الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل؟ ولا بد أن يدوس بساطي.
فامتنع محمود فحاصرها مدة، فخرج محمود ليلةً بأمه، فدخلت وخدمت وقالت: هذا ولدي فافعل به ما تحب.
فعفا عنه وخلع عليه، وقدم هو تقادُم جليلة، فترحل عنه [1] .
[موقعة منازكرد]
وفيها الوقعة العظيمة بين الإسلام والروم.
قال عزّ الدين في «كامله» [2] : فيها خرج أرمانوس طاغية [3] الروم في مائتي ألف من الفرنج والروم والبجاك [4] والكرج [5] ، وهم في تجمل عظيم، فقصدوا بلاد الإسلام، ووصل إلى مَنَازْكِرْدٍ [6] بُليدة من أعمال خلاط. وكان السلطان ألب أرسلان بخويّ [7] من أعمال أَذْرَبَيْجان قد عاد من حلب، فبلغه كثرة جموعهم وليس معه من عساكره إلا خمس عشرة ألف فارس، فقصدهم وقال: أنا ألتقيهم صابرًا محتسبًا، فإن سلمت فبنعمة الله تعالى، وإن كانت الشّهادة فابني ملك شاه ولي عهدي.
فوقعت مقدمته على مقدمة أرمانوس فانهزموا وأسر المسلمون مقدّمهم،
[1] تاريخ حلب (زعرور) 348 (سويّم) 15، الكامل في التاريخ 10/ 64، تاريخ الزمان 109، المختصر في أخبار البشر 2/ 187، نهاية الأرب 26/ 312، 313، بغية الطلب (تراجم السلاجقة) 17 و 18 و 19 و 23، 24، الدرّة المضيّة 391، 392، دول الإسلام 1/ 271، تاريخ ابن الوردي 1/ 373، تاريخ ابن خلدون 3/ 470، اتعاظ الحنفا 2/ 302.
[2]
الكامل في التاريخ 10/ 65 وما بعدها.
[3]
في الكامل 8/ 109 (طبعة دار الكتاب العربيّ) : «ملك» . وكذا في طبعة صادر 10/ 65، وهو الإمبراطور رومانوس الرابع.
[4]
في الكامل 8/ 109 (طبعة دار الكتاب العربيّ) : «البجناك» ، وكذا في طبعة صادر 10/ 65.
[5]
قال ابن العماد الحنبلي: الكزج بالزاي والجيم. (شذرات الذهب 3/ 311) .
[6]
في الكامل 8/ 109 (طبعة دار الكتاب العربيّ) : «ملازكرد» ، وكذا في طبعة صادر 10/ 65، وفي (معجم البلدان 5/ 202) : منازجرد: بعد الألف زاي ثم جيم مكسورة، وراء ساكنة، ودال. وأهله يقولون منازكرد، بالكاف. بلد مشهور بين خلاط وبلاد الروم، يعدّ في أرمينية وأهله أرمن الروم.
[7]
خويّ: بلفظ تصغير خوّ. بلد مشهور من أعمال أذربيجان، حصن كثير الخير والفواكه. (معجم البلدان 2/ 408) .
فأحضر إلى السلطان فجدع أنفه، فلما تقارب الجمعان أرسل السّلطان يطلب المهادنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا بالري. فانزعج السلطان فقال له إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح.
فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين [1] .
فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى [2] الناس لبكائه، ودعا فأمنوا [3]، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما هاهنا سلطان بأمر ولا ينهى [4] . وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف [5] ، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني.
وزحف إلى الروم، وزحفوا إليه، فلما قاربهم ترجل وعفر وجهه بالتراب، وبكى، وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل الجيش معه، فحصل المسلمون في وسطهم، فقتلوا في الروم كيف شاءوا، وأنزل الله نصره، وانهزمت الروم، وقتل منهم ما لا يحصى، حتى امتلأت الأرض بالقتلى، وأسر ملك الروم، أسره غلام لكوهرائين فأراد قتله ولم يعرفه، فقال له خدم [6] مع الملك: لا تقتله فإنه الملك.
وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرائين على نظام الملك، فرده استحقارًا له. فأثنى عليه أستاذُه، فقال نظام الملك: عسى يأتينا بملك الروم أسيرًا. فكان كذلك.
ولما أحضر إلى بين يدي السلطان ألب أرسلان ضربه ثلاث مقارع بيده
[1] في (الكامل 10/ 66) زيادة: «بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة» .
[2]
في الأصل: «فبكا»
[3]
في الكامل 10/ 66: «ودعا ودعوا معه» .
[4]
في الكامل: «يأمر وينهى» .
[5]
زاد في الكامل: «والدبوس» .
[6]
في الكامل 10/ 66: «خادم» .
وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟.
فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد.
قال: ما كان عزمك أن تفعل بي لو أسرتني؟
قال: أفعل القبيح.
قال: فما تظن أنني أفعل بك؟
قال: إما أن تقتلني، وإما أن تشهرني في بلادك، والأخرى بعيدة، وهي العفو، وقبول الأموال، واصطناعي.
قال له: ما عزمتُ على غير هذه [1] .
ففدى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن ينفذ إليه عسكره كلما طلبه، وأن يطلق كل أسير في مملكته. وأنزله في خيمةٍ، وأرسل إليه عشرة آلاف دينار ليتجهز بها، وخلع عليه وأطلق له جماعة من البطارقة، فقال أرمانوس: أين جهة الخليفة؟
فأشاروا له، فكشَفَ رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة، وهادنه السلطان خمسين سنةً، وشيعه مسيرة فرسخ [2] .
وأما الروم- لعنهم الله- فلما بلغهم أنه أسر ملكوا عليهم ميخائيل، فلما وصل أرمانوس إلى طرف بلاده بلغه الخبر، فلبس الصوف وأظهر الزهد، وجمع ما عنده من المال، فكان مائتي ألف دينار وجوهر بتسعين ألف دينار، فبعث به، وحلف أنه لا بقي يقدر على غير ذلك.
ثم إن أرمانوس استولى على بلاد الأرمن.
[1] في الكامل 10/ 67: «هذا» .
[2]
علّق ابن العبري على هذا الخبر بقوله: «هكذا رأينا هذا الخبر في نسختين أحدهما عربية والثانية فارسية، غير أن البطريرك ميخائيل المغبوط ذكر أن ابن أخت السلطان هو الّذي قبض على الملك وأن رجلا كرديّا وثب فقتله وأوثق الملك كأنه هو الّذي أحرز الغلبة، وأن السلطان لما سأل الملك: ما كانت نيّتك أن تصنع بي لو وقعت بيدك؟ وأن ديو جنيس قال له: كنت أحرقك بالنار. فعلى ما يظهر أن عبارة كهذه لا يعقل أن يقولها ملك لملك. زد عليه أن رجلا كرديا لا يتيسّر له أن يقتل ابن أخت السلطان ويخطف الملك من يده مدّعيا أنه هو الّذي أوثقه، إذا كان هذا الكردي يخشى أقلّه أن يفضح الملك كذبه» . (تاريخ الزمان 111، 112) .