الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقتلوه سنة ثلاث وخمسين. وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم. واستولى علي بن مهدي عليها في رجب سنة أربع وخمسين، ومات لثلاثة أشهر من ولايته.
وكان يخطب له بالإمام المهدي أمير المؤمنين. وقامع الكفرة والملحدين، وكان على رأي الخوارج يتبرأ من علي وعثمان ويكفر بالذنوب، وله قواعد وقواميس في مذهبه يطول ذكرها. وكان يقتل على شرب الخمر. قال عمارة: كان يقتل من خالفه من أهل القبلة، ويبيح نساءهم وأولادهم، وكانوا يعتقدون فيه العصمة، وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالا ولا فرسا ولا سلاحا.
وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزاني وشارب الخمر وسامع الغناء، ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الإثنين والخميس. وكان حنفيا في الفروع. ولما توفي تولى بعده ابنه عبد النبي، وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمع، وبه يومئذ خمس وعشرون دولة فاستولى على جميعها ولم يبق له سوى عدن ففرض عليها الجزية. ولما دخل شمس الدولة تور شاه بن أيوب أخو صلاح الدين سنة ست وستين وخمسمائة، واستولى على الدولة التي كانت باليمن، فقبض على عبد النبي وامتحنه وأخذ منه أموالا عظيمة، وحمله إلى عدن فاستولى عليها. ثم نزل زبيد واتخذها كرسيا لملكه. ثم استوخمها وسار في الخيال ومعه الأطباء يتخير مكانا صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه، فوقع اختيارهم على مكان تعز، فاختط به المدينة ونزلها.
وبقيت كرسيا لملكه وبنيه ومواليهم بني رسول كما نذكر في أخبارهم. وبانقراض دولة بني المهدي انقرض ملك العرب من اليمن وصار للغز ومواليهم.
(قواعد اليمن)
(ولنذكر الآن) طرفا من الكلام على قواعد اليمن ومدته واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد (اليمن) من جزيرة العرب يشتمل على كراسي سبعة للملك تهامة والجبال، وفي تهامة مملكتان: مملكة زبيد ومملكة عدن. ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز إلى آخر أعمال عدن دورة
البحر الهندي. قال ابن سعيد: وجزيرة العرب في الإقليم الأول ويحيط بها البحر الهندي من جنوبها، وبحر السويس من غربها، وبحر فارس من شرقها. وكانت اليمن قديما للتبابعة وهي أخصب من الحجاز، وأكثر أهلها القحطانية، وفيها من عرب وائل وملكها لهذا العهد لبني رسول موالي بني أيوب، ودار ملكهم تعز، بعد أن نزلوا الحرة أولا وبصعدة من اليمن أئمة الزيدية، وبزبيد وهي مملكة اليمن شمالها الحجاز وجنوبها البحر الهندي وغربها بحر السويس، اختطها محمد بن زياد أيام المأمون سنة أربع ومائتين. وهي مدينة مسورة تدخلها عين جارية، تحلها الملوك. وعليها غيطان يسكنونها أيام الغلة، وهي الآن من ممالك بني رسول، وبها كان ملك بني زياد ومواليهم، ثم غلب عليها بنو الصليحي وقد مر خبرهم. (عثر وحلى والسرجة) من أعمال زبيد في شمالها، وتعرف بأعمال ابن طرف، مسيرة سبعة أيام في يومين من السرجة إلى حلى، ومكة ثمانية أيام. وعثر هي منبر الملك وهي على البحر، وكان سليمان بن طرف ممتنعا بها على أبي الجيش بن زياد. وكان مبلغ ارتفاعه خمسمائة ألف دينار، ثم دخل في طاعته وخطب له وحمل المال. ثم صارت هذه المملكة للسليمانيين من بني الحسن من أمراء مكة حين طردهم الهواشم عن مكة. وكان غالب ابن يحيى منهم يؤدي الإتاوة لصاحب زبيد وبه استعان محمد مفلح الفاتكي من سرور. ثم هلك بعدها. ثم عيسى بن حمزة من بنيه. ولما ملك الغز اليمن، أخذ يحيى أخو عيسى أسيرا وسيق إلى العراق فحاول عليه عيسى فتخلصه من الأسر.
ورجع إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولى مكانه المهجم من أعمال زبيد على ثلاثة مراحل عليها، وعربها من العسيرة من حكم وجعفر قبيلتين منهم. ويجلب منها الزنجبيل. (السرير) آخر أعمال تهامة من اليمن وهي على البحر دون سور، وبيوتها أخصاص وملكها راجح بن قتادة سلطان مكة أعوام الخمسين وستمائة. وله قلعة على نصف مرحلة منها. (الزرائب) من الأعمال الشمالية من زبيد، وكانت لابن طرف واجتمع له فيها عشرون ألفا من الحبشة الذين معه جميعا. وقال ابن سعيد في أعمال زبيد والأعمال التي في الطريق الوسطى بين البحر والجبال. وهي في خط زبيد في شماليها، وهي الجادة إلى مكة. قال عمارة: هي الجادة السلطانية منها إلى البحر يوم أو دونه، وكذلك إلى الجبال. ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرير ويفترقان. (عدن) من ممالك اليمن في جوف زبيد وهي كرسي عملها،
وهي على ضفة البحر الهندي. وكانت بلد تجارة منذ أيام التبابعة، وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة، ولا تنبت زرعا ولا شجرا ومعاشهم السمك، وهي ركاب الهند من اليمن وأول ملكها لبني معن بن زائدة، استقاموا لبني زياد وأعطوهم الإتاوة. ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي. ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بني المكرم من جشم بن يام رهطه بهمدان، وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم، وقنع منهم بالإتاوة حتى ملكها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم.
(عدن أبين) من بينات المدن وهي إلى جهة الشحر. (الزعزاع) باودية ابن أيوب عدن، وكانت لبني مسعود بن المكرم المقارعين لبني الزريع (الجوة) اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن، ونزلها بنو أيوب ثم انتقلوا إلى تعز. (حصن ذي جبلة) من حصون مخلاف جعفر اختطه عبد الله الصليحي أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وانتقل إليه ابنه المكرم من حصن صنعاء. وزوجه سيدة بنت أحمد المستبدة عليه، وهي التي تحكمت سنة ثمانين. ومات المكرم وقد فوض الأمر في الملك والدعوة إلى سبا بن أحمد بن المظفر الصليحي، وكان في معقل أشيح، وكانت تستظهر بقبيل جنب، وكانوا خاملين في الجاهلية فظهروا بمخلاف جعفر. ثم وصل من مصر ابن نجيب الدولة داعيا ونزل مدينة جند، واعتضد بهمذان فحاربته السيدة بجنب وخولان إلى أن ركب البحر وغرق. وكان يتولى أمورها المفضل ابن أبي البركات بعد زوجها المكرم، واستولى عليها (التعكر) من مخلاف جعفر، كان لبني الصليحي، ثم لسيدة من بعدهم ثم طلبه منها المفضل بن أبي البركات فسلمته إليه، وأقام فيه إلى أن سار إلى زبيد وحاصر فيها بني نجاح، وطالت غيبته فثار بالتعكر جماعة من الفقهاء وقتلوا نائبة وبايعوا لإبراهيم بن زيدان منهم، وهو عمارة الشاعر. واستظهروا بخولان فرجع المفضل وحاصرهم كما ذكرنا ذلك من قبل. (حصن خدد) كان لعبد الله بن يعلي الصليحي وهو من مخلاف جعفر، وكان المفضل قد أدخل من خولان في حصون المخلاف عددا كثيرا في بني بحر وبني منبه ورواح وشعب. فلما مات المفضل وفي كفالته سيدة كما مرّ، وثب مسلم بن الذر من خولان في حصن خدد وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحي، ولحق عبد الله بحصن مصدود ورشحته سيدة لمكان المفضل، واستخلصته الدولة من مدينة الجند ومن اليمن بأمرها. (حصن مصدود) : من حصون مخلاف جعفر وهي
خمسة: [1] ذو جبلة والتعكر وحصن خدد. ولما غلبت خولان على حصن خدد من يد عبد الله الصليحي، ولحق بحصن مصدود واستولى عليه منهم زكريا بن شكير البحري، وكان بنو الكردي من حمير ملوكا قبل بني الصليحي باليمن، وانتزع بنو الصليحي ملكهم، وكان لهم مخلاف بحصونه ومخلاف مغافر ومخلاف الجند، وحصن سمندان. ثم استقرت لمنصور بن المفضل بن أبي البركات وباعها من بني الزريع كما مرّ. (صنعاء) قاعدة التبابعة قبل الإسلام، وأول مدينة اختطت باليمن، وبنتها فيما يقال عاد، وكانت تسمى أوال من الأولية بلغتهم. وقصر غمدان قريب منها أحد البيوت السبعة، بناه الضحّاك باسم الزهرة، وحجّت إليه الأمم، وهدمه عثمان. وصنعاء أشهر حواضر اليمن، وهي فيما يقال معتدلة، وكان فيها أول المائة الرابعة بنو يعفر من التبابعة ودار ملكهم كحلان، ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصليحى وغلب عليها الزيدية، ثم السليمانيون من بعد بني الصليحي.
(قلعة كحلان) من أعمال صنعاء لبني يعفر من التبابعة بناها قرب صنعاء إبراهيم وكانت له صعدة ونجران. واعتصم بنو يعفر بقلعة كحلان، وقال البيهقي: سيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر، وحارب بني الرسي وبني زياد أيام أبي الجيش. (حصن الصمدان) من أعمال صنعاء كانت فيه خزائن بني الكردي الحميريين إلى أن ملكه علي الصليحي ورد عليهم المكرم بعض حصونهم إلى أن انقرض أمرهم على يد علي ابن مهدي. وكان لهم مخلاف [2] جعفر الّذي منه مدينة ذي جبلة، ومعقل التعكر وهو مخلاف الجند، ومخلاف معافر مقرّ ملكهم السمدان وهو أحصن من الدولة.
(قلعة منهاب) من قلاع صنعاء بالجبال ملكها بنو زريع واستبدّ بها منهم الفضل ابن علي بن راضي بن الداعي محمد بن سبا بن زريع، نعته صاحب الجزيرة بالسلطان، وقال: كانت له قلعة منهاب وكان حيا سنة ست وثمانين وخمسمائة، وصارت بعده لأخيه الأغر أبي علي (جبل الدبجرة) وهو بقرب صنعاء وقد اختط جعفر مولى بني زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه. (عدن لاعة) بجانب الدبجرة، أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن، ومنها محمد
[1] ذكر اربعة وهي خمسة والظاهر ان الخامس هو حصن مصدود.
[2]
في لسان العرب: وقال الليث: يقال فلان من مخلاف كذا وكذا وهو عند اليمن كالرستاق والجمع مخاليف.
ابن المفضل الداعي. ووصل إليها أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة بالمغرب. وفيها قرأ على علي بن محمد الصليحي صبيا وهي دار دعوة اليمن. كان محمد بن المفضل داعيا على عهد أبي الجيش بن زياد وأسعد بن يعفر. (بيجان) ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية وملكها نستوان بن سعيد القحطاني. (تعمر) من أجلّ معاقل الجبال المطلة على تهامة، ما زال حصنا للملوك، وهو اليوم كرسي لبني رسول ومعدود في الأمصار، وكان به من ملوك اليمن منصور بن المفضل بن أبي البركات، وبنو المظفر، وورثها عنه ابنه منصور ثم باعها حصنا حصنا من الداعي بن المظفر والداعي الزريعي، إلى أن بقي بيده حصن تعمر فأخذه منه ابن مهدي. (معقل أشيح) من أعظم حصون الجبال وفيه خزائن بني المظفر من الصليحيين صارت له بعهد المكرم ابن عمه صاحب ذي جبلة، وقلده المستنصر الدعوة وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة. وغلب ابنه عليّ على معقل الملك أشيح. وأعيا المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم، وصارت حصون بني المظفر إلى بني أبي البركات. ثم مات المفضل وخلف ابنه منصورا. واستقل بملك أبيه بعد حين وباع جميع الحصون تباع ذا جبلة من الداعي الزريعي صاحب عدن بمائة ألف دينار، وحصن صنبر بعد أن كان حلف بالطلاق من زوجته أنه يستبقيه، وطلق زوجته الحرة وتزوجها الزريعي، وطال عمره. ملك ابن عشرين وبقي في الملك ثمانين، وأخذ منه معقل علي بن مهدي. (صعدة) مملكتها تلو مملكة صنعاء، وهي في شرقيها، وفي هذه المملكة ثلاثة قواعد صعدة وجبل قطابة وحصن تلا وحصون أخرى، وتعرف كلها ببني الرسي، وقد تقدم ذكر خبره. وأما حصن تلا فمنه كان ظهور الموطئ الّذي أعاد إمامة الزيدية لبني الرضا، بعد أن استولى عليها بنو سليمان، فأوى إلى جبل قطابة. ثم بايعوا لأحمد الموطئ سنة، خمس وأربعين وستمائة، وكان فقيها عابدا وحاصره نور الدين بن رسول في هذا الحصن سنة جمر عليه عسكرا للحصار. ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين واشتغل ابنه المظفر بحصار حصن الدمولة، فتمكن الموطئ وملك حصون اليمن، وزحف إلى صعدة وبايعه السليمانيون وإمامهم أحمد المتوكل كما مر في أخبار بني الرسي، وأما قطابة فهو جبل شاهق مشرف على صعدة إلى أن كان ما ذكرناه. (حران ومسار) أما حران فهو إقليم من بلاد همذان، وحران بطن من بطونهم، كان منهم الصليحي، وحصن مسار هو الّذي ظهر فيه الصليحي
وهو من إقليم حران. قال البيهقي: بلادهم شرقية بجبال اليمن وتفرّقوا في الإسلام ولم يبق لهم قبيلة وفرقة إلا في اليمن، وهو أعظم قبائل اليمن وبهم قام الموطئ، وملكوا جملة من حصون الجبال، ولهم بها إقليم بكيل وإقليم حاشد، وهما ابنا جشم بن حيوان أنوق بن همذان. قال ابن حزم: ومن بكيل وحاشد افترقت قبائل همذان انتهى. ومن همذان بنو الزريع أصحاب السلطنة والدعوة في عدن والجوة، ومنهم بنو يام من قبائل همذان انتهى. ومن همذان بنو الزريع سبعة وهم الآن في نهاية من التشيع ببلادهم وأكثرهم زيدية. (بلاد خولان) قال البيهقي: هي شرقية من جبال اليمن، ومتصلة ببلاد همذان، وهي حصون خدد والتعكر وغيرهما. وهم أعظم قبائل اليمن مع همذان ولهم بطون كثيرة. وافترقوا على بلاد الإسلام ولم يبق منهم وبرية إلا باليمن (مخلاف بني أصح) هو بوادي سحول وذو أصح الّذي ينسبون إليه قد تقدم ذكره في أنساب حمير من التبابعة والأقيال، ومخلاف يحصب مجاور له وهو أخو أصبح. (مخلاف بني وائل) مدينة هذا المخلاف شاحط وصاحبها أسعد بن وائل وبنو وائل بطن من ذي الكلاع. وذو الكلاع من سبا تغلبوا على هذه البلاد عند مهلك الحسن بن سلامة، حتى عادوا إلى الطاعة واختط مدينة الكدد على مخلاف سهام، ومدينة المعقل على وادي دوال، ومات سنة اثنتين وأربعمائة. (بلاد كندة) وهي من جبال اليمن مما يلي حضرموت، وجبال الرمل وكان لهم بها ملوك وقاعدتهم دمون ذكرها أمرؤ القيس في شعره [1] . (بلاد مذحج) موالي جهات الجند من الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد. ومن عنس بإفريقية فرقة وبرية مع ظواعن أهلها، ومن زبيد بالحجاز بنو حرب بين مكة والمدينة. وبنو زبيد الذين بالشام والجزيرة فهم من طيِّئ وليسوا من هؤلاء. (بلاد بني نهد) في أجواف السروات وتبالة [2] والسروات بين تهامة والجبال ونجد من اليمن والحجاز كسوأة الفرس. وبنو نهد من قضاعة سكنوا اليمن جوار خثعم وهم كالوحوش، والعامة تسميهم السرو، وأكثرهم أخلاط من جبلة وخثعم. ومن بلادهم تبالة يسكنها قوم من نهير وائل ولهم بها صولة، وهي التي وليها الحجاج واستحقرها فتركها. (البلاد المضافة
[1] تطاول الليل علينا دمون. ودمون بلدة بحضرموت على ما جاء في الوسيط.
[2]
وهي البلدة التي وليها الحجاج أول أمره، وقد ولاه إياها عبد الملك بن مروان مكافأة له بعد ان ابرع في حشد الجند الى العراق.
إلى اليمن) أولها الثمامة. قال البيهقي: هو بلد منقطع بعمله والتحقيق أنه من الحجاز كما هي نجران من اليمن. وكذا قال ابن حوقل وهي دونها في المملكة، وأرضها تسمى العروض لاعتراضها بين الحجاز والبحرين. وفي شرقيها البحرين وغربيها أطراف اليمن والحجاز، وجنوبها نجران، وشمالها نجد من الحجاز. وفي أطرافها عشرون مرحلة، وهي على أربعة أميال من مكة. وقاعدتها حجر «بالفتح» . وبلد اليمامة كانت مقرا لملوك بني حنيفة. ثم اتخذ بنو حنيفة حجرا وبينهما يوم وليلة، وبظواهرها أحياء من بني يربوع من تميم، وأحياء من بني عجل. قال البكري: واسمها جو، وسميت باسم زرقاء اليمامة، سماها بذلك تبع الآخر، وهي في الإقليم الثاني مع مكة، وبعدهما عن خط الاستواء [1] واحد، منازلها توضيح [2] وقرقرا. وقال الطبري: إن رمل عالج من اليمامة والشحر وهي من أرض وبار. وكانت اليمامة والطائف لبني مزان بن يعفر والسكسك، وغلبتهم عليها طسم وجديس. ثم غلبتهم بنو مزان آخرا وملكوا اليمامة وطسم وجديس في تبعهم، وآخر ملوك بني طسم عمليق. ثم غلبت جديس ومنهم باليمامة التي سميت مدينة جو بها، وأخبارها معروفة. ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة، وكان منهم هودة بن علي ملك اليمامة وتتوج. ويقال: إنما كانت خرزات هودة بن علي ملك اليمامة، على عهد النبوة، وأسر وأسلم وثبت عند الردة. وكان منهم مسيلمة وأخباره معروفة، قال ابن سعيد: وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن اليمامة اليوم؟ فقالوا العرب من قيس عيلان، وليس لبني حنيفة بها ذكر. (بلاد حضر موت) قال ابن حوقل: هي في شرقي عدن بقرب البحر ومدينتها صغيرة، ولها أعمال عريضة، وبينها وبين عمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تعرف بالأحقاف، وكانت مواطن لعاد.
وبها قبر هود عليه السلام، وفي وسطها جبل بشام، وهي في الإقليم الأول. وبعدها عن خط الاستواء اثنتا عشرة درجة، وهي معدودة من اليمن، بلد نخل وشجر ومزارع. وأكثر أهلها يحكمون بأحكام علي وفاطمة، ويبغضون عليا للتحكيم [3] ،
[1] كذا بياض بالأصل ويظهر ان المعنى كامل لا نقص فيه ويمكن العجارة ان تكون: «وبعدهما عن خط الاستواء بعد واحد» .
[2]
توضيح اسم موضع وقد ذكرها امرؤ القيس في شعره: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها.
[3]
لا بد ان هؤلاء من الخوارج لأن هذه هي عقيدتهم.
وأكبر مدينة بها الآن قلعة بشام فيها خيل الملك، وكانت لعاد مع الشحر وعمان، وغلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان. ويقال إن الّذي دل عادا على جزيرة العرب هو رقيم بن إرم، كان سبق إليها مع بني هود فرجع إلى عاد ودلهم عليها، وعلى دخولها بالجوار، فلما دخلوا غلبوا على من فيها. ثم غلبهم بنو يعرب بن قحطان بعد ذلك، وولى على البلاد فكانت ولاية ابنه حضر موت على هذه البلاد، وبه سميت الشحر من ممالك جزيرة العرب مثل الحجاز واليمن. وكان معقلا عن حضر موت وعمان والّذي يسمى الشحر قصبته، ولا زرع فيه ولا نخل، إنما أموالهم الإبل والمعز، ومعاشهم من اللحوم والألبان، ومن السمك الصغار، ويعلفونها للدواب. وتسمى هذه البلاد أيضا بلاد مهرة، وبها الإبل المهرية، وقد يضاف الشحر إلى عمان وهو ملاصق لحضرموت، وقيل هو بسائطها. وفي هذه البلاد يوجد اللبان، وفي ساحله العنبر الشحري وهو متصل في جهة الشرق. ومن غربيها ساحل البحر الهندي الّذي عليه عدن، وفي شرقيها بلاد عمان وجنوبها بحر الهند مستطيلة عليه، وشمالها حضر موت كأنها ساحل لها، ويكونان معا لملك واحد. وهي في الإقليم الأول وأشد حرا من حضر موت. وكانت في القديم لعاد وسكنها بعدهم مهرة من حضر موت أو من قضاعة، وهم كالوحوش في تلك الرمال ودينهم الخارجية على رأي الإباضية منهم.
وأول من نزل بالشحر من القحطانية مالك بن حمير، خرج على أخيه مالك وهو ملك بقصر غمدان فحاربه طويلا، ومات مالك فولي بعده ابنه قضاعة بن مالك فلم يزل السكسك يحاربه إلى أن قهره، واقتصر قضاعة على بلاد مهرة. وملك بعده ابنه أطاب ثم مالك بن الحاف، وانتقل إلى عمان وبها كان سلطانه. قال البيهقي: وملك مهرة ابن حيدان بن الحاف بلاد قضاعة وحارب عمه مالك بن الحاف صاحب عمان حتى غلبهم عليها، وليس لهم اليوم في غير بلادهم ذكر. وببلاد الشحر مدينة مرياط وضفان على وزن نزال وضفان دار ملك التبابعة، ومرياط بساحل الشحر، وقد خربت هاتان المدينتان. وكان أحمد بن محمد بن محمود الحميري، ولقبه الناخودة، وكان تاجرا كثير المال يعبر إلى صاحب مرياط بالتجارة. ثم استوزره ثم هلك فملك أحمد الناخودة. ثم خرّبها وخرب ضفان سنة تسع عشرة وستمائة، وبنى على الساحل مدينة ضفا بضم الضاد المعجمة وسماها الأحمدية باسمه، وخرب القديمة لأنها لم يكن لها مرسى. (نجران) قال صاحب الكمائم: هي صقع منفرد عن اليمن،
وقال غيره هي من اليمن قال البيهقي مسافتها عشرون مرحلة وهي شرقي صنعاء وشماليها وتوالي الحجاز وفيها مدينتان نجران وجرش، متقاربتان في القدر والعادية غالبة عليها، وسكانها كالأعراب، وبها كعبة نجران بنيت على هيئة عمدان كعبة اليمن، وكانت طائفة من العرب تحج إليها وتنهر [1] عندها، وتسمى الدير. وبها قس بن ساعدة، كان يتعبد فيها. ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم ثم غلبهم عليها حمير. وصاروا ولاة للتبابعة. وكان كل ملك منهم يسمى الأفعى. وكان منهم أفعى نجران واسمه القلمس بن عمرو بن همذان بن مالك بن شهاب بن زيد بن وائل بن حمير، وكان كاهنا، وهو الّذي حكم بين أولاد نزار لما أتوه حسبما هو مذكور. وكان واليا على نجران لبلقيس، فبعثته إلى سليمان عليه السلام، وآمن وبث دين اليهودية في قومه وطال عمره. ويقال إن البحرين والمسلل كانتا له. قال البيهقي: ثم نزل نجران بنو مذحج، واستولوا عليها. ومنهم الحرث بنو كعب. وقال غيره: لما خربت اليمانية في سيل العرم مرّوا بنجران فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا. قال ابن حزم: ونزل في جوار مذحج بالصلح الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. ثم غلبوا عليها مذحجا وصارت لهم رياستها. ودخلت النصرانية نجران من قيمون، وخبره معروف في كتب السير، وانتهت رياسة بني الحرث فيها إلى بني الريان. ثم صارت إلى بني عبد المدان. وكان يزيد منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم على يد خالد بن الوليد، ووفد مع قومه ولم يذكره ابن عبد المؤمن وهو مستدرك عليه، وابن أخيه زياد بن عبد الرحمن بن عبد المدان خال السفاح، ولاه نجران واليمامة، وخلف ابنيه محمدا ويحيى. ودخلت المائة الرابعة والملك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان، واتصل فيهم. وكان بينهم وبين الفاطميين حروب. وربما يغلبونهم بعض الأحيان على نجران. وكان آخرهم عبد القيس الّذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده، ذكره عمارة وأثنى عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
[1] مقتضى السياق تنحر، ولعلها تحريف من الناسخ ابن خلدون م 19 ج 4