الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاسقا وكان معاوية ابنه نظير أبيه في الشرّ. انتهى الكلام في أنساب الطالبيّين وأخبارهم، فلنرجع الآن إلى أخبار بني أمية بالأندلس المنازعين للدعوة العبّاسية. ثم نرجع إلى دول القائمين بالدعوة العبّاسية المستبدّين عليهم من العرب والترك واليمن والجزيرة والشام والعراق والمغرب، والله المستعان.
(الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم)
كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية عن عدوة البحر الرومي، وبالجانب الغربي منها يسمى عند العرب أندلوش، وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب أشدّهم وأكثرهم الجلالقة. وكان القوط قد تملكوه وغلبوا على أمره لمئين من السنين قبل الإسلام بعد حروب كانت لهم مع اللطينيين حاصروا فيها رومة. ثم عقدوا معهم السلم على أن تنصرف القوط إلى الأندلس، فساروا إليها وملكوها. ولما أخذ الروم واللطينيون لبسلة [1] النصرانية حملوا من وراءهم بالمغرب من أهل إفرنجة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة وكانت دار ملكهم. وربما انتقلوا ما بينها، وبين قرطبة وماردة وإشبيليّة وأقاموا كذلك نحو أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لزريق وهو سمة لملوكهم كجرجير سمة ملوك صقلّيّة ونسب القوط وخبر دولتهم قد تقدّم. وكانت له حظوة وراء البحر في هذه العدوة الجنوبية حظوها من فرضة المجاز بطنجة، ومن زقاق البحر إلى بلاد البربر واستعبدوهم. وكان ملك البرابرة بذلك القطر الّذي هو اليوم جبال غمارة يسمى بليان [2] وكان يدين بطاعتهم وبملتهم، وموسى بن نصير أمير العرب إذ ذاك عامل
[1] لبلة: بفتح اوله ثم السكون ولام أخرى: قصة كورة بالأندلس كبيرة يتصل عملها بعمل أكشونية وهي شرق من أكشونية وغرب من قرطبة، بينها وبين قرطبة على طريق إشبيلية خمسة أيام اربعة وأربعون فرسخا وبين اشبيلية اثنان وأربعون ميلا. (معجم البلدان) .
[2]
اسمه الحقيقي ليليان.
على إفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك، ومنزله بالقيروان. وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الأقصى ودوّخ أقطاره وأوغل في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق، واستنزل بليان لطاعة الإسلام وخلف مولاه طارق بن زياد الليثي واليابطنجة، وكان بليان ينقم على لزريق ملك القوط لعهده بالأندلس لفعله بابنته في داره كما زعموا، على عادتهم في بنات بطارقتهم، فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته منه. ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلّهم على غرة فيهم أمكنت طارقا الفرصة، فانتهزها لوقته وأجاز البحر سنة اثنتين وتسعين من الهجرة بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمائة من العرب، وانتهب معهم من البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكرا [1] ونزل بهم جبل الفتح فسمى جبل طارق به، والآخر على طريف بن مالك النخعي ونزل بمكان مدينة طريف فسمي به، وأداروا الأسوار على أنفسهم للتحصين. وبلغ الخبر لزريق فنهض إليهم يجرّ أمم الأعاجم وأهل ملّة النصرانية في زهاء أربعين ألفا فالتقوا بفحص شريش فهزمه إليه ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم. وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم، فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعّده بأنه يتوغّل بغير إذنه ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به، واستخلف على القيروان ولده عبد الله وخرج معه حسين بن أبي عبد الله المهدي الفهري. ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر، ووافى خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء فأجاز إلى الأندلس. وتلقّاه طارق وانقاد واتبع، وتمّم موسى الفتح وتوغل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق، وأربونة في الجوف وصنم قادس في الغرب، ودوّخ أقطارها وجمع غنائمها. وجمع أن يأتي
[1] هكذا بياض بالأصل والمعنى غير واضح والعبارة مشوشة وفي الكامل لابن الأثير ج 4 ص 562: «ولما بلغ رذريق غزو طارق بلاده عظم ذلك عليه، وكان غائبا في غزاته، فرجع منها وطارق قد دخل بلاده مجمع له جمعا يقال: بلغ مائة ألف، فلما بلغ طارقا الخبر كتب الى موسى يستمدّه ويخبره بما فتح وأنّه زحف اليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به. فبعث اليه بخمسة آلاف، فتكامل المسلمون اثني عشر ألفا ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ويتجسّس لهم الأخبار، فأتاهم رذريق في جنده، فالتقوا على نهر لكّة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين، واتصلت الحرب ثمانية أيام، وكان على ميمنته وميسرته ولدا الملك الّذي كان قبله وغيرهما من أبناء الملوك، واتفقوا على الهزيمة بغضا لرذريق.....» .
المشرق على القسطنطينية ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس [1] ويخوض ما بينها من بلاد الأعاجم أمم النصرانيّة مجاهدا فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة.
ونمي الخبر إلى الوليد فاشتدّ قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب، ورأى أن ما همّ به موسى غرر بالمسلمين، فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف، وأسرّ إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع هو وكتب له بذلك عهده ففت ذلك في عزم موسى، وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها. واستعمل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها، وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة، واحتلّ موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى الشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر. يقال: كان من جملتها ثلاثون ألف فارس من السبي. وولّى على إفريقية ابنه عبد الله، وقدم على سليمان فسخطه ونكبه. وسارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز بإغراء سليمان فقتلوه لسنتين من ولايته، وكان خيّرا فاضلا، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة. وولي من بعده أيوب بن حبيب اللّخميّ وهو ابن أخت موسى بن نصير فتولى عليها ستة أشهر. ثم تتابعت ولاة العرب على الأندلس فتارة من قبل الخليفة وتارة من قبل عامله على القيروان وأثخنوا في أمم الكفر وافتتحوا برشلونة من جهة الشرق وحصون بشتالة [2] وبسائطها من جهة الجوف، وانقرضت أمم القوط وأرز [3] الجلالقة ومن بقي من أمم العجم إلى جبال قشتالة وأربونة وأفواه الدروب، فتحصّنوا بها وأجازت عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلّوا بسائط وراءها، وتوغّلوا في بلاد الفرنجة وعصف ريح الإسلام بأمم الكفر من كل جهة، وربما كان بين جنود الأندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجب للعدوّ بعض الكرة فرجع الفرنج ما كانوا غلبوهم عليه. وكان محمد بن يزيد عامل إفريقية لسليمان بن عبد الملك لما بلغه مهلك عبد العزيز بن موسى بن نصير، بعث إلى الأندلس الحرب بن عبد الرحمن بن عثمان [4] فقدم
[1] هكذا بالأصل. وفي نفح الطيب ج 1 ص 120: «وعزم على ان يستولي على القسطنطينية ثم يخترق آسية الصغرى حتى يصل الى دمشق» .
[2]
هي قشتالة.
[3]
أرز: أرزا وأروزا: تقبّض. والحيّة لجأت الى جحرها وتثبّتت فيه. ويقال فلان يأرز إلى وطنه اي حيث ما ذهب يرجع اليه. (المنجد) .
[4]
هكذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 5 ص 23: «ثم إن سليمان ولّى الأندلس الحرّ بن عبد الرحمن الثقفي، فأقام واليا عليها الى ان استخلف عمر بن عبد العزيز فعزله» .
الأندلس وعزل أيوب بن حبيب وولي سنتين وثمانية أشهر. ثم بعث عمر بن عبد العزيز على الأندلس السنخم بن مالك الخولانيّ على رأس المائة من الهجرة وأمره أن يخمّس أرض الأندلس فخمّسها وبنى قنطرة قرطبة، واستشهد غازيا بأرض الفرنجة سنة اثنتين ومائة، فقدّم أهل الأندلس عليهم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي إلى أن قدم عنبسة بن شحيم الكلبيّ من قبل يزيد بن مسلم عامل افريقية وكان أوّلهم يحيى بن سلمة الكلبيّ أنفذه حنظلة بن صفوان الكلبيّ والي افريقية لما استدعى منه أهل الأندلس واليا بعد مقتل عنبسة فقدمها آخر سنة سبع وأقام في ولايتها سنتين ونصفا ولم يغز ثم قدم إليها عثمان بن أبي [1] واليا من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي صاحب إفريقية، وعزله لخمسة أشهر بحذيفة بن الأحوص العتبي فوافاها سنة عشر، وعزل قريبا يقال لسنة من ولايته، واختلف هل تقدّمه عثمان أم هو تقدّم عثمان. ثم ولي بعده الهيثم بن عبيد الكلابي من قبل عبيدة بن عبد الرحمن أيضا قدم في المحرّم سنة إحدى عشرة وغزا أرض مقرشة فافتتحها وأقام عشرة أشهر. وتوفي سنة ثلاث عشرة لسنتين من ولايته، وقدم بعده محمد بن عبيد الله بن الحجاب صاحب إفريقية فدخلها سنة ثلاث عشرة وغزا إفرنجة. وكانت له فيهم وقائع وأجبّ عسكره في رمضان سنة أربع عشرة فولى سنتين. وقال الواقدي: أربع سنين، وكان ظلوما جائرا في حكومته وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة ومائة، وأوقع بهم وغنم، ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة وولي عتبة بن الحاج السلولي من قبل عبيد الله بن الحجاب فقدم سنة سبع عشرة. وأقام خمس سنين محمود السيرة مجاهدا مظفّرا حتى بلغ سكنى المسلمين أرمونة، وصار مساكنهم على نهر ودّونة. ثم قام عليه عبد الملك بن قطن الفهريّ سنة إحدى وعشرين فخلعه وقتله. ويقال أخرجه من الأندلس وولّى مكانه إلى أن دخل بلخ بن بشر بأهل الشام سنة أربع وعشرين كما مرّ فغلب عليه، وولي الأندلس سنة أو نحوها. وقال الرازيّ: ثار أهل الأندلس بعقبة بن الحجّاج أميرهم في صفر من سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبد الملك، وولّوا عليهم عبد الملك بن قطن ولايته الثانية فكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر. وتوفي بسرقوسة في صفر سنة ثلاث وعشرين، واستقام الأمر لعبد الملك. ثم
[1] هكذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 5 ص 158: «وفيها- 111- عزل عبيدة بن عبد الرحمان عامل افريقية عثمان بن نسعة عن الأندلس واستعمل بعده الهيثم بن عبيد الكنانيّ» .
دخل بلخ بن بشر من أهل الشام ناجيا من وقعة كلثوم بن عيّاض مع البربر فثار على عبد الملك وقتله، وانحاز الفهريّون إلى جانب فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن قطن وقام بأمرهم قطن وأميّة ابنا عبد الملك بن قطن، والتقوا فكانت الدبرة على الفهريّين، وهلك بلخ من الجراح التي أصابته في حربهم وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته، ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي، غلب على إمارة الأندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريّون فلم يطيعوه، وولي سنين أظهر فيها العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية فعسر أمره، وهاجت الفتنة. وقدم أبو الخطّار حسام بن ضرار الكلبي من قبل حنظلة بن صفوان عامل إفريقية، وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد، وابنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره. وكان شجاعا كريما ذا رأي وحزم، وكثر أهل الشام عنده ولم تحملهم قرطبة ففرّقهم في البلاد، وأنزل أهل دمشق البيرة لشبهها بها وسمّاها دمشق، وأنزل أهل حمص إشبيليّة وسمّاها حمص لشبهها بها، وأهل قنّسرين حسان وسمّاها قنسرين، وأهل الأردن ريّه وهي مالقة وسمّاها الأردن. وأهل فلسطين شدونة وهي شريش وسمّاها فلسطين، وأهل مصر تدمير وسمّاها مصر، وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو الخطاب [1] أعرابيّا عصبيا أفرط عند ولايته في التعصّب لقومه من اليمانية وتحامل على المصريّة، وأسخط قيسا وأمر في بعض الأيام بالضّميل بن حاكم كبير القيسيّة، وكان من طوالع بلخ وهو الضّميل بن حاكم بن شمر بن ذي الجوشن، ورأس على الحصرية [2] ، فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع، فقال له بعض الحجّاب وهو خارج من القصر: أقم عمامتك يا أبا الجوشن، فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها فسار الضّميل بن حاكم زعيمهم يومئذ، وألّب عليه قومه، واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنيّة فخلع أبا الخطّاب سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته، وقدّم مكانه ثوابة بن سلامة الجذاميّ وهاجت الحرب المشهورة. وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب إفريقية فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس، منسلخ
[1] ابو الخطار: ابن الأثير ج 5 ص 272.
[2]
الأصح ان يقال: ورأس الحصرية.