الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتركوه صريعا في مكانه، ودخلوا إلى مكّة فولي أمير الحاج عنان بن مغامس ولحق كبيش وشيعته بجدّة، فلما انقضى الموسم ورجع الحاج جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة وكان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها. ثم لحق عليّ بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادّة بولايته، فولّاه سنة تسع وثمانين مشاركا لعنان بن مغامس في الإمارة، وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكّروا إلى مكّة على العادة، وخرج عنّان للقائهم. ثم نكص من بعض الطريق هاربا ودخل على مكة واستقل بإمارتها، ولما انفضّ الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمّه مبارك وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على عليّ ونازعوه الإمارة ثم أفرجوا. ثم رجعوا وحالهم على ذلك متّصل لهذا العهد. ووفدوا على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرد عليّا بالإمارة، وأفاض عليه العطاء وأكثف له الجند والمستخدمين وأبقى عنان بن مغامس عنده وأجرى عليه الرزق ونظّمه في أهل دولته.
ثم نمي إلى السلطان أنه يروم الفرار إلى الحجاز لينازع أمير مكّة عليّ بن عجلان فقبض عليه وحبسه، وقبض عليّ بن عجلان على الأشراف الذين كانوا هنالك شيعة له. ثم من عليهم وأطلقهم فعادوا إلى منازعته والفتنة معه لهذا العهد والله متولي الأمور لا ربّ غيره.
الخبر عن بني مهنّى أمراء المدينة النبويّة من بني الحسين وذكر أوّليتهم ومفتتح امارتهم
كانت المدينة بلد الأنصار من الأوس والخزرج كما هو معروف. ثم افترقوا على أقطار الأرض في الفتوحات وانقرضوا، ولم يبق بها أحد إلّا بقايا من الطالبيّين. قال ابن الحصين في ذيله على الطبري: دخلت المائة الرابعة والخطبة بالمدينة للمقتدر. قال:
وتردّدت ولاية بني العبّاس عليها والرئاسة فيها بين بني حسين وبني جعفر إلى أن أخرجهم بنو حسين فسكنوا بين مكّة والمدينة. ثم أجلاهم بنو حرب من زبيد إلى القرى والحصون، وأجازوهم إلى الصعيد فهم هنالك إلى اليوم. وبقي بنو حسين بالمدينة إلى أن جاءهم ظاهر بن مسلم من مصر فملّكوه عليهم. وفي الخبر عن وصول ظاهر هذا أن مسلما أباه اسمه محمد بن عبيد الله بن ظاهر بن يحيى المحدّث بن الحسن
بن جعفر، ويسمّى عند الشيعة حجّة الله بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن زين العابدين، وكان مسلم هذا صديقا لكافور المتغلّب على الإخشيديّة بمصر، وكان يدبّر أمره ولم يكن بمصر لعصره أوجه منه. ولما ملك العبيديّون مصر وجاء المعزّ لدين الله ونزل بالقاهرة التي اختطها وذلك سنة خمس وستين وثلاثمائة، خطب يومئذ من مسلم هذا كريمته لبعض بنيه فردّه مسلم، فسخطه المعزّ ونكبه، واستصفى أمواله وأقام في اعتقاله إلى أن هلك. ويقال فرّ من محبسه فهلك في مفرّه، ولحق ابنه ظاهر بن محمد بعد ذلك بالمدينة فقدّمه بنو حسين على أنفسهم، واستقل بإمارتها سنين. ثم مات سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وولي مكانه ابنه الحسن. وفي كتاب العتبي مؤرخ دولة ابن سبكتكين أنّ الّذي ولي بعده هو صهره وابن عمّه داود بن القاسم بن عبيد الله بن ظاهر، وكنيته أبو عليّ، واستقل بها دون ابنه الحسن إلى أن هلك، وولي بعده ابنه هاني ثم ابنه مهنّى. ولحق الحسن بمحمود بن سبكتكين فأقام عنده بخراسان، وهذا غلط لأن المسبحي مؤرخ العبيديّين ذكر وفاة ظاهر بن مسلم في سنتها كما قلناه، وولاية الحسن ابنه. وقال في سنة ثلاث وثمانين وعامل المدينة الحسن بن ظاهر ويلقّب مهنّى والمسبحي أقعد بأخبار المدينة ومصر من العتبي، إلا أن أمراء المدينة لهذا العهد ينتسبون إلى داود ويقولون: جاء من العراق فلعلهم لقّنوا ذلك عمن لا يعرفه.
ومؤرّخ حماة متى ينسب أحدا من أوّليهم إنما ينسبه إلى أبي داود والله أعلم. وقال أبو سعيد: وفي سنة تسعين وثلاثمائة ملكها أبو الفتوح حسن بن جعفر أمير مكة من بني سليمان بأمر الحاكم العبيدي وأزال عنها إمارة بني مهنّى من بني الحسين، وحاول نقل الجسد النبوي إلى مصر ليلا فأصابتهم ريح عاصفة أظلم لها الجوّ، وكادت تقتلع البناء من أصله فردّهم أبو الفتوح عن ذلك ورجع إلى مكة. وعاد بنو مهنّى إلى المدينة.
وذكر مؤرّخ حماة من أمرائهم منصور بن عمارة، ولم ينسبه، وقال مات سنة سبع وتسعين وأربعمائة وولي بعده ابنه. قال: وهم من ولد مهنّى، وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنّى بن حسين بن مهنّى بن داود وكنيته أبو قليتة، وأنه حضر مع صلاح الدين بن أيوب غزاة أنطاكية وفتحها سنة أربع وثماني وخمسمائة. وقال الزنجاري مؤرخ الحجار فيما ذكر عنه ابن سعيد حين ذكر ملوك المدينة من ولد الحسين فقال:
وأحقهم بالذكر لجلالة قدره قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنّى، ولاه المستضيء فأقام خمسا وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وولي ابنه سالم بن قاسم
وكان شاعرا، وهو الّذي كانت بينه وبين أبي عزيز قتادة صاحب مكة وقعة المصارع ببدر سنة إحدى وستمائة. زحف أبو عزيز من مكّة وحاصره بالمدينة، واشتدّ في حصاره. ثم ارتحل وجاء المدد إلى سالم من بني لام إحدى بطون همذان فأدرك أبا عزيز ببدر واقتتلوا وهلك من الفريقين خلق، وانهزم أبو عزيز إلى مكة. وفي سنة إحدى وستمائة جاء المعظم عيسى بن العادل فجدّد المصانع والبرك، وكان معه سالم ابن قاسم أمير المدينة جاء يشكو من قتادة فرجع معه، ومات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة، وولي بعده ابنه شيخة، وكان سالم قد استخدم عسكرا من التركمان فمضى بهم جماز بن شيخة إلى قتادة وغلبه، وفرّ إلى الينبع وتحصّن بها، وفي سنة سبع وأربعين قتل صاحب المدينة شيخة وولي ابنه عيسى. ثم قبض عليه أخوه، جماز سنة تسع وأربعين وملك مكانه. قال ابن سعيد: وفي سنة تسع وخمسين كان بالمدينة أبو الحسن بن شيخة بن سالم. وقال غيره: كان بالمدينة سنة ثلاث وخمسين أبو مالك منيف بن شيخة ومات سنة سبع وخمسين وولي أخوه جماز. وطال عمره ومات سنة أربع وسبعمائة، وولي ابنه منصور، ولحق أخوه مقبل بالشام، ووفد على بيبرس بمصر فأقطعه نصف أقطاع منصور. ثم أقبل إلى المدينة على حين غفلة من أخيه منصور وبها ابنه أبو كبيشة فملكها عليه، ولحق أبو كبيشة بأحياء العرب. ثم استجاشهم ورجع إلى المدينة سنة تسع فقتل عمّه مقبلا، وجاء منصور إلى محل إمارته وكان لمقبل ابن اسمه ماجد فأقطع بعض أقطاع أبيه، فأقام مع العرب يجلب على المدينة ويخالف منصورا عمّه إليها متى خرج عنها. ووقع بين منصور وبين قتادة صاحب الينبع حرب سنة إحدى عشرة من أجله. ثم جاء ماجد بن مقبل بالمدينة سنة سبع عشرة لقتال عمّه منصور واستنجد منصور بالسلطان، فبعث إليه العساكر وحاصر ماجد بن مقبل بالمدينة. ثم قاتلهم وانهزم وبقي منصور على إمارته، وتوفي سنة خمس وعشرين وولي ابنه كبيش بن منصور على إمارته، وطالت أيامه ونازعه ودي بن جماز وحاصره وولي بعده طفيل، وقبض عليه جماز سنة إحدى وخمسين وولي عطية. ثم توفي عطية سنة ثلاث وثمانين وولي بعده طفيل وقبض عليه فامتنع، وولي جماز بن هبّة بن جماز بن منصور وملوك الترك بمصر يختارون لولايتها من هذين البيتين لا يعدلون عنهما إلى سواهما، ووليتها اليوم لجماز بن هبّة بن جماز وابن عمّه عطيّة بن محمد بن عطية ينازعه لما بينهما من المنازعة والمنافسة قديما وحديثا شأن العجليين في التثوّر، وهما جميعا على