الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإسحاق وطمع كل منهما في الرئاسة على صاحبه، وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم، وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائع واستقرت الدولة له ولبنيه.
(ذكر المتغلّبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة)
كان بأعمال البحرين خلق من العرب، وكان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم، وربّما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات، وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم، وأظهرهم في الكثرة والعزّة بنو ثعلب. ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت العداوة بينهم وبين بني بويه بعد انقراض ملك بني الجنابي، وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العبّاسية وكان خالصة [1] للقرامطة ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه، وداخل بني مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك فأجابوه، واستولى الأصغر على البحرين وأورثها بنيه، واستولى بنو مكرم على عمان ثم غصّ بنو ثعلب بسليم واستعانوا عليهم ببني عقيل وطردوهم من البحرين، فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى إفريقية كما يأتي. ثم اختلف بنو ثعلب وبنو عقيل بعد مدّة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقيّة، وامتدّ ملك الأصغر وطالت أيامه، وتغلّب على الجزيرة والموصل وحارب بني عقيل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة، وغصّ بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له، وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله، ثم أطلقه ومات وبقي الملك متوارثا في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا، وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة، وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقيّة، فتحوّلوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى، ووجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم، فغلبوا عليهم. قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبويّة سنة إحدى وخمسين وستمائة عن البحرين، فقالوا: الملك فيها لبني
[1] هو خالصيّ وخلصاني. وفلان خلصني كما تقول خدني، وخلصاني أي خالصي إذا خلصت مودتهما (لسان العرب) .
عامر بن عوف بن عامر بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء. (ولنذكر) هنا نبذة في التعريف بكاتب القرامطة وأمصار البحرين وعمان لما أنّ ذلك من توابع أخبارهم.
(الكاتب) : كان كاتبهم أبو الفتح الحسين بن محمود ويعرف بكشاجم، كان من أعلام الشعراء، وذكره الثعالبي في اليتيمة والحصريّ في زهر الآداب، وهو بغدادي المولد واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر، ولقبه كشاجم مثل أبيه وكان كاتبا للأعصم.
(البحرين) : إقليم يسمّى باسم مدينته، ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه كان حضريّة، فخرّبها القرامطة وبنو الأحساء وصارت حاضرة، وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان، شرقيّها نجر فارس، وغربيّها متصل باليمامة، وشماليها البصرة وجنوبها بعمان، كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين، كثيرة البقل والفواكه، مفرطة الحرّ منهالة الكثبان، يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من الإقليم الثاني، وبعضها في الثالث، كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن وائل من ربيعة، وملكها للفرس، وعاملها من قبلهم المنذر بن ساوي التميميّ. ثم صارت رياستها صدر الإسلام لبني الجارودي ولم يكن ولاة بني العبّاس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطيّ بعد حصار ثلاث سنين، واستباحها قتلا وإحراقا وتخريبا.
ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء، وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب، وبعدهم بنو عامر بن عقيل. قال ابن سعيد والملك الآن فيهم في بني عصفور.
(الأحساء) بناها أبو طاهر القرمطيّ في المائة الثالثة، وسمّيت بذلك لما فيها من أحساء المياه في الرمال، ومراعي الإبل، وكانت للقرامطة بها دولة، وجالوا في أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان.
(دارين) هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخطّ بجانبها فيقال مسك دارين والرماح الخطّيّة.
(عمان) وهي من ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضر موت وعمان وهي خامسها، إقليم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر، شرقيها بحر فارس وجنوبيها بحر الهند، وغربيها بلاد حضر موت،
وشماليها البحرين، كثيرة النخل والفواكه وبها مغاص اللؤلؤ، سمّيت بعمان بن قحطان، أوّل من نزلها بولاية أخيه يعرب، وصارت بعد سيل العرم للأزد. وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي، والخوارج بها كثيرة. وكانت لهم حروب مع عمّال بني بويه وقاعدتهم تروى، وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرّة، وهي في الإقليم الثاني، وبها مياه وبساتين وأسواق، وشجرها النخل. وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤيّ بن غالب. وكثير من نسّابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب، أوّلهم بها محمد بن القاسم الشامي، بعثه المعتضد أعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال، وأقام الخطبة لبني العبّاس وتوارث ذلك بنوه، وأظهروا شعار السنّة. ثم اختلفوا سنة خمس وثلاثمائة وتحاربوا، ولحق بعضهم بالقرامطة، وأقاموا في فتنة إلى أن تغلّب عليهم أبو طاهر القرمطيّ سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد الله المهدي وتردّدت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة الى سنة خمس وسبعين. فترهّب واليها منهم، وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض، وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم. ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد، واستخدموا لبني بويه وأعانوهم بالمراكب من فارس، فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم، وخطبوا لبني العبّاس. ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبدّ بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها، وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم عليّ بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم، وكان ملكا جوادا ممدوحا. قاله البيهقي ومدحه مهيار الديلميّ وغيره، ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدّة طويلة في الملك. وفي سنة اثنتين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلّب عليهم النساء والعبيد، فزحف إليها الخوارج وملكوها، وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك، وصار في حجار من مدر هذا الإقليم قلهات هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني ومما يلي الشحر وحجاز في شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل، وهي في جبال منيعة، فلم تحتج إلى سور، وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الأزدي من ذريّة رياسة. وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم، ويرون أنهم من ولد الجلندي.