الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حوادث] سنة اثنتين وستين وثلاثمائة
فيها حشدت الروم، لعنها الله، وأقبلوا في عدد وعُدَّةٍ، فأخذوا نصيبيّن واستباحوا، وقتلوا، وأسروا.
وقدم بغداد من نجا منهم، فاستنفروا الناس في الجوامع وكسروا المنابر، ومنعوا الخطبة، وحاولوا الهجوم على الخليفة المطيع، واقتلعوا بعض شبابيك دار الخلافة حتى غُلّقتْ أبوابها، ورماهم الغلمان بالنَّشّاب من الرّواشِن، وخاطبوا الخليفة بالتعنيف وبأنّه عاجز عمّا أوجبه الله عليه من حماية حَوْزَة الإسلام، وأفحشوا القول.
ووافق ذلك غيبة الملك عزّ الدولة في الكوفة للزيارة، فخرج إليه أهل العقل والدين من بغداد، وفيهم الإمام أبو بكر الرازي الفقيه [1] ، وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي [2] ، وأبو القاسم الداركي [3] ، وابن الدقّاق [4] الفقيه، وشكوا إليه ما دَهَمَ الإسلام من هذه الحادثة العظمى، فوعدهم بالغزو، ونادى
[1] هو: أحمد بن علي تلميذ أبي الحسن الكرخي، كانت إليه رئاسة الحنفية. توفّي سنة 370 وستأتي ترجمته في وفيات الطبقة 37 للسنة المذكورة.
[2]
هو: الربعي المتوفى سنة 420 هـ. (معجم الأدباء 5/ 283) .
[3]
هو: عَبْد العزيز بْن عَبْد الله بْن محمد الفقيه الإمام- توفي سنة 375 هـ. ستأتي ترجمته في وفيات الطبقة 38 من هذا التاريخ.
[4]
هو: محمد بن محمد بن جعفر من كبار فقهاء الشافعية. (تاريخ بغداد 3/ 229) .
بالنّفير في الناس، فخرج من العَوامّ خلقٌ عدد الرمل، ثم جهّز جيشًا، وغزوا فهزموا الروم، وقتلوا منهم مقتلة كبيرة، وأسروا أميرهم وجماعة من بطارقته، وأنفذت رءوس القتلى إلى بغداد، وفرح المسلمون بنصر الله [1] .
وصادروا بختيار بن بُوَيْه [وزير] المطيع فقال: أنا ليس لي غير الخطبة، فإن أحببتم اعتزلتُ، فشدُّوا عليه حتى باع قماشه، وحمل أربعمائة ألف درهم، فأنفقها ابن بُوَيْه في أغراضه، وأهمل الغزو، وشاع في الألسنة أنّ الخليفة صُودِر، كما شاع قبله أن القاهر كدي يوم جمعة، فانظر إلى تقلّبات الدهر [2] .
وفي شهر رمضان قُتل رجل من أعوان الوالي في بغداد، فبعث الرئيس أبو الفضل الشيرازي- وكان قد أقامه عزّ الدولة على الوزارة- من طرح النّاس من النحّاسين [3] إلى السمّاكين، فاحترق حريق عظيم لم يشهد مثله، وأحرقت أموال عظيمة وجماعة كثيرة من النساء، والرجال، والصبيان، والأطفال في الدّور وفي الحمّامات، فأحصى ما أحرق (من بغداد)[4] فكان سبعة عشر [ألفا][5] وثلاثمائة دكّان، وثلاثمائة وعشرين دارًا، أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألفًا، ودخل في الجملة ثلاثون [6] مسجدًا.
فقال رجل [7] لأبي الفضل الشيرازي: أيُها الوزير أرينا قدرتك، ونحن
[1] راجع هذه الواقعة في تكملة تاريخ الطبري 1/ 210 و 211، تجارب الأمم 2/ 303 و 304، المنتظم 7/ 60، الكامل لابن الأثير 8/ 618 (حوادث سنة 361) ، البداية والنهاية 11/ 271 و 273 (حوادث سنتي 361 و 362 هـ.) ، النجوم 4/ 65، دول الإسلام 1/ 223.
[2]
راجع في ذلك. تجارب الأمم 2/ 307، الكامل لابن الأثير 8/ 619 و 620، البداية والنهاية 11/ 272، تاريخ الخلفاء 402.
[3]
هكذا في الأصل، وفي المنتظم «النخّاسين» .
[4]
ما بين القوسين عن الهامش.
[5]
ما بين الحاصرتين إضافة من المنتظم 7/ 60 ويوضح ابن كثير أنهم «سبعة عشر ألف إنسان» 11/ 273 وابن الأثير 8/ 628 وفي العبر 2/ 325 و 326 «ثلاثمائة وسبعة عشر دكانا» .
[6]
وفي تكملة تاريخ الطبري 1/ 212 والمنتظم 7/ 60 والكامل 8/ 628. (ثلاثة وثلاثون) .
[7]
هو: أبو أحمد الموسوي. (تكملة الطبري 1/ 212) .
نأمل من الله أن يرينا قدرته فيك، فلم يُجِبْه، وكَثُرَ الدَّعاء عليه [1] . ثم أنّ عزّ الدولة قبض عليه وسلّمه إلى الشريف أبي الحسن محمد بن عمر العلوي، فأنفذه إلى الكوفة، وسُقي ذراريح [2] ، فتقرّحت مثانته، فهلك في ذي الحجّة من هذه السنة، لا رحمه الله [3] .
وفي يوم الجمعة ثامن رمضان دخل المعزّ أبو تميم مَعدّ بن إسماعيل العُبَيدي مصر ومعه توابيت آبائه، وكان قد مهدّ له مُلْكَ الدّيار المصرية مولاه جَوْهَر، وبنى له القاهرة، وأقام بها دارًا للإمرة، ويُعرف بالقصرين [4] .
وفيها أقبل الدُّمُسْتُق في جيوشه إلى ناحية مَيّافارقين، فالتقاه ولد ناصر الدولة حمدان وهزم الروم، وللَّه الحمد، وأسر الدُّمُسْتُق الخبيث، وبقي في السجن حتى هلك [5] .
وفيها وزر ببغداد أبو طاهر بن بقيّة، ولُقّب بالنّاصح، وكان سمحا كريمًا، له راتب كل يوم من الملح ألف رطل، وراتبه من الشمع ألف مَنّ.
وكان عزّ الدولة قد استوزر ذاك المُدْبِر أبا الفضل الشيرازي، واسمه العبّاس بن الحسن [6] صهر الوزير المهلّبي، ثم عزله بعد عامين من وزارته
[1] تكرّر بعد ذلك: «فلم يجبه وأكثر الدعاء عليه» .
[2]
يقال: ذرح الطعام، وذرحه تذريحا: جعل فيه الذرائح، وهو سمّ. (القاموس المحيط) .
[3]
انظر: تكملة تاريخ الطبري 1/ 212، المنتظم 7/ 60، العبر 2/ 326، تاريخ الخلفاء 402.
[4]
قارن بالمنتظم 7/ 60 و 61 ودول الإسلام 2/ 223 والعبر 2/ 326 والنجوم الزاهرة 4/ 66، والبيان المغرب 1/ 228، والدرّة المضية 145، وتاريخ الأنطاكي، واتعاظ الحنفا 1/ 133 وما بعدها، وعيون الأخبار- السبع السادس 184 وما بعدها.
[5]
تكملة تاريخ الطبري 1/ 211، تجارب الأمم 2/ 312.
[6]
في المنتظم 7/ 61 «الحسين» : وكذلك في الكامل لابن الأثير 8/ 128.
بأبي الفرج محمد بن العبّاس فسانجس، ثم عزل أبا الفرج بعد سنة، وأعاد الشيرازي إلى الوزارة، فصادر الناس وأحرق الكّرخ، وكان أبو طاهر من صغار الكُتّاب، يكتب على المطبخ لعزّ الدولة، فآل أمره إلى الوزارة، فقال الناس: من الغضاوة إلى الوزارة. وكان كريمًا جوادًا، فغطّى كرمُهُ عيوبه، فوزر لعزّ الدولة أربعة أعوام، ثم قتله عضد الدولة وصلبه [1] .
[1] قارن بالمنتظم 7/ 61 والنجوم الزاهرة 4/ 66.