الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فامتنع بها، فهدم أبو خوال القصر واتبعه. وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره، وتوقع البيات. وسار إبراهيم بن موسى بن عيّاش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسّس الأخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب، وأجفل أبو خوال وخرج من بلاد كتامة، واستوطن أبو عبد الله إيكجان وبنى بها بلدا وسمّاها دار الهجرة، واستبصر الناس في أمره ودخلوا في دعوته. ثم هلك الحسن بن هارون، وجهّز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوّال ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم، ورجع منهزما وأقام قريبا منهم يدافعهم، ويمنعهم من التقدّم. وفي خلال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الأغلب وقتل ابنه أبو العبّاس، وقام بالأمر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال وقتله، وانتقل من تونس إلى وقادة، وانهمك في لذاته، وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد، وعلا أمره وبشّرهم بأنّ المهدي قرب ظهوره فكان كما قال.
(وصول المهدي الى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته)
ولما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام، عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة، وتلقى محنا شديدة. واتصل خبره بسائر دعاته في إفريقية واليمن، وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم، وأنهم في انتظاره. وشاع خبره واتصل بالعبّاسيّين، فطلبه المكتفي ففرّ من أرض الشام الى العراق، ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته ومواليه، بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها عليّ بن الفضل من بعد ابن حوشب، وأنه أساء السيرة فأنثنى عن ذلك، واعتزم على اللحاق بأبي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية، ثم خرج من الاسكندرية في زي التجّار. وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر وهو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم، والقعود لهم بالمراصد، وكتب نعته وحليته فسرّح في طلبهم حتى وقف عليهم، وامتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم. وجدّ المهدي في السير وكان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في
طريقه، فيقال إن ابنه أبا القاسم استردّها من برقة حين زحف إلى مصر، ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجّار أهل الرفقة بعث معهم أبا العبّاس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة، ومرّ بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله، وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العبّاس وساء له فأنكر فحبسه. وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته وسار الى قسنطينة. ثم عدل عنها خشية على أبي العبّاس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة وبها اليسع بن مدرار فأكرمه. ثم جاء كتاب زيادة الله ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الّذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع، ثم أنّ أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الّذي كان مضايقا لهم اجتمعت اليه سائر كتامة وزحف إلى سطيف فحاصرها مدّة، وكان بها عليّ بن جعفر ابن عسكوجة صاحبها، وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها أيضا داود بن جاثة من كبار لهيعة، لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد عليّ وأخيه.
واستأمن أهل سطيف فأمّنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها، وجهّز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش، وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها وهم متحصّنون بجبلهم. ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية ولحق بالقيروان. وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه وعرّفوه بالخبر. ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها وقتل فتح بن يحيى المساكتي، ثم افتتحها على الأمان، ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة. وجهّز زيادة الله العساكر مع هارون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول، وكانوا في طاعة الشيعي فهدمها هارون وقتل أهلها وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله. ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلّها على يد يوسف الغسّاني ولحق عسكرها بالقيروان وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فأمّنه الناس، وكثر الإرجاف بزيادة الله فجهز العساكر وأزاح العلل، وأنفق ما في خزائنه وذخائره، وخرج بنفسه سنة خمس وتسعين ونزل الأريس. ثم حاد عن اللقاء وأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان ليكون ردءا للعساكر فرجع، وقدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته وأمره بالمقام هنالك. ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحا وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة، وقتل عاملها، وسرح عساكره في إفريقية فردّدوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم. ثم استأمن إليه أهل
تيفاش فأمّنهم، واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني، فجاء إبراهيم بن أبي الأغلب واقتحمها عليه ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر الى باغاية ثم إلى سكتانة ثم إلى تبسة ففتحها كلّها على الأمان. ثم إلى القصرين من قمودة فأمّن أهلها وأطاعوه، وسار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلّة عسكره، فنهض إلى الشيعي واعترضه في عساكره واقتتلوا، ثم تحاجزوا، ورجع الشيعي إلى إيكجان وإبراهيم إلى الأريس. ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها واقتحمها على الأمان، ثم إلى قفصة كذلك. ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكرا مع أبي مكدولة الجيلي. ثم سار إلى إيكجان وخالفه إبراهيم إلى باغاية، وبلغ الخبر إلى الشيعي فسرّح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي، ومعه عروبة بن يوسف الملوشي ورجاء بن أبي قنّة في اثني عشر ألفا، فقاتلوا ابن أبي الأغلب ومنعوه من باغاية فرحل عنها، واتبعوه إلى فجّ العرعر ورجعوا عنه. ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنة ست وتسعين في مائتي ألف من العساكر إلى إبراهيم بن أبي الأغلب بالأريس. ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم إبراهيم واستبيح معسكره، وفرّ إلى القيروان، ودخل الشيعي الأريس فاستباحها، ثم سار فنزل قمودة واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففرّ إلى المشرق، ونهبت قصوره. وافترق أهل رقادة إلى القيروان وسوسة. ولما وصل إبراهيم بن أبي الأغلب إلى القيروان نزل قصر الإمارة وجمع الناس وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالأموال فاعتدوا [1] وتصايحت به العامّة ففر عنها، ولحق بصاحبه. وبلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة، وقدّم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا وأمّنوا الناس، وجاء على أثرهم. وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأمّنهم وأكرمهم، ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصرها، وأطلق أخاه أبا العبّاس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس، وفر العمّال في النواحي وطلب أهل القيروان فهربوا، وقسّم دور البلد على كتامة فسكنوها، وجمع أموال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه، واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعيّن أحدا. ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله، ومن الآخر تفرّق أعداء الله، وعلى
[1] مقتضى السياق فاعتدوا عليه.