الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(انتقاض محمد خان عن سنجر)
ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيره محمد في رعيّته وإهماله لأوامر السلطان، فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته، وبعث إلى الأمير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح، فشرط عليه الحضور عند السلطان، فاعتذر بالخوف، وأنه يقف من وراء جيحون ويقبّل الأرض من لك فأجيب إلى ذلك، ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة.
(استيلاء السلطان سنجر على سمرقند)
كان السلطان سنجر لما ملك سمرقند ولّى عليها أرسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج، واستناب ابنه نصر خان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه. وتولّى كبر ذلك اثنان منهم أحدهما علويّ، وكان أبوه محمد المفلوج غائبا فعظم عليه، وبعث عن ابنه الآخر من تركستان فجاء وقتل العلويّ وصاحبه. وكان والد أرسلان خان قد بعث الى السلطان سنجر يستحثّه قبل قدوم ابنه الآخر فسار سنجر لذلك. فلمّا قدم إلى أبيه أرسلان وقتل قاتلي أخيه، بعث أرسلان إلى السلطان سنجر يعرّفه، ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك، وأقام أياما ثم جيء إليه بأشخاص واعترفوا بأنّ محمدا خان بعثهم لقتله فغضب، وسار إلى سمرقند فملكها عنوة، وتحصّن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالأمان بعد مدّة وأكرمه. وكانت بنته تحبّه، فبعثه إليها وأقام عندها. وولّى على سمرقند حسين تكين، ورجع إلى خراسان. ومات حسين تكين فولي بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته.
(استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية)
نقل ابن الأثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه، على أنّ أخبار هذه الدولة الخانية
في كتابه ليست جليّة ولا متّضحة، وأرجو إن مدّ الله في العمر أن أحقّق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الصحّة وألخّصها مرتّبة، فإنّي لم أوفّها حقّها من الترتيب لعدم وضوحها في نقله. وحاصل ما قرّر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال: إنّ بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية من الترك، وهم من نسل فراسياب ملكهم الأوّل المنازع لملوك الكينيّة من الفرس. وأسلم جدّهم الأوّل سبق قراخان. ويقال سبب إسلامه أنه رأى في منامه رجلا نزل من السماء، فقال له باللسان التركي ما معناه أسلم تسلم في الدنيا والآخرة فأسلم في منامه، وأصبح مظهرا لإسلامه. ولما مات قام مقامه ابنه موسى واتصل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة. واجتمع الترك عليه وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية، وبقيّة الغزّ الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مرّ. وكان لأرسلان ابن اسمه نصر خان، وفي صحابته شريف علويّ اسمه الأشرف محمد بن أبي شجاع السمرقنديّ، فحسّن له طلب الملك من أبيه وأطمعه فيه فقتلهما أرسلان. ثم وقعت بينه وبين القارغلية من الترك وحشة دعتهم إلى الانتقاض والعصيان، واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديه. ثم عثر على رجّالة استراب بهم فقبض عليهم، وتهدّدهم فذكروا أنّ أرسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند، وملك القلعة وبعث أرسلان أميرا إلى بلخ فمات بها. وقيل إنه اختراع منه، ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك. ثم ولّى السلطان سنجر على سمرقند قلج طمغاج، وهو أبو المعالي الحسن بن علي المعروف بحسين تكين، كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه. ومات فولّى سنجر مكانه محمود ابن أخته، وهو ابن السلطان أرسلان فأقام ملكا عليها. وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة. ومعنى كوبلسان أهل الصين أعظم، وخان سمة ملوك الترك. وكان أعور وكان يلبس لبسة ملوك الترك، وهو مانويّ المذهب. ولما خرج من الصين إلى تركستان انضاف إليه طوائف الخطا من الترك، وكانوا قد خرجوا قبله من الصين، وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كوملك الصين وكثف جمعه بهم. وزحف إليه صاحب كاشغر، وهو الخان أحمد بن الحسين
بجموعه فهزمه، وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد. وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم بلاساغون، أن أرسلان محمد كان يستنجد بهم ويجري عليهم الأرزاق والأقطاعات، وينزلهم مسالح في ثغوره. ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده، وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها وردّد عليهم أرسلان الغزو. ولما جاء كوخان ملك الصين صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلدا بلدا. وكانوا إذا ملكوا المدينة يأخذون دينارا من كل بيت ولا يزيدون عليه، ويكلّفون من يطيعهم من الملوك أن يعلّق في منطقته لوحا من فضّة علامة على الطاعة. ثم ساروا إلى بلاد ما رواء النهر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. ولقيهم محمود خان بن أرسلان خان فهزموه إلى سمرقند وبخارى، واستنجد بالسلطان سنجر ودعاه لنصر المسلمين، فجمع العساكر واستنجد صاحب سجستان ابن خلف والغوريّ صاحب غزنة، وملوك ما وراء النهر وغيرهم. وسار للقائهم وعبر النهر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة وشكا إليه محمود من القارغلية، فأراد أخذهم فهربوا إلى كوخان، وسألوه أن يشفع لهم عند السلطان سنجر، وكتب إليه يشفع لهم فلم يشفعه. وكتب إليه يدعوه إلى الإسلام ويتهدّده.
ولمّا بلغ الكتاب إلى كوخان عاقب الرسول، وسار للقاء سنجر في أمم الترك والخطا والقارغلية، فلقيه السلطان سنجر أوّل صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة وعلى ميمنته قماج وعلى ميسرته صاحب سجستان، وأبلى ذلك اليوم وساء أثر القارغلية في تلك الحرب، وانهزم السلطان سنجر والمسلمون، واستمرّ القتل فيهم. وأسر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان ابنة أرسلان خان محمد، وأطلقهم الكفّار.
ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه ولا أفحش قتلا. واستقرّت الدولة فيما وراء النهر للخطأ والترك، وهم يومئذ على دين الكفر، وانقرضت دولة الخانية المسلمين الذين كانوا فيها. ثم هلك كوخان منتصف سبع وثلاثين وكان جميلا حسن الصوت، ويلبس الحرير الصيني، وكان له هيبة على أصحابه ولا يقطع أحدا منهم خوفا على الرعية من العسف. ولا يقدّم أميرا على فوق مائة فارس خشية أن تحدّثه نفسه بالعصيان. وينهى عن الظلم وعن السكر ويعاقب عليه. ولا ينهي عن الزنا ولا يقبّحه.
ولما مات ملكت بعده ابنته وماتت قريبا فملكت بعدها أمّها زوجة كوخان، وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم عليه علاء الدين محمد بن خوارزم شاه صاحب