الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وثمانين وستمائة
[فتح طرابلس]
مات البِرِنْس صاحب طرابُلُس إلى لعنة اللَّه، فبادر السّلطان الملك المنصور مُسِرًّا حصارها، وقدم دمشق، وسار فنازلها فِي أوّل ربيع الأوّل، ونصب عليها المجانيق، وحُفِرت النُّقوب، ودام الحصْر إلى أنْ أخذها بالسّيف فِي رابع ربيع الآخر. وغرق خلْق فِي الميناء، وأُخِذ منها ما لا يوصف، سوى ما نجا فِي البحر. ثمّ أُحرِقت وأُخرب سورها [1] .
[1] خبر (فتح طرابلس) في: الفضل المأثور 149، وتاريخ سلاطين المماليك، لمؤرّخ مجهول، نشره زترستين- طبعة ليدن- 1919- ص 248، وتاريخ الزمان لابن العبري 357 وفيه أن الحرب لفتح طرابلس استمرت ثلاثة أشهر! وهذا غير صحيح، فحصارها دام 33 يوما، وتمّ فتحها في اليوم الرابع والثلاثين، وتالي كتاب وفيات الأعيان 130، ووفيات الأعيان لابن خلّكان 5/ 88، وفتوح النصر، لابن بهادر (مخطوط) 2/ ورقة 163، وزبدة الفكرة 9/ ورقة 172 (وفيه خرم أثناء الحديث عن فتح طرابلس كما هنا!) ، والتحفة الملوكية 120، والمختصر في أخبار البشر 4/ 23، والدرّة الزكية 383، والمختار من تاريخ ابن الجزري 448، ونهاية الأرب 31/ 47، 48، ومسالك الأبصار ج 8 ق 1/ ورقة 90، 91، ونثر الجمان للفيّومي 2/ ورقة 346 أ، ب، والعبر 5/ 356، ومرآة الجنان 4/ 207، ودول الإسلام 2/ 188، ودرر التيجان لابن أيبك، ورقة 225 أ، والبداية والنهاية 13/ 313، والسلوك ج 1 ق 3/ 347، والإلمام بالإعلام للنويري السكندري 1/ ورقة 699، وتاريخ ابن الفرات 8/ 80، وعقد الجمان (2) 382، وعيون التواريخ ج 12 ق 1/ ورقة 2، ومختصر التواريخ للسلامي 1/ ورقة 359، والنجوم الزاهرة 7/ 321، والمنهل الصافي 3/ ورقة 39، ومشارع الأشواق لابن النّحاس 2/ 948، ودرّة الأسلاك 2/ ورقة 391، وتاريخ ابن الوردي 2/ 234، وتذكرة النبيه 1/ 122- 124، وتاريخ ابن خلدون 5/ 401- 403، ومآثر الإنافة 2/ 122، وقطف الأزهار، للبكري، ورقة 33 أ، ومناهل الصفا، للسيوطي، ورقة 224 أ، وذخيرة الأعلام، للغمري، ورقة 111 أ، وغربال الزمان، لابن الأهدل، ورقة 99 أب، وتاريخ ابن سباط 1/ 491، 492، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 357، وتاريخ الطائفة المارونية 1/ 119، وتاريخ الأزمنة 264، 265، ومصادر أخرى عربية وأجنبية حشدتها في كتابي: لبنان من السقوط بيد الصليبيّين حتى
وكان [فخر المُلْك ابن عمّار قد أناب][1] ابنَ عمّه، فأضاع الحزم، وتشاغل عن القتال، فسأل أهل الحصن الأمان فأُجيبوا، ولم يزل بيد الفرنج إلى الآن.
وقال قُطْب الدّين [2] : حُكي لي أنّ سبب أخْذ الفرنج لها أنّ ابن صَنْجيل جرى لَهُ أمرٌ أوجب خروجه عن بلاده، فركب البحر ولَجّج فِيهِ، وتوقّفت عَلَيْهِ الرّيح، ثمّ رماه الموج إلى السّاحل، فنزل بساحل طرابُلس، فسيَّر إلَيْهِ ابن عمّار يسأله عن أمره، فأخبره بأنّه نزل يستريح ويتزوَّد، وسأله أن يُخرج إلَيْهِ سُوقًا، فخرج إلَيْهِ جماعة فبايعوه وكسبوا عَلَيْهِ. ثمّ نزل إلَيْهِ أهل جُبَّة بِشري، وهم نصارى فبايعوه وعرّفوه أمرَ طَرابُلُس، وأنّ الرّعيّة نصارى، وأنّ صاحبه متغلّب عَلَيْهِ، وحسّنوا لَهُ المقام، ووعدوه بالمساعدة عَلَى أخْذه، فأقام.
وحضر إلَيْهِ خلقٌ من نصارى البلاد، وعجز ابن عمّار عن ترحيله. ثمّ بنى ابن صَنْجيل الحصنَ المشهور بِهِ الّتي بُنيت طرابُلُس المنصوريّة تحته، وأقام بِهِ، واستولى عَلَى بَرّ طرابُلُس، ولم يزل مُصابرًا لها وكلّما لَهُ يقوى ويكثُر جَمْعُه، ويضعُف أهل البلد، ولا ينجد ابن عمّار أحدٌ.
ثمّ حصل الاتّفاق عَلَى أنّه يخرج منها بجميع ماله إلى عرقة، فخرج
[ () ] التحرير 336- 378، وتاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ عبر العصور- الجزء الأول، والمقتفي للبرزالي 1/ ورقة 149 أوب، وتاريخ الدولة التركية، ورقة 17 أ، ونزهة المالك والمملوك، ورقة 112، ومنتخب الزمان 2/ 366، والجوهر الثمين 2/ 98.
[1]
في المخطوط نقص يشمل الصفحتين 98 أ، ب، وما بين الحاصرتين إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[2]
إليها، وأقام بها مدّة ثمّ فارقها. وقوي شأن الفرنج بالسّاحل. ثمّ صلْح أمر ابن صَنْجِيل فِي بلاده الّتي بالبحر، وتوجّه إليها، واستناب عَلَى طرابُلُس بيْمُنْد جدّ صاحبها.
ثمّ مات ابن صَنْجِيل وترك بنتا، فكان بيْمُنْد يحمل إليها كلّ وقتٍ شيئا إلى أن مات، وقام بعده ولده بيْمُند الأعور [1] ، فاستقلّ بمملكتها. وكان شهما شجاعا، وطالت أيّامه، ثمّ تملّك بعده ولده بيْمُنْد [2] ، ولم يزل إلى حين تُوُفّي، وكان جميل الصّورة، جاء إلى التّتار أيّام هولاوو فقدِم بَعْلَبَكّ، وطمع أن يُعطاها، فطلع إلى قلعتها ودارَها [3] ، ونازل الملكُ الظّاهر بلَدَه مرّتين [4] ، وكان ابن بِنْت صاحب سِيس، وبيده أيضا أنطاكية، فهلك وتملّك بعده ابنهُ [5] ، فلم تطُلْ مدّته وهلك، فتملّك بعده «سير تلمية» [6] . وعند ما أُخِذت طرابُلُس قصد الميناء فقيل إنّه غرِق، وقيل نجا [7] .
وذكر القاضي شمس الدّين ابن خلّكان [8] أنّ الفرنج أخذت طرابلس في
[1] هو «بوهموند بن بوهموند» ، توفي في شهر رمضان سنة 649 هـ.
[2]
هو «بوهموند السادس» أمير أنطاكية- طرابلس، مات سنة 673 هـ. ودفن في كنيسة طرابلس. (ذيل مرآة الزمان 3/ 92) .
[3]
وقال قطب الدين اليونيني: «كان حسن الشكل، مليح الصورة، رأيته ببعلبكّ في سنة ثمان وخمسين وست مائة، وقد حضر إلى خدمة كتبغانوين، وصعد إلى قلعة بعلبكّ ودارها، وحدّثته نفسه أن يطلبها من هولاكو ويبذل له ما يرضيه، وشاع ذلك عنه ببعلبكّ، فشقّ على أهلها وعظم لديهم، فحصل بحمد الله ومنّته من كسرة التتار في آخر الشهر المذكور ما أمّنهم من ذلك» . (ذيل المرآة 3/ 92) .
[4]
كانت الأولى في سنة 666 هـ. / 1268 م. والثانية في سنة 669 هـ. / 1271 م. انظر كتابنا: لبنان من السقوط بيد الصليبيين حتى التحرير 301 و 314 وما بعد هما. وفيه مصادر كثيرة.
[5]
هو «بوهموند السابع» (673- 686 هـ. / 1275- 1287 م) .
[6]
في الأصل: «تلمة» ، والتصحيح من المصادر. وهو «برتلميودي أمبرياكو» ابن «جاي» صاحب جبيل. (لبنان من السقوط
…
ص 364) .
[7]
الأغلب أنه قتل. راجع: لبنان من السقوط
…
ص 372 وفيه مصادر عن الموضوع.
[8]
عبارة ابن خلكان ليس فيها تحديد للشهر، ونصّها فقط: «أخذها الفرنج سنة ثلاث وخمسمائة، وصاحبها يومئذ أبو علي عمّار بن محمد بن عمّار، بعد أن حوصرت سبع
ثاني عشر ذي الحجّة، وكان صاحبها فخر المُلْك عمّار بْن مُحَمَّد بْن عمّار قد صبر عَلَى محاصرته سبع سِنين، واشتدّ الغلاء، فخرج منها وقصد بغداد طلبا للإنجاد [1] .
وللشهاب محمود أبقاه اللَّه:
علينا لمن أولاك نِعمتَه الشُّكْرُ
…
لأنّك للإسلام يا سيفَه الذُّخرُ
ومِنّا لك الإخلاص فِي صالح الدُّعا
…
إلى من لَهُ فِي أمر نُصْرتك الأمرُ
ألا هكذا يا وارث [2] الملك فليكن
…
جهادُ العِدَى لا ما تَوالى بِهِ الدَّهرُ
فإنْ يكُ قد فاتَتْك بدْرٌ، فهذه
…
بما أنزل الرحمن من نصره بدرُ
نَهضْتَ إلى عَلْيا [3] طرابُلُس الّتي
…
أقَلّ عناها أنَّ خَنْدَقَها بحرُ
وقد ضمّها كالطَّوْق إلّا بقيّة
…
كنحر [4] وأنت السّيفُ لاح لَهُ نحرُ
مُمَنَّعَةٌ بِكْرٌ، وهل فِي جميع ما
…
تَمّلكْتَهُ إلّا مُمَنَّعَةٌ [5] بِكْرُ؟
ومن دون سورَيها عُقاب منيعة
…
يزلّ إذا ما رام أوطارها الذَّرُ [6]
وما برحت ثغرت [7] ولكن عدا [8] العدي
…
عليها بحُكم الدَّهر [9] فانثغر الثغرُ
وكانت بدار العلم تُعرفُ قبل ذا [10]
…
فمن أجل ذا للسّيف فِي نظْمها نَثْرُ
وكم مَرّ من دهْرٍ وما مسّها أذى
…
وكم راح من عصر وما راعها حصر
[ () ] سنين، والشرح في ذلك يطول» . (وفيات الأعيان 1/ 160) .
[1]
راجع (حوادث ووفيات سنة 501 هـ. ص 7 من الكتاب) وص 16. ففيه تفاصيل أخرى.
[2]
في المختار من تاريخ ابن الجزري (ص 332) : «مالك» .
[3]
في المصادر: «أعلى» .
[4]
في المختار من تاريخ ابن الجزري: «كبحر» .
[5]
في المختار من تاريخ ابن الجزري: «منعة» .
[6]
في المصادر: «أوطأها الدر» .
[7]
في المصادر: «ثغرا» .
[8]
في المختار: «على» .
[9]
في المختار: «الله» .
[10]
في المصادر: «قبلها» .
ففاجاتها [1] بالجيش كالموج فانثنَتْ
…
تميدُ وقد أربى عَلَى بحرها البرُ
فظلّت لدى بَحْرَيْن أنكاهما لها [2]
…
وأقتلُهُ العذْبُ الَّذِي جرّه مِصْرُ [3]
ومنها:
كأنّ المجانيق الّتي أوترت ضُحى
…
عليها لها فِي شُمّ أبراجها وَترُ
أصابعُها تُومِي إليهم ليسجدوا
…
فتقبّل منها دون سكّانها [4] الْجُدُرُ
ويُمطرها من كلّ قَطْر حجارة
…
لقد خاب قومٌ جادَهُم ذَلِكَ القَطْرُ
تخلَّقَ وجْهُ السُّور منهم كأنّما
…
غَدَت وعليها فِي الّذي [5] فَعَلْتَ نذرُ
ومنها:
وأطلقتَ فيها طائر السَّيفِ. فاغْتَدَى
…
وليس لَهُ إلّا رءوسهم وَكْرُ
ولاذُوا بباب البحر منك فما نجا
…
إلَيْهِ سوى مَن جرّه من دمٍ [6] نهرُ
ولم ينج إلّا من يخبّر قومه
…
ليدروا وإلّا من تغمَّده الأسرُ
فللَّه كم بيضٍ وسُمْرٍ كواعب
…
عَلَى رغمهم قد حازت البيض والسُّمرُ
وفي هُلْكهم يوم الثُّلاثاء إشارةٌ [7]
…
إلى أنّ فِي الدّارَين بثلثهم [8] خُسْرُ
ومنها:
وماذا بِهِ يُثْني عليك مُفَوَّهٌ
…
ولا قدره يأتي بذاك ولا قدر
ولكنْ دعاءٌ وابتهالٌ بأنّه
…
يعزّ عَلَى زعم الأعادي لك النّصر [9]
[1] في المختار: «فقد جئتها» .
[2]
في المختار: «لك» . وفي المصادر: «أنجاهما لها» .
[3]
في المختار: «نصر» .
[4]
في المصادر: «ساكنها» .
[5]
في المصادر: «بالذي» .
[6]
في المختار: «من جر من دمهم» .
[7]
في المصادر: «بشارة» .
[8]
في المصادر: «تثليثهم» .
[9]
الأبيات وغيرها في: المختار من تاريخ ابن الجزري 332، 333، ونثر الجمان للفيّومي
وهي بضعةٌ وستّون بيتا انتقيتها.
وعمل قصيدة فِي ملك الأمراء لاجين [1] ، وقصيدة فِي ملك الأمراء بلَبان الطّبّاخيّ [2] .
وذكر سيف الدّين ابن المحفّدار [3] أنّ عدّة المجانيق الّتي نُصبت عليها تسعة عشر منجنيقا، ستّة إفرنجية والباقي قُرابُغا. والّذي تسلّمناه من الأسرى ألف ومائتا أسير. وقُتِل عليها من الأمراء عزّ الدّين مَعن، ورُكن الدّين منكورس الفارقانيّ [4] ، ومن الحلقة خمسة وخمسون نفْسًا.
وقال: عرض سُورها مسير ثلاثة خيّالة [5] .
[ () ](مصوّر بدار الكتب المصرية، رقم 1746 تاريخ) ج 2/ ورقة 320 أ، 321 ب، وعيون التواريخ (مصوّر بدار الكتب المصرية، رقم 949 تاريخ) ج 12 ق 1/ ورقة 2- 6، وكنز الدرر لابن أيبك (مصوّر بدار الكتب المصرية، رقم 4409 تاريخ) ورقة 558، ودرّة الأسلاك في دولة الأتراك، لابن حبيب الحلبي، (مصوّر بدار الكتب المصرية، رقم 6170 ح) ج 1/ ورقة 95- 99، والنجوم الزاهرة 7/ 323، 324، وشعر الجهاد في الحروب الصليبية في بلاد الشام، لمحمد علي الهرفي- 185، 186، ولبنان من السقوط بيد الصليبيين حتى التحرير- ص 507- 510 وفيه (61 بيتا) .
[1]
مطلع القصيدة في نثر الجمان 2/ ورقة 132 أ:
خير فتح جرت به الأعلام
…
ما غدا للحسام فيه انتظام
[2]
مطلعها:
كذا فليكن من حلّ أمرا وأبرما
…
إذا حلّ طورا لم يطعه تهدّما
انظر الأبيات في كتابنا: «لبنان من السقوط بيد الصليبيين» ص 511- 513.
[3]
في المختار 328 «الجمقدار» .
[4]
زاد في الدرة الزكية 283 «بكجا العلائى» .
[5]
في المختار 328، وفتوح النصر في تاريخ ملوك مصر، لابن بهادر المؤمني- مصوّر بدار الكتب المصرية، رقم 2399 تاريخ، ج 2/ ورقة 163، البداية والنهاية 13/ 313، السلوك ج 1 ق 3/ 747 ويقال: مناجيق إفرنجية أو شيطانية أو قرابغا: وهي ضرب من أنواع المناجيق. ويقال: «قُوابُغا» بالواو. وقرا: بالتركية بضم القاف تعني أسودا، وبغا: بضم الباء، تعني: الشيطان.
وانظر: الدرّة الزكية 283، 284 وقال ابن أيبك إن أباه طلع إلى طرابلس فرأى سورها قال:«وكانت أشبه المدن بإسكندرية» . وتاريخ ابن الفرات 8/ 80.