الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرميد الغوري في عسكر كثيف، وعبر تلك المخاضة ووضع السيف في الهنود فأجفل الموكّلون بالمخاضات. وعبر شهاب الدين وباقي العساكر وأحاطوا بالهنود، ونادوا بشعار الإسلام فلم ينج منهم إلّا الأقل، وقتلت ملكتهم وأسروا منهم أمما. وتمكّن شهاب الدين بعدها من بلاد الهند وحملوا له الأموال وضربت عليهم الجزية فصالحوه وأعطوه الرهن عليها. وأقطع قطب الدين أيبك مدينة دلهي، وهي كرسي الممالك التي فتحها، وأرسل عسكرا من الخلخ مختارين ففتحوا من بلاد الهند ما لم يفتحه أحد، حتى قاربوا حدود الصين من جهة الشرق، وذلك كله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
(مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين)
قد تقدّم لنا أن محمد بن علاء الدين ملك الغور بعد أبيه، وأقام مملكا عليها. ثم سار سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بعد أن احتفل في الاحتشاد وجمع العساكر، وقصد بلخ وهي يومئذ للغزّ فزحفوا إليه. وجاءهم بعض العيون بأنه خرج من معسكره لبعض الوجوه في خفّ من الجند، فركبوا لاعتراضه، ولقوة فقتلوه في نفر من أصحابه، وأسروا منهم آخرين، ونجا الباقون إلى المعسكر فارتحلوا هاربين إلى بلادهم، وتركوا معسكرهم بما فيه فغنمه الغزّ وانقلبوا إلى بلخ ومروا ظافرين غانمين.
(الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه على ما ملكوه من بلاد خراسان)
قد تقدّم لنا أنّ غيّاث الدين وشهاب الدين ابني أبي الفتح سام بن الحسين الغوري رجعا إلى خراسان سنة سبع وأربعين وخمسمائة فملكا هراة وبوشنج وباذغيس وغيرها. وذلك عند انهزام سنجر أمام الغزّ، وافترق ملكه بين أمرائه ومواليه فصاروا طوائف، وأظهرهم خوارزم شاه بن أنس بن محمد بن أنوشتكين صاحب خوارزم.
فلما كان سنة خمس وسبعين وخمسمائة قام بأمره ابنه سلطان شاه، ونازعه أخوه علاء الدين تكين فغلبه على خوارزم. وخرج سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغزّ. ثم
أخرجوه منها فاستجاش بالخطا وأخرجهم من مرو وسرخس ونسا وأبيورد، وملكها جميعا، وصرف الخطا إلى بلادهم. وكتب إلى غيّاث الدين أن ينزل له عن هراة وبوشنج وباذغيس وما ملكه من خراسان وهدّده على ذلك فراجعه بإقامة الخطبة له بمرو وسرخس وما ملكه من خراسان، فامتعض لذلك سلطان شاه وسار إلى بوشنج فحاصرها وعاث في نواحيها. وجهز غيّاث الدين عساكره مع صاحب سجستان وابن أخته بهاء الدين سام بن باميان لغيبة أخيه شهاب الدين في الهند، فساروا إلى خراسان، وكان سلطان شاه يحاصر هراة فخام عن لقائهم ورجع إلى مرو، وعاث في البلاد في طريقه، وأعاد الكتاب إلى غيّاث الدين بالتهديد فاستقدم أخاه شهاب الدين من الهند، فرجع مسرعا، وساروا إلى خراسان. وجمع سلطان شاه جموعا ونزل الطالقان، وتردّدت الرسل بين سلطان شاه وغيّاث الدين حتى جنح إلى الصلح بالنزول له عن بوشنج وباذغيس، وشهاب الدين يجنح إلى الحرب، وغيّاث الدين يكفهم. وجاء رسول سلطان شاه لا تمام العقد، فقام شهاب الدين العلويّ وقال:
لا يكون هذا أبدا، ولا تصالحوه، وقام شهاب الدين ونادى في عسكره بالحرب، والتقدّم الى مروالروذ. وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه ودخل إلى مرو في عشرين فارسا، وبلغ الخبر إلى أخيه فسار لتعرّضه عن جيحون وسمع سلطان شاه بتعرّض أخيه له فرجع عن جيحون، وقصد غيّاث الدين فأكرمه وأكرم أصحابه، وكتب أخوه علاء الدين في ردّه إليه، وكتب إلى نائب هراة يتهدّده، فامتعض غيّاث الدين لذلك، وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير وشفيع له، ويطلب بلاده وميراثه من أبيه، ويضمن له الصلح مع أخيه سلطان شاه. وطلب منه مع ذلك أن يخطب له بخوارزم، ويزوّج أخته من شهاب الدين فامتعض علاء الدين لذلك، وكتب بالتهديد فسرّح غيّاث الدين جميع عساكره مع سلطان شاه إلى خوارزم شاه، وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده، فجمع عساكره وقام في انتظارهم، وسمع بذلك علاء الدين تكش، وهو زاحف للقاء أخيه سلطان شاه، وعساكر الغورية، فخشي أن يخالفوه إلى خوارزم وكرّ إليها راجعا. واحتمل أمواله وعبر إلى الخطا.
وقدّم فقهاء خوارزم في الصلح والصهر، ووعظه الفقهاء وشكوا إليه بأنّ علاء الدين يستجيش بالخطا، فإمّا أن تتخذ مرو كرسيّا لك فتمنعنا منهم، أو تصالحه، فأجاب إلى الصلح، وترك معاوضة البلاد ورجع إلى كرسيّه.
ابن خلدون م 34 ج 4