ذلك السيد أبو زيد أخوه ابن محمد بن أبي حفص. وتفاقمت الفتنة واستظهر كل على أمره بالطاغية، ونزلوا له عن كثير من الثغور وقلقت من ذلك ضمائر أهل الأندلس، فتصدّر ابن هود هذا للثورة، وهو من أعقاب بني هود من ملوك الطوائف، وكان يؤمّل لها وربما امتحنه الموحّدون لذلك مرّات، فخرج في نفر من الأجناد سنة خمس وعشرين، وجهّز إليه والي مرسية يومئذ السيد أبو العبّاس بن أبي عمران موسى بن أمير المؤمنين يوسف ابن عبد المؤمن عسكرا فهزمهم. وزحف إلى مرسية فدخلها واعتقل السيد، وخطب للمستنصر صاحب بغداد لذلك العهد من بني العبّاس. وزحف إليه السيد أبو زيد ابن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن من شاطبة، وكان واليه بها فهزمه ابن هود ورجع إلى شاطبة. واستجاش بالمأمون وهو يومئذ بإشبيليّة بعد أخيه العادل فخرج في العساكر، ولقيه ابن هود فانهزم واتبعه إلى مرسية فحاصره مدّة، وامتنعت عليه فأقلع عنه ورجع إلى إشبيلية. ثم انتقض على السيد أبي زيد ببلنسية زيّان بن أبي الحملات مدافع بن حجّاج بن سعد بن مردنيش، وخرج عنه إلى أبّدة [1] وذلك سنة ست وعشرين. وكان بنو مردنيش هؤلاء أهل عصابة وأولي بأس وقوة، فتوقّع أبو زيد اختلال أمره، وبعث إليه ولاطفه في الرجوع فامتنع فخرج أبو زيد من بلنسية. ولحق بطاغية برشلونة ودخل في دين النصرانية، نعوذ باللَّه. وبايعت أهل شاطبة لابن هود، ثم تابعه أهل جزيرة شقر حملهم عليها ولاتهم بنو عزيز بن يوسف عم زيّان بن مردنيش، ثم بايعه أهل خبيان [2] وأهل قرطبة، وتسمّى بأمير المسلمين، وبايعه أهل إشبيلية عند رحيل المأمون عنها إلى مراكش، وولّى عليهم أخاه. ونازعه زيّان بن مردنيش، وكانت بينهما ملاقاة انهزم فيها زيّان سنة تسع وعشرين، وحاصره ابن هود ببلنسية. ثم أقلع ولقي الطاغية على ماردة فانهزم ومحص الله المسلمين، وانهزم بعدها أخرى على الكوس. ولم تزل غزواته متردّدة في بلاد العدوّ
[1] أبدة: بالضم ثم الفتح والتشديد: اسم مدينة بالأندلس من كورة جيّان، تعرف بأبدة العرب (معجم البلدان) .
[2]
لعلها جيّان وقد حصل بعض التحريف من الناسخ لأننا لم نعثر على خبيان في المراجع التي بين أيدينا.
وجيّان: مدينة لها كورة واسعة بالأندلس تتصل بكورة البيرة مائلة عنها الى ناحية الجوف في شرقي قرطبة، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا (معجم البلدان) .
كل سنة وحربه معهم سجالا، والطاغية يلتقم الثغور والقواعد. ثم استولى ابن هود على الجزيرة الخضراء وجبل الفتح فرضتي المجاز على سبتة من يد السيد أبي عمران موسى لما انتقض على أخيه المأمون، ونازلة بسبتة فبايع هو لابن هود وأمكنه منها. ثم ثار بها اليناشتّي على ما يذكر. ثم بويع للسلطان محمد بن يوسف بن نصر سنة تسع وعشرين بأرجونة ودخلت قرطبة في طاعته، ثم قرمونة ثم انتقض أهل إشبيلية وأخرجوا سالم بن هود وبايعوا لابن مروان أحمد بن محمد الباجي وجهّز عسكرا للقاء ابن الأحمر فانهزموا وأسر قائده. ثم أصفق الباجي مع ابن الأحمر على فتنة ابن هود وصالح ابن هود ألفنش على فعلتهم على ألف دينار كل يوم. ثم صارت قرطبة إلى ابن هود وزحف إلى الباجي وابن الأحمر فانهزم، ونزل ابن الأحمر ظاهر إشبيلية. ثم غدر الباجي فقتله وتولّى ذلك صهره أشقيلولة، وزحف سالم بن هود إلى إشبيلية فنازلها وامتنعت عليه. ووصل خطاب الخليفة المستنصر العبّاسي إلى ابن هود من بغداد سنة إحدى وثلاثين، وفد به أبو علي حسن بن علي بن حسن بن الحسين الكرديّ الملقّب بالكمال. وجاء بالراية والخلع والعهد ولقبه المتوكل. وقدم عليه بذلك في غرناطة في يوم مشهود، وبايع له ابن الأحمر، وعند ما غدر ابن الأحمر بالباجي فرّ من إشبيلية شعيب بن محمد إلى البلد فاعتصم بها، وتسمّى المعتصم فحاصره ابن هود وأخذها من يده. ثم خرج العدوّ من كل جهة ونازلوا ثغور المسلمين وأحاطوا بهم، وانتهت محلاتهم على الثغور إلى سبع. ثم حاصر الطاغية مدينة قرطبة وغلب عليها سنة ثلاث وثلاثين وبايع أهل إشبيلية للرشيد من بني عبد المؤمن، ثم زحف ابن الأحمر إلى غرناطة وملكها كما يذكر، وبويع للرشيد سنة سبع وثلاثين.
وكان عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك الأموي الرميمي وزير ابن هود، وكان يدعوه ذا الوزارتين ولّاه المريّة من عمله، فلم يزل بها وقدم عليه المتوكل سنة خمس وثلاثين وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية. ويقال إنه قتله ثم استبدّ من بعده المؤيّد، واستنزله عنها ابن الأحمر سنة ثلاث وأربعين. ولما هلك المتوكّل ولي من بعده بمرسية ابنه أبو بكر محمد بعهده إليه وتلقّب بالواثق، وثار عليه عزيز بن عبد الملك بن خطاب سنة ست وثلاثين لأشهر من ولايته فاعتقله، وكان يلقّب ضياء الدولة. ثم تغلّب زيّان بن مردنيش على مرسية وقتل ابن خطاب لأشهر من ولايته.
وأطلق الواثق بن هود من اعتقاله. ثم ثار عليه بمدينة مرسية محمد بن هود عمّ