الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانصرف ما كان إلى الديلم، ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبي عليّ الناصر بن إسماعيل بن جعفر بن الأطروش، وهلك بعد مدّة. ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويح على الريّ، فكتب إليه وأخرجه عن الديلم وأحسن إليه. فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا، وسمّي صاحب القلنسوة إلى أن مات، وبويع أخوه ولقب الثائر، وأقام مع الديلم وزحف سنة ست وثلاثين إلى جرجان، وبها ركن الدولة بن بويه، فسرّح إليه ابن العميد فانهزم الثائر، وتعلّق بالجبال، وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، لثلاثين سنة من ملكه، وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر وتلقّب بالناصر، وتقبض عليه ليكو بن وشكس ملك الجبل وسلّمه وانقرض ملك الفاطميّين أجمع بتلك الجبال والبقاء للَّه وحده.
(الخبر عن دولة الإسماعيلية ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب)
أصل هؤلاء العبيديّين من الشيعة الإمامية، وقد تقدّم لنا حكاية مذهبهم والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة، لعدو لهم عن بيعة عليّ إلى غيره مع وصية النبيّ صلى الله عليه وسلم له بالإمامة بزعمهم، وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة. وإلّا فالشيعة كلهم مطبقون على تفضيل عليّ ولم يقدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الأفضل، ولا عند الكيسانية لأنهم لم يدّعوا هذه الوصية، فلم يكن عندهم قادح فيمن خالفها. وهذه الوصية لم تعرف لأحد من أهل النقل.
وهي من موضوعات الإمامية [1] وأكاذيبهم، وقد يسمّون رافضة، قالوا لأنه لما
[1] وهي الموضوعات التي تتناول الإمامة الكبرى وهي إمامة المسلمين كافة وترى الشيعة بفرقها المتعددة ان النبي صلى الله عليه وسلم عهد الى الإمام علي رضي الله عنه بالخلافة من بعده، وشروط الإمام معروفة ومدرجة في أكثر الكتب ويضيف الشيعة الى هذه الشروط ان الإمام يجب ان يكون من بيت النبي، وعلى هذا فاختيار الإمام محصور في ذرية علي وفاطمة. وهم يذهبون الى ان عليا قد نصب اماما بنص أعلن عند غدير خمّ، والإمامة وراثية في ذريته، وينحصر الاختيار فيمن يبايع منهم بالإمامة وهي مسألة أثارت الخصومات في بيت النبي.
خرج زيد الشهيد بالكوفة واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين وأنهم ظلموا عليّا فنكر ذلك عليهم فقالوا له: وأنت أيضا فلم يظلمك أحد، ولا حقّ لك في الأمر، وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة، وسمّي أتباعه زيدية. ثم صارت الإمامة من عليّ إلى الحسن ثم الحسين ثم ابنه عليّ زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، كل هؤلاء بالوصيّة، وهم ستة أئمة لم يخالف أحد من الرافضة في إمامتهم. ثم افترقوا من هاهنا فرقتين وهم الاثنا عشرية والإسماعيلية.
واختص الاثنا عشرية باسم الإمامية لهذا العهد، ومذهبهم أنّ الإمامة انتقلت من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، وخرج دعاته بعد موت أبيه فحمله هارون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عند ابن شاهك.
ويقال إنّ يحيى بن خالد سمّه في رطب فقتله، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
وزعم شيعتهم أنّ الإمام بعده ابنه عليّ الرضا وكان عظيما في بني هاشم، وكانت له مع المأمون صحبة، وعهد له بالأمر من بعده سنة إحدى ومائتين عند ظهور الدعاة للطالبيّين وخروجهم في كل ناحية. وكان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العبّاسيّين وبايعوا لعمّه إبراهيم بن المهدي ببغداد، فارتحل المأمون إلى العراق وعليّ الرضا معه، فهلك عليّ في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس، ويقال إن المأمون سمّه. (ويحكى) أنه دخل عليه يعوده في مرضه فقال له: أوصني! فقال له: عليّ إياك أن تعطي شيئا وتندم عليه، ولا يصحّ ذلك لنزاهة المأمون من اراقة الدماء بالباطل سيما دماء أهل البيت ثم زعم شيعتهم أنّ الأمر من بعد عليّ الرضا لابنه محمد التقي [1] وكان له من المأمون مكان، وأصهر إليه في ابنته، فأنكحه المأمون إياها سنة خمس ومائتين، ثم هلك سنة عشرين ومائتين ودفن بمقابر قريش. وتزعم الاثنا عشرية أنّ الإمام بعده ابنه عليّ ويلقّبونه الهادي، ويقال الجواد، ومات سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره بقمّ، وزعم ابن سعيد أنّ المقتدر سمّه. ويزعمون أنّ الإمام بعده ابنه الحسن، ويلقّب العسكري لأنّه ولد بسرّ من رأى، وكانت تسمّى العسكر، وحبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ستين ومائتين، ودفن إلى جنب أبيه في المشهد وترك حملا ولد منه [2]
[1] وهو محمد الجواد كما هو معروف في أكثر كتب التاريخ والسير.
[2]
هكذا بالأصل ولعله تحريف ومقتضى السياق: «وترك حاملا ولدت منه» .
ابنه محمد فاعتقل، ويقال دخل مع أمّه في السرداب بدار أبيه وفقد، فزعمت شيعتهم أنه الإمام بعد أبيه، ولقّبوه المهدي والحجّة. وزعموا أنه حي لم يمت وهم الآن ينتظرونه، ووقفوا عند هذا الانتظار، وهو الثاني عشر من ولد عليّ ولذلك سمّيت شيعته الاثني عشرية. وهذا المذهب في المدينة والكرخ والشام والحلّة والعراق، وهم حتى الآن على ما بلغنا يصلّون المغرب، فإذا قضوا الصلاة قدّموا مركبا إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونادوا بأصوات متوسطة: أيها الإمام أخرج إلينا فإن الناس منتظرون، والخلق حائرون، والظلم عام، والحق مفقود! فأخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله في آثارك! ويكرّرون ذلك إلى أن تبدو النجوم، ثم ينصرفون إلى الليلة القابلة هكذا دأبهم. وهؤلاء من الجهل بحيث ينتظرون من يقطع بموته مع طول الأمد، لكن التعصّب حملهم على ذلك وربما يحتجّون لذلك بقصة الخضر والأخرى أيضا باطلة، والصحيح أنّ الخضر قد مات. (وأمّا الإسماعيلية) فزعموا أنّ الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسماعيل، وتوفي قبل أبيه. وكان أبو جعفر المنصور طلبه فشهد له عامل المدينة بأنه مات. وفائدة النصّ عندهم على إسماعيل وإن كان مات قبل أبيه بقاء الإمامة في ولده كما نصّ موسى على هارون صلوات الله عليهما ومات قبله. والنصّ عندهم لا مرجع وراءه، لأنّ البداء على الله محال. ويقولون في ابنه محمد أنه السابع التامّ من الأئمة الظاهرين، وهو أوّل الأئمة المستورين عندهم الذين يستترون ويظهرون الدعاة، وعددهم ثلاثة ولن تخلوا الأرض منهم عن إمام، إمّا ظاهر بذاته أو مستور، فلا بدّ من ظهور حجّته ودعاته. والأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الأسبوع، والسموات والكواكب، والنقباء تدور عندهم على اثني عشر. وهم يغلّطون الأئمة حيث جعلوا عدد النقباء للأئمة. وأوّل الأئمة المستورين عندهم محمد بن إسماعيل وهو محمد المكتوم، ثم ابنه جعفر المصدّق، ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبد الله المهدي صاحب الدولة بإفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة. وكان من هؤلاء الإسماعيلية القرامطة، واستقرّت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابيّ وبنيه أبي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب، ثم ابنه عبد الله ويسمّى بالمنصور، وكان من الاثني عشرية أولا، فلمّا بطل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية وبعث محمد الحبيب أبو عبد الله إلى اليمن داعية له، فلمّا بلغه عن محمد بن يعفر ملك صنعاء أنه