الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أبي العافية وغلب عليهما، وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبة، وكانت تنس لإبراهيم بن محمد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده، ثم لابنه يحيى بن محمد، ثم ابنه عليّ بن يحيى، وتغلّب عليه زيري بن مناد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة ففرّ إلى الجبر بن محمد بن خزر، وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقّاهما رحبا وتكرمة.
ورجع يحيى منهما إلى طلب تنس فلم يظفر بها. وكان من ولد إبراهيم هذا أحمد بن عيسى بن إبراهيم صاحب سوق إبراهيم، وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط. وكان من بني محمد بن سليمان هؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن ابن محمد بن سليمان، قال ابن حزم: وهم بالمغرب كثير جدّا، وكان لهم بها ممالك، وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيس بنواحي بجاية. وحمل بني حمزة هؤلاء جوهر إلى القيروان وبقيت منهم بقايا في الجبال والأطراف معروفون لك عند البربر والله وارث الأرض ومن عليها.
(الخبر عن صاحب الزنج وتصاريف أمره واضمحلال دعوته)
هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أوّلها فلم يتمّ لصاحبها دولة، وذلك أنّ دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه، وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي عليّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الشهيد، ولما اشتهر أمره فرّ وقتل ابن عمه عليّ بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى، وبقي هو متغيبا فادّعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتين أيام المهدي أنه هو، فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب، ولقيه صاحب الزنج حيّا معروفا بين الناس فرجع عن دعوى نسبه وانتسب إلى يحيى بن يزيد قتيل الجون، ونسبه المسعودي إلى طاهر بن الحسين بن عليّ، وقال فيه عليّ بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر.
ويشكل [1] ذلك بأنّ الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلّا من زين العابدين، قاله ابن حزم وغيره، فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن
[1] هكذا بالأصل ولعلها يشك وهذا تحريف من الناسخ.
الحسن الأصغر بن زين العابدين فتطول سلسلة نسبه، وتشتمل على اثني عشر إلى الحسين بن فاطمة، ويبعد ذلك إلى العصر الّذي ظهر فيه. والّذي عليه المحقّقون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيس من قرية تسمّى ودريفن من قرى الري، واسمه علي بن عبد الرحيم حدّثته نفسه بالتوثّب، ورأى كثرة خروج الزيديّة من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادّعاه، وليس من أهله. ويصدّق هذا أنه كان خارجيّا على رأي الأزارقة يلعن الطائفتين من أهل الجمل وصفين، وكيف يكون هذا من علويّ صحيح النسب؟ ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل وعاث في جهات البصرة، واستباح الأمصار وخرّبها، وهزم العساكر وقتل الأمراء الأكابر، واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده. (وسياق الخبر عنه) أنه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر، ثم سار إلى البحرين سنة تسع وأربعين ومائتين فادّعى أنه علويّ من ولد الحسين بن عبيد الله بن العباس بن عليّ، ودعا الناس إلى طاعته فاتبعه كثير من أهل هجر. ثم تحوّل إلى الإحساء، ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع، وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقت العرب عنه، ولحق بالبصرة والفتنة فيها بين البلاليّة والسعديّة، وبلغ خبره محمد بن رجاء العامل فطلبه فهرب وحبس ابنه وزوجته وبعض أصحابه، ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بن زيد الشهيد كما قلناه، وأقام بها حولا، ثم بلغه أنّ البلالية والسعدية أخرجوا محمد بن رجاء من البصرة، وأن أهله خلصوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين، ومعه يحيى بن محمد وسليمان بن جامع. ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمد حاني وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينا فنزل بظاهر البصرة، ووجّه دعوته إلى العبيد من الزنوج وأفسدهم على مواليهم ورغّبهم في العتق، ثم في الملك، واتخذ راية رسم فيها أنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية. وجاءه موالي العبيد في طلبهم فأمرهم بضربهم وحسبهم، ثم أطلقهم. وتسايل إليه الزنوج واتبعوه وهزم عساكر البصرة والأبلّة وذهب إلى القادسية، وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم ونهب النواحي، وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من قوّاد الترك وقاتلوه فهزمهم. ثم ملك الأبلّة واستباحها، وسار إلى الأهواز وبها إبراهيم بن المدير على الخوارج. فافتتحها وأسر ابن
المدير سنة ست وخمسين إلى أن فرّ من محبسهم، فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين، وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه علي بن أبان من قوّاد الزنج لحربهم، هزمه إلى البحرين فتحصّن بالبصرة، وزحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه، ودخلها وأحرق جامعها، ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه، وولّى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني، وبعث المعتمد محمد بن المولد إلى البصرة فأخرج عنه الزنج، ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه. ثم ساروا إلى الأهواز وعليها منصور الخيّاط فواقع الزنج فغلبوه وكان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمد الموفّق من مكة وعقد له على الكوفة والحرمين وطريق مكة واليمن، ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز، وأمره أن يعقد ليارجوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح.
ثم انهزم سعيد بن صالح فعقد يارجوج لمنصور بن جعفر مكانه، ثم قتله الزنج كما قلناه فأمر المعتمد أخاه الموفّق بالمسير إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسين، وعلى مقدّمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة، وسار قائدهم عليّ بن أبان فلقي مفلحا فقتل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفّق إلى سامرّا، وكان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخيّاط، وجاءه يحيى بن محمد البحراني من قوّاد الزنج، وبلغهم مسير الموفّق فانهزم يحيى البحراني، ورجع في السفن، فأخذ وحمل إلى سامرّا فقتل [1] . وبعث صاحب الزنج مكانه عليّ بن أبان وسليمان الشعراني [2] فملكوا الأهواز من يد اصطيخور [3] سنة تسع وخمسين، بعد أن هزموه وهرب في السفن فغرق. وسرّح المعتمد لحربهم موسى بن بغا بعد أن عقد له على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاق بن كيداجق [4] ، وإلى باداورد إبراهيم بن سليمان [5] ، وأقاموا في حروبهم مدّة سنة ونصفها. ثم استعفى موسى بن بغا وولّى على تلك
[1] قصة انهزام يحيى البحراني غير واضحة ومبتورة وفي كتاب «ثورة الزنج» للدكتور فيصل السامر ص 114: «وفي موقعة اخرى جرت في الأهواز جرح وأسر أحد قواد الزنج الكبار وهو يحيى البحراني وأخذ الى سامرّاء حيث ضرب بالسياط على مرأى من الناس وقطعت يداه، ورجلاه ثم ذبح وأحرق» .
[2]
هما: علي بن أبان المهلبي وسليمان بن موسى الشعراني.
[3]
اصعجور: ابن الأثير ج 7 ص 259
[4]
إسحاق بن كنداجق: ابن الأثير ج 7 ص 260
[5]
وإلى باذاورد إبراهيم بن سيما: المرجع السابق.
الأعمال مكانه مسرور البلخي، وجهّز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفّق لحربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقّبه الناصر لدين الله الموفق، وولّي على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان وعلى الحجاز، فسار لذلك سنة اثنتين وستين، واعترضه يعقوب الصفّار يريد بغداد فشغل بحربة، وانهزم الصفّار وانتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز، وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفّار، فاغتنم صاحب الزنج خلوّ تلك النواحي من العسكر وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسيّة، وجاءت العساكر من بغداد مع أغرتمش وخشتش [1] فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان ابن جامع، وقتل خشتش. وكان علي بن أبان من قوّادهم قد سار إلى الأهواز، وأميرها يومئذ محمد بن هزارمرد الكردي، فبعث مسرور البلخي أحمد بن الينونة [2] للقائهم فغلب أولا على الأهواز عليّ بن أبان. ثم ظاهره محمد بن هزارمرد والأكراد فرجع إلى السوس، وأقام علي بن أبان وصاحبه بتستر، وطمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفّار فاقتتلا، وانهزم علي بن أبان وخرج واضطربت فارس بالفتنة. ثم ملك الصفّار الأهواز وواعد الزنج، وسار سليمان بن جامع من قوّاد الزنج، وولّى الموفّق على مدينة واسط أحمد بن المولد، فزحف إليه الخليل بن أبان فهزمه، واقتحم واسطا واستباحها سنة أربع وستين وضربت خيولهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجرايا فاستباحوها، وسار عليّ بن أبان إلى الأهواز فحاصرها واستعمل الموفّق عليها مسرورا البلخيّ فبعث تكيد البخاريّ [3] إلى تستر فهزمهم علي ابن أبان وجماعة الزنج، وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه، وبعث مكانه أغرتمش فهزم الزنج أوّلا ثم هزموه ثانيا فوادعهم. ثم سار علي بن أبان الى محمد بن هزارمرد الكرديّ فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهم، وعلى الخطبة له في أعماله. ثم سار ابن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز، فزحف إليه مسرور البلخيّ فهزمه واستباح معسكره. وكان الموفّق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العبّاس سنة ست وستين في عشرة آلاف من المقاتلة، ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بأن سليمان بن جامع أقبل في
[1] حشيش: ابن الأثير ج 7 ص 293
[2]
احمد بن ليثويه: ابن الأثير ج 7 ص 294
[3]
تكين البخاري: ابن الأثير ج 7 ص 329
المقاتلة والسفن برّا وبحرا، وعلى مقدّمته الجناني [1] ، ولحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر، ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط، فسار إليهم أبو العبّاس فهزمهم، فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يردّد عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى، ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا لحرب أبي العبّاس بن الموفّق، وبلغ ذلك الموفّق فسار من بغداد في ربيع سنة سبع وستين فانتهى إلى المنيعة، وقاتل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبي العبّاس ابنه فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا وأسروا، وهدم سور المنيعة وطمس خندقها وهرب الشعراني وابن جامع. وسار أبو العبّاس إلى المنصورة بطهشا [2] فنازلها وغلب عليها، وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والأموال، وهدم سورها وطمّ خنادقها ورجع إلى واسط. ثم سار الموفّق إلى الزنج بالأهواز واستخلف ابنه هارون على جنده بواسط، وجاءه الخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة، فردّ إليهم من يوقع بهم ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعليّ بن أبان بالأهواز، فسار إلى صاحبه واستأمن المخلفون لك إلى الموفّق فامّنهم، وسار إلى تستر وأمّن محمد بن عبد الله الكردي، ثم وافى الأهواز وكتب إلى ابنه هارون أن يوافيه بالجند بنهر المبارك من فرات البصرة، وبعث ابنه أبا العبّاس لحرب الخبيث بنهر أبي الخصيب واستأمن إليه جماعة من قوّاده فأمّنهم وكتب إليه بالدعوة والأعذار، وزحف إليه في مدينته المختارة له، وأطلق السفن في البحر وعبّى عساكره وهي نحو من خمسين ألفا والزنج في نحو من ثلاثمائة ألف مقاتل، ونصب الآلات ورتّب المنازل للحصار، وبنى المقاعد للقتال، واختطّ مدينة الموفقية لنزوله، وكتب بحمل الأموال والميرة إليها فحملت، وقطع الميرة.
عن المختارة، وكتب إلى البلاد بإنشاء السفن والاستكثار منها، وقام يحاصرها من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين. ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفرّ الخبيث وابنه أنكلاي وابن جامع إلى معقل أعدّه واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه، وأمرهم من الغد باتباعه فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ابن جامع. ثم قتل صاحب الزنج وجيء برأسه ولحق أنكلاي بالديناري في خمسة آلاف، ولحقهم أصحاب الموفّق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين. وكان درمونة من قوّاده قد لحق
[1] الحياتي: ابن الأثير ج 7 ص 338
[2]
هكذا بالأصل وفي الكامل ج 7 ص 345 طهثا.