الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباشرة الناس، وقال إنه مفسد للهيبة فتلطّف في ردّه ولم يجبه إليه ففسدت النيّة بينهما، واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما أخذه من أموال إيكجان، واستأثر به دونهم وألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الّذي دعونا إليه، حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ، وقال له: جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك، فقتله المهدي. ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتل المهدي، وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك وغيره من قبائل كتامة. ونمي الخبر إلى المهدي فتلطف في أمرهم، وولّى من داخلهم من قوّاد كتامة على البلاد، فبعث تمام بن معارك على طرابلس، وبعث إلى عاملها ماكنون بقتله، فقتله عند وصوله. ثم اتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم، وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله، وكان أكثرها لزيادة الله. ثم إنّ المهدي استدعى عروبة بن يوسف، وأخاه حباسة، وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر، وحمل عروبة على أبي عبد الله، فقال له: لا تفعل! فقال: الّذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين. ويقال إن المهدي صلّى على أبي عبد الله وترحّم عليه، وعلم أن الّذي حمله على ذلك إغراء أبي العبّاس أخيه، وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها. ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان، وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكّنها، وكفّ الدعاة عن طلب التشيّع من العامّة وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله.
(بقية أخبار المهدي بعد الشيعي)
ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي، جعل ولاية عهده لابنه أبي القاسم نزار، وولّى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف. وعلى المغرب أخاه عروبة، وأنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها، وولّى عليها دواس بن صولات اللهيص. ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي، ونصّبوا طفلا لقّبوه المهدي، وزعموا أنه نبيّ وأنّ أبا عبد الله الشيعي لم يمت، فجهّز ابنه ابا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم، وقتل الطفل
الّذي نصّبوه وأثخن فيهم ورجع. ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلاثمائة، وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلا، ثم فتحها وأثخن فيهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار. ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلاثمائة إلى الإسكندرية ومصر، وبعث اسطوله في البحر في مائتين من المراكب، وشحنها بالامداد وعقد عليها لحباسة بن يوسف، وسارت العساكر فملكوا برقة، ثم الاسكندرية والفيوم. وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مرّات، وأجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب، ثم عاد حباسة في العساكر في البحر سنة اثنتين وثلاثمائة إلى الإسكندرية فملكها، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرّات، وكان الظهور آخرا لمؤنس، وقتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف. وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر. وسرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى. ثم انتقض أهل صقلّيّة وتقبضوا على عاملهم عليّ بن عمرو، وولوا عليهم أحمد بن قهرب، فدعا للمقتدر العبّاسيّ، وذلك سنة أربع وثلاثمائة، وخلع طاعة المهدي وجهّز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول ابن قهرب فغلبه، وقتل ابن أبي خنزير. ثم راجع أهل صقلّيّة أمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه، وبعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير، وولّى على صقلّيّة علي بن موسى ابن أحمد، وبعث معه عساكر كتامة، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتّخذها معصما لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج. (ويحكى عنه) أنه قال بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار، وأراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعا لبنائها، ومرّ بتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند، فاختطّ المهديّة بها وجعلها دار ملكه، وأدار بها سورا محكما وجعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار، وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث. ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب، ونظر إلى منتهاه وقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد.
ثم أمر أن يبحث في الجبل دار لإنشاء السفن تسع مائة سفين، وبحث [1] في أرضها
[1] بمعنى حفر.
أهراء للطعام ومصانع للماء، وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست، ولما فرغ منها قال: اليوم أمّنت على الفواطم. ثم جهّز ابنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرّة ثانية سنة سبع وثلاثمائة فملك الاسكندرية، ثم سار فملك الجيزة والأشمونين وكثيرا من الصعيد. وكتب إلى أهل مكّة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها، وبعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدّة وقعات ظهر فيها مؤنس، وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلى إفريقية، وكانت مراكبهم قد وصلت من المهديّة إلى الإسكندرية في ثمانين اسطولا [1] مددا لأبي القاسم وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي وكانا شجاعين، وسار الاسطول من طرسوس للقائهم في خمسة وعشرين مركبا والتقوا على رشيد [2] وظفرت مراكب طرسوس وأحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب، فمات سليمان في حبس مصر، وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى إفريقية. ثم اغزى المهدي سنة ثمان وثلاثمائة مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فاس من الأدارسة وهو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو، واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته، وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع. ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوّخه ومهّد جوانبه وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس، فتقبّض عليه وضمّ فاس إلى أعمال موسى ومحا دعوة الإدريسيّة من المغرب، وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدّوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة، ومنهم كان بنو حمّود العلويّون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويّين في سنة ثلاث وأربعمائة كما نذكر لك. ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة، وعقد لابن عمّه كما نذكر في أخبارهم. وسار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه وبينهم حروب هلك مضالة في بعضها على يد محمد بن خزر. واضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكر كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلاثمائة، ففرّ محمد بن خزر، وأصحابه إلى الرمال. وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوّارة
[1] مقتضى السياق سفينة وليس اسطولا، لأنه من غير المعقول ان يرسل ثمانين اسطولا والاولى أصح.
[2]
قرية ساحلية على الساحل المصري، يوجد فيها ميناء صغير وتعرف بقرية الرشيد.