الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم عزل سنة أربع وتسعين، وقتل وأحرق بالنار، وولي مكانه ملكة بن سعيد الفارقيّ إلى أن قتله الحاكم سنة خمس وأربعمائة بنواحي القصور، وكان عالي المنزلة عند الحاكم ومداخلا له في أمور الدولة، وخالصة له في خلواته. وولّى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوّام. واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم، كان كثيرا ما يجمعون للقاضي المظالم والدعوة، فيكون داعي الدعاة، وربما يفردون كلّا منهما.
وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عند ما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد.
(وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم)
قد تقدّم لنا أنّ العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين، وبرز في العساكر لغزو الروم، ونزل بلبيس فاعتورته الأمراض، واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشرة سنة ونصف من خلافته، ولقّب الحاكم بأمر الله، واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك، وكان مدبّر دولته، وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمّار ويلقّب بأمين الدولة، وتغلّب على ابن عمّار وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم، ونكر منجوتكين تقديم ابن عمّار في الدولة، وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض، وجهّز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان، وانهزم منجوتكين وأصحابه، وقتل منهم ألفين وسيق أسيرا إلى مصر، فأبقى عليه ابن عمّار واستماله للمشارقة، وعقد على الشام لسليمان بن فلاح، ويكنّى أبا تميم، فبعث من طبريّة أخاه عليا إلى دمشق، فامتنع أهلها، فكاتبهم أبو تميم وتهدّدهم وأذعنوا، ودخل على البلد ففتك فيهم. ثم قدّم أبو تميم فأمّن وأحسن وبعث أخاه عليا إلى طرابلس وعزل عنها جيش بن الصمصامة فسار إلى مصر، وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمّار وأعيان كتامة، وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة، ونكبة أخيه شرف الدولة إياه، فخلص إلى العزيز فقرّبه وحظي عنده، فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة. وثارت الفتنة واقتتل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة، واختفى ابن عمّار وأظهر برجوان الحاكم وجدّد
له البيعة، وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب، ونهبت خزائنه، واستمرّ القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق، واستولى الأحداث. ثم أذن برجوان لابن عمّار في الخروج من أستاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره.
واضطرب الشام فانتقض أهل صور، وقام بها رجل ملّاح اسمه العلّاقة وانتقض مفرّج بن دغفل بن الجرّاح، ونزل على الرملة، وعاث في البلاد وزحف الدوقس ملك الروم إلى حصن أفامية محاصرا لها. وجهّز برجوان العساكر مع جيش بن الصمصامة، فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون، وأسطولا في البحر، واستنجد العلّاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب، فظفر بهم أسطول المسلمين. واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان، وأسر العلّاقة، وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب وسار جيش بن الصمصامة إلى المفرج بن دغفل فهرب أمامه، ووصل إلى دمشق، وتلقّاه أهلها مذعنين، وأحسن إليهم وسكّنهم ورفع أيدي العدوان عنهم. ثم سار إلى أفامية وصافّ الروم عندها فانهزم أولا هو وأصحابه، وثبت بشارة إخشيدي بن قرارة في خمس عشرة [1] فارسا، ووقف الدوقس ملك الروم على رابية في ولده وعدّة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين، فقصد كردي من مصاف الإخشيدي وبيده عصا من حديد يسمّى الخشت، وظنّه الملك مستأمنا، فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله، وانهزم الروم وأتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنطاكية يغنم ويسبي ويحرق. ثم عاد مظفّرا إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل. واستخلص رؤساء الأحداث واستحجبهم وأقيم له الطعام في كل يوم، وأقام على ذلك برهة. ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم، ويوضع السيف في سائرهم، فقتل منهم ثلاثة آلاف، ودخل دمشق وطاف بها وأحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم، وبعث بهم إلى مصر وأمّن الناس. ثم إنه توفي ووليّ محمود بن جيش وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين، وبعث جيشا إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها، وولّى عليها يانسا الصقليّ. ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين، وكان خصيّا أبيض، وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده. ثم قتل الحسين بن عمّار، ثم الحسين بن جوهر القائد. ثم جهّز العساكر مع يارخنكين إلى حلب،
[1] وفي نسخة ثانية خمسمائة فارس وهو الأصح لأنه من غير المعقول ان يغيّر خمسة عشر فارسا سير المعركة.