الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المعتمد من بني أمية)
ثم خلع أهل قرطبة المعتلي بن حمود ثانيا سنة سبع عشرة، وبايع الوزير أبو محمد جهور ابن محمد بن جهور عميد الجماعة، وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخي المرتضى، وكان بالثغر في لاردة عند ابن هود. ولما بلغه خبر البيعة له انتقل إلى البرنث، واستقرّ عند التغلب عليها محمد بن عبد الله بن قاسم، وكانت البيعة له انتقل سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وتلقب المعتمد باللَّه، وأقام مترددا في الثغر ثلاثة أعوام، واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبة فاستقدمه ابن جهور والجماعة، ونزلها آخر سنة عشرين، وأقام يسيرا. ثم خلعه الجند سنة اثنتين وعشرين، وفرّ إلى لاردة فهلك بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الأموية والله غالب على أمره.
(الخبر عن دولة بني حمود التي ادالت من دولة بني أمية بالأندلس وأولية ملكهم وتصاريف أمورهم الى آخرها)
كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس، وهما القاسم وعلي ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر، كانوا في لفيف البرابرة في بلاد غمارة واستجدوا بها رياسة استمرت في بني محمد وبني عمر من ولد إدريس فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك، وخلطة وبقي الفخر منهم بتازغدره من غمارة فأجازوا مع البربر، وصاروا في جملة المستعين مع أمراء العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعليّ منهما على طنجة وعملها، وللقاسم وكان الأسنّ على الجزيرة الخضراء. وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيّع لأولاد إدريس متوارث من دولتهم بالعدوة كما ذكرناه. واستقام أمر عليّ بن حمود وتمكن سلطانه، واتصلت دولته عامين إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان
وأربعمائة، فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون. ونازعه في الأمر بعد أربع سنين من خلافته يحيى ابن أخيه عليّ بسبتة، وكان أمير الغرب ووليّ عهد أبيه، فبعث إليه أشياعهم من البربر مالا مع جند الأندلس سنة عشر واحتل بمالقة، وكان أخوه إدريس بها منذ عهد أبيهما، فبعث إلى سبتة ووصل إلى يحيى بن علي زاوي بن زيري من غرناطة، وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ، فزحف إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة، وتلقب المعتلي واستوزر أبا بكر بن ذكوان، وفرّ المأمون إلى إشبيلية وبايع له القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد. واستمال بعضا من البرابرة ثانية، واستجاشهم على ابن أخيه ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة. ولحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلب على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين، وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر، وكان المأمون يعتدها حصنا لنفسه وبنيه، ويستودع بها ذخيرته، وبلغ الخبر إلى قرطبة بتغلبه على قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بني أمية، فاضطرب أمر المأمون وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته، وبايعوا للمستظهر، ثم للمستكفي من بني أمية كما ذكرناه. وتحيّز المأمون وبرابرته إلى الأرباض فاعتصموا به، وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة خمسين يوما. ثم صمّم أهل قرطبة لمدافعتهم فأفرجوا عن الأرباض وانفضت جموعهم سنة أربع عشرة. ولحق المأمون بإشبيليّة وبها ابنه محمد، ومحمد بن زيري من رجالات البربر فأطمعه القاضي محمد بن إسماعيل بن عبّاد في الملك وأن يمتنعوا من القاسم فمنعوه وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم. ثم اشتدّ ابن عبّاد وأخرج محمد بن زيري، ولحق المأمون بشريش [1] ، ورجع عنه البربر إلى يحيى المعتلي ابن أخيه فبايعوه سنة خمس عشرة. وزحف إلى عمه المأمون بشريش فتغلب عليه، ولم يزل عنده أسيرا وعند أخيه إدريس من بعده بمالقة إلى أن هلك في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة، واستقل يحيى المعتلي بالأمور، واعتقل محمدا والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة، ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة، وأقاما كذلك. ثم خلع أهل قرطبة المستكفي، وصاروا إلى طاعة المعتلي واستعمل عليهم عبد الرحمن بن عطاف اليفرني من رجالات البربر، وفرّ المستكفي إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة سالم. ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة
[1] مدينة كبيرة من كورة شذونة- بالأندلس- وهي قاعدة هذه الكورة واليوم يسمّونها شرش (معجم البلدان) .
سبع عشرة واربعمائة وصرفوا عامله عليهم ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى. ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره، واستبدّ بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كما نذكره في أخبار ملوك الطوائف. وأقام يحيى بن المعتلي يتخيفهم [1] ويردّد العساكر لحصارهم إلى أن اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له، فعلا سلطانه، واشتد أمره، وظاهره محمد بن عبد الله البرزالي على أمره فنزل عنده بقرمونة يحاصر فيها ابن عباد بإشبيليّة إلى أن هلك سنة ست وعشرين بمداخلة ابن عباد للبرزالي في اغتياله، فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونة من جند ابن عباد، وقد أكمنوا له، فكبا به فرسه وقتل. وتولى قتله محمد بن عبد الله البرزالي وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة. وكان أحمد بن موسى بن بقية والخادم نجى الصقلي وزيري دولة الحموديين عند أولها، فرجعا إلى مالقة دار ملكهم، واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة، وبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة، وتلقب المتأيد باللَّه، وبايعه المرية وأعمالها ورندة والجزيرة، وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على سبتة، ونهض معه نجى الخادم. وكان له ظهور على ملوك الطوائف، وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد، ومدّ يده إلى انتزاع البلاد من أيدي الثوار، وملك أشبونة [2] واستجة [3] من يد محمد بن عبد الله البرزالي، وبعث العساكر مع ابنه إسماعيل لحصار قرمونة فاستصرخ محمد بن عبد الله بالقائد هذا وبزاوي فجاء زاوي بنفسه، وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية فكانت بينهم وبين ابن عباد حروب شديدة، هزم فيها ابن عباد وقتل وحمل رأسه إلى إدريس المتأيد، وهلك ليومين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. واعتزم ابن بقية على بيعة ابنه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى الخادم، وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلي فبايعه البربر، ولقب المستنصر، وقتل ابن بقية وفرّ يحيى بن إدريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع
[1] خيف القوم: نزلوا منزلا، وخيف عن القتال: نكص.
[2]
أشبونة: مدينة بالأندلس يقال لها لشبونة وهي متصلة بشنترين قريبة من البحر المحيط يوجد على ساحلها العنبر الفائق (معجم البلدان) .
[3]
إستجة: اسم لكورة بالأندلس متصلة باعمال ريّة بين القبلة والمغرب من قرطبة، وهي كورة قديمة واسعة الرساتيق والاراضي على نهر سنجل وهو نهر غرناطة بينها وبين قرطبة عشرة فراسخ واعمالها متصلة باعمال قرطبة (معجم البلدان) .
وثلاثين. ويقال بل قتله نجى، ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها، ومعه ولد حسن ابن يحيى صبيا وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته به، وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس. وهلك حسن مسموما بيد ابنة عمه إدريس، ثأرت بأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين، فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى، وكتب إلى نجى وابن حسن المستنصر الّذي كان عنده بسبتة ليعقد له. واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة، ودعي لنفسه. ووافقه البربر والجند. ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسنا ومحمدا ابني قاسم بن حمود، ورجع خاسئا فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم وقتلوه. وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفي، وقتل وأخرج إدريس بن يحيى المعتلي من معتقله، وبويع له سنة أربع وثلاثين، وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما ولقب العالي، وولى على سبتة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه. ثم قتل محمدا وحسنا ابني عمه إدريس، فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة، وامتنعوا بالقصبة، وكانت العامة مع إدريس، ثم أسلموه. وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدي، وولى أخاه عهده ولقبه الساني. ثم نكر منه بعض النزعات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة، ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة وزحف باديس من غرناطة منكرا على المهدي فعله فامتنع عليه، فبايع له وانصرف وأقام المهدي في ملكه بمالقة، وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين.
وبويع إدريس المخلوع ابن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش، وبويع له بمالقة وأطلق أيدي عبيده عليها لحقده عليهم، ففرّ كثير منهم إلى أن هلك سنة سبع وأربعين، وبويع محمد الأصغر ابن إدريس المتأيد وتلقبه، وخطب له بمالقة والمرية ورندة. ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعا، واستدعاه أهل مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين، وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة ونواحيها وهلك سنة [1] وأربعمائة. وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففرّ هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة، ولحق بالجزيرة الخضراء فملكها وتلقب المعتصم إلى أن مات سنة أربعين. ثم ملكها بعده ابنه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين، وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد
[1] رغم البحث الدقيق لم نستطع تحديد سنة وفاته في المراجع التي بين أيدينا.