الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان سكوت البرغواطي الحاجب مولى القاسم الواثق محمد بن المعتصم، ويقال مولى يحيى المعتلي واليا على سبتة من قبلهم، فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة، وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه واتصلت الفتنة بينهما الى أن كان من أمر المرابطين وتغلبهم على سبتة على الأندلس ما سنذكره، والبقاء للَّه وحده سبحانه وتعالى.
(الخبر عن ملوك الطوائف بالأندلس بعد الدولة الاموية)
كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية بالأندلس، وافترق الجماعة بالجهات، وصار ملكها في طوائف من الموالي والوزراء وأعياص الخلافة وكبار العرب والبربر، واقتسموا خططها وقام كل واحد بأمر ناحية منها.
وتغلب بعض على بعض استقل أخيرا بأمرها ملوك منهم استفحل شأنهم، ولاذوا بالجزيرة للطاغية أو يظاهرون عليهم أو ينتزعونهم ملكهم، حتى أجاز إليهم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين، وغلبهم جميعا على أمرهم فلنذكر أخبارهم واحدا بعد واحد.
(الخبر عن بني عباد ملوك اشبيلية وغربيّ الأندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف)
كان أوّلهم القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمر بن أسلم بن عمر بن عطاف بن نعيم اللخمي، وعطاف هو الداخل إلى الأندلس في طوالع لخم وأصلهم من جند حمص ونزل عطاف قرية طشانة بشرق إشبيلية ونسل بنيه بها. وكان محمد بن إسماعيل بن قريش صاحب الصلاة بطشانة ثم ولي ابنه إسماعيل الوزارة بإشبيليّة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وولي ابنه أبو القاسم القضاء بها والوزارة من سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين. وكان أصل رياسته أنه كان له اختصاص بالقاسم بن حمود، وهو الّذي أحكم عقد ولايته، وكان محمد بن زيري من أقيال البرابرة واليا
على إشبيلية، فلما فرّ القاسم من قرطبة وقصده داخل ابن عباد محمد بن زيري في غرناطة ففعل وطردوا القاسم، وطردوا بعده ابن زيري وصار الأمر شورى بينه وبين أبي بكر الزبيدي معلم هشام، وصاحب مختصر العين في اللغة، ومحمد بن برمخ الألهاني. ثم استبد عليهم وجند الجند ولم يزل على القضاء. ولما منع القاسم من إشبيلية عدل عنها إلى قرمونة ونزل على محمد بن عبد الله البرزالي، وكان ولي قرمونة أيام هشام والمهدي من بعده. ثم استبدّ بها سنة أربع وأربعمائة أزمان الفتنة فداخله ابن عبّاد في خلع القاسم والاستبداد بها. ثم تنصح للقاسم فتحول إلى شريش واستبد محمد بن البرزالي بقرمونة واستبد أبو القاسم إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين كما قلناه، وقام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد، واستولى على سلطانه، واشتدت حروبه وأيامه. وتناول طائفة من الممالك بعد بالأندلس، وانفسح أمده وأول ما افتتح أمره بمداخلة محمد بن عبد الله البرزالي صاحب قرمونة في إفساد ما بينه وبين القاسم بن حمود حتى تحوّل عنه إلى شريش. ثم تحارب مع عبد الله بن الأفطس صاحب بطليوس وغزاه ابنه إسماعيل في عساكره، ومعه محمد بن عبد الله البرزالي فلقيه المظفر ابن الأفطس فهزمهما وأسر المظفر بن البرزالي إلى أن أطلقه بعد حين. ثم فسد ما بينه وبين البرزالي واتصلت الفتنة بينهما إلى أن قتله ابنه إسماعيل خرج إليه في سرية فأغار على قرمونة، وأكمن الكمائن، فركب محمد البرزالي في أصحابه، واستطرد له إسماعيل إلى أن بلغ به الكمين فخرجوا عليه فقتلوه، وذلك سنة أربع وثلاثين. ثم خالف عليه ابنه إسماعيل وأغراه العبيد والبرابرة بالملك، فأخذ ما قدر عليه من المال والذخيرة، وفرّ إلى جهة الجزيرة للتوثب بها، وكان أبوه ليلتئذ بحصن الفرج، فأنفذ الخيالة في طلبه، فمال إلى قلعة الورد فتقبض واليها عليه، وأنفذه إلى أبيه فقتله وقتل كاتبه، وكل من كان معه. ثم رجع إلى مطالبة البربر المنتزين بالثغور وأوّل من نذكر منهم صاحب قرمونة وكان بها المستظهر العزيز بن محمد بن عبد الله البرزالي، وليها بعد أبيه كما ذكرناه. وكانت له معها استجة والمروز، وكان نموز ورواركش للوزير نوح الرموي من برابرة العدوة شيعة المنصور، واستبدّ بها سنة أربع، ومات سنة ثلاث وثلاثين. وولي ابنه عز الدولة الحاجب أبو مياد محمد بن نوح ومات سنة [1]
[1] هكذا بياض بالأصل ولم نستطع تحديد سنة وفاته من المراجع التي بين أيدينا.
وكان يزيد أبو ثور بن أبي قرّة اليفرني استبدّ بها أيام الفتنة سنة خمسين من يد عامر بن فتوح من صنائع العلويين، ولم يزل المعتضد يضايقه، واستدعاه بعض الأيام لولاية فحبسه، وكاده في ابنه بكتاب على لسان جاريته برندة، أنه ارتكب منها محرّما، ثم أطلقه فقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمات أسفا سنة خمسين، وولي ابنه أبو نصر إلى أن غدر به في الحصن بعض أجناده فسقط من السور، ومات سنة تسع وخمسين. وكان بشريش خزرون بن عبدون ثار بها سنة اثنتين وأربعمائة فتقبض عليه ابن عباد وطالبهم وطاف على حصونهم وصار يهاديهم، وأسجل لهم بالبلاد التي بأيديهم، فأسجل لابن نوح بأركش، ولابن خزرون بشريش، ولابن أبي قرّة برندة، وصاروا في حزبه ووثقوا به. ثم استدعاهم لوليمة وغدر بهم في حمام استعمله لهم على سبيل الكرامة وأطبقه عليهم فهلكوا جميعا إلّا ابن نوح فإنه سالمه من بينهم لليد التي كانت له عنده في مثلها. ثم بعث من تسلّم معاقلهم وصارت في أعماله.
وخرج باديس لطلب ثأرهم منه، واجتمعت إليه عشائرهم فنازلوه مدّة ثم انصرفوا، وأجازوا إلى العدوة فاحتلّوا بسبتة وطردهم سكوت فهلكوا في المجاعة التي صادفوا، وأحلوا بالمغرب لذلك العهد. واستقل ابن عباد وكان بأونية وشلطليش عبد العزيز البكري، وكانت عساكر المعتضد ابن عباد تحاصره فشفع فيه ابن جهور للمعتضد فسالمه مدّة. ثم هلك ابن جهور فعاد إلى مطالبته إلى أن تخلى له عنها سنة ثلاث وأربعين، فولى عليها ابنه المعتمد. ثم سار إلى شلب وبها المظفر أبو الأصبغ عيسى بن القاضي أبي بكر محمد بن سعد بن مزين ثار بها سنة تسع عشرة، ومات سنة اثنتين وأربعين فسار إليها المعتضد وملكها من يد ابنه، ونقل إليها المعتمد فنزلها واتخذها دار إمارة. ثم سار إلى شنت بريّة وبها المعتصم محمد بن سعيد بن هارون، فانخلع له عنها سنة تسع وثلاثين، وأضافها للمعتمد. وكان بلبلة تاج الدين أبو العباس أحمد بن يحيى التحصيني، ثار بها سنة أربع عشرة، وخطب له بأونية وشلطليش، ومات سنة ثلاث وثلاثين، وأوصى إلى أخيه محمد وضايقه المعتضد فهرب إلى قرطبة واستبد بها ابن أخيه فتح بن خلف بن يحيى، وانخلع للمعتضد سنة خمس وأربعين وصارت هذه كلها من ممالك بني عباد. وتملك المعتضد أيضا مرسية وثار بها عليه ابن رشيق البناء، وتسمى خاصة الدولة، وبقي ثمان سنين. ثم ثاروا عليه سنة خمس وخمسين ورجعوا لابن عباد. وتملك المعتضد مرثلة من يد ابن طيفور سنة ست وثلاثين وكان
تملكها من يد عيسى بن نسب الجيش الثائر بها، وصارت هذه الممالك كلها في ملك ابن عباد وكانت بينه وبين باديس بن حبوس [1] صاحب غرناطة حروب إلى أن هلك سنة إحدى وستين، وولى من بعده ابنه المعتمد بن المعتضد بن إسماعيل أبو القاسم بن عباد وجرى على سنن أبيه، واستولى على دار الخلافة قرطبة من يد ابن جهور، وفرّق أبناءه على قواعد الملك وأنزلهم بها، واستفحل ملكه بغرب الأندلس وعلت يده على من كان هنالك من ملوك الطوائف، مثل ابن باديس ابن حبوس بغرناطة وابن الأفطس ببطليوس وابن صمادح بالمرية وغيرهم. وكانوا يطلبون سلمه ويعملون في مرضاته وكلهم يدارون الطاغية ويتقونه بالجزى إلى أن ظهر بالعدوة ملك المرابطين، واستفحل أمر يوسف بن تاشفين، وتعلقت آمال المسلمين في الأندلس بإعانته، وضايقهم الطاغية في طلب الجزية فقتل ابن عباد ثقته اليهودي الّذي كان يتردّد إليه لأخذ الجزية بسبب كلمة أسف بها. ثم أجاز البحر صريخا إلى يوسف بن تاشفين، وكان من إجازته إليه ومظاهرته إياه ما يأتي ذكره في أخباره، ثم طلب الفقهاء بالأندلس من يوسف بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهم، فتقدم بذلك إلى ملوك الطوائف فأجازوه بالامتساك حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم، وهو خلال ذلك يردّد العساكر للجهاد. ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ونقلهم إلى العدوة، واستولى على الأندلس كما يأتي ذكره في أخباره. وصار ابن عباد في قبضة حكمه بعد حروب نذكرها. ونقله إلى أغمات قرية مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة، واعتقله هنالك إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين. وكانت بالأندلس ثغور أخرى دون هذه، ولم يستول عليها ابن عباد فمنها بلد السهلة، استبد بها هذيل بن خلف بن رزين أوّل المائة الخامسة بدعوة هشام، وتسمى مؤيد الدولة. وهلك شهيدا سنة خمسين واربعمائة وملك بعده أخوه حسام الدولة عبد الملك بن خلف، ولم يزل أميرا عليها إلى أن ملكها المرابطون من يده عند تغلبهم على الأندلس. ومنها بلد البونت واللج تغلب عليها عبد الله بن قاسم الفهري أزمان الفتنة، وتسمى نظام الدولة وهو الّذي كان المعتمد عنده عند ما ولاه الجماعة بقرطبة ومن عنده جاء إليها، وهلك سنة إحدى وعشرين وولي ابنه محمد يمين الدولة،
[1] هكذا بالأصل وكذلك في كتاب الاحاطة في اخبار غرناطة ص 485، أما في كتاب الحلل السندسية للأمير شكيب أرسلان م ص 129 حيوس بالياء المشددة.