الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبايعوا لداود بن العاضد، ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم، وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة. ثم خرج بعد حين ابنه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصّعيد وحبس إلى أن هلك. وظهر بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد، ودعا لك وتسمى بالمهديّ فقتل وصلب. ولم يبق للعبيديّين ذكر إلّا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية.
وفي بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق. وقام بها ابن الصبّاح في قلعة الموت وغيرها كما يذكر في أخبارهم، إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العبّاسيّين ببغداد على يد هولاكو من ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستمائة، والأمر للَّه وحده. هذه أخبار الفاطميّين ملخّصة من كتاب ابن الأثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن المسبحي جمعت ما أمكنني منها ملخصا والله ولي العون.
(الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديّين ومآل أمرهم)
كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس وهو علي بن حمدون بن سمّاك بن مسعود بن منصور والجذامي يعرف بابن الأندلسي واتصل بعبيد الله وأبي القاسم بالمشرق قبل شأن الدعوة، وبعثوه من طرابلس إلى عبد الله الشيعي فأحسن اللقاء والانصراف، ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلماسة، فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقّوه إلى الرتب. ولما رجع أبو القاسم من حركته إلى المغرب سنة خمس عشرة وثلاثمائة، واختطّ مدينة المسيلة، استعمل علي بن حمدون على بنائها وسمّاها المحمدية ولما تم بناؤها عقد له على الزاب وأنزله بها وشحنها بالأقوات التي كانت ميرة للعساكر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة. ولم يزل واليا على الزاب وربى ابنيه جعفرا ويحيى بدار أبي القاسم وكان جعفر سار إلى المعز. ولما كانت فتنة أبي يزيد وأضرمت إفريقية نارا وفتنة، وأهاب القائم بالأولياء من كل ناحية، كتب إلى ابن حمدون أن يجنّد قبائل البربر ويوافيه، فنهض إلى المهدية في عسكر ضخم بقسنطينة وهو يحتشد كل من مرّ به في طريقه حتى وصل إلى شق
بنارية. ثم قارب باجة وكان بها أيوب بن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية والبربر، فزحف إليهم وتناور الفريقان، ثم بيّته أيوب فاستباح معسكره وتردى علي ابن حمدون من بعض الشواهق فهلك سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. ولما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن علي بن حمدون، وأنزله بها وأخاه يحيى، واستجدوا بها سلطانا ودولة، وبنوا القصور والمنتزهات، واستفحل بها ملكهم وقصدهم بها العلماء والشعراء، وكان فيمن قصدهم ابن هانئ شاعر الأندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة. وكان بين جعفر هذا وبين زيري بن مناد عداوة جرّتها المنافسة والمساماة في الدولة، فساء أثر زيري فيه عند صدمته للمغرب وفتكه بزناتة، وسعوا به إلى الخليفة وألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة. وتولّى محمد بن خزر أمير مغراوة. ثم إن المعزّ لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة اثنتين وثلاثمائة استقدم جعفرا فاستراب جعفر ومال بعسكره إلى زناتة قبل قدومه، وانقطعت الرسائل بينه وبين صنهاجة والخليفة المعزّ، وشملت عليه زناتة قبل قدومه واجتمعوا عليه، ودعا إلى نقض طاعة المعزّ والدعاء للحاكم المستنصر، فوجدهم أقدم إجابة لها، وناهضهم زيري الحرب قبل استكمال التعبية، فكانت عليه من أمراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح، فقصّوا رأسه وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر، فكرّم الحاكم وفادتهم ونصب رأس زيري بسوق قرطبة، وأسنى جوائز الوفد ورفع منزلة يحيى بن علي وأذن لجعفر في اللحاق بسدّته. ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بدم أبيه أظهروا العذر به، ورأى أن يتجنّب مجابهتهم لضيق ذات يده. وعجز رؤساؤهم عن الذبّ والدفاع عنها [1] ، وقبض الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة ومراس العصبيّة، فأوجس الخيفة في نفسه وألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته، وشحن السفن بما معه من المال والمتاع والرقيق، والحشم وذخيرة السلطان، وأجاز البحر ولحق بسدّة الخلافة من قرطبة وأجاز معه عظماء الزناتيّين معطين الصفقة على القيام بدعوته، والاحتطاب في جبل طاعته فكرّم مثواه وأجمل وفادتهم وأحسن منصرفهم وانقلبوا لمحبته والتشيّع له، ومناغاة الادارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى، وبثّ دعوته. وتخلّف عنهم أولاد علي بن حمدون بالحضرة وأقاموا بسدّة الخلافة، ونظّموا في طبقات الوزارة وأجريت عليهم
[1] الضمير يعود الى قبيلة زناتة، وقد اعتاد ابن خلدون ان يعيد الضمير الى ما قبل فقرات.
سنيات الأرزاق والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة. ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لمرتكب من نازعهم خرقوا به حدود الآداب مع الخلافة، فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا، ثم أطلقوا لأيام قلائل لما انغمس الحكم في علّة الفالج، وركدت ريح المروانية بالمغرب، واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو، واستدعي يحيى بن هاشم من العدوة، وكان واليا على فاس والمغرب، وأدا له الحاجب المصحفي لجعفر بن على بن حمدون، وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحة مما يتوقع منه على الدولة عند من ولي الخلافة، لما كانوا صاروا إليه من النكبة وطروق المحنة فعقدوا له ولأخيه يحيى على المغرب، وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال وكسا فاخرة للخلع على ملوك العدوة، فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه، واجتمع إليه ملوك زناتة من بني يفرن ومغراوة وسجلماسة. ولما هلك الحكم وولي هشام، وقام بأمره المنصور بن أبي عامر، اقتصر لأوّل قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان ورجال الدولة، وقلّدها أرباب السيوف والأقلام من الأولياء والحاشية وعدل في ضبطه على ما وراء ذلك على ملوك زناتة ونقدهم بالجوائز والخلع وصار إلى إكرام وفودهم وإثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم، فجدّوا في ولاية الدولة وبثّ الدعوة، وفسد ما بين هذين الأميرين جعفر وأخيه، واقتطع يحيى مدينة البصرة لنفسه وذهب بأكثر الرجال. ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنو غواطة في غزاته إياهم. ثم استدعاه محمد بن أبي عامر لأوّل أمره لما رأى من الاستكانة إليه وشد أزره به ونقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم، ثم أصحبه وتخلّى لأخيه عن عمل المغرب، وأجاز البحر إلى ابن أبي عامر فحلّ منه بالمكان الأثير. ولما زحف بلكّين إلى المغرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه، وأجاز جعفر بن علي إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمدّه بمائة حمل من المال، وانضمت إليه ملوك زناتة ورجع عنهم بلكّين كما نذكره. ولما رجع إلى ابن أبي عامر فاغتاله في بعض ليالي معاقرتهم وأعدّ له رجالا في طريقه من سمره إلى داره فقتلوه سنة [1] ولحق يحيى بن عليّ
[1] هكذا بياض بالأصل وفي وفيات الأعيان لابن خلّكان ج 1 ص 286: «توفي يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين» .