الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وعشرين وستمائة
حرف الألف
67-
أحمدُ أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله [1] . أبو العبّاس ابن
[1] انظر عن (الناصر لدين الله) في: التلقيح لابن الجوزي، ورقة 26 فما بعدها، ورحلة ابن جبير 206، والكامل في التاريخ 12/ 438- 440، والنبراس لابن دحية 164، 165، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 168- 170، والتاريخ المظفري لابن أبي الدم، ورقة 211 وما بعدها، وتاريخ بغداد للبنداري، ورقة 28، 29، والتاريخ المنصوري 116، ومضمار الحقائق 11، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 635، 636، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 160، 161 رقم 2070، وتاريخ الزمان لابن العبري 269، وتاريخ مختصر الدول، له 237، ومفرّج الكروب 4/ 158- 171، وإنسان العيون لابن أبي عذيبة، ورقة 2- 4، وذيل الروضتين 145، وتاريخ گزيدة 336- 367، ووفيات الأعيان 1/ 66- 68، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 190، والفخري في الآداب السلطانية 322، 323، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 242- 253، وتاريخ المسلمين لابن العميد 135، ومحاضرة الأبرار ومسامرة الأخبار لابن عربي 1/ 34، 35، وخلاصة الذهب المسبوك للإربلي 280- 284، والدر المطلوب 271، 272، والمختصر في أخبار البشر 3/ 135، 136، والعبر 5/ 87، 88، والإعلام بوفيات الأعلام 256، والإشارة إلى وفيات الأعيان 326، 327، والمختار من تاريخ ابن الجزري 121- 123، ودول الإسلام 2/ 88، والمختصر المحتاج إليه 1/ 179، 180، وسير أعلام النبلاء 22/ 192- 243 رقم 131، وتاريخ ابن الوردي 2/ 147، ومرآة الجنان 4/ 50، والوافي بالوفيات 6/ 310- 316 رقم 2817، ونكت الهميان 93- 96، وفوات الوفيات 1- 62، والاكتفاء لابن نباتة، ورقة 99 وما بعدها، والبداية والنهاية 13/ 106، 107، والجوهر الثمين لابن دقماق 214، 215، والعقد الثمين 2/ ورقة 6، ومآثر الإنافة 2/ 56- 73، والعسجد المسبوك 2/ 407- 411، وتاريخ الخميس 2/ 412، والسلوك ج 1 ق 1/ 217- 219، والنجوم الزاهرة 6/ 261، 262، والمنهل الصافي 1/ 264 رقم 142، وتاريخ الخلفاء 480- 490، ومختصر تاريخ الخلفاء لعبد الواحد المراكشي 108- 122، وشرح رقم الحلل 108، 121، وسلّم الوصول لحاجّي خليفة، ورقة 76، وكشف الظنون، له 915، وتحفة الناظرين 133 ووقع فيه أن وفاته سنة 922
الإمام المستضيء بأمر الله أبي محمد الحَسَن ابن الإمام المستنجد باللَّه أبي المُظَفَّر يوسُف ابن الإمام المقتفي [1] لأمر الله أبي عبد الله محمد ابن الإمام المستظهر باللَّه أحمد، ابن المقتدي بأمر الله أبي القاسم الهاشميّ، العبّاسيُّ، البَغْداديُّ.
وُلِدَ يوم الاثنين عاشر رجب سَنةَ ثلاثٍ وخمسين وخمسمائة. وبويع أوّل ذي القعدة سَنةَ خمسٍ وسبعين. وكان أبيضَ اللّون، تُركيّ الوجه، مليحَ العَيْنَيْنِ، أنورَ الجبهة، أقنى الأنف، خفيفَ العارِضين، أشقرَ اللّحية، مليحَ المحاسن. نَقْشُ خاتمه «رجائي مِن الله عفوُه» .
أجاز لَهُ أبو الحُسَيْن عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وأبو الحَسَن عليُّ بن عساكر البَطائحيّ، وشُهْدَة، وجماعة. وأجاز هُوَ لجماعةٍ من الكبار، فكانوا يُحدِّثون عنه في حياته، ويتنافسُون في ذلك، وما غَرَضهُم العلوّ ولا الإِسْنَاد، بل غرضُهم التّفاخُرُ، وإقامة الشعار والوَهْم.
ولم تكن الخلافةُ لأحد أطولَ مُدَّة منه، إلّا ما ذُكِرَ عن الخوارج العُبيديّين، فإنَّه بقي في الأمر بديار مصر المُسْتَنْصِرُ نحوا من ستّين سَنةَ. وكذا بقي الأميرُ عبدُ الرحمن صاحبُ الأندلس خمسين سنة. وكان المستضيء أبوه قد تخوّف منه، فاعتقله، ومال إلى أخيه أبي منصور. وكان ابن العطّار، وأكثر الدّولة مع أبي منصور وحظيّة المستضيء بنفشا، والمجد ابن الصّاحبِ، ونفرٌ يسير مع أبي العبّاس. فلمّا بويع أبو العبّاس، قَبَضَ على ابن العطّار وسَلَّمه إلى المماليك. وكان قد أساء إليهم، فأُخْرِجَ بَعْدَ أيَّام ميتا، وسُحِبَ في شوارع بغدادَ. وتمكَّن المجدُ ابن الصّاحب فوق الحدّ وطغا، وآلت به الحالُ إلى أن قُتِلَ.
قال الموفّق عبد اللّطيف: وكان النّاصِرُ لدين الله، شابّا، مرِحًا، عنده مَيْعَة الشباب. يَشُقُّ الدُّروبَ والأسواق أكثرَ اللّيل والنّاسُ يتهيّبون لقاءه. وظهر
[ () ] وهذا خطأ من الطباعة، وتاريخ الأزمنة للدويهي 213، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 285، 286، وشذرات الذهب 5/ 101، وتحفة الأحباب للسخاوي 19، وأخبار الدول للقرماني 177، 178، والأعلام 1/ 106.
[1]
وقع في المطبوع من: تاريخ الإسلام- ص 75 «المقتضي» وهو تصحيف.
التَشيّعُ بسبب ابن الصّاحب، ثمّ انطفى بهلاكه. وظهر التَّسنُّنُ المُفْرِطُ ثمّ زال.
وَظَهَرتِ الفُتُوةُ والبُنْدق والحَمَام الهادي، وتفنَّن النّاسُ في ذلك. ودخل فيه الأجِلّاءُ ثمّ الملوك، فألبسوا الملك العادِلَ وأولادَه سراويلَ الفُتُوَّة، وكذا ألبسوا شهاب الدِّين الغوريّ ملك غَزْنة والهند، وصاحب كميش، وأتابَك سَعْد صاحب شيراز، والملكَ الظّاهر صاحب حلب، وتخوَّفوا من السُّلطان طُغْريل.
وجرت بينهم حروب. وفي الآخر استدعوا تِكش لحربه، وهُوَ خُوارِزم شاه، فخرج في جحْفَلٍ لَجِبٍ، والتقى معه على الرَّيّ، واحتزَّ رأسَه، وسيَّره إلى بغداد. ثمّ تقدَّم تِكش نحو بغداد يلتمسُ رسومَ السلطنة، فتحرَّكت عليه أُمَّةُ الخَطَا، فَرَجَعَ إلى خُوارزم، وما لَبِثَ أن مات.
وكان النّاصرُ لدين الله قد خطب لولده الأكبر أبي نصر بولاية العهد، ثُمّ ضيَّق عليه لمّا استشعر منه، وعيَّن أخاه، ثمّ ألزم أبا نصر بأن أشهدَ على نفسه أنَّه لا يَصْلُح، وأنّه قد نزل عن الأمر. وأكبر الأسباب في نفور الناصر من ولده هو الوزير نصير الدّين ابن مهديّ العلويّ، فإنَّه خَيَّلَ إلى الخليفة فساد نيَّة ولده بوجوهٍ كثيرة. وهذا الوزيرُ أفسد على الخليفة قلوبَ الرعية والْجُند، وبَغَّضَهُ إليهم وإلى ملوكِ الأطراف، وكاد يُخلي بغداد عن أهلها، بالإرهاب تارة وبالقتل أخرى، ولا يَقْدِرُ أحد أن يكشِفَ للخليفة حالَ الوزير، حَتّى تمكّن الفسادُ وظهر، فقبض عليه برِفق.
وفي أثناء ذلك، ظهر بخُراسان وما وراءَ النهر خُوارزم شاه محمد بن تكش وتَجَبَّر وطوى البلادَ، واستعبد الملوكَ الكِبَارَ وفَتَكَ بكثيرٍ منهم، وأباد أمما كثيرة من التُّرْك، فأباد أُمَّة الخَطا، وأُمَّة التُّرْك، وأساء إلى باقي الأمم الّذين لم يصل إليهم سَيْفُه. ورَهِبَه النّاسُ كُلُّهم. وقَطَعَ خطبة بني العبَّاس من بلاده، وصرَّح بالوقيعة فيهم. وقَصَدَ بغداد فوصل إلى هَمَذَانَ وبوادِرُه إلى حُلوان فوقع عليهم ثلج عظيمٌ عشرين يوما، فغطّاهم في غير إبَّانِهِ، فأشعره بعضُ خواصِّه أنّ ذلك غضبٌ مِن الله، حيث نقصِدُ بيتَ النُّبُوّة. والخليفة مع ذلك قد جَمَعَ الجموعَ، وأنفق النفقاتِ، واستعدَّ بكُلِّ ما تصل المُكنةُ إليه، لكنّ الله وقَى شرَّه وردَّه على عقبه. وسَمِعَ أنَّ أمم التُّرْك قد تألَّبوا عليه وطَمِعُوا في البلاد لِبُعده عنها، فقصدهم، فقصدُوه، ثمّ كايدوه، وكاثروه إلى أن مزَّقوه في كلّ وِجْهة،
وبَلْبَلوا لُبَّه، وشتَّتوا شملَهُ، وملكوا عليه أقطارَ الأرض، حَتّى ضاقت عليه بما رَحُبَتْ، وصار أين توجَّه، وَجَدَ سيوفَهم متحكّمة فيه، فتقاذفت به البلادُ حَتّى لم يجد موضعا يحويه، ولا صديقا يُؤويه، فشرَّق وغرَّب، وأنجد وأسهل، وأصحرَ وأجبل، والرُّعْبُ قد ملك لُبّه، فعند ذلك قضى نحبه.
قال: وكان الشيخ شهاب الدِّين [1] لَمّا جاء في الرسالة خاطبه بِكُلِّ قولٍ ولاطفهُ، ولا يزدادُ إلّا طغيانا وعُتوًّا، ولم يزل الإمامُ النّاصر مُدَّة حياته في عِزٍّ وجلالةٍ، وقمْع للأعداء، واستظهارٍ على الملوك، لم يجد ضَيْمًا، ولا خرج عليه خارجيّ إلّا قمعه، ولا مخالفٌ إلّا دَمَغه، وكلّ مَنْ أَضْمر لَهُ سوءا رماه الله بالخِذلان، وأبادَه. وكان مع سعادة جَدِّه شديدُ الاهتمام بمصالح المُلك، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيّة كبارِهم وصغارِهم. وأصحابُ أخباره في أقطار البلاد يُوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة- والباطنة حَتّى يُشاهد جميعَ البلادِ دفعة واحدة.
وكانت لَهُ حِيَلٌ لطيفة، ومكايدُ غامضة، وخِدعٌ لا يَفْطَنُ لها أحد. يُوقِعُ الصداقةَ بين ملوك متعادين وهم لا يشعرون، ويُوقع العداوة بين ملوكٍ متّفقين وهم لا يَفْطَنُونَ. قال: ولو أخذنا في نوادِر حكاياته، لاحتاجت إلى صُحُفٍ كثيرة.
ولمّا دخل رسول صاحب مازندران بغدادَ، كانت تأتيه ورقةٌ كُلّ صباح بما عمل في اللّيل، فصار يبالغ في التّكلّم، والورقة تأتيه، فاختلى ليلة بامرأةٍ دخلت من باب السِّرِّ، فصبّحته الورقة بذلك، وفيها: كَانَ عليكم دواجٌ فيه صُورة الأفْيلة. فتحيَّر، وخرج من بغداد وهُوَ لا يشكّ أنّ الخليفة يَعْلَمُ الغيب، لأنّ الإمامية يعتقدون أنّ الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل، وما وراء الجدار. وقيل: إنَّ الناصر كَانَ مخدوما من الجنّ.
وأتى رسولُ خُوارزم شاه برسالةٍ مَخْفيّة وكتابٍ مختوم، فقيل: ارجع، فقد عرفنا ما جئتَ به، فرجع وهُوَ يظنّ أنّهم يعلمون الغيب.
ووصل رسول آخر فقال: الرسالة معي مشافهة إلى الخليفة، فحبس،
[1] يعني: عمر السّهروردي المتوفى سنة 632 هـ-.
ونُسِيَ ثمانية أشهر، ثمّ أُخْرج وأُعطي عشرة آلاف دينار، فذهب إلى خُوارزم شاه، وصار صاحبَ خبرٍ لهم، وسيَّر جاسوسا يُطْلِعُه على أخبار عسكر خُوارزم شاه لَمّا وجَّه إلى بغداد، وكان لا يقدِرُ أحدٌ أن يَدْخُلَ بينهم إلّا قتلوه، فابتدأ الجاسوسُ وشوَّه خِلقته وأظهر الجنونَ، وأنّه قد ضاع لَهُ حمار فأنِسُوا به، وضَحِكُوا منه، وتردّد بينهم أربعين يوما، ثمّ عاد إلى بغداد، فقال: هم مائة وتسعون ألفا إلّا أن يزيدوا ألفا أو يَنْقُصُوا ألفا.
وكان النّاصرُ إذا أَطعم، أشبع، وإذا ضَرَبَ، أوجع، ولَهُ مَوَاطِنُ يُعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر. ووصلَ رجلٌ معه بَبّغاء تَقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 تُحفةً للخليفة من الهند، فأصبحت ميتة، وأصبح حيرانَ، فجاءه فرّاش يطلب منه الببّغاء، فبكى، وقال: اللّيلة ماتت فقال: قد عرفنا هاتِها ميتة، وقال: كم كَانَ في ظَنِّكَ أن يعطيك الخليفة؟ قال: خمسمائة دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار خُذها، فقد أرسلها إليك أميرُ المؤمنين، فإنَّه علم بحالك مذ خرجت من الهند! وكان صدر جهان قد صار إلى بغداد ومعه جمعٌ من الفقهاء، وواحد منهم لَمّا خرج من داره من سمرقند على فَرَسٍ جميلة، فقال لَهُ أهلُه: لو تركتَها عندنا لئلا تُؤْخَذَ منك في بغداد؟ فقال: الخَليفةُ لا يقدر أن يأخذها منّي، فأمر بعض الوقّادين أنَّه حين يَدْخُلُ بغداد يَضْرِبُه، ويأخُذُ الفرس ويَهْرُبُ في الزَّحمة، ففعل، فجاء الفقِيهُ يستغيثُ فلا يُغاث، فلمّا رجعوا من الحجِّ خُلِعَ على صَدْرِ جهان وأصحابه سوى ذلك الفقيه، وبعدَ الفراغ منهم، خُلِعَ عليه، وأُخرج إلى الباب وقُدِّمَتْ لَهُ فرسُه وعليها سرجٌ من ذهب وطوق، وقيل لَهُ:
لم يأخذ فَرَسَك الخليفةُ، إنّما أخذها أتونيٌّ، فخرَّ مَغْشِيًّا عليه، وأسجل بكراماتهم.
قلت: يجوز أن يكون للخليفة أو لبعضِ خواصُه رَئِيٌّ من الجنّ، فيخبره بأضعاف هذا، والخطبُ في هذا سهل، فقد رأينا أنموذجَ هذا في زماننا بل وأكثر منه.
قال الموفقُ عبدُ اللّطيف: وفي وسط ولايته اشتغل برواية الحديث، واستنابَ نُوابًا في ذلك، وأجرى عليهم جِراياتٍ، وكتبَ للملوك والعلماءِ
إجازات. وجمع كتابا سبعينَ حديثا ووصل على يدِ شهاب الدِّين إلى حَلَب، وسمعه الملكُ الظَّاهر وجماهيرُ الدَّولة، وشرحتُهُ شرحا حسنا، وسيَّرتُه صُحبة شهاب الدِّين.
وسبب انعكافه على الحديث أنّ الشريفَ العباسيّ قاضي القضاة نُسِبَ إليه تزوير، فأحضر القاضي وثلاثة شهود، فَعُزِّرَ القاضي بأن حُرّكت عِمامته فقط، وَعُزِّرَ الثلاثة بأنْ أُرْكِبوا جِمالًا وَطِيفَ بهم المدينة يُضربون بالدِّرَّةِ، فمات واحد تلك اللّيلة، وآخر لبس لُبْسَ الفُسَّاق ودخل بيوتهم، والثالث لَزِمَ بيتَه واختفى وهُوَ البَنْدنيجيّ المُحدِّث رفيقنا. فَبَعْدَ مُدَّةٍ احتاج، وأراد بيع كُتُبه، ففتّش الْجُزازَ، فوجد فيه إجازة للخليفة من مشايخ بغداد، فرفعها، فَخُلِعَ عليه، وأُعطِيَ مائة دينار، وجُعِلَ وكيلا عن أمير المؤمنين في الإِجازة والتّسميع.
قلت: أجاز النّاصرُ لجماعةٍ من الأعيان فحدّثوا عنه منهم: أبو أحمد ابن سكينة، وأبو محمد ابن الأخضر، وقاضي القضاة أبو القاسم ابن الدَّامغانيّ، وولده الظاهر بأمرِ الله، والملك العادلُ، وبنوه المعظَّم والكامِلُ والأشرفُ.
قال ابن النجّار: شرّفني بالإِجازة، فرويتُ عنه بالحَرَمَين، وبيتِ المقدس، ودمشقَ، وحلبَ، وبغدادَ، وأصبَهَان، ونَيْسَابُور، ومَرْوَ، وهَمَذَانَ.
ثمّ روى عنه حديثا بالإجازة الّتي أذِن لَهُ بخطِّه.
وقال الموفّق عبد اللّطيف: وأقام سنين يُراسِلُ جلالَ الدِّين حسن صاحب أَلَموت يُراوِدُه أن يُعيد شعارَ الْإِسْلَام منَ الصلاة والصيام وغير ذلك ممّا رفعوه في زمان سِنَان، ويقول: إنّكم إذا فعلتم ذلك كنّا يدا واحدة، ولم يتغيَّرْ عليكم مِن أحوالكم شيءٌ، ومَنْ يروم هذا مِن هؤلاء، فقد رام منال العَيُّوق [1] ، واتّفق أنّ رسول خُوارزم شاه بن تِكش ورد في أمرٍ من الأُمور، فزُوِّر على لسانه كُتُبٌ في حقِّ الملاحِدَةِ تشتمل على الوعيدِ، وعَزْمِ الإيقاع بهم، وأنه سيُخَرِّبُ قِلاعَهم، ويطلبُ من الخليفة المعونةَ في ذلك، وأُحْضِرَ رجل منهم كَانَ قاطنا ببغدادَ، ووُقِّفَ على الكتب، وأُخْرِجَ بها وبكُتب أخرى على وجه النصيحةِ نصفَ اللّيلِ على البريد، فلمّا وصل أَلَمُوتَ، أرهبهم، فما وجدوا مخلصا إلّا
[1] العيّوق: نجم أحمر في طرف المجمرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها.
التَّظَاهُرَ بالإسلام، وإقامة شِعاره. وسيَّروا إلى بغداد رسولا ومعه مائتا شابّ منهم، ودنانيرَ كبارا في مخانق، وعليها «لا إله إلا الله مُحَمَّد رَسُول اللَّه» ، وطافُوا بها في بغداد، وجميعُ من حولها يُعلِنُ بالشهادتين.
وكان النّاصرُ لدين للَّه قد ملأ القلوبَ هيبة وخيفة. فكان يَرْهَبُه أهلُ الهند ومصر كما يَرْهَبُهُ أهلُ بغدادَ، فأحيا هيبةَ الخِلافة وكانت قد ماتت بموت المعتصم، ثمّ ماتت بموته. ولقد كُنْتُ بمصر والشام في خلواتِ الملوكِ والأكابرِ، فإذا جرى ذكره، خفضوا أصواتهم هيبة وإجلالا.
وورد بغدادَ تاجرٌ معه متاع دِمياط المُذهب، فسألوه عنه، فأنكر، فأُعطي علاماتٍ فيه مِن عدده وألوانه وأصنافه، فازداد إنكارُه، فقيل لَهُ: مِن العلامات أنَّك نَقَمْتَ على مملوكك التّركيّ فلان، فأخذْتَه إلى سَيفِ [1] بَحْرِ دمياط خلوة، وقتلتَه ودفنتَه هناك، ولم يشعر بذلك أحد.
قال ابن النجار في ترجمة النّاصر: دانت لَهُ السلاطينُ، ودخل تحتَ طاعته مَنْ كَانَ من المخالفين، وذَلَّتْ لَهُ العُتاة والطُّغاة، وانقهرت بسيفه الجبابرة والبُغاة، واندحضَ أضدادُه وأعداؤه، وكَثُرَ أنصارُه وأولياؤُه، وفَتَحَ البلادَ العديدة، وملك مِن الممالك ما لم يملِكُه مَنْ تقدَّمه مِن الخلفاء والملوك أحد، وخُطِبَ لَهُ ببلادِ الأندلس وبلاد الصّين، وكان أسدَ بني العباس، تتصدَّع لهيبته الجبال، وتذِلُ لسطوته الأقيال. وكان حَسَنَ الخَلْقِ، لَطِيفُ الخُلُق، كامل الظَّرْفِ، فصيحَ اللّسان، بليغَ البيان، لَهُ التّوقيعاتُ المسدَّدة، والكلماتُ المؤيَّدة، كانت أيّامُه غُرَّةً في وجه الدّهر، ودُرَّةً في تاج الفخر.
وقد حدَّثني الحاجب أبو طالب عليُّ بن مُحَمَّد بن جعفر قال: برز توقيعٌ من الناصر لدين الله إلى جلال الدّين ابن يونس صدر المخزن: «لا ينبغي لأرباب هذا المقام أن يُقَدِمُوا على أمر لم ينظروا في عاقبته، فإنّ النظرَ قبل الإقدام خيرٌ من الندم بعد الفوات، ولا يؤخذ البرآء بقول الأعداء، فلكلِّ ناصح كاشح، ولا يُطالب بالأموال من لم يَخُنْ في الأعمال، فإنّ المصادرة مكافأة للظالمين، وليكن العفاف والتقى رقيبان عليك» .
[1] السّيف: شاطئ البحر.
قال الحاجبُ أبو طالب: وبرز توقيعٌ آخر منه إلى ابن يونس: «قد تكرر تَقَدُّمنا إليك مِمّا افترضه الله علينا، ويلزمنا القيامُ به، كيف يُهْمَلُ حال الناس حَتّى تمَّ عليهم ما قد بُيّن في باطنها، فتنصف الرجل، وتقابل العامل إن لم يُفلج بحجّة شرعية» .
وقال القاضي ابن واصل [1] : كَانَ النّاصرُ شَهمًا، شُجاعًا، ذا فكرةٍ صائبةٍ وعقلٍ رصينٍ، ومَكْرٍ ودَهاءٍ، وكانت هيبتُه عظيمة جِدًّا، ولَهُ أصحابُ أخبار في العِراق وسائر الأطراف، يُطالعونه بجزئيات الأمورِ [2] ، حَتّى ذُكِرَ أنّ رجلا ببغداد عمل دعوة، وغسّل يَده قبل أضيافه، فطالع صاحبُ الخبر الناصر بذلك. فكتب في جواب ذلك:«سوءُ أَدَبٍ من صاحب الدّار، وفضولٍ من كاتب المطالعة» .
قال [3] : وكان مع ذلك رديءَ السِّيرة في الرعية، مائلا إلى الظُّلم والعَسْفِ، فخِربَتْ في أيامه العِراق، وتفرَّق أهلُها في البلاد، وأخذ أموالَهم وأملاكَهم، وكان يفعل أفعالا متضادّة، إلى أن قال [4] : وكان يتشيَّعُ، ويميل إلى مذهب الإِمامية بخلاف آبائه، إلى أن قال: وبلغني أنّ شخصا كَانَ يرى صحّة خلافةِ يزيد، فأحضره الخليفةُ لِيعاقبه، فقيل لَهُ: أتقولُ بصحّة خلافة يزيد؟ فقال: أنا أقولُ: إن الإمام لا ينعزِلُ بارتكاب الفِسْقِ، فأعرض النّاصرُ عنه، وأمر بإطلاقه، وخاف المحاققة.
قال [5] : وسئل ابن الجوزيّ- والخليفة يسمع-: مَن أفضلُ النّاس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أفضلُهم بعده من كانت ابنتُه تحته. وهذا جوابٌ محتمل لأبي بكر وعليّ رضي الله عنهما.
وكتب إلى الناصر خادمٌ لَهُ اسمه يُمن ورقة فيها يعتب، فوقع فيها:«بِمَن يَمُنُّ يُمْن، ثمنُ يُمنٍ ثمن» [6] .
[1] في «مفرج الكروب» : 4/ 163 بتصرف.
[2]
«وكلياتها» كما في «مفرج الكروب» .
[3]
في «مفرج الكروب» : 4/ 163.
[4]
في «مفرج الكروب» : 4/ 166.
[5]
في «مفرج الكروب» : 4/ 166- 167.
[6]
أثبت محقق مفرج الكروب العبارة: «بمن يمنّ يمن [؟] ثمن يمن ثمن ثمن» وقد بدا فيها الاضطراب، وهي غير منقوطة في الأساس. ووردت مصحّحة في: الوافي بالوفيات 6/ 315.
وقال أبو المُظَفَّر الجوزيّ [1] : قلّ بَصَرُ الخليفة في الآخر، قيل: ذهب جملة. وكان خادمُه رشيقٌ قد استولى على الخلافة، وأقام مُدَّة يُوقِعُ منه شدّة وشَقَّ ذَكره مرارا، وما زال يعتريه حَتّى قتله. وغسّله خالي محيي الدِّين يوسُف.
وقال الموفّق: أمّا مرضُ موته، فسهْوٌ ونسيان، بقي به ستّةَ أشهر ولم يشعر أحد من الرعية بكُنْه حاله، حَتّى خَفِيَ على الوزير وأهلِ الدّار. وكان لَهُ جاريةٌ قد علّمها الخطِّ بنفسه، فكانت تكتب مثل خطّه، فتكتب على التّواقيع بمشهورة قَهْرَمَانَةِ الدّار. وفي أثناء ذلك نزل جلال الدِّين محمد خُوارزم شاه على ضواحي بغداد هاربا مُنَفَّضًا مِن المال والرجال والدّوابُ، فَأَفْسَدَ بقدر ما كانت تَصِلُ يدُه إليه. وكانوا يُدارونه ولا يُمضون فيه أمرا لِغيبة رأي الخليفة عنهم، إلى أن راح إلى أَذْرَبَيْجَان، ونهب في ذهابه دَقُوقًا واستباحها.
وكانت خلافتُه سبعا وأربعين سَنةَ. تُوُفّي في سَلْخ رمضان، وبُويَع لِولده أبي نصر ولُقِّبَ بالظَّاهر بأمر الله، فكانت خلافتُه تسعة أشهر.
وذكر العَدْلُ شمس الدِّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي بَكْرٍ الْجَزَرِيُّ قَالَ [2] :
حَدَّثَنِي وَالِدِي قَالَ: سَمِعْتُ الوزير مؤيّد الدين ابن الْعَلْقَمِيِّ لَمَّا كَانَ عَلَى الأُسْتَاذِ دَاريَّة [3]، يَقُولُ: إِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ الإِمَامُ النَّاصِرُ كَانَتْ تَجِيءُ بِهِ الدَّوَابُ مِنْ بَغْدَادَ بِسَبْعَةِ فَرَاسِخَ، وَيُغْلِى سَبْعَ غَلْوَاتٍ، كُلَّ يَوْمٍ غَلْوَةٌ، ثُمَّ يُحْبَسُ فِي الأَوْعِيَةِ سَبْعَةَ أيََّامٍ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَبَعْدَ هَذَا [الاحْتِرَازِ][4] مَا مَاتَ حَتّى سُقِيَ الْمُرَقِّدَ [5] ثَلاثَ مِرَارٍ وَشُقَّ ذَكَرُهُ وَأُخْرِجَ منه الحصى [6] .
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 2/ 635.
[2]
في كتاب «حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه» ص 122، وقد اختصر الذهبي هذا القسم من تاريخه، ووصل إلينا هذا المختصر بخطه، وقام بتحقيقه السيد خضير عباس محمد خليفة المنشداوي، من بغداد، وكنت وسيطا بينه وبين دار الكتاب العربيّ في بيروت حيث قامت بطباعته ونشره سنة 1408 هـ-/ 1988 م، باسم:«المختار من تاريخ ابن الجزري» .
[3]
انظر عن هذا المنصب في: صبح الأعشى للقلقشندي 4/ 20.
[4]
إضافة من المختار من تاريخ ابن الجزري 122.
[5]
المرقّد: دواء يرقّد شاربه وينوّمه. (تاج العروس- مرقد) . وانظر الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار 2/ 175، 186.
[6]
زاد ابن الجزري: «وبنادق رمل» .
وقال ابن الساعي: فأصبح النّاسُ يوم الأحد- يعني يوم الثلاثين من رمضان- وقد أغلقت أبوابُ دارِ الخلافة، وتولّى غسْلَه محيي الدِّين ابن الجوزيّ، وصَلَّى عليه ولدُه الظاهر بأمر الله بعد أن بُويع، بايعه أولا أقاربه، ثم نائب الوزارة مؤيّد الدِّين محمد القُمي وولدُه فخر الدِّين أحمد، والأستاذ دار عَضُدِ الدّولة أبو نصر ابن الضّحّاك، وقاضي القضاة محيي الدّين ابن فَضْلان الشافعيّ، والنقيبُ قِوام الدِّين أبو عليّ الموسويّ. ودُفِنَ بصحن الدَّار، ثمّ نُقِلَ بعد شهرين إلى التُّرَبِ [1] ، ومشى الخلقُ بَيْنَ يدي جنازته. وأمّا بيعةُ الظاهر، فهي في سَنَةِ اثنتين [2] في الحوادث.
وقال ابن الأَثير [3] : بقي النّاصرُ ثلاثَ سنين عاطلا عن الحركة بالكُلِّية وقد ذهبت إحدى عينيه، وفي الآخر أصابه دُوسنطاريا عشرين يوما، ومات ولم يُطلِقْ في طول مرضه شيئا ممّا كَانَ أحدثه من الرسوم. وكان سيئَ السِّيرة خَرِبَ في أيَّامه العراقُ، وتفرَّق أهلُه في البلاد، وأخذ أموالَهم وأملاكَهم.
قال: وكان يفعلُ الشيءَ وضِدَّه، جعل همَّه في رمي البُنْدِق والطُّيور المناسيب، وسراويلات الفُتُوّة.
ونقل الظّهير الكازرونيّ في «تاريخه» [4] وأجازه لي أنّ الناصر في وسط خلافته هَمَّ بترك الخِلافة، والانقطاع إلى التَّعبّد. وكتب عنه ابن الضّحّاك توقيعا [5] فقُرِئَ على الأعيان، وبنى رباطا للفقراء [6] ، وأتَّخذ إلى جانب الرِّباط دارا لنفسه كَانَ يتردَّدُ إليها، ويحادث الصوفية وعمل له ثيابا كبيرة بزيّ الصوفية.
[1] في المختار من تاريخ ابن الجزري 123 «قرب الرصافة» .
[2]
أي سنة 622 هـ-.
[3]
في الكامل 12/ 440.
[4]
أي في تاريخه الكبير، وهو غير «مختصر التاريخ» الّذي حقّقه الدكتور مصطفى جواد- رحمه الله ونشر في بغداد 1970.
[5]
نشره الدكتور بشار عوّاد معروف في مجلّة «المورد» العراقية، العدد 3، من السنة الثالثة، 1974.
[6]
هو رباط المرزبانية.
قلت: ثمّ تركَ ذلك، ومَلَّ، الله تعالى يُسامِحُه ويَرْحَمُهُ.
68-
أَحْمَد بْن عَبْد القادر [1] بْن أبي الجيش القُطُفْتيّ. والد الشيخ عبد الصَّمَد المقرئ.
مات في رجب. وقد روى عن أحمد بن طارق الكَرْكِيّ [2] .
69-
أحمد بن مُحَمَّد بن طُغَان [3] بن بدر بن أبي الوفاء.
الفقيهُ، أبو العباس، المِصْريُّ.
سَمِعَ من: عبد الله بَرِّي النَّحْويّ، وعبد الرحمن بن مُحَمَّد السِّبْيي.
وأمَّ بمسجدِ سوق وردان مُدَّة.
وتُوُفّي بمدينة سَمَنُّود [4] مِن الغربية في المحرَّم.
70-
أحمدُ بن مُحَمَّد بن إسماعيل [5] .
أبو القاسم، الأمي [6] الطَّرَسُونيُّ [7] ، ثمّ المُرْسيّ.
سَمِعَ: أبا القاسم بن حُبيش، وأبا عبد الله بن حميد.
وأجاز له من مصر عبد الله بن بَرِّيّ النَّحْويّ.
قال الأبّارُ [8] : كَانَ فقيها، مدرّسا. حدَّث، واستُشْهِدَ في وقعة بنوط [9] من أعمال مُرسية، مقبلا غيرَ مدبر، في رجب ولَهُ بضعٌ وسِتُّون سنة.
[1] انظر عن (أحمد بن عبد القادر) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 155، 156 رقم 2057.
[2]
الكركي: بسكون الراء المهملة نسبة إلى بلدة الكرك بالبقاع من لبنان. وهي كرّاك نوح.
[3]
انظر عن (أحمد بن محمد بن طغان) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 137 رقم 2012.
[4]
انظر عن «سمنّود» في: معجم البلدان 3/ 145.
[5]
انظر عن (أحمد بن محمد بن إسماعيل) في: تكملة الصلة لابن الأبار 1/ 113، وبرنامج شيوخ الرعينيّ 163، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 1/ 391، و 392 رقم 55 (أحمد بن محمد بن أحمد) و 400 رقم 580 (أحمد بن محمد بن إسماعيل) ، وبغية الوعاة 1/ 363 رقم 704.
[6]
في المطبوع من: تاريخ الإسلام- ص 87 «الأميني» ، والتصحيح من المصادر.
[7]
الطرسوني: بفتح الطاء والراء وضم السين المهملة، ثم واو ونون. نسبة إلى: طرسونة:
مدينة بالأندلس بينها وبين تطيلة أربعة فراسخ: (معجم البلدان 4/ 29، الروض المعطار للحميري 389) .
[8]
في تكملة الصلة 1/ 113.
[9]
في المطبوع من التكملة «نبوط» بتقديم النون، وهو تصحيف.
وقال ابن مَسْدِيّ: كَانَ بارعا في فنون نقليةٍ وعقليةٍ، وغَلَبَ عليه الفقهُ على طريقة السَّلَفِ فاجتهدَ وللقياس اعتمد، فكثيرا ما كَانَ يميلُ إلى رأي الكوفيّين. ولَهُ يدٌ في الطِّبِّ، ومعرفةٌ بالحديث، ومجلس عامٌ للعامَّة.
وقال ابن فرتون: هُوَ أديبٌ بارع، روى عن ابن هُذَيْل، وابن النِّعمة.
قال: وأجاز لي [1] .
71-
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد [2] بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن رُشْد.
أبو القاسم، القُرْطُبيّ.
روى عن: جدّه أبي القاسم، وأبيه أبي الوليد، وأبي القاسم بن بَشْكُوال [3] . وتُوُفّي في رمضان [4] .
72-
أحمد ابن الشيخ كمال الدِّين أبي الفَتْح موسى [5] ابن الشيخ رضيّ
[1] وانظر ما ذكره ابن عبد الملك المراكشي حول اسمه في: الذيل والتكملة ج 1 ق 1/ 391 ونقل السيوطي عن ابن الزبير قوله: كان يدرس ببلده الفقه والعربية والأدب، مع مشاركته في غير ذلك.. وكان فاضلا، سريّ الأخلاق، له صيت كبير.
ولد بمرسية سنة خمسين وخمسمائة. ومن شعره:
زهدت في الخلق طرّا بعد تجربة
…
وما عليّ بزهدي فيهم درك
إنّي لأعجب من قوم يقودهم
…
حرص إلى بر أو ملك لمن ملكوا
أو أن يذلّوا لمخلوق على طمع
…
وفي خزائن ربّ العزّة اشتركوا
أما وحقّك لو دانوا بمعرفة
…
لقد أصابوا بها المرغوب لو سلكوا
من ذا تمدّ إليه اليد في طلب
…
بما عليها وأنت المالك الملك
(بقية الوعاة 1/ 363) .
[2]
انظر عن (أحمد بن محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار 1/ 113، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 1/ 375 رقم 527، والديباج المذهب 53.
[3]
قال ابن عبد الملك المراكشي: وكان من بيت علم وجلالة ونباهة وحسب في بلده فقيها حافظا بعيدا بالأحكام يقظا ذكيّ الذهن، سريّ الهمّة، كريم الطبع، حسن الخلق. ولي القضاء ببعض بلاد الأندلس فحمدت سيرته.
[4]
في «التكملة» لابن الأبار (1/ 113) : والذيل والتكملة 1/ 375 «في عقب رمضان» .
[5]
انظر عن (أحمد بن موسى) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 145، 146، رقم 2033، ووفيات الأعيان 1/ 108، 109، ودول الإسلام 2/ 127، والعبر 5/ 88، 89، وسير أعلام النبلاء 22/ 248، 249 رقم 136، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ رقم 1273، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 17، والبداية والنهاية 13/ 111، 112، ومرآة الجنان 4/ 50- 52، والعسجد المسبوك 2/ 414، 415، والعقد المذهب لابن الملقّن، ورقة 78، وتاريخ
الدِّين أبي الفضل يونس بْن مُحَمَّد بْن مَنْعة بْن مالك بن محمد بن سَعْد بن سعيد بن عاصم. الإمام شرف الدِّين، أبو الفضل، ابن يونس، الإِرْبَليّ الأصل، المَوْصِليّ، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة.
وتَفَقَّه على والده، وبَرَعَ في المذهب. وكان إماما فقيها، مفتيا، مصنّفا، عاقلا، حسَنَ السَّمْت. شرحَ كتاب «التّنبيه» فأجاد، واختصر كتابَ «الإحياء» للغزاليّ مرّتين. وكان يُلقي «الإحياء» دروسا من حفظه.
قال ابن خَلِّكان [1] : كَانَ إماما، كثيرَ المحفوظات، غزيرَ المادّة، من بيت الرئاسة والفضل. نسج على منوال والده في التّفنّن في العلوم، وتخرّج عليه جماعةٌ كبيرة، وَوَلِي التدريسَ بمدرسةِ الملك المعظَّم مُظَفَّر الدِّين ابن صاحب إربل بإربل- بعد والدي- في سَنة عشر بعدَ موت والدي، وكنت أَحْضُرُ دروسَه، وأنا صغير، وما سَمِعْتُ أحدا يُلقي الدّروس مثلَه. ثمّ حجَّ وقَدِمَ، وأقام قليلا، وانتقل إلى المَوْصِل سَنةَ سبْعَ عشرةَ، وفُوِّضَتْ إليه المدرسةُ القاهرية إِلَى أن تُوُفّي فِي الرّابع والعشرين من ربيع الآخر. ولقد كَانَ من محاسن الوجودِ، وما أذكُرُه إلّا وتَصْغُرُ الدُّنيا في عيني، ولقد فكّرت فيه مرَّةً فقلت: هذا الرجل عاش مُدَّة خلافة الإمام النّاصر لدين الله.
قلت: شرحه «للتّنبيه» يَدُلُّ على توسّطه في الفقه- رحمه الله.
73-
أحمدُ بن يونس بن حسن. أبو العبّاس، المَقْدِسيُّ، المَرْداويّ.
هاجر مِن مردَا إلى دمشق بأولاده.
وسَمِعَ من: أبي المعالي بن صابر، وغيره.
روى عنه الضّياء، وقال: كَانَ ممّن يُضرب به المثل في الأمانة، والخير،
[ () ] ابن الفرات 1/ ورقة 61، وسلم الوصول لحاجّي خليفة، ورقة 154، وكشف الظنون، له 24، 489، وشذرات الذهب 5/ 99، وهدية العارفين 1/ 91، وديوان الإسلام 4/ 413 رقم 2231، والأعلام 1/ 261، ومعجم المؤلفين 2/ 190.
[1]
في وفيات الأعيان 1/ 108، 109.
والمروءة، والدِّين، والعقل، والصَّلاح. تولَّى عِمارة الجامعِ بالجبلِ، فأحسن فيها. تُوُفّي في سابع عشر ذي الحِجَّة.
74-
أحمدُ بن أبي المكارم [1] .
الخطيب أبو العبّاس المَقْدِسيُّ المَرْدَاويُّ تُوُفّي بمَرْدا في شعبانَ.
وقد رحل، وروى عن: أبي الفَتْح بن شَاتِيل، وغيرِه.
75-
إبراهيم بن إسماعيل بن خليفة [2] الحَرْبيّ.
روى عن يحيى بن ثابت، وغيره.
ومات في رجب.
رَوَى عَنْهُ ابن النجّار، وقال: لا بأس به.
76-
إبراهيم بن إسماعيل بن غازي [3] .
أبو إسحاق، الحَرّانيّ، الكَحَّال، الصَّائغ، الشَّاعر، المعروف بالنَّقيب.
لَهُ معرفةٌ حسنة بالطِّبِّ والكُحْلِ. وكان طريفا، كيِّسًا، مطبوعَ العِشْرَةِ.
ذكره الصّاحِبُ أبو القاسم في «تاريخ حلب» [4] وقال: دخل حلب غيرَ مرَّةٍ، وروى عن أبيه يسيرا. روى لنا عنه أبو محمد بن شُحانه الحَرّانيّ، وسُلَيْمان بن بُنيمان. وأنشدني أبو مُحَمَّد عبد الرحمن بن عُمَر بن شُحانه بحرّان، أنشدني إبراهيمُ النقيب لنفسه:
خيالٌ لِسَلْمي زَارَ وَهْنًا فَسَلَّما
…
فَشَفَ ولَمْ يَشْفِ الغَليلَ مِنَ الظَّما
وما زَارَني إلا خِدَاعًا وعاتبا
…
على نعسة كانت للقياه سلّما
[1] انظر عن (أحمد بن أبي المكارم) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 159، 160 رقم 2067، والذيل على طبقات الحنابلة 2/ 163، 164، والمنهج الأحمد 359، ومختصر طبقات الحنابلة 61، والمقصد الأرشد، رقم 115، وشذرات الذهب 5/ 99، والدرّ المنضد 1/ 353، 354 رقم 993.
[2]
انظر عن (إبراهيم بن إسماعيل بن خليفة) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 154 رقم 2054.
[3]
انظر عن (إبراهيم بن إسماعيل بن غازي) في: التذكرة لابن العديم (مخطوط بدار الكتب المصرية، رقم 2042 أدب) ، وعقود الجمان لابن الشعار 1/ ورقة 15- 17.
[4]
هو الكتاب المعروف ب- «بغية الطلب في تاريخ حلب» ، والجزء الّذي فيه ترجمة «إبراهيم بن إسماعيل بن غازي» مفقود حتى الآن.
وأعجبُ ما في الأَمْرِ أَنِّي أهْتَدِي لَهُ
…
خَيَالٌ إلى مِثْلِ الخَيَالِ وأَسْقَما
أَظُنُّ أَنِيني دَلَّة أيْنَ مَضْجَعِي
…
ودَلَّهَهُ حَرُّ الهَوى [1] فَتَضَرَّمَا
ولَوْلا انطِبَاقُ الْجَفْنِ بالْجَفْنِ لَمْ يَزُرْ [2]
…
وَلَكِنَّني وَهَّمْتُه فَتَوهَّما
أَيا رَاكِبًا يَطْوي [3] الفَلا لِشِمِلَة
…
أَمُونٍ [4] تُبارِي الرِّيحُ في أُفُقِ السَّمَا
لَكَ اللهُ إنْ جُزْتَ العَقِيقَ وَبَابَه [5]
…
وشَارَفْتَ أَعْلَى الوَادِيَيْنِ مُسَلِّما
فَقِفْ بِرُبَى نَجْدٍ لَعَلَّكَ مُنْجِدِي
…
وَرُمَ رَامةً ثُمّ الوِهَا بلوى الحِمَى
وسَلِّم وَسَلْ لِمَ حَلَّلُوا قَتْلَ عَاشِقٍ
…
عَلى جَفْنِه أَضْحَى الرُّقَادُ مُحَرَّمَا
أَيَجْمُلُ أَنْ أَقْضِي ولَمْ يقض لي شفا
…
وأظلم لا ظُلْمًا رَشَفْتُ ولا لَما [6]
لَئِن كَانَ هذا في رِضَى الحُبِّ أَوْ قَضَى
…
بِهِ الحُبُّ صَبْرًا لِلقَضَاءَ ونعْمَ مَا
قال لي ابن شحانة: تُوُفّي إبراهيم النقيب بحرَّان في سَنَةِ إحدى وعشرين.
وقرأتُ في «تاريخ» أبي المحاسن بن سلامة المكشوف: وفي سابع جُمَادَى الآخرة مات الحكيمُ الأجلّ، الشاعرُ، الكحَّال، الصّائغ للذَّهب والفضّة والكلام، أبو إسحاق إبراهيم ابن الحكيم إسماعيل بن غازي النقيب، وكان رجلا كريما، سخيّا، شجاعا ذكيّا، طَيِّبَ الأخلاق، حسن العِشرة، مليحَ الشمائل، لَهُ شعر رقيق يُغَنَّى به.
77-
إبراهيمُ بْن عَبْد الرَّحْمَن [7] بْن الحُسَيْن بْن أبي ياسر. أبو إسحاق، القَطِيعيّ، المواقيتي، الخيّاط، الأَزَجيُّ. من أهل قطيعة العجم بباب الأزج.
[1] في التذكرة 312 «حرّ الجوى» .
[2]
في المطبوع «من تاريخ الإسلام- ص 90 «يذر» بالذال المعجمة، والتصحيح من: التذكرة.
[3]
في التذكرة: «يقري» .
[4]
في التذكرة: «بشملّة» والشّملة: الناقة الخفيفة السريعة. والأمون: الأمينة الوثيقة الخلق.
[5]
في التذكرة: «وبأنه» .
[6]
الظّلم: الماء الّذي يجري ويظهر على الأسنان من صفاء اللون. واللّمى: سمرة الشفتين واللثات، تستحسن.
[7]
انظر عن (إبراهيم بن عبد الرحمن) في: التقييد لابن نقطة 193، 194 رقم 224، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 260، 261، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 156، 157 رقم 2060، والمختصر المحتاج إليه 1/ 231، والعبر 5/ 89، وسير أعلام النبلاء 22/ 288 دون ترجمة، وشذرات الذهب 5/ 99.
سَمِعَ: أبا الوَقْت السِّجْزِيّ، وأبا المكارم البَاذْرَائي، وغيرهما.
روى عنه: ابن نُقْطَة [1] ، والدُبيثيّ، وابن النجّار، ومحمد بن أبي الفرج ابن الدَّبَّاب، وأبو المعالي الأبَرْقُوهيّ، وغيرهم.
وكان ثقة، صالحا، فاضلا، عارفا بالمواقيت والمنازلِ. وحَدَّث ب- «صحيح» البخاريّ مرّاتٍ. ومات في خامس شعبانَ.
سَمِعْتُ من طريقه «الدُّعَاء» للمَحَامِلّيّ.
78-
إبراهيم بن عثمان [2] بن عيسى بن دِرباس المَارَانيّ [3] .
الفقيه، المُحدِّث، جلال الدِّين، أبو إسحاق.
وُلِدَ سَنةَ إحدى وسبعين وخمسمائة.
وأجاز لَهُ السِّلَفيّ. وتَفَقَّه على مذهب الشافعيّ، ثمّ أحبَّ الحديثَ.
وسَمِعَ فاطمةَ بنت سَعْد الخَيْر، والأَرْتاحِيّ، وطبقتهما. ورحل رحلة كبيرة، فسمعَ بدمشق من ابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، والطّبقة. وسَمِعَ بنيسابور من المؤيَّد، وزينب الشِّعرية، وَبِهَرَاة من أَبِي رَوْح. وكتب الكثيرَ. ولَهُ شِعر حَسَنٌ.
رَوَى عَنْهُ الزَّكِيُّ المُنذريّ، وغيرُه. وتُوُفّي في هذه السنة فيما بينَ الهندِ واليمن.
وكان مائلا إلى الآخِرة، متقلّلا من الدُّنيا جِدًّا، صالحا، زاهدا- رحمه الله.
[1] وقال: سمع صحيح البخاري ومسند عبد الله بن عبد الرحمن الدارميّ من عبد الأول وحدّث بهما، وكان شيخا ثقة، صحيح السماع، صالحا
…
سمعت منه أحاديث. (التقييد 194) .
[2]
انظر عن (إبراهيم بن عثمان) في: التكملة لوفيات النقلة 3/ 165، 166، رقم 2081، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 153 (بالحاشية) ، وتاريخ إربل لابن المستوفي 1/ 215، 216 رقم 117، ووفيات الأعيان 2/ 407، والبداية والنهاية 13/ 110 وفيه وهم حيث ترجم لأبيه «عثمان» ، وسير أعلام النبلاء 22/ 290 رقم 166، والعقد المذهب لابن الملقن، ورقة 169، والعسجد المسبوك 2/ 415، والمقفى الكبير 1/ 192، 193 رقم 195، وشذرات الذهب 5/ 7، وتاريخ ابن الفرات 10/ ورقة 60.
[3]
تصحّفت النسبة إلى «لحاراني» بالحاء في: شذرات الذهب 5/ 7.
وكان أبوه [1] من كبار الشافعية، وعمُّه [2] كَانَ قاضي ديارِ مصر [3] .
79-
إبراهيم بن المُظَفَّر [4] بن إبراهيم بن محمد بن عليّ، الواعظُ.
الإِمامُ، أبو إسحاق، ابن البَرّنيّ [5] ، البَغْداديُّ الأصل، المَوْصِليّ.
ولد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة.
وتَفَقَّه على مذهب أحمدَ ببغداد، وسَمِعَ من: ابن البَطِّي، وأبي عليّ بن الرَّحَبيّ، وشُهْدَةَ، وأحمد بن عليّ العلويّ، وأبي بكر ابن النّقور. وأخذ الوعظ عن أبي الفرج ابن الجوزيّ.
[1] مرت ترجمته في وفيات سنة 602.
[2]
صدر الدين أبو القاسم عبد الملك، ومرت ترجمته في وفيات سنة 605.
[3]
وقال ابن المستوفي: كتب الكثير وسمع الكثير، شافعيّ المذهب، إلا أنه- على ما قيل عنه- يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي الحسن الأشعري- رضي الله عنه ويقع فيه، سمعته من غير واحد. له من أبي طاهر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد السلفي إجازة معيّنة باسمه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين وخمسمائة، كتبها له بخطه، حدّثني بذلك.
ورد إربل غير مرة وأقام بها. سألته عن مولده فقال: في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، ونشأ بمصر، وكان فيما بلغني عمّه قاضيها.
أنشدني لنفسه في حادي عشر جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وستمائة، ورحل في اليوم التالي إلى خراسان، قال: وكتبتها إلى صديق لي بدمياط من حمص:
حكمت يا دهر أمري بإفراط
…
وما عدلت إلى عدل وإقساط
أنسى وقد طرحت أيدي النوى حنقا
…
جسمي بحمص وروحي ثغر دمياط
(تاريخ إربل) .
[4]
انظر عن (إبراهيم بن المظفّر) في: إكمال الإكمال لابن نقطة 1/ 376، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 136 رقم 2010، وتاريخ إربل 1/ 155- 157 رقم 62، وعقود الجمان لابن الشعار 1/ ورقة 26، 27، ومعجم شيوخ الأبرقوهي، ورقة 21، والمشتبه 1/ 58، والإشارة إلى وفيات الأعيان 326، والإعلام بوفيات الأعلام 256، والمعين في طبقات المحدّثين 192 رقم 2042، والعبر 5/ 89، والمختصر المحتاج إليه 1/ 136، والبداية والنهاية 13/ 109، 110، والذيل على طبقات الحنابلة 2/ 149- 151، والوافي بالوفيات 6/ 147 رقم 2591، ومختصر طبقات الحنابلة 59، والمنهج الأحمد 354، 355، وتوضيح المشتبه 1/ 417، وتبصير المنتبه 1/ 134، ولسان الميزان 1/ 111، والنجوم الزاهرة 6/ 262، وتاريخ ابن الفرات 10/ 60، وشذرات الذهب 5/ 99، والدر المنضد 1/ 351 رقم 989.
[5]
تصحفت النسبة في: البداية والنهاية 13/ 109 «البذي» .
وحدّث بالموصل وسنجار. ووعظ. وولي مشيخة دار الحديث الّتي لابن مهاجر بالموصل. وكان صالحا، فاضلا.
روى عنه: الدّبيثيّ، والزّين ابن عبد الدّائم، وإبراهيم بن عليّ العسقلانيّ، ومحمد بن منصور بن دبيس الموصليّ، والشيخ عبد الرحيم بن الزّجّاج- فيما أرى-.
ورَوَى لنا عَنْهُ بالإجازة أَبُو المعالي الْأبَرْقُوهيّ.
وتوفّي في غرّة المحرّم. وقد قرأ عليه بالروايات ركنُ الدِّين إلياس بن عُلوان.
قال ابن نُقْطَة [1] : كَانَ فيه تساهلٌ في الرواية، يُحَدِّث من غير أصوله، سمعت منه بالموصل [2] .
[1] في: إكمال الإكمال 1/ 376.
[2]
وقال ابن المستوفي: ورد إربل بأخرة وذلك- فيما بلغني- أنه شهد في كتاب شهادة وأرادوه على الرجوع عنها، فأبى أن يرجع عنها، فأخرجوه من الموصل، فأتى إربل ووعظ بها بالقلعة، وحضر مجلس وعظه الفقير إلى الله تعالى أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين، وأحسن إليه منعما عليه. ثم سافر فهو الآن مقيم بسنجار.
وبنى أبو القاسم علي بن المهاجر بن علي دار حديث بالموصل وردّ أمرها إليه ليسمع فيها، فكان يسمع فيها الحديث. لقيته وسمعت عليه بإربل والموصل. وكان عنده بعض اللطف والدماثة.
ولما عمل ابن مهاجر دار الحديث وسكنها ابن البرني أماله عن مذهبه- وكان شافعيا- فعمل فيه طاهر بن محمد بن قريش العتّابيّ البغدادي يخاطبه ويشير إليه وإلى ميله إلى ابن البرني:
بالحرف والصوت القديم
…
ومن يشبّه بالمثال
وبحرمة الجهة التي
…
اختصت بموضع ذي الجلال
وبحقّ من منع الحسين
…
بكربلاء شرب الزلال
وبحق مولانا يزيد
…
أخي المناقب والمعالي
وبكلّ مطويّ الضمير
…
على التبرصص والمحال
وبكل من أفنى جميع
…
العمر في قيل وقال
وبمن ثناك عن التمشعر
…
والتعمّق في الجدال
وأراك أن الحقّ يؤخذ
…
من حنابلة الرجال
من كل من سمع الحديث
…
وكلّ محقوق السبال
وبحرمة الشيخ الحديد
…
مزيل أغطية الضلال
80-
أسعد بن عليّ [1] بن عليّ بن مُحَمَّد بن صُعْلُوك.
أبو القاسم، البَغْداديُّ.
وُلِدَ سَنةَ سبع وثلاثين وخمسمائة.
وسَمِعَ من: أبي الوَقْت، وأبي الكَرَم المبارك بن الحَسَن الشُّهْرَزُوريّ، وابن البّطِّي.
روى عنه: الدُّبَيْثيّ، وابن النّجّار، وغيرهُما، وأورداه في «تاريخيهما» .
تُوُفّي في المحرَّم.
81-
أسعد بن يحيى [2] بن موسى، الشيخ بهاء الدّين.
[ () ]
لا تنس خادمك الموالي
…
بالدعاء على التوالي
المستجير بجود عدل
…
يديك من جور العيال
وله فيه وكان ابن مهاجر قد سدّ باب سقاية دار الحديث التي بناها، وعملها حجرة يكتب فيها ابن البرني شروطا:
قل للبريني الّذي
…
ببياض حجرته يتيه
لا تعجبنّ فكم خرى
…
فيها وما امتلأت فقيه
وأنشدنا أبو العباس أحمد بن أبي القاسم الإسكندري قال: أنشدني إبراهيم ابن المظفّر البرني لنفسه:
كنت خلوا من الهموم زمانا
…
فسقاني الزمان جرعة مرّ
حيث سوّى في الحكم لبا بقشر
…
وتجاري لديه ودع بدرّ
درّ درّ امرئ تقدّم قبلي
…
ساليا أهل دهره لا يورّي
خاب من يحسب السراب شرابا
…
لا يرى الفرق بين مدّ وكرّ
يا عليما بما يجنّ ضميري
…
لست أبغي سواك يكشف ضرّي
أتمنّى على الزمان محالا
…
أن ترى مقلتاي طلعة حرّ
وجدت إجازة مكتوبة بخط ابنته عائشة في سادس عشر رمضان سنة عشرين لأبي المعالي محمد بن أبي شجاع أحمد بن أبي القاسم البصري وأولاده، فسألته عن ذلك، فقال: عمي فكتبت عنه. (تاريخ إربل) .
[1]
انظر عن (أسعد بن علي) في: ذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي (باريس 5921) ورقة 256، والتكملة لوفيات النقلة 3/ 138 رقم 2015، والمختصر المحتاج إليه 1/ 252، 253.
[2]
انظر عن (أسعد بن يحيى) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 401- 403، ومعجم البلدان 3/ 159، 160، ووفيات الأعيان 1/ 214- 217، وبغية الطلب (المصوّر) 4/ 78 رقم 471، وعقود الجمان لابن الشعار 1/ ورقة 254، والمختار من تاريخ ابن الجزري 125