الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المجلد الرابع]
بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة الكتاب الثاني
…
]
[تتمة القول في أجيال العرب
…
]
[تتمة الطبقة الثالثة من العرب
…
]
(أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العبّاس)
ونبدأ منهم بدولة الأدارسة بالمغرب الأقصى. قد تقدّم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعليّ ابن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم، وما كان من شأنهم بالكوفة، وموجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره، واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم، حتى قتل المتولون كبر [1] ذلك منهم حجر بن عديّ وأصحابه، ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معروف، ثم ندم الشيعة على قعودهم عن مناصرته، فخرجوا بعد وفاة يزيد وبيعة مروان، وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة، وسمّوا أنفسهم التوّابين، وولّوا عليه سليمان بن صرد ولقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم. ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالبا بدم الحسين رضي الله عنه وداعيا لمحمد بن الحنفيّة وتبعه على ذلك جموعه من الشيعة، وسمّاهم شرطة الله، وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله، وبلغ محمد بن الحنفيّة من
[1] الظاهر من سياق الجملة انها تعني الجزاء ولم نجد في الكتب اللغوية ما يشير الى هذا المعنى وقد جاء «الإثم الكبير» من جملة معانيها. وفي لسان العرب: وقوله تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ، 24: 11 قال ثعلب: يعني معظم الإفك.
أحوال المختار ما نقمه عليه، فكتب إليه بالبراءة منه فصار الى الدعاء لعبد الله بن الزبير. ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن عليّ بن الحسين الى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه، وخرج إليه ابنه يحيى بالجوزجان من خراسان فقتل وصلب كذلك، وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية، وقد تقدّم ذلك كلّه في أخبار الدولتين. ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلويّة وذهبوا طرائق قددا، فمنهم الإمامية القائلون بوصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بالإمامة، ويسمّونه الوصيّ بذلك، ويتبرءون من الشيخين لما منعوه حقه بزعمهم، وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسمّوا بذلك رافضة. ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل عليّ وبنيه على سائر الصحابة، وعلى شروط يشترطونها، وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان عليّ أفضل، وهذا مذهب زيد واتباعه، وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الانحراف والغلو. ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفيّة وبنيه من بعد الحسن والحسين ومن هؤلاء كانت شيعة بني العبّاس القائلون بوصيّة أبي هاشم بن محمد بن الحنفيّة إلى محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عبّاس بالإمامة. وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة وافترق كل مذهب منها إلى طوائف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان. ولما صار أمر بني أمية الى اختلال، أجمع أهل البيت بالمدينة، وبايعوا بالخلافة سرّا لمحمد بن عبد الله بن حسن المثنّى بن الحسن بن عليّ وسلّم له جميعهم. وحضر هذا العقد أبو جعفر عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس وهو المنصور، وبايع فيمن بايع له من أهل البيت، وأجمعوا على ذلك لتقدّمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم، ولهذا كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجّان إليه حين خرج من الحجاز، ويريدون أنّ إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لانعقاد هذه البيعة من قبل، وربّما صار إليه الأمر من عند الشيعة بانتقال الوصيّة من زيد بن عليّ. وكان أبو حنيفة يقول بفضله، ويحتج إلى حقّه فتأدّت إليهما المحنة بسبب أيام أبي جعفر المنصور، حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره، وحبس أبو حنيفة على القضاء. (ولما انقرضت) دولة بني أميّة وجاءت دولة بني العبّاس، وصار الأمر لأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن، وأنّ محمد بن
عبد الله يروم الخروج وأنّ دعاته ظهروا بخراسان فحبس المنصور لذلك بني حسن وإخوته حسن وإبراهيم وجعفر، وعلي القائم وابنه موسى بن عبد الله وسليمان وعبد الله ابن أخيه داود، ومحمد وإسماعيل وإسحاق بنو عمّه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهر الكوفة حتى هلكوا في حبسهم، وأرهبوا الطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها، وعلى الأهواز وفارس، وبعث الحسن بن معاوية الى مكة فملكها، وبعث عاملا إلى اليمن، ودعا لنفسه، وخطب على منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وتسمّى بالمهديّ وكان يدعى النفس الزكيّة، وحبس رباح بن عثمان المرّيّ عامل المدينة، فبلغ الخبر الى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور (ونصّه) بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين الى محمد بن عبد الله.
أما بعد فإنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلّا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنّ الله غفور رحيم. وأنّ لك ذمة الله وعهده وميثاقه، إن تبت من قبل أن نقدر عليك أن نؤمّنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك، وأن أعطيك ألف ألف درهم، وأنزلك من البلاد حيث شئت، وأقضي لك ما شئت من الحاجات، وأن أطلق من سجن من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك، ثم لا أتبع أحدا منكم بمكروه. وإن شئت أن تتوثّق لنفسك فوجّه إليّ من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام. (فأجابه) محمد بن عبد الله بكتاب نصّه بعد البسملة: من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد. أمّا بعد طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ من نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا في الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ من الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ 28: 1- 6، وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الّذي أعطيتني فقد تعلم أنّ الحقّ حقّنا وأنّكم إنّما أعطيتموه بنا، ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا، وأنّ أبانا عليّا عليه السلام، كان الوصيّ والإمام فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء!
وقد علمتم أنه ليس أحد من بني هاشم يشدّ بمثل فضلنا، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا ونسبنا ونسيبنا، وإنّا بنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم فإنّا أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أمّا وأبا، لم تلدني العجم ولم تعرف في أمّهات الأولاد، وأنّ الله عز وجل لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيّين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أصحابه أقدمهم إسلاما وأوسعهم علما وأكثرهم جهادا عليّ بن أبي طالب، ومن نسائه أفضلهنّ خديجة بنت خويلد أوّل من آمن باللَّه وصلى إلى القبلة، ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهل الجنة، ومن المتولدين في الإسلام سيّدا شباب أهل الجنة، ثم قد علمت أن هاشما ولد عليّا مرتين من قبل جدّي الحسن والحسين فما زال الله يختار لي حتى اختار لي في معنى النار، فولدني أرفع الناس درجة في الجنّة وأهون أهل النار عذابا يوم القيامة، فأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار وابن خير أهل الجنّة وابن خير أهل النار. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمّنك على نفسك وولدك، وكل ما أصبته إلّا حدّا من حدود الله أو حقّا لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك وأحرى بقبول الأمان منك. فأمّا أمانك الّذي عرضت عليّ فهو أيّ الأمانات هي؟ أأمان ابن هبيرة أم أمان عمّك عبد الله بن عليّ أم أمان أبي مسلم؟ والسلام. (فأجابه المنصور) بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله! فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فإذا جلّ فخرك بالنساء لتضلّ به الحفاة والغوغاء، ولم يجعل الله النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء، وقد جعل الله العمّ أبا وبدأ به على الولد فقال جلّ ثناؤه عن نبيّه عليه السلام: واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولقد علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة، فأجابه اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك. وأمّا ما ذكرت من النساء وقراباتهنّ فلو أعطى على قرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كلّه لآمنة بنت وهب، ولكنّ الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. وأمّا ما ذكرت من فاطمة أمّ أبي طالب فإنّ الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام، ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنّة غدا. ولكن الله أبى ذلك فقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ 28:56. وأمّا ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أمّ علي بن أبي طالب، وفاطمة أمّ الحسين وأنّ هاشما ولد عليّا
مرّتين، وأنّ عبد المطلب ولد الحسن مرّتين، فخير الأوّلين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلده هاشم إلّا مرّة واحدة، ولم يلده عبد المطلب إلّا مرّة واحدة. وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ الله عز وجل قد أبى ذلك فقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ من رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ الله وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ، 33: 40 ولكنكم قرابة ابنته وأنها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث، ولا يجوز أن تؤمّ فكيف تورث الإمامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه، وأخرجها تخاصم، ومرضها سرا ودفنها ليلا، وأبى الناس إلا تقديم الشيخين، ولقد حضر أبوك وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره. ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم. ثم كان في أصحاب الشورى، فكل دفعه عنها، بايع عبد الرحمن عثمان، وقبلها عثمان، وحارب أباك طلحة والزبير، ودعا سعدا إلى بيعته فأغلق بابه دونه. ثم بايع معاوية بعده، وأفضى أمر جدّك إلى أبيك الحسن، فسلّمه إلى معاوية بخزف ودراهم، وأسلم في يديه شيعته، وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله، وأخذ مالا من غير حلّه، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه. فأمّا قولك إنّ الله اختار لك في الكفر فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشر خيار، ولا من عذاب الله هيّن، ولا ينبغي لمسلم يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يفتخر بالنار، ستردّ فتعلم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون. وأمّا قولك لم تلدك العجم ولم تعرف فيك أمهات الأولاد، وأنك أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أما وأبا، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرّا وقدّمت نفسك على من هو خير منك أوّلا وآخرا وأصلا وفصلا، فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى والد والده، فانظر ويحك أين تكون من الله غدا وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عليّ بن الحسين، وهو لأم ولد، ولقد كان خيرا من جدّك حسن بن حسن. ثم ابنه محمد خير من أبيك، وجدته أم ولد، ثم ابنه جعفر وهو خير، ولقد علمت أنّ جدّك عليّا حكّم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكما به، فأجمعا على خلعه. ثم خرج عمّك الحسين بن علي بن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه، ثم أتوا بكم على الأقتاب كالسبي المجلوب إلى الشام، ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرّقوكم بالنار وصلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا يسيركم إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم
وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة، فسفّهناهم وكفّرناهم وبيّنا فضله، وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة، وظننت أنّا بما ذكرنا من فضل عليّ قدّمناه على حمزة والعبّاس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم وابتلى أبوك بالدماء. ولقد علمت أنّ مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم، وولاية زمزم، وكانت للعبّاس من دون إخوته فنازعنا فيها أبوك إلى عمر فقضى لنا عمر بها، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من عمومته أحد حيّا إلّا العبّاس، وكان وارثه دون عبد المطلب، وطلب الخلافة غير واحد من بني هاشم فلم ينلها إلّا ولده فاجتمع للعبّاس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وبنوه القادة الخلفاء، فقد ذهب يفضل القديم والحديث ولولا أن العبّاس أخرج إلى بدر كرها لمات عمّاك طالب وعقيل جوعا أو يلحسان جفان عتبة وشيبة، فأذهب عنهما العار والشنار. ولقد جاء الإسلام والعبّاس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم، ثم فدّى عقيلا يوم بدر، فعززناكم في الكفر وفديناكم من الأسر وورثناه دونكم خاتم الأنبياء وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه، ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام. (ثم عقد) أبو جعفر على حربه لعيسى ابن عمّه موسى بن علي، فزحف إليه في العساكر، وقاتله بالمدينة فهزمه وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين، ولحق ابنه عليّ بالسند إلى أن هلك هناك، واختفى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور، ورجع عيسى إلى المنصور فجهّزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه، وقتله حسبما مرّ ذكره لك، وقتل معه عيسى بن زيد بن عليّ فيمن قتل من أصحابه (وزعم ابن قتيبة) أنّ عيسى بن زيد ابن عليّ ثار على المنصور بعد قتل أبى مسلم، ولقيه. في مائة وعشرين ألفا، وقاتله أياما إلى أن همّ المنصور بالفرار، ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه لك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر.
(ثم خرج بالمدينة أيام المهدي) سنة تسع وستين من بني حسن الحسين بن عليّ بن حسن المثلّث، وهو أخو عبد الله بن حسن المثنّى، وعمّ المهدي، وبويع للرضا من آل محمد وسار الى مكة، وكتب الهادي الى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجّا من البصرة فولّاه حربه يوم التروية، فقاتله بفجّة على ثلاثة أميال من مكة،
وهزمه وقتله، وافترق أصحابه، وكان فيهم عمّه إدريس بن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت منهم يومئذ، ولحق بمصر نازعا إلى المغرب، وعلى بريد مصر يومئذ واضح مولى صالح بن المنصور ويعرف بالمسكين، وكان يتشيّع، فعلم بشأن إدريس وأتاه إلى المكان الّذي كان به مستخفيا، وحمله على البريد الى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بو ليلى سنة ست وسبعين، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من قبائل البربر، وكبيرهم لعهده فأجاره وأكرمه، وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العبّاسية وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره، وكان فيهم مجوس فقاتلهم إلى أن أسلموا. وملك المغرب الأقصى، ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين. ودخلت ملوك زناتة أجمع في طاعته، واستفحل ملكه، وخاطب إبراهيم بن الأغلب صاحب القيروان، وخاطب الرشيد بذلك، فشدّ إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز، ويعرف بالشمّاخ، وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهرا للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا من الدعوة العبّاسية ومنتحلا للطالبيين، واختصه الإمام إدريس وحلي بعينه، وكان قد تأَبَّط سمّا في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه، ودفن ببو ليلى سنة خمس وسبعين، وفرّ الشمّاخ ولحقه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده، وأجاز الشمّاخ الوادي فأعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمان وثمانين، واجتمعوا على القيام فأمره ولحق به كثير من العرب من إفريقية والأندلس، وعجز بنو الأغلب أمراء إفريقية عنه فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبي العافية وقومه مكناسة أولياء العبيديّين أعوام ثلاثة عشر وثلاثمائة حسبما نذكر ذلك في أخبار البربر، ونعدّد ملوكهم هناك واحدا واحدا، وانقراض دولتهم وعودها، ونستوعب ذلك كلّه لأنه أمسّ بالبربر فإنّهم كانوا القائمين بدعوتهم. (ثم خرج يحيى) أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد، واشتدّت شوكتهم وسرّح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان، وتلطّف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطّه، فتمّ بينهما، وجاء به الفضل فوفّى له الرشيد بكل ما أحب، وأجرى له أرزاقا سنيّة، ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت