المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌130 - الرسالة العذراء لإبراهيم بن المدبر - جمهرة رسائل العرب في عصور العربية - جـ ٤

[أحمد زكي صفوت]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌مقدمة

- ‌الباب الخامس [فى العصر العباسى الأول أيضا]

- ‌الرّسائل فى العصر العباسى الأول أيضا

- ‌1 - كتاب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر

- ‌2 - كتاب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر

- ‌3 - كتاب المعتصم إلى الآفاق عند القبض على بابك الخرمى

- ‌4 - كتاب المعتصم إلى ملك الروم

- ‌5 - كتاب إبراهيم بن المهدى إلى المعتصم

- ‌6 - كتابه إلى إسحق بن إبراهيم الموصلى

- ‌7 - رواية أخرى

- ‌8 - كتابه إلى صديق له

- ‌9 - كتاب له

- ‌10 - كتاب له

- ‌11 - كتاب له فى التشوق

- ‌12 - كتاب له

- ‌13 - كتاب له

- ‌14 - كتاب له

- ‌15 - كتابه إلى منصور بن المهدى

- ‌16 - كتابه إلى العباس بن موسى

- ‌17 - فصل له

- ‌18 - فصل له

- ‌19 - كتاب يعقوب الكندى إلى بعض إخوانه

- ‌20 - بين عبد الله بن الحسن الأصبهانى وابن الزيات

- ‌21 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الزيات

- ‌22 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الزيات

- ‌23 - رد ابن الزيات عليه

- ‌24 - كتاب ابن الزيات إلى الحسن بن وهب

- ‌25 - رد الحسن بن وهب على ابن الزيات

- ‌26 - كتاب ابن الزيات إلى الحسن بن وهب

- ‌27 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الحسن بن سهل

- ‌28 - كتاب الحسن بن وهب إلى القاسم بن الحسن بن سهل

- ‌29 - كتاب الحسن بن وهب إلى محمد بن إسحق

- ‌30 - كتابه إلى إسحق بن يحيى

- ‌31 - كتابه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌32 - جواب تعزية له

- ‌33 - تعزية له

- ‌34 - كتابه إلى إسحق بن إبراهيم

- ‌35 - كتابه إلى عبد الرحمن بن خاقان

- ‌36 - كتاب تعزية له

- ‌37 - كتاب له فى الشكر

- ‌38 - كتاب فى الشكر

- ‌39 - كتاب الحسن بن وهب إلى إبراهيم بن العباس

- ‌40 - كتابه إلى أبى تمام الطائى

- ‌41 - كتاب له

- ‌43 - كتاب ميمون بن إبراهيم إلى الحسن بن وهب

- ‌43 - كتاب الحسين بن الحسن بن سهل إلى صديق له

- ‌44 - رد صديقه عليه

- ‌45 - كتاب عبد الرحمن بن أحمد الحرانى إلى محمد بن سهل

- ‌46 - كتاب ابن الزيات بالعهد للواثق على مكة

- ‌47 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى الواثق

- ‌48 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى ابن الزيات

- ‌49 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى ابن الزيات

- ‌50 - كتابه إلى عمر بن فرج

- ‌51 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌52 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌53 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌54 - كتاب ابن الزيات عن الخليفة إلى أحد عماله

- ‌55 - فصول لابن الزيات

- ‌56 - كتاب لابن الزيات

- ‌57 - كتاب رجل إلى ابن الزيات

- ‌58 - كتاب الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك الزيات

- ‌59 - كتاب الجاحظ إلى أحمد بن أبى دواد

- ‌60 - كتاب له فى الاستعطاف

- ‌61 - كتابه إلى بعض إخوانه فى ذم الزمان

- ‌62 - كتاب الجاحظ فى استنجاز وعده

- ‌63 - كتاب آخر

- ‌64 - كتاب آخر

- ‌65 - كتاب له فى الاستمناح

- ‌66 - كتابه إلى أبى حاتم السجستانى

- ‌67 - كتابه إلى قليب المغربى

- ‌68 - فصول للجاحظ

- ‌69 - رسالة الجاحظ فى بنى أمية

- ‌71 - رسالة ابن التوءم إلى الثقفى

- ‌72 - كتاب عمرو بن عثمان القينى إلى محمد بن عبيد الله العتبى

- ‌73 - كتاب المتوكل فى الإعلان بلقبه

- ‌74 - كتاب المتوكل إلى عماله فى النصارى وأهل الذمة

- ‌75 - كتاب المتوكل بولاية العهد لبنيه

- ‌76 - كتاب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحسن بن عثمان

- ‌77 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌78 - كتاب عبد الله بن خاقان إلى أبى الجهم

- ‌79 - كتاب أبى العيناء إلى أبى نوح

- ‌80 - كتاب أبى على البصير إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌81 - كتابه إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌82 - كتاب أبى على البصير إلى أبى العيناء

- ‌83 - كتاب لأبى على البصير فى الاعتذار

- ‌84 - كتاب آخر

- ‌85 - كتاب آخر

- ‌86 - كتابه إلى على بن يحيى

- ‌87 - كتاب آخر

- ‌88 - فصول لأبى على البصير

- ‌89 - كتاب لغسان بن عمرو الباهلى فى الذم

- ‌90 - كتاب آخر له فى الذم

- ‌91 - كتاب آخر له

- ‌92 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المتوكل

- ‌93 - تحميد لإبراهيم بن العباس صدر رسالة الخميس

- ‌94 - تحميد لابراهيم بن العباس فى فتح إسحق بن إسماعيل

- ‌95 - ومن رسالة له فى قتل إسحاق بن إسماعيل

- ‌96 - تحميد له

- ‌97 - تحميد له فى فتح

- ‌98 - تحميد آخر له

- ‌99 - تحميد له

- ‌100 - تحميد له فى فتح

- ‌101 - تحميد له فى آخر كتاب فتح

- ‌102 - كتابه إلى بعض إخوانه فى شفاعة

- ‌103 - كتابه عن المتوكل إلى أهل حمص

- ‌104 - كتابه عن المنتصر إلى طاهر بن عبد الله

- ‌105 - كتابه عن المعتز ولى العهد إلى طاهر بن عبد الله

- ‌106 - كتابه عن المؤيد وهو ولى عهد إلى طاهر بن عبد الله

- ‌107 - كتابه إلى طاهر بن عبد الله

- ‌108 - كتابه إلى طاهر بن عبد الله

- ‌109 - كتابه إلى طاهر

- ‌110 - كتابه إلى طاهر

- ‌111 - كتابه إلى عبد الرحمن بن خاقان

- ‌112 - كتابه إلى الحسن بن رجاء

- ‌113 - كتابه إلى محمد بن الحسن بن الفياض

- ‌114 - كتابه إلى عامل له

- ‌115 - كتاب له فى السلامة

- ‌116 - كتاب له فى السلامة

- ‌117 - كتاب آخر

- ‌118 - ومن فصوله

- ‌119 - ومن كلامه

- ‌120 - كتاب الفضل بن حباب إلى إبراهيم بن العباس

- ‌121 - كتاب رجل إلى المتوكل

- ‌122 - كتاب رجل إلى مالك بن طوق

- ‌123 - كتاب الحسن بن وهب إلى مالك بن طوق

- ‌124 - كتاب أحد الكتاب إلى إبراهيم وأحمد ابنى المدبر

- ‌125 - كتاب عمر بن أيوب إلى أحمد بن المدبر

- ‌126 - كتاب أبى العباس المبرد إلى إبراهيم بن المدبر

- ‌127 - كتاب إبراهيم بن المدبر إلى أبى عبد الله بن حمدون

- ‌128 - كتابه إلى عريب

- ‌129 - كتاب لابن المدبر

- ‌130 - الرسالة العذراء لإبراهيم بن المدبر

- ‌131 - كتاب محمد بن مكرم إلى إبراهيم بن المدبر

- ‌132 - كتابه إلى أحمد بن المدبر

- ‌133 - كتابه إلى أحمد بن دينار

- ‌134 - كتابه إلى أحمد بن دينار

- ‌135 - كتابه إلى نصرانىّ أسلم

- ‌136 - كتابه إلى حاجّ

- ‌137 - كتابه إلى بعض الرؤساء

- ‌138 - كتابه إلى سليمان بن وهب

- ‌139 - كتاب محمد بن مكرم إلى أبى العيناء

- ‌140 - فصول لابن مكرم

- ‌141 - كتاب سعيد بن موسى إلى أبى شراعة

- ‌142 - ردّ أبى شراعة على سعيد بن موسى

- ‌143 - كتاب البيعة للمنتصر بالله

- ‌144 - كتاب المنتصر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌145 - رقعة المعتز والمؤيد فى خلع أنفسهما من البيعة

- ‌146 - كتاب المنتصر بخلع المعتز والمؤيد

- ‌147 - كتاب البيعة للمعتز بالله

- ‌148 - كتاب عن محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أهل بغداد (كتبه سعيد بن حميد)

- ‌149 - كتاب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان

- ‌150 - كتاب سعيد بن حميد إلى صديق له

- ‌151 - كتاب سعيد بن حميد إلى أبى العباس بن ثوابة

- ‌152 - كتاب سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة

- ‌153 - كتابه إلى فضل الشاعرة

- ‌154 - كتابه إلى فضل الشاعرة

- ‌155 - كتابه إلى أبى هفان

- ‌156 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌157 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌158 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌159 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌160 - كتاب له فى السلامة

- ‌161 - كتاب له فى الشوق

- ‌162 - كتاب آخر

- ‌163 - كتاب آخر

- ‌164 - كتاب له فى توصية

- ‌165 - كتاب له فى الاعتذار

- ‌166 - كتاب تعزية له

- ‌167 - كتاب تعزية له إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌168 - تعزية له فى مثله

- ‌169 - كتاب له

- ‌170 - تحميد له فى فتح

- ‌171 - فصول لسعيد بن حميد فى المودة

- ‌172 - كتاب سعيد بن عبد الملك إلى سعيد بن حميد

- ‌173 - رد سعيد بن حميد عليه

- ‌174 - كتاب لسعيد بن عبد الملك فى السلامة

- ‌175 - كتاب له فى سلامة الفطر

- ‌176 - كتاب له فى الاعتذار

- ‌177 - تعزية لسعيد بن عبد الملك

- ‌178 - تعزية له

- ‌179 - كتاب له فى توصية

- ‌180 - كتاب آخر

- ‌181 - كتاب له فى إطلاق محبوس

- ‌182 - كتاب له

- ‌183 - ومن فصوله

- ‌184 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المعتز

- ‌185 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى عمال النواحى

- ‌186 - رد الأتراك على كتاب ابن طاهر

- ‌187 - كتاب محمد بن عباد إلى جعفر بن محمود الإسكافى

- ‌188 - رد جعفر على محمد بن عباد

- ‌189 - كتاب ابن طاهر إلى عماله

- ‌190 - رقعة المعتز بخلع نفسه

- ‌191 - كتاب الموالى بالكرخ والدور إلى المهتدى

- ‌192 - رد المهتدى عليهم

- ‌193 - كتاب الموالى بالكرخ والدور إلى المهتدى

- ‌194 - كتاب المهتدى إليهم

- ‌195 - كتابهم إلى المهتدى

- ‌196 - كتابهم إلى القواد

- ‌197 - كتاب المهتدى إليهم

- ‌198 - كتاب القواد إليهم

- ‌199 - كتاب على بن يحيى إلى سليمان بن وهب

- ‌200 - رد ابن وهب عليه

- ‌201 - كتاب ابن وهب إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر

- ‌202 - كتاب رجل إلى سليمان بن وهب

- ‌203 - رده عليه

- ‌204 - كتاب اعتذار لسليمان بن وهب

- ‌205 - كتاب أبى العيناء إلى أبى الصقر إسمعيل بن بلبل

- ‌206 - كتاب أبى العيناء إلى بعض الرؤساء

- ‌207 - كتاب أبى العباس بن ثوابة إلى إسماعيل بن بلبل

- ‌208 - كتاب عبيد الله بن عبد الله بن طاهر إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌209 - كتاب سعيد بن عبد الملك إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌210 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌211 - رد عبيد الله عليه

- ‌212 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌213 - جواب لأحمد بن سليمان بن وهب

- ‌214 - كتابه إلى ابن أبى الأصبغ

- ‌215 - كتابه إلى أخيه عبيد الله بن سليمان

- ‌216 - كتابه إلى صديق له

- ‌217 - كتاب أبى العباس بن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌218 - كتاب له

- ‌219 - كتاب ابن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌220 - جواب عن تعزية لابن ثوابة

- ‌221 - تعزية له إلى ابنى عمر

- ‌222 - عهد من الموفق إلى أحد الولاة كتبه ابن ثوابة

- ‌223 - كتاب جعفر بن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌224 - كتاب أحمد بن أبى طاهر إلى على بن يحيى

- ‌225 - كتابه إلى على بن يحيى

- ‌226 - كتابه فى ذم ابن ثوابة

- ‌227 - كتاب ابن أبى طاهر إلى أبى على البصير

- ‌228 - كتاب عبد الله بن المعتز إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌229 - كتابه إلى عبيد الله بن سليمان يهنئه بقدومه

- ‌230 - كتابه إلى عبيد الله بن سليمان يعزيه عن ابنه

- ‌231 - وله فصل من تعزية بولد

- ‌232 - وله تعزية

- ‌233 - وله تعزية أخرى

- ‌324 - وله تهنئة بمولود

- ‌235 - وله فصل فى قبول عذر

- ‌236 - وله فصل فى حاجة

- ‌237 - وله فصل

- ‌238 - وله فصل

- ‌239 - وله فصل

- ‌240 - وله فصل

- ‌241 - وله فصل فى الشوق

- ‌242 - وله شفاعة فى شغل

- ‌243 - وله فصل فى فراق

- ‌244 - وله فصل

- ‌245 - وله فصل

- ‌246 - وله فصل

- ‌247 - وله فى وصف البيان

- ‌248 - وله فى وصف الكتاب والقلم

- ‌249 - كتاب أحمد بن إسمعيل إلى بعض الكتاب

- ‌250 - كتاب أحمد بن إسمعيل إلى صديق له

- ‌251 - كتاب أحمد بن يحيى الأسدى إلى الحسين بن سعد

- ‌252 - كتاب أحمد بن على المازرانى إلى ابن بشر المرثدى

- ‌253 - فصل لعبد الله بن أحمد فى الشكر

- ‌254 - كتاب ابن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس

- ‌255 - كتاب بمذهب القرامطة

- ‌256 - من كتاب عن المعتضد إلى خمارويه بن أحمد ابن طولون

- ‌257 - كتاب عن المعتضد بلعن معاوية بن أبى سفيان

- ‌258 - كتاب أم الشريف إلى ابن أخيها محمد ابن أحمد بن عيسى

- ‌259 - كتاب أم الشريف إلى المعتضد

- ‌260 - كتاب صاحب الشامة إلى بعض عماله

- ‌261 - كتاب بعض عماله إليه

- ‌262 - كتاب محمد بن سليمان الكاتب إلى القاسم بن عبيد الله

- ‌263 - كتاب ابن المعتز إلى القاسم بن عبيد الله

- ‌264 - كتاب ابن المعتز إلى القاسم

- ‌265 - كتابه إلى بعض الرؤساء

- ‌266 - كتابه إلى عليل

- ‌267 - كتاب ابن المعتز إلى بعض الوزراء

- ‌268 - رده عليه

- ‌269 - كتاب قينة إلى ابن المعتز

- ‌270 - رده عليها

- ‌271 - كتاب ابن المعتز إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى

- ‌272 - كتاب ابن المعتز إلى أحمد بن سعيد الدمشقى

- ‌273 - كتاب آخر إليه

- ‌274 - كتاب إلى عبد الله بن شبيب من صديق له

- ‌275 - كتابه إلى محمد بن طيفور من بعض إخوانه

- ‌276 - كتاب إلى محمد بن طيفور من بعض خاصته

- ‌277 - رده عليه

- ‌278 - كتاب صاحب البريد بالدينور

- ‌279 - كتاب على بن الفرات عن المقتدر فى المواريث

- ‌280 - كتاب الوزير بن مقلة إلى القواد والعمال

- ‌281 - كتاب أحمد بن الضحاك إلى صديق له يصف شعب بوّان

- ‌282 - كتاب عن الإخشيد إلى أرمانوس ملك الروم

- ‌283 - كتاب أبى الطيب المتنبى إلى أحد إخوانه

- ‌284 - كتاب الراضى إلى المتقى

- ‌التوقيعات فى العصر العباسى الأول السفاح

- ‌المنصور

- ‌المهدى

- ‌الهادى

- ‌هرون الرشيد

- ‌المامون

- ‌الواثق

- ‌أبو مسلم الخراسانى

- ‌عمرو بن عبيد

- ‌أبو عبيد الله

- ‌الفيض بن أبى صالح

- ‌يحيى بن خالد البرمكى

- ‌جعفر بن يحيى البرمكى

- ‌الفضل بن يحيى

- ‌الفضل بن سهل

- ‌الحسن بن سهل

- ‌طاهر بن الحسين

- ‌عبد الله بن طاهر

- ‌يوسف بن القاسم

- ‌أحمد بن يوسف

- ‌عمرو بن مسعدة

- ‌محمد بن يزداد

- ‌عبد الله بن محمد بن يزداد

- ‌إبراهيم بن العباس

- ‌محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌عبيد الله بن سليمان بن وهب

- ‌عبد الله بن المعتز

- ‌على بن عيسى

- ‌استدراك

- ‌رسالة الإمام مالك فى السّنن والمواعظ والآداب

- ‌فهرس الجزء الرابع من جمهرة رسائل العرب

- ‌فهرس الرسائل

- ‌فهرس أعلام الكتاب مرتب بترتيب الحروف الهجائية مع إتباع اسم كلّ كاتب بأرقام الصفحات التى وردت فيها رسائله

- ‌فهرس بعض ما ورد فى الهامش من الفوائد التى قد يحتاج القارئ إلى مراجعتها

- ‌فهرس الأمثال التى ورد شرحها فى الهامش

الفصل: ‌130 - الرسالة العذراء لإبراهيم بن المدبر

الرّقة والفطنة، وغلظ حتى كاد يفهمه أهل الجهل والبله، فلا أعدمنى الله رضاك مجازيا به على ما استحقّه عتبك، فأنت ظالم فيه، وعتابك ولىّ المخرج منه».

(العقد الفريد: 2: 194)

‌130 - الرسالة العذراء لإبراهيم بن المدبر

وهى رسالة فى موازين البلاغة وأدوات الكتابة، كتب بها أبو اليسر إبراهيم ابن محمد بن المدبّر:

«بسم الله الرحمن الرحيم: فتق الله بالحكمة ذهنك، وشرح بها صدرك، وأنطق بالحق لسانك، وشرّف به بيانك، وصل إلىّ كتابك العجيب الذى استفهمتنى فيه- بجوامع كلمك- جوامع أسباب البلاغة، واستكشفتنى عن غوامض آداب أدوات الكتابة: سألتنى أن أقف بك على وزن عذوبة اللفظ وحلاوته، وحدود فحامة المعنى وجزالته، ورشاقة نظم الكتاب، ومشاكلة سرده، وحسن افتتاحه وختمه، وانتهاء فصوله، واعتدال وصوله، وسلامتهما من الزّلل، وبعدهما من الخطل (1)، ومتى يكون الكاتب مستحقّا اسم الكتابة، والبليغ مسلّما له معانى البلاغة، فى إشارته واستعارته، وإلى أىّ أدواته هو أحوج، وبأىّ آلاته هو أعمل، إذا حصحص (2) الحقّ، ودعى إلى السّبق، وفهمته.

وأنا راسم لك- أيّدك الله- من ذلك ما يجمع أكثر شرائطك، ويعبّر عن جملة سؤالك، وإن طوّلت فى الكتاب وعرّضت، وأطنبت فى الوصف وأسهبت، ومستقص على نفسى فى الجواب، على قدر استقصائك فى السؤال، وإن أخلّ به التياث (3) الحال، وسكون الحركة، وفتور النشاط، وانتشار الرويّة، وتقسّم الفكر، واشتراك القلب، والله المستعان.

(1) الخطل: الخطأ.

(2)

حصحص: وضح واستبان.

(3)

الالتياث: الاختلاط والالتفاف.

ص: 176

اعلم- أيّدك الله- أن أدوات ديوان جميع المحاسن، وآلات المكارم، طائعة منقادة لهذه الصناعة التى خطبتها، وتالية تابعة لها، وغير خارجة إلى جحد أحكامها، ولا دافعة لما يلزمها الإقرار به لها، إضرارا منها إليها، وعجزا عنها، فإن تقاضتك نفسك علمها، ونازعتك همّتك إلى طلها، فاتخذ البرهان دليلا شاهدا، والحقّ إماما قائدا، يقرّب مسافة ارتيادك، وبسهّل عليك سبل مطالبها، واستوهب الله توفيقا تستنجح به مطالبك، واستمنحه رشدا يقبل إليك بوجه مذاهبك، فاقصد فى ارتيادك، وتأمّل الصواب فى قولك وفعلك، ولا تسكن إلى جحود قصد السابق باللّجاج، ولا تخرج إلى إهمال حقّ المصيب بالمعاندة والإنكار، ولا تستخفّ بالحكمة ولا تصغرها حيث وجدتها، فترحل نافرة عن مواطنها من قلبك، وتظعن شاردة عن مكانها من بالك، وتتعفّى (1) بعد العمارة من قلبك آثارها، وتنطمس بعد الوضوح أعلامها.

واعلم أن الاكتساب بالتعلّم والتكلّف، وطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتب الحكماء، فإن أردت خوض بحار البلاغة، وطلبت أدوات الفصاحة، فتصفّح من رسائل المتقدّمين ما تعتمد عليه، ومن رسائل المتأخرين ما ترجع إليه، فى تلقيح ذهنك، واستنجاح بلاغتك، ومن نوادر كلام الناس ما تستعين به، ومن الأشعار والأخبار والسّير والأسمار (2) ما يتّسع به منطقك، ويعذب به لسانك، ويطول به قلمك، وانظر فى كتب المقامات والخطب، ومحاورات العرب، ومعانى العجم، وحدود المنطق، وأمثال الفرس ورسائلهم وعهودهم، وسيرهم ووقائعهم، ومكايدهم فى حروبهم، بعد أن تتوسط فى علم النحو والتصريف واللغة والوثائق والسور والشروط ككتب السّجلّات والأمانات، فإنه أول ما يحتاج إليه الكاتب، وتمهر (3) فى نزع

(1) تعفى الأثر: درس وامحى.

(2)

فى الأصل «والأسماء» وهو تحريف.

(3)

وفى العقد «لتكون ماهرا» .

(12 - جمهرة رسائل العرب- رابع)

ص: 177

آى القرآن فى مواضعها، واجتلاب الأمثال فى أماكنها، واختراع الألفاظ الجزلة، وقرض الشعر الجيد وعلم العروض، فإن تضمين المثل السائر، والبيت الغابر البارع، مما يزين كتابتك، ما لم تخاطب خليفة أو ملكا جليل القدر، فإن اجتلاب الشّعر فى كتب الخلفاء والجلّة الرؤساء، عيب واستهجان للكتب، إلا أن يكون الكاتب هو القارض للشعر والصانع له، فإن ذلك مما يزيد فى أبّهته، ويدل على براعته، وإن شدوت (1) من هذه العلوم ما لا يشغلك محلّه، وتنقّيت من هذه الفنون ما تستعين به على إطالة قلمك، وتقويم أود (2) بيانك.

بعد أن يكون الكاتب صحيح القريحة، حلو الشمائل، عذب الألفاظ، دقيق الفهم، حسن القامة، بعيدا من الفدامة (3)، خفيف الرّوح، حاذق الحسّ، محنّكا بالتجربة، عالما بحلال الكتاب والسّنّة وحرامهما، وبالملوك وسيرها وأيامها، وبالدهور فى تقلّبها وتداولها، مع براعة الأدب، وتأليف الأوصاف، ومشاكلة الاستعارة، وحسن الإشارة، وشرح المعنى بمثله من القول، حتى تنصبّ صورا منطقيّة تعرب عن أنفسها، وتدل على أعيالها، لأن الحكماء قد شرطوا فى صفات الكتّاب: اعتدال (4) القامة، وصغر الهامة (5)، وخفة اللهازم (6)، وكثافة اللّحية، وصدق الحسّ، ولطف المذهب، وحلاوة الشمائل، وخفة الإشارة، وملاحة الزّىّ، حتى قال بعض المهالبة (7) لولده:«تزيّوا بزىّ الكتّاب، فإن فيهم أدب الملوك، وتواضع السّوقة» .

ومن كمال آلة الكتابة: أن يكون الكاتب بهىّ الملبس، نظيف المجلس، ظاهر المروءة، عطر الرائحة، دقيق الذهن، صادق الحس، حسن البيان، رقيق حواشى

(1) شدا: أخذ طرفا من الأدب.

(2)

الأود: الاعوجاج.

(3)

الفدامة: العى عن الكلام فى ثقل ورخاوة وقلة فهم، فدم ككرم فهو فدم كصعب.

(4)

فى رسائل البلغاء «طول القامة» .

(5)

الهامة: الرأس.

(6)

اللهزمتان: نانئان تحت الأذنين من أعلى اللحيين والخدين.

(7)

المهالبة: بنو المهلب بن أبى صفرة.

ص: 178

اللسان، حلو الإشارة، مليح الاستعارة، لطيف المسلك، مستفره (1) المركب، ولا يكون مع ذلك فضفاض الجثّة، متفاوت الأجزاء، طويل اللحية. عظيم الهامة؛ فإنهم زعموا أن هذه الصورة لا يليق بصاحبها الذكاء والفطنة.

وإذا احتجت إلى مخاطبة الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والخطباء والأدباء والشعراء وأوساط الناس وسوقتهم، فخاطب كلّا على قدر أبّهته وجلالته، وعلوّه وارتفاعه، وتفطّنه وانتباهه، واجعل طبقات الكلام على ثمانية أقسام، فأربعة منها للطبقة العلوية، وأربعة دونها، ولكل طبقة منها درجة، ولكلّ قسمة حظّ لا يتسع للكاتب البليغ أن يقصّر بأهلها عنها، ويقلب معناها إلى غيرها. فالطبقة العليا:

الخلافة التى أجلّ الله قدرها، وأعلى شأنها عن مساواتها بأحد من أبناء الدنيا فى التعظيم والتوقير والمخاطبة والترسّل. والطبقة الثانية الوزراء والكتّاب الذين يخاطبون الخلفاء بعقولهم وألسنتهم، ويرتقون الفتوق بآرائهم، ويتجمّلون بآدابهم. والطبقة الثالثة:

أمراء ثغورهم وقواد جيوشهم، فإنه يجب مخاطبة كل امرئ منهم على قدره وموضعه وحظه وغنائه (2) وجزائه واضطلاعه بما حمل من أعباء أمورهم، وجلائل أعمالهم.

والطبقة الرابعة: القضاة، فإنهم وإن كان لهم تواضع العلماء، وحلية الفضلاء، فمعهم أبّهة السلطنة، وهيبة الأمراء.

أما الطبقات الأربع الأخرى، فهم الملوك الذين أوجبت نعمهم تعظيمهم فى الكتب إليهم، وأفضالهم تفضيلهم فيها. والثانية: وزراؤهم وكتّابهم وأتباعهم الذين بهم نقرع أبوابهم، وبعنايتهم تستماح (3) أموالهم. والثالثة: هم العلماء الذين يجب توقيرهم فى الكتب، لشرف العلم وعلو درجة أهله. والرابعة: أهل القدر والجلالة والظّرف والحلاوة والطّلاوة (4) والعلم والأدب، فإنهم يضطرّونك بحدّة أذهانهم، وشدة تمييزهم وانتقادهم وأدبهم وتصفحهم، إلى الاستقصاء على نفسك فى مكاتبتهم.

(1) الفاره من الدواب: الجيد السير، واستفرهها: استكرمها أى انتقاها كريمة فارهة.

(2)

أى كفايته.

(3)

استماحه: سأله العطاء، وفى العقد «تستباح» وهو تحريف.

(4)

الطلاوة مثلثة: الحسن والبهجة.

ص: 179

واستغنينا عن الترتيب للتجار والسّوقة والعوامّ رتبة، لاستغنائهم بتجارتهم عن هذه الآلات، واشتغالهم بمهمّاتهم عن هذه الأدوات.

ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن تراعيها فى مراسلتك إياهم فى كتبك، فتزن كلامك فى مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمه، وتوفّيه نصيبه، فإنك متى أهملت ذلك وأضعته، لم آمن عليك أن تعدل بهم عن طريقهم، وتسلك بهم فى غير مسلكهم، وتجرى شعاع بلاغتك فى غير مجراه، وتنظم جوهر كلامك فى غير سلكه.

فلا تعتدّ (1) بالمعنى الجزل ما لم تلبسه لفظا جزلا لائقا بمن كاتبته، ومشابها لمن راسلته، فإن إلباسك المعنى- وإن شرف وصلح- لفظا مختلفا عن قدر المكتوب إليه، لم تجربه عادتهم، تهجين (2) للمعنى، وإخلال بقدره، وظلم لحقّ المكتوب إليه، ونقص مما يجب له؛ كما أن فى اتّباع (3) تعارفهم، وما انتشرت به عاداتهم، وجرت به سنّتهم، قطعا لعذرهم، وخروجا من حقوقهم، وبلوغا إلى غير غاية مرادهم، وإسقاطا لحجّة أدبهم، فمن (4) الألفاظ المرغوب عنها، والصدور المستوحش منها، فى كتب السادات والأمراء والملوك- على اتفاق المعانى- مثل:«أبقاك الله طويلا» و «عمرك مليّا (5)» وإن كنا نعلم أنه لا فرقان بين قولهم: «أطال الله بقاءك» وبين قولهم: «أبقاك الله طويلا» ولكنهم جعلوا هذا أرجح وزنا، وأنبه قدرا، فى مخاطبة الملوك، كما أنهم جعلوا:«أكرمك الله وأبقاك» أحسن منزلة فى كتب الفضلاء والأدباء، من «جعلت فداك» على اشتراك معناه، واحتماله أن يكون فداء من الخير، كما يحتمل أن يكون فداء له من الشر، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) فى رسائل البلغاء «فلا يفيد المعنى الجزل» .

(2)

التهجين: التقبيح.

(3)

فى رسائل البلغاء «كما أن فى امتناع تعارفهم

وضعا لقدرهم» وهو تحريف.

(4)

فى العقد «ضمن» وهو تحريف.

(5)

عمره الله وعمره: أبقاه، ومليا: أى دهرا طويلا، والفرق والفرقان واحد.

ص: 180

قال لسعد بن أبى وقاص: «ارم، فداك أبى وأمّى» لكرهت أن يكتب بها أحد.

على أن كتاب العسكر وعوامّهم قد أولعوا بهذه اللفظة، حتى استعملوها فى جميع محاوراتهم، وجعلوها هجّيراهم (1) فى مخاطبة الشريف والوضيع، والكبير والصغير ولذلك قال محمود الورّاق:

كلّ من حلّ «سرّ من را» من النا

س، وممن يصاحب الأملاكا

لو رأى الكلب مائلا فى طريق

قال للكلب: يا جعلت فداكا

وكذلك لم يجيزوا أن يكتبوا بمثل «أبقاك الله وأمتع بك» إلا إلى الحرمة والأهل والتابع المنقطع إليك، وأمّا فى كتب الإخوان فغير جائز، بل مذموم مرغوب عنه؛ ولذلك كتب عبد الله بن طاهر إلى محمد بن عبد الملك الزيات:

أحلت عمّا عهدت من أدبك

أم نلت ملكا فتهت فى كتبك؟ (2)

أم هل ترى أنّ فى التواضع لل

إخوان نقصا علبك فى حسبك؟

أتعبت كفّيك فى مكاتبتى

حسبك مما يزيد فى تعبك

إنّ جفاء كتاب ذى أدب

يكتب فى صدره: «وأمتع بك» (3)

فكتب إليه محمد بن عبد الملك:

أنكرت شيئا فلست فاعله

فلن تراه يخطّ فى كتبك

فاعف- فدتك النفوس- عن رجل

يعيش حتى الممات فى أدبك

كيف أخون الإخاء يا أملى

وكلّ شىء أنال من سببك

إن يك جهلا أتاك من قبلى

فعد بفضل علىّ من حسمك

(1) يقال: هذا هجيراه: أى دأبه وشأنه.

(2)

حال يحول: تحول وتغير، والتيه بالكسر: الكبر والصلف.

(3)

وفى رواية العقد الفريد:

أكان حقا كتاب ذى مقة

يكون فى صدره: «وأمتع بك» ؟

ص: 181

وأما صدور السّلف فإنما كانت من فلان بن فلان إلى فلان، كذلك جرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء بن الحضرمىّ، وإلى أقيال اليمن، وإلى كسرى وقيصر، وكتب أصحابه والتابعين كذلك، حتى استخلص الكتّاب هذه المحدثات من بدائع الصدور، واستنبطوا لطيف الكلام، ورتّبوا لكلّ رتبة، وجروا على تلك السّنّة الماضية إلى عصرنا هذا فى كتب الخلفاء والأمراء، وثبتوا على ذلك المنهاج فى كتب الفتوحات والأمانات والسّجلّات.

ولكل مكتوب إليه قدر ووزن ينبغى للكاتب أن لا يتجاوز به عنه، ولا يقصّر به دونه، وقد رأيتهم عابوا الأحوص (1) حين خاطب الملوك بمخاطبة العوامّ فى قوله:

وأراك تفعل ما تقول، وبعضهم

مذق الحديث، يقول ما لا يفعل (2)

فهذا معنى صحيح فى المدح، ولكنهم أجلّوا أقدار الملوك أن يمدحوا بما يمدح به العوامّ، لأن صدق الحديث وإنجاز الوعد وإن كان مدحا، فهو واجب على كلّ، والملوك لا يمدحون بالفروض الواجبة، وإنما يحسن مدحهم بالنوافل (3)، لأن المادح لو قال لبعض الملوك: إنك لا تزنى بحليلة (4) جارك، وإنك لا تخون ما استودعت، وإنك تصدق فى وعدك، وتفى بعهدك، كان قد أثنى بما يجب، ولكنه لم يصل بثنائه إلى مقصد، وقال ما لا يستحسن مثله فى الملوك.

ونحن نعلم أن كل أمير تولّى من أمور المؤمنين شيئا فهو أمير المؤمنين، غير أنهم لم يطلقوا هذه اللفظة إلا للخلفاء خاصّة، ونعلم أن الكيس هو العقل إذا عنوا به ضدّ الحمق (5)، ولكنك لو وصفت رجلا فقلت:«إن فلانا لعاقل»

(1) شاعر أموى من أهل المدينة توفى سنة 105 - انظر ترجمته فى الأغانى 4: 40، والشعر والشعراء ص 204.

(2)

مذق اللبن كنصر مذقا فهو ممذوق ومذيق ومذق كفرح: خلطه بالماء، ومنه قيل: فلان يمذق الود: إذا لم يخلصه.

(3)

النوافل، جمع نافلة، وهى ما تفعله مما لم يجب.

(4)

الحليلة: الزوجة.

(5)

وله معان أخر، وهى: الجود والطيب والجماع والغلبة بالكياسة.

ص: 182

كنت قد مدحته عند الناس، ولو قلت:«إنه كيّس» كنت قد قصّرت به عن وصفه، وصغّرت من قدره، إلا عند أهل العلم باللغة، لأن العامة لا تلتفت إلى معنى الكلمة إلا إلى حيث جرت منها العادة فى استعمالها فى الظاهر، إذ كان استعمال العامة لهذه الكلمة مع الحداثة والغرّة وخساسة النفس وصغر السّنّ، وقد روينا عن علىّ رضى الله عنه أنه تبجّح (1) بالكيس حين بنى سجن الكوفة فقال فى ذلك:

أما ترانى كيّسا مكيّسا

بنيت بعد نافع مخيّسا (2)

* حصنا حصينا وأمينا كيّسا (3) *

وقال الشاعر:

«ما يصنع الأحمق المرزوق بالكيس، ونعلم أن الصلاة رحمة، غير أنهم قد حرّموها (4) إلّا على الأنبياء، كذلك روى عن ابن عباس رضى الله عنه، وسمع سعد بن أبى وقّاص أخاله يلبّى ويقول فى تلبيته: «لبّيك يا ذا المعارج (5)» فقال:

نحن نعلم أنه ذو المعارج، ولكن ليس كذلك، كنا نلبى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كنا نقول: لبّيك اللهمّ لبّيك» وكان أبو إبراهيم المزنىّ قال فى بعض

(1) تبجح بالشىء: إذا فخر به، وفى العقد «أنه تسمى بالكيس» .

(2)

الكيس المكيس. الظريف والمعروف بالكيس، والمخيس بكسر الياء المشددة وفتحها:

السجن، لأنه يخيس المحبوسين أى يذلهم، أو هو موضع التخييس، واسم سجن بناه على رضى الله عنه بالكوفة، وكان أولا بنى سجنا بها سماه نافعا، وكان غير مستوثق البناء- وكان من قصب- فكان المحبوسون يهربون منه، وقيل إنه نقب وأفلت منه المحبسون، فهدمه على وبنى لهم المخيس من مدر، وجاء فى شفاء الغليل ص 109:«ولم يكن فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم سجن، وكان يحبس فى المسجد أو فى الدهليز حيث أمكن، فلما كان زمن سيدنا على رضى الله عنه أحدث السجن، وكان أول من أحدثه فى الاسلام، وسماه نافعا ولم يكن حصينا، فانفلت الناس منه، فبنى آخر وسماه مخيسا وقال فيه .... » .

(3)

فى الأصل «وأميرا» وفى اللسان والقاموس والشفاء «وأمينا» .

(4)

فى العقد «كرهوا الصلاة» .

(5)

المعراج بكسر الميم والمعرج بكسرها وفتحها: السلم. والمرقاة، بالكسر والفتح أيضا.

ص: 183

ما خاطب به داود بن خلف الأصبهانى: «وإن قال كذا فقد خرج عن الملّة، والحمد لله» فنقض ذلك عليه داود، وقال فيما رد عليه: تحمد الله على أن تخرج امرا مسلما من الإسلام! هذا موضع استرجاع، وللحمد مكان يليق به وإنما يقال فى المصيبة:

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» .

فامتثلّ هذه الرسوم والمذاهب، واجر على آدابهم، فلكلّ رسوم امتثلوها، وتحفّظ فى صدور كتبك وفصولها، وافتتاحها وخاتمتها، وضع كل معنى فى موضع يليق به، وتخيّر لكل لفظة معنى يشاكلها، وليكن ما تختم به فصولك فى موضع ذكر الشكوى بمثل:«والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل» وفى موضع ذكر البلوى: «نسأل الله دفع المحذور، ونسأل الله صرف السوء» وفى موضع ذكر المصيبة بمثل «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ» وفى موضع ذكر النعم بمثل: «والحمد لله خالصا، والشكر لله واجبا» فإنها مواضع ينبغى للكاتب تفقّدها، فإنما يكون كاتبا إذا وضع كل معنى فى موضعه، وعلّق كل لفظة على طبقها من المعنى، فلا يجعل أول ما ينبغى له أن يكتب فى آخر كتابه فى أوله، ولا أوله فى آخره، فإنى سمعت جعفر بن محمد الكاتب يقول:«لا ينبغى للكاتب أن يكون كاتبا، حتى لا يستطيع أحد أن يؤخر أول كتابه، ولا يقدّم آخره» .

واعلم أنه لا يجوز فى الرسائل استعمال ما أتى فى آى القرآن، من الاقتصار والحذف، ومخاطبة الخاصّ بالعام، والعامّ بالخاص، لأن الله سبحانه وتعالى إنما خاطب بالقرآن قوما فصحاء، فهموا عنه جل ثناؤه أمره ونهيه ومراده، والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم لهم بلسان العرب، وكذلك ينبغى للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك والمعنى الملتبس، فإنه إن ذهب الكاتب على مثل قوله تعالى:«وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها (1)» وقوله:

(1) تأويله: واسأل أهل القرية.

ص: 184

«بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ» احتاج أن يبين معناه: بل مكركم بالليل والنهار، ومثل هذا فى القرآن كثير لا يتّسع الكتاب لذكره.

وكذلك لا يجوز أيضا فى الرسائل والبلاغات المشهورة ما يجوز فى الأشعار الموزونة، لأن الشاعر مضطر، والشعر مقصور (1) مقيّد بالوزن والقوافى؛ فلذلك أجازوا لهم صرف ما لا ينصرف من الأسماء، وحذف ما لا يحذف منها، واغتفروا فيه الإغراب وسوء النظم، وأجازوا فيه التقديم والتأخير، والإضمار فى موضع الإظهار وذلك كله غير مساغ (2) فى الرسائل، ولا جائز فى البلاغات، فمما فى الشعر من الحذف:

قول الشاعر:

«قواطنا مكّة من ورق الحمى (3)»

يعنى الحمام

وقول الآخر:

«صفر الوشاحين صموت الخلخل (4)»

يريد الخلخال

وكقول الآخر:

«دار لسلمى إذه من هواكا (5)»

يريد إذ هى

(1) أى مقيد، من القصر وهو الحبس.

(2)

من أساغ فلان الشراب: إذا ابتلعه بسهولة، وفى العقد «منساغ» أى جائز، بناه من انساغ وجعله مطاوعا لساغ، يقال: ساغ له ذلك، أى جاز فهو سائغ أى جائز، ولا داعى إلى استعمال المطاوع هنا مادام الفعل يؤدى المعنى.

(3)

قاله العجاج، ويروى فى شواهد كتب النحو (باب إعمال اسم الفاعل)«أو الفا» ، وورق:

جمع ورقاء، وهى الحمامة التى يضرب بياضها إلى سواد، والحمى: أصله الحمام حذفت الميم الأخيرة وقلبت الألف ياء، وقلبت الفتحة كسرة للروى.

(4)

الوشاح: أديم عريض يرصع بالجوهر، تشده المرأة بين عانقها وكشحيها، والصفر: الخالى، وصفر الوشاحين: أى ضامرة الخصرين، وقال صاحب اللسان: «والخلخل كجعفر وبرقع من الحلى:

معروف، قال الشاعر:«براقة الجيد صموت الخلخل» ثم قال: «والخلخال كالخلخل، والخلخل لغة فى الخلخال أو مقصور منه، واحده خلاخيل النساء» .

(5)

جاء فى شرح التصريح (1: 103): «وفى هو وهى الجميع ضمير، وهو مذهب البصريين وذهب الكوفيون إلى أن الضمير هو الهاء فقط، والواو والياء إشباع» وفى حاشية الصبان (1: 89): -

ص: 185

وكقول الحطيئة:

فيه الرماح وفيه كلّ سابغة

جدلاء مسرودة من صنع سلام (1)

يريد سليمان بن داود، وكقول النابغة:

«ونسج سليم كلّ قضّاء ذائل (2)»

«وقد تحذف الواو والياء منهما اضطرارا، وتسكنهما قيس وأسد، وتشددهما همدان» .

أقول: ومما جاء بالتشديد قول الشاعر:

وإن لسانى شهدة يشتفى بها

وهو على من صبه الله علقم

وهاك كلمة لصاحب اللسان فى هذا الصدد قال: «قال الكسائى: هو، أصله أن يكون على ثلاثة أحرف مثل أنت، فيقال: هو فعل ذلك، ومن العرب من يخففه فيقول: هو فعل ذلك، وحكى الكسائى عن بنى أسد وتميم وقيس. هو فعل ذلك، باسكان الواو، وأنشد لعبيد:

وركضك لولا هو لقيت الذى لقوا

فأصبحت قد جاوزت قوما أعاديا

وقال الكسائى: بعضهم يلقى الواو من هو إذا كان قبلها ألف ساكنة فيقول: حتاه فعل ذلك وإنماه فعل ذلك، قال: وأنشد أبو خالد الأسدى:

* إذاه لم يؤذن له لم ينبس*

قال: وأنشدنى خشاف:

إذاه سام الخسف آلى بقسم

بالله لا يأخذ إلا ما احتكم

قال: وأنشدنا أبو مجالد للعجير السلولى:

فبيناه يشرى رحله قال قائل

لمن جمل رث المتاع نجيب

وقال ابن جنى: إنما ذلك لضرورة فى الشعر، وللتشبيه للضمير المنفصل بالضمير المتصل فى عصاه وقناه، ولم يقيد الجوهرى حذف الواو من هو بقوله إذا كان قبلها ألف ساكنة، بل قال: وربما حذفت من هو الواو فى ضرورة الشعر، وأورد قول الشاعر: فبيناه يشرى رحله، وكذلك الياء من هى، وأنشد:

«دار لسعدى إذه من هواكا» اه- لسان العرب ج 20: ص 366.

(1)

الهاء فى فيه تعود على قوله فى بيت قبله:

وجحفل كبهيم الليل منتجع

أرض العدو ببؤس بعد إنعام

ودرع سابغة: تامة طويلة، ودرع جدلاء: محكمة، والسرد: نسج الدرع، وسلام: يعنى سليمان بن داود عليهما السلام وإنما أراد داود- وكان يصنع الدروع، قال تعالى فيه:

«وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ» وقال «وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ» واللبوس: الدرع، والبيت من قصيدة للحطيئة فى مدح أبى موسى الأشعرى- انظر ديوان الحطيئة ص 36.

(2)

هو شطر بيت من قصيدة للنابغة الذبيانى، قالها فى وقعة غزو عمرو بن الحرث الأصغر الغسانى لبنى مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان- انظر ديوان النابغة ص 91 - والبيت:

وكل صموت نثلة تبعية

ونسج سليم كل قضاء ذائل

والصموت كصبور: الدرع الثقيلة، والنثلة بالفتح: الدرع الواسعة، وتبعية نسبة إلى تبع، وسليم: أى سليمان، يريد داود كما تقدم، والقضاء: الدرع المحكمة، ودرع ذائل وذائلة ومذالة بضم الميم: طويلة.

ص: 186

وقول الآخر:

«من نسج داود أبى سلّام (1)»

وقول الآخر:

«والشيخ عثمان أبى عفّان»

أراد عثمان بن عفان، وكما قال الآخر:

وسائلة بثعلبة بن سير

وقد علقت بثعلبة العلوق (2)

أراد ثعلبة بن سيّار، وقول الآخر:

ولست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (3)

أراد ولكن:

وكذلك ينبغى فى الرسائل ألا يصغّر الأسم فى موضع التعظيم، وإن كان ذلك جائزا، مثل قولهم: دويهية تصغير داهية، وجذبل تصغير جذل، وعذيق تصغير عذق، قال لبيد:

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل (4)

وقال الحباب بن المنذر يوم سقيفة بنى ساعدة: «أنا عذيقها المرجّب، وجذيلها المحكّك (5)» .

(1) هو شطر بيت للأسود بن يعفر- انظر لسان العرب 15: 193 - والبيت:

ودعا بمحكمة أمين سكها

من نسج داود أبى سلام

(والسك بالفتح: الدرع الضيقة الحلق) قال صاحب اللسان: وقالوا فى سليمان اسم النبى صلى الله عليه وسلم: سليم وسلام فغيروه ضرورة، قال: ومثل ذلك فى أشعارهم كثير، واستشهد بالأبيات الثلاثة المذكورة، وبشاهد آخر وهو:

مضاعفة تخيرها سليم

كأن قتيرها حدق الجراد

(والقتير بالفتح: رءوس مسامير حلق الدرع).

(2)

العلوق. المنية، وجاء فى اللسان (6: 58) «جعله سيرا للضرورة، لأنه لم يمكنه سيار لأجل الوزن، قال ابن برى: البيت للمفضل النكرى يذكر أن ثعلبة بن سيار كان فى أسره» .

(3)

البيت للنجاشى من أبيات قالها فى ذئب لقيه على ماء فدعاه أن يؤاخيه- انظر الأبيات فى حاشية الأمير على المغنى ج 1: ص 208 - .

(4)

المراد بالدويهية: الموت.

(5)

قال الحباب ذلك وقد قام يطلب بحق الأنصار فى الخلافة- انظر جمهرة خطب العرب 1: 65 - والجذيل تصغير الجذل (بالكسر) وهو أصل الشجرة، وعود ينصب للإبل الجربى لتحتك به وتتمرس-

ص: 187

ومما لا يجوز فى الرسائل، وكرهوه فى الكلام أيضا، مثل قولهم: كلمت إياك وأعنى إياك، وهو جائز فى الشعر، قال الشاعر:

وأحسن وأجمل فى أسيرك إنه

ضعيف، ولم يأسر كإياك آسر

وقال الراجز:

«إياك حتى بلغت إياك»

وإساءة النظم فى التأليف فى الشعر كثير.

وتكون الكلمة بشعة حتى إذا وضعت موضعها، وقرنت مع أخوانها» حسن حالها وراقت، كقول الحسن بن هانئ (1):«ذو خصر أفلت من كدّ البل (2)» والكدّ كلمة قلقة لا سيّما فى الرقيق والغزل والتشبيب، غير أنها لمّا وقعت فى موضعها حسنت، كما أن اللفظة العذبة إذا لم توضع موضعها نفرت، قال الشاعر:

رأت عارضا جونا فقامت غريرة

بمسحاتها قبل الظلام تبادره (3)

فأوقع الجلف (4) الجافى هذه اللفظة غير موقعها، وظلمها إذ جعلها فى غير مكانها، لأن المساحى لا تكون ولا تصلح للغرائر، وأين كان عن قول الشاعر:

غرائر، ما حدّثن يهدين أنسه

فما فوقه منهن غير غرائر

حديث لو أنّ العصم تدعى به أتت

ودون يد الفحشاء حدّ البواتر (5)

فتخيّر من الألفاظ أرجحها وزنا، وأجزلها معنى، وأشرفها جوهرا، وأكرمها

والمحكك: الذى تتحكك به، والعذيق تصغير العذق (بالفتح): وهو النخلة، والمرجب الذى جعل له رجبة (كركبة) وهى دعامة تبنى حولها من الحجارة، وذلك إذا كانت النخلة كريمة وطالت تخوفوا عليها أن تنقعر من الرياح العواصف، وهو مثل، والمراد أنه رجل يستشفى برأيه وعقله.

(1)

هو أبو نواس الشاعر العباسى المشهور.

(2)

ذو خصر: أى ذو ثغر خصر أى بارد، وفى الأصل «حضر» وهو تصحيف.

(3)

العارض: السحاب المعترض فى الأفق، والجون: الأسود (والأبيض أيضا، ضد) والمسحاة ما سحى به الطين، أى قشر وجرف، والغريرة: الشابة لا تجربة لها.

(4)

الجلف: الجافى.

(5)

أنسه: أى أنس الحديث، والعصم: جمع أعصم، وهو الوعل الذى فى ذراعيه بياض وسائره أسود أو أحمر، والباتر: السيف القاطع.

ص: 188

حسبا، وأليقها فى مكانها، وأشكلها فى موضعها، وليكن فى صدر كتابك دليل واضح على مرادك، وافتتاح كلامك برهان شاهد على مقصدك، حيثما جريت فيه من فنون العلم، ونزعت نحوه من مذاهب الخطب والبلاغات (1)، فإن ذلك أجزل لمعناك، وأحسن لاتّساق كلامك، ولا تطيانّ صدر كلامك إطالة تخرجه عن حدّه، ولا تقصّر به عن حقه، ولو صوّر اللفظ وكان له حدّ، لوقفتك عليه، غير أنهم- فى الجملة- كرهوا أن يزيدوا صدور كتب الملوك على سطرين أو ثلاثة، وهذه إشارة لا تعبّر إلا عن الجملة من المقصود إليه، لأن الأسطر غير محدودة.

واعلم أن أول ما ينبغى لك، أن تصلح آلتك التى لا بدّ لك منها، وأدواتك التى لا تتمّ (2) صناعتك إلا بها، وهى دواتك، فابدأ بعمارتها وإصلاحها (3)، وتخيّر لها ليقة (4) نقيّة من الشّعر والوذح، لئلا يخرج على حرف قلمك ما يفسد كتابك، ويشغلك بتنقيته، وخذ من المداد الفارسىّ خمسة دراهم، ومن الصّمغ العربى درهما، وعفصا (5) مسحوقا نصف درهم، ورماد القرطاس المحرق درهمين، ثم تسحقها وتغربلها، وتجمعها ببياض البيض، ثم بندقها (6) واجعلها فى الظّلّ، فإذا احتجت إليها أخذت منها مقدار حاجتك فكسرته وحشوت به دواتك، وإذا نقعته فى ماء السّلق حتى ينحلّ ويذوب ويختمر، ثم أمددت من مائه دوانك، كان أجود وأنقى.

ثم اختر بعد ذلك من أنابيب القصب الذى يصلح لكتابة القراطيس، أقله عقدا،

(1) فى العقد «وأفضل الكتب ما كان فى أول كتابه دليل على حاجته، كما أن أفضل الأبيات ما دل أول البيت على قافيته.

(2)

فى العقد «لا تثمر» .

(3)

وفى العقد «فلينعم ربها إصلاحها» أى فليجد.

(4)

الليقة: الصوفة التى توضع فى الدواة، والوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول. وفى الاصل «الودح» وهو تصحيف.

(5)

العفص: الذى يتخذ منه الحبر، مولد، وليس من كلام أهل البادية.

(6)

أى اجعلها بنادق، والبندق: الذى يرمى به واحدته بندقة.

ص: 189

وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء، وتجنّب الأقلام الفارسية ما استطعت، فإنها ما تصلح إلا للكواغد والرّقوق (1).

واجعل لقلمك برية حادّة، فإنّ تعثّر يد الكاتب وقت قطع القرطاس، ناقص مروءته، ومخلّ بظرفه، وإن قدرت ألا تقطع القرطاس إذا فرغت من كتابك إلا بخرطوم قلمك، فافعل، فإن ذلك أكمل لمروءتك، وأبدع لظرفك، وقطعك.

واستعمل لبرى القلم سكّينا طواويسيّا (2)، مذلق الحّد، وميض الطرف، فيكون ذلك عونا لك على برى أقلامك، فإن محل القلم من الكاتب محلّ الرّمح من الفارس، ولئن قيل كأنه الرمح الرّدينى (3)، لقد قال الكاتب كأنه القلم البحريّ، وتفقّد الأنبوبة قبل بريكها لئلا تجعلها منكوسة، وابرها من ناحية نبات القصبة، وارهف (4) - ما قدرت- جانبى قلمك، ليردّ ما انتشر من المداد، ولا تطل شقّه. فإن القلم لا يمجّ المداد من شقّه إلا مقدار ما احتملت شعبتاه (5).

فرفّع شعبتيه ليجمعا لك حواشى تصويره.

(1) الرقوق: جمع رق بالفتح ويكسر: وهو جلد رقيق يكتب فيه.

(2)

نسبة إلى طواويس، وهى اسم ناحية من أعمال بخارى بينها وبين سمرقند، وذلق السكين وذلقه وأذلقه: حدده.

(3)

الردينى: نسبة إلى ردينة، وهى امرأة سمهر، وكانا يقومان الرماح بخط هجر.

(4)

رهفه كمنع وأرهفه: رققه.

(5)

فى الأصل «شبتاه، فارفع شيتيه ليجمعا لك حواشى تحضيره» وهو تحريف، جاء فى أدب الكتاب ص 86:«من كلام مسلم بن الوليد، فى صفة برى القلم قوله: «حرف قطة قلمك قليلا ليتعلق المداد به، وأرهف جانبيه ليرد ما استودعته إلى مقصده، وشق فى رأسه شقا- غير عاد- ليحتبس الاستمداد عليه، ورفع من شعبتيه ليجمعا حواشى تصويره .... » وأورد صاحب صبح الأعشى قول مسلم فى ذلك (3: 6) وفيه: «ما خلا قلما جوف باريه بطنه ليعلق المداد به، وأرهف جانبيه ليرد ما انتشر منه إليه، وشق رأسه ليحتبس الاستمداد عليه، وأربع من شفتيه ليجمعا حواشى تصويره إليه

» والصواب: ورفع من شعبتيه كما قدمنا.

ص: 190

وأما قطّ القلم فعلى قدر القلم الذى يتعاطاه الكاتب من الخطّ، غير أن المسلسل (1) لا يكاد يتسلسل إلا بالقلم المربّع القطّ، كما أن كتب الملوك والسّجلّات لا تحسن إلا بالقلم المحرّف الكوفى، وأمّا قلم اللّازورد فهو المعتمد عليه والمقصود إليه فى النوائب والمهمّات.

ورأيت كثيرا من الكتاب يختارون قلم النّرجس لتجعّده وتجانسه، ومن اللازورد أبسط منه وأقوم حروفا، وأما الموشّع والمولّع والمدبّج والمنمنم والمسهّم، فعلى قدر رشاقة خط الكاتب وحلاوة قلمه، وأما حسن الخط فلست أجد له حدّا أقف عليه أكثر من قول علىّ النّصر اباذىّ (2) الكاتب، فإنى سألته واستوصفته الخطّ، فقال: أعلّمك الخط فى كلمة واحدة، فقلت له: تفضل بذلك، فقال: لا تكتبنّ حرفا حتى تستفرغ مجهودك فى كتابة الحرف المبدوء به، وتجعل فى نفسك أنك لا تكتب غيره، حتى لا تعجل (3) عنه إلى غيره، وإياك والنقط والشكل فى كتابك، إلا أن تمر بالحرف المعضل الذى تعلم أن المكتوب إليه يعجز عن استخراجه، فإنى سمعت سعيد بن حميد الكاتب يقول:«لأن يشكل علىّ الحرف، أحب إلىّ من أن يعاب بالنقط والإعجام» وقال المأمون لكتّابه: إياكم والشّونيز (4) فى كتبكم، يعنى النقط؛ ولذلك قال ابن هانئ:

لم ترض بالإعجام حين كتبته

حتى كتبت السّبّ بالإعراب

ولا تغفل الصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام، فقد قال أبو العيناء: «إن

(1) فصل القلقشندى فى صبح الأعشى الكلام على أنواع الأقلام فى الفصل الثانى من الباب الثانى فى الخط- اقرأ هذا الفصل فى ج 3: ص 5 - 152 من باب الخط (ج 2: ص 440 - ج 3: ص 226)

(2)

نسبة إلى نصر اباذ: محلة بنيسابور، ومعناها بالفارسية عمارة نصر، تنسب إلى نصر بن عبد العزيز الخزاعى، وكان قد ولى الرى فى أيام السفاح، ولم يزل عليها إلى أن قتل أبو مسلم الخراسانى، وفى رسائل البلغاء:«على بن زيز النصرانى» وهو تحريف.

(3)

فى العقد «حتى تعجز عنه» .

(4)

الشونيز: الحبة السوداء، فارسية، والكلام على التشبيه.

ص: 191

بنى أمية هم الذين كانوا أمروا كتّابهم فطرحوا ذلك من كتبهم، فجرت عادة الكتاب إلى يومنا هذا على ماسنّوه» وقد قال عليه الصلاة والسلام:«لا تجعلونى كقدح (1) الراكب، ولكن اجعلونى فى أول الدعاء وأوسطه وآخره» صلى الله عليه وعلى آله وسلّم أوّلا وأوسط وآخرا.

وأحبّ أن تجعل بدل الإشارة (2) التراب؛ فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

«أتربوا كتبكم، فإنه أنجح للحاجة» ولا تدع التاريخ، فإنه يدل على تحقيق الأخبار وقربها وبعدها، وانظر إلى ما مضى من الشهر وما بقى منه، فإن كان الماضى أقلّ من نصف الشهر قلت: لكذا ليلة مضت من شهر كذا، وإن كان الباقى أقل من النصف قلت: لكذا أيضا بقيت، وقد قال بعض الكتاب: إن الماضى من الشهر تحصيه، والباقى لا تحصيه، لأنك لا تدرى: أيتمّ الشهر أو ينقص، وليس هذا بشىء، لأن تاريخ الكتاب ليس من الأحكام فى شىء، وما على الكاتب أن يكتب إلا بما ظهر وتبيّن لا بما يظن.

ولا تجعل سحاة (3) كتبك غليظة إلا فى العهود والسجلات التى تحتاج إلى خواتمها وطوابعها؛ فإن محمد بن عيسى الكاتب كاتب آل طاهر أخبر عنهم أن عبد الله بن طاهر كتب إلى العراق فى إشخاص كاتب كان كتب إليه، فكتب وغلّظ سحاة كتابه، فردّ الكتاب إليه، فقدم عليه راجيا لبرّه وجائزته، فقال عبد الله بن طاهر: إن كان معك مسحاة (4) فاقطع خزم كتابك وانصرف وراءك،

(1) معناه: لا تؤخرونى فى الذكر، لأن الراكب يعلق قدحه فى آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه، قال حسان بن ثابت يهجو أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

وأنت زنيم نيط فى آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

(2)

أشر الخشبة كقتل: شقها، لغة فى النون، والمئشار: المنشار، قال الشاعر:

* أنا شر لا زالت يمينك آشره*

فجمع بين لغتى النون والهمزة، فالأشارة هى النشارة الدقيقة التى تتخلف عن شق الخشب.

(3)

سحاة القرطاس: ما أخذ منه، وسحا القرطاس وسحاه: أخذ منه سحاة، أو شده بها، وسحا الكتاب وسحاه وأسحاه: شده بسحاة.

(4)

المسحاة: كالمجرفة إلا أنها من حديد.

ص: 192

وكذلك لا تعظّم الطّينة، ففى المثل:«من عظّم الطّينة فإنه مظلوم» ولا تطبعها إلا بعد عنواناتها، فإن ذلك من أدبهم (1)، وقد يجب عليك علم إلصاق القراطيس ومحوها، ولم أر شيئا فى إلصاقها ألطف من أن ينقع الصّمغ العربى فى الماء ساعة حتى يذوب، ثم يلصق به، وكذلك ماء الكثيراء والنّشاستج (2)، ثم تطويه طيّا رقيقا، وتجعله فى منديل نظيف، ويرفع تحت وسادة حتى يجفّ. وأما محوها، فعلى قدر لطف الكاتب وتأنيّه، غير أنه ينبغى له أن لا يلقط السواد من القرطاس إلا بمثل الشمع المسخّن واللّبان الممضوغ، وما أشبههما، ثم يكون لفظه رويدا رويدا، كلما لقط جانبا حوّله إلى الجانب الآخر.

وأما قراءة الكتب المختومة والتلطّف لنقض خواتيمها، فمما لا نذكره خوفا من سفيه.

وأما تضمين الأسرار فى الكتب حتى لا يقرأها غير المكتوب إليه، ففيه أدب يجب معرفته، وقد تعلّقت العامّة بالمعمّى، قال الأصبهانى (3): وكان أبو حاتم سهل ابن محمد قد وضع منه أشياء جليلة من تبديل الحروف تبديلا يخفى، وألطف من ذلك أن تأخذ لبنا حليبا فتكتب به فى قرطاس، فيذرّ المكتوب إليه عليه رمادا حارا من رماد القراطيس، فإنه يظهر ما كتبت به إن شاء الله، وإن كتبت بماء الزاج الأبيض وذرّ عليه العفص المدقوق بزاج، أو بماء العفص وذر عليه شيئا من الزاج، أو تنقع شيئا من وشّق (4) ثم تكتب به، ثم نثرت عليه الرماد فإنه يظهر، وإن أحببته لا يقرأ بالنهار ويقرأ بالليل فاكتبه بمرارة السّلحفاة.

وإن حاولت صنعة رسالة أو إنشاء كتاب، فزن اللفظة قبل أن تخرجها بميزان

(1) فى الأصل «فإن ذلك مراد بهم» وهو تحريف.

(2)

هو النشا، فارسى معرب حذف شطره تخفيفا.

(3)

فى رسائل البلغاء: «تعلقت العامة بالقمى والأصبهانى» وهو تحريف.

(4)

الوشق والأشق كسكر: صمغ نبات.

(13 - جمهرة رسائل العرب- رابع)

ص: 193

التصريف إذا عرضت، وعاير الكلمة بمعياره إذا سنحت، فربما مرّ بك موضع يكون مخرج الكلام إذا كتبت:«أنا فاعل» أحسن من أن تكتب: «أنا أفعل» وموضع آخر يكون فيه «استفعلت» أحلى من «فعلت» .

فأدر الألفاظ على أعكانها (1)، واعرضها على معانيها، وقلّبها على جميع وجوهها، فأى لفظة رأيتها فى المكان الذى ندبتها إليه، فأنزعها إلى المكان الذى أوردتها عليه، وأوقعها فيه، ولا تجعل اللفظة قلقة فى موضعها، نافرة عن مكانها. فإنك متى فعلت هجّنت الموضع الذى حاولت تحسينه، وأفسدت المكان الذى أردت إصلاحه، فإنّ وضع الألفاظ فى غير أماكنها، وقصدك بها إلى غير نصابها (2)، إنما هو كترقيع الثوب الذى إذا لم تتشابه رقاعه، ولم تتقارب أجزاؤه، خرج من حدّ الجدّة، وتغيّر حسنه، كما قال الشاعر:

إن الجديد إذا ما زيد فى خلق

يبين للنّاس أن الثوب مرقوع

وارتصد لكتابك فراغ قلبك، وساعة نشاطك، فتجد ما يمتنع عليك بالكدّ والتكلف، لأن سماحة النفس بمكنونها، وجود الأذهان بمخزونها، إنما هو مع الشهوة المفرطة فى الشعر (3)، والمحبة الغالبة فيه، أو الغضب الباعث منه ذلك. قيل لبعضهم لم لا تقول الشعر؟ قال: كيف أقوله، وأنا لا أغضب ولا أطرب! وهذا كله إن جريت من البلاغة على عرق (4)، وظهرت منها على حظ، فأما إن كانت غير مناسبة لطبعك، ولا واقعة شهوتك عليها، فلا تنض (5) مطيّتك فى التماسها، ولا تتعب

(1) الأعكان والعكن (بضم ففتح): الأطواء فى البطن من السمن، وواحدة العكن عكنة بضم فسكون، والكلام على التشبيه، وفى رسائل البلغاء:«فأدر الألفاظ فى أماكنها .... حتى تقع موقعها» .

(2)

النصاب: الأصل.

(3)

فى الأصل «الشعر» وهو تحريف.

(4)

العرق: الأصل.

(5)

أنضاه: هزله.

ص: 194

بدنك فى ابتغائها، واصرف عنانك عنها، ولا تطمع فيها باستعارتك ألفاظ الناس وكلامهم، فإن ذلك غير مثمر لك، ولا مجد عليك، ومن كان مرجعه فيها إلى اغتصاب ألفاظ من تقدّمه، والاستضاءة بكوكب من سبقه، وسحب ذيل حلّة غيره، ولم يكن معه أداة تولّد له من بنات قلبه، ونتائج ذهنه الكلام الحرّ، والمعنى الجزل، لم يكن من الصناعة فى عير ولا نفير (1)، على أن كلام العظماء المطبوعين، ودرس رسائل المتقدمين على كل حال مما يفتق اللسان، ويوسّع المنطق، ويشحذ الطبع، ويستثير كوامنه إن كانت فيه سجيّة، قال العتّابى:«ما رأينا فيما تصرفنا فيه من فنون العلم، وجرينا فيه من صنوف الآداب، شيئا أصعب مراما، ولا أوعر مسلكا ولا أدلّ على نقص الرجال ورجاحتهم، وأصالة الرأى وحسن التمييز منه واختياره، من الصناعة التى خطبتها، والمعنى الذى طلبته» وليس شىء أصعب من اختيار الألفاظ وقصدك بها إلى موضعها؛ لأن اللفظة تكون أخت اللفظة وقسيمتها فى الفصاحة والحسن ولا تحسن فى مكان غيرها. وبتمييز هذه المعانى، ومناسبة طبائع جهابذتها (2)، ومشاكلة أرواحهم، جعلوا الكتابة نسبا وقرابة، وأوجبوا على أهلها حفظها.

قال الحسن بن وهب: الكتابة نفس واحدة تجزأت فى أبدان متفرقة، ومن لم يعرف فضلها وجهل أهلها، وتعدّى بهم رتبتهم التى وصفهم الله بها (3)، فإنه ليس من الإنسانية فى شىء.

وقالت البرامكة: رسائل المرء فى كتبه دليل على عقله، وشاهد على غيبه.

وقال الشاعر:

وتنكر ودّ المرء فى لحظ عينه

وتعرف عقل المرء حين تكاتبه

(1) من أمثال العرب: «لا فى العير ولا فى النفير» مثل يضرب للرجل يحط أمره، ويصغر قدره، وقد تقدم شرحه فى جمهرة خطب العرب 2:137.

(2)

جهابذة: جمع جهيذ، بكسر الجيم والباء وهو النقاد الخبير.

(3)

يشير إلى قوله تعالى: «كِراماً كاتِبِينَ» .

ص: 195

وقال آخر:

وشعر الفتى يبدى غريزة طبعه

وبالكتب يبدو عقله وبلاغته

وقيل للشّعبى: أى شىء تعرف به عقل الرجل؟ قال: إذا كتب فأجاد.

وقال العتبى: عقول الناس مدوّنة فى كتبهم، وقال ابن المقفّع: كلام الرجل وافد عقله.

وشبّهت الحكماء المعانى بالغوانى، والألفاظ بالمعارض، فإذا كسا الكاتب البليغ المعنى الجزل لفظا رائقا، وأعاره مخرجا سهلا، كان للقلب أحلى، وللصدر أملى (1)، ولكنه بقى عليه أن ينظمه فى سلكه مع شقائقه، كاللؤلؤ المنثور الذى يتولّى نظمه الحاذق، والجوهرىّ العالم يظهر بإحكام الصّنعة له حسنا هو فيه، ومنحة بهجة هى له، كما أن الجاهل إذا وضع بين الجوهرتين خرزة، هجّن (2) نظمه، وأطفأ نوره. كان حبيب (3) بن أوس ربما وقع على جوهرة فجعلها بين بعرتين، قال الشاعر:

ولو قرنت بدرّ فاخر خرزا

من الزجاج لقلنا بئس ما نظما

والياقوت حسن، وهو فى جيد الحسناء أحسن، وكذلك الشعر الجيّد مونق (4) ولكنه من أفواه العظماء آنق، والتاج الشريف بهىّ المنظر، وهو على الملك أبهى، كما قال ابن قيس الرّقيّات (5):

(1) سهل عن أملأ.

(2)

التهجين: التقبيح.

(3)

هو أبو تمام الشاعر العباسى المشهور- انظر ترجمته فى وفيات الأعيان 1: 121، والأغانى 15: 96، والفهرست لابن النديم ص 235.

(4)

آنقنى الشىء إينافا: أعجبنى.

(5)

هو عبيد الله بن قيس، وإنما لقب بذلك لأنه شبب بثلاث نسوة سمين جميعا رقية، كان زبيرى الهوى، وخرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، فلما قتل مصعب وقتل عبد الله بن الزبير هرب فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، فسأل عبد الملك فى أمره فأمنه- انظر ترجمته فى الأغانى 4: 154، والشعر والشعراء ص 212.

ص: 196

يعتدل التاج فوق مفرقه (1)

قال أبو العتاهية لابن مناذر (2): بلغنى أنك تقول الشعر فى الدهر، والقصيدة فى الشهر، فقال: نعم، لو رضيت لنفسى أن أؤلف تأليفك، وأقول:«يا عتب يا درّة الغوّاص (3)» لقلت فى اليوم والليلة ألف قصيدة، وقال عمر (4) بن لجأ لشاعر: أنا أشعر منك، قال: ولم؟ قال: لأنك تقول البيت وابن عمه، وأنا أقول البيت وأخاه.

فإن منيت بحب الكتابة وصناعتها، والبلاغة وتأليفها، وجاش صدرك بشعر معقود، أو دعتك نفسك إلى تأليف الكلام المنثور. وتهيّأ لك نظم هو عندك معتدل، وكلام لدبك متّسق، فلا تدعونّك الثقة بنفسك، والعجب بتأليفك، أن تهجم به على أهل الصناعة، فإنك تنظر إلى تأليفك بعين الوالد لولده، والعاشق إلى عشيقته، كما قال حبيب:

(1) المفرق كمقعد ومجلس: وسط الرأس، وهو الذى يفرق فيه الشعر، وهذا صدر بيت وعجزه:

«على جبين كأنه الذهب» وهو من قصيدة قالها فى مدح عبد الملك، ولما أنشده إياها ووصل إلى هذا البيت، قال له عبد الملك: يا بن قيس تمدحنى بالتاج كأنى من العجم، وتقول فى مصعب:

إنما مصعب شهاب من الل

هـ تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك عزة ليس فيه

جبروت منه ولا كبرياء

أما الأمان فقد سبق لك، ولكن والله لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا.

(2)

أبو العتاهية شاعر عباسى معروف، وله ترجمة مطولة فى الأغانى 3: 122، وفى الشعر والشعراء ص 309، ووفيات الأغانى 1: 71، والفهرست ص 227. وابن مناذر: هو محمد بن مناذر، شاعر عباسى أيضا- انظر ترجمته فى الأغانى 17: 9، والشعر والشعراء ص 364.

(3)

عتبة التى كان أبو العتاهية يشبب بها: هى جارية لريطة بنت أبى العباس السفاح، وكانت تحت المهدى، فلما بلغ المهدى إكثاره فى وصفها غضب فأمر بحبسه، ثم شفع له يزيد بن منصور الحميرى خال المهدى فأطلقه، وجاء فى الأغانى (17: 11) «اجتمع أبو العتاهية ومحمد بن مناذر، فقال له أبو العتاهية:

يا أبا عبد الله، كيف أنت فى الشعر؟ قال: أقول فى الليلة إذا سنح القول واتسعت القوافى عشرة أبيات إلى خمسة عشر، فقال له أبو العتاهية: لكنى لو شئت أن أقول فى الليلة ألف بيت لقلت، فقال ابن مناذر:

أجل، والله إذا أردت أن أقول مثل قولك:

ألا ياعتبة الساعه

أموت الساعة الساعه

قلت: ولكنى لا أعود نفسى مثل هذا الكلام الساقط، ولا أسمح لها به، فخجل أبو العتاهية وقام يجر رجله».

(4)

شاعر أموى، وكان ممن هجا جريرا- انظر خبره فى الشعر والشعراء ص 261، وفى الأغانى فى ترجمة جرير 7: 35 والفرزدق 19: 2.

ص: 197

ويسىء بالإحسان ظنّا، لا كمن

هو بابنه وبشعره مفتون

ولكن اعرضه على البلغاء والشعراء والخطباء ممزوجا بغيره، فإن أصغوا إليه، وأذنوا (1) له، وشخصوا بالأبصار، واستعادوه وطلبوه منك وامتزج، فاكشف من تلك الرسالة والخطبة والشعر اسمه، وانسبه إلى نفسك، وإن رأيت عنه العيون منصرفة، والقلوب عنه ذاهبة (2)، فاستدلّ به على تخلفك عن الصناعة، وتقاصرك عنها، واسترب رأيك عند رأى غيرك من أهل الأدب والبلاغة، فقد بلغنى أن بعض الملوك دعا إنسانا إلى مؤانسته، حتى ارتفعت الحشمة بينهما، فأخرج له كتابا قد غشّاه بالجلود، وجمع أطرافه بالإبريسم (3)، وسوّى ورقه، وزخرف كتابته، وجعل يقرأ عليه كلاما قد حبّره (4) فيه، ونمّقه عند نفسه، وجعل يستحسن ما لا يحسن، ويقف على ما لا يستثقل قراءته، حتى أتى على الكتاب، فقال له: كيف رأيت ما قرأت عليك؟ فقال: أرى عقل صانع هذا الكلام أكثر من كلامه، ففطن له ولم يعاوده، إلى أن وقف به على تنّور مسجور (5)، ثم قذف بالكتاب فى النار، وهذا رجل فى عقله فضلة، وفيه تمييز.

وإنما البليّة فيمن إذا بيّنت له سوء نظمه واختياره، ووقفته على سخافة لفظه، هجرك وعاداك، فاجعل هذا الأصل ميزانا تزن به مذهبك فى رسائلك وبلاغتك، ولا تخاطبنّ خاصّا بكلام عام، ولا عامّا بكلام خاصّ، فمتى خاطبت أحدا بغير ما يشاكله، فقد أجريت الكلام غير مجراه، وكشفته، وقصدك بالكلام الشريف للرجل الشريف تنبيه لقدر كلامك، ورفع لدرجته، قال:

فلم أمدحه تفخيما لشعرى

ولكنى مدحت بك المديحا

(1) أذن إليه وله كفرح: استمع معجبا، أو عام.

(2)

فى الأصل «واهية» .

(3)

الإبريسم: الحرير.

(4)

التحبير: التحسين.

(5)

التنور: الذى يخبز فيه- الفرن- وسجر التنور: أحماه.

ص: 198

فلا تخرجنّ كلمة حتى تزنها بميزانها، فتعرف تمامها ونظامها، ومواردها ومصادرها، وتجنّب ما قدرت الألفاظ الوحشية، وارتفع عن الألفاظ السّخيفة، واقتضب كلاما بين الكلامين.

قال الجاحظ: «ما رأيت قوما أمثل طريقة فى البلاغة من هؤلاء الكتّاب، فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعّرا وحشيّا، ولا ساقطا سوقيّا» . وقال خالد ابن صفوان: «أبلغ الكلام ما لا يحتاج إلى كلام، وأحسنه ما لم يكن بالبدوى المغرب ولا القروىّ المخدج (1)، الذى صحّت مبانيه، وحسنت معانيه، ودار على ألسن القائلين، وخفّ على آذان السامعين، ويزداد حسنا على ممرّ السنين، بتجلية الرّواة، وتنقية السّراة» .

والكاتب المستحق اسم الكتابة، والبليغ المحكوم له بالبلاغة، من إذا حاول صيغة كتاب سالت على قلمه عيون الكلام من ينابيعها، وظهرت من معادنها، وندرت (2) من مواطنها، عن غير استكراه ولا اغتصاب.

حدّثنا صديق للعتّابى قال له: اعمل لى رسالة، فاستمدّه مدّة بعد أخرى، فقال له: ما أرى بلاغتك إلا شاردة عنك، فقال له العتابىّ: إنى لمّا تناولت القلم تداعت علىّ المعانى من كل جهة، فأحببت أن أترك كل معنى يرجع إلى موضعه، ثم أجتنى لك أحسنها.

وأملى يزيد بن عبد الله أخو ذبيان (3) على كاتب له، فأعجل الكاتب، ودارك فى الإملاء عليه (4)، فتعثّر قلم الكاتب عن تقييد إملائه، فقال له متحرّشا: اكتب

(1) الإعراب: الإتيان بالغريب، والمعنى المغرب صاحبه. والمخدج: الناقص، من قولهم:

أخدجت الناقة: أى جاءت بولد ناقص فهى مخدج (بكسر الدال) والولد مخدج (بفتحها)، ورجل مخدج اليد: ناقصها.

(2)

أى ظهرت، ندر الشىء ندورا: سقط من جوف شىء، أو من بين أشياء فظهر، وربما كان «بدرت» أى سبقت وعجلت، وفى رسائل البلغاء «وتدرب» وهو تصحيف.

(3)

فى رسائل البلغاء «أخو دينار» وهو تحريف.

(4)

وفى رسائل البلغاء: «وأعجل عليه الإملال» وأمل عليه الكتاب بمعنى أملى.

ص: 199

يا حمار، فقال له الكاتب: أصلح الله الأمير، إنه لما هطلت شآبيب (1) الكلام، وتدافعت سيوله على حرف القلم، كلّ القلم عن إدراك ما وجب عليه تقييده، فليتذكر الأمير عذرى، فكان حضور جواب الكاتب أبلغ من بلاغة يزيد.

وقال له يوما وقد نطّ حرفا فى غير موضعه: ما هذا؟ قال: طغيان فى القلم.

وكلما احلولى الكلام وعذب ورقّ وسهلت مخارجه، كان أسهل ولوجا فى الأسماع، وأشدّ اتصالا بالقلوب، وأخفّ على الأهواء، ولا سيما إذا كان المعنى البديع مترجما بلفظ مونق (2) شريف، ومعبّرا بكلام مؤلّف رشيق، لم يشنه التكلّف بميسمه (3)، ولم يفسده التعقيد باستهلاكه، كقول ابن أبى كريمة:

قفاه وجه حسن، والذى

قفاه وجه يشبه الشمسا

فهجّن المعنى بتوعّر مخارج الحروف، وأخذه الحسن بن هانئ فسهّله وقال:

«بذّ (4) حسن الوجوه حسن قفاكا» وكلاهما من حسّان حيث يقول:

قفاؤك أحسن من وجهه

وأمّك خير من المنذر (5)

وانظر إلى سلاسة الحسن بن سهل حيث قال:

شرست بل لنت بل قابلت ذاك بذا

فأنت لا شكّ فيك السهل والجبل

وكتب عيسى بن لهيعة كتابا إلى أخيه أبى الحسن، فعقّد كلامه، وجاز المقدار فى التّنطع، فوقّع فى أسفل كتابه:

(1) شآبيب: جمع شؤبوب كعصفور، وهى الدفعة من المطر.

(2)

أى معجب.

(3)

وسمه: أثر فيه بسمة، أى علامة، والميسم: الآلة التى يوسم بها.

(4)

بذ: فاق.

(5)

القفا قد يمد كما فى هذا البيت، والعرب تؤنثه، والتذكير أعم. وكان حسان بن ثابت زار الحرث ابن أبى شمر الغسانى- وكان النعمان بن المنذر يساميه- فقال الحرث لحسان: لقد نبئت أنك تفضل النعمان على، فقال: وكيف أفضله عليك؟ فو الله لقفاك أحسن من وجهه، ولأمك أشرف من أبيه، فى كلام كثير، فقال له: هذا لا يسمع إلا فى شعر، فنظمه فى أبيات منها هذا البيت- انظر ديوان حسان ص 182 ومروج الذهب 1:299.

ص: 200

أنّى يكون بليغا

من اسمه كان عيّا

وثالث الحرف منه

إذا كتبت مسيّا (1)

وبلغنى أن بعض الكتاب عاد بعض الملوك فوجده يئنّ من علّة، فخرج من عنده، ومر بباب الطاق، وإذا بطير يدعى «الشفانين (2)» فاشتراه وبعث به إليه، وكتب كتابا يتنطّع فى بلاغته، وذكر أنه يقال له شفانين، وأرجو أن يكون شفاء من أنين، فوقع فى أسفل الكتاب: «والله لو عطست ضبّا لم تكن عندى إلا نبطيّا (3)، فأقصر (4) عن تنطّعك، وسهّل كلامك، وفى هذا المعنى قال مخلد الموصلىّ يهجو حبيب بن أوس الطّائى:

أنت عندى عربىّ

ليس فى ذاك كلام

شعر ساقيك وفخذي

ك خزامى وتمام (5)

وقذى عينيك صمغ

ونواصيك شبام (6)

وضلوع الصّدر من شل

وك نبع وبشام (7)

(1) مسيا مسهل عن مسيئا بمعنى سيئ، يريد أن الشطر الثانى من اسمه «سى» يشبه رسمه رسم «سىء» .

(2)

عده الجاحظ فى أنواع الحمام، وقيل: هو الذى تسميه العامة اليمام- انظر كلمة عنه «فى حياة الحيوان الكبرى» للدميرى 2: 74.

(3)

فسره فى العقد قال: «قوله: لو عطست ضبا: يريد أن الضباب من طعام الأعراب، وفى بلدهم يقال: لو عطست فنثرت ضبا من عطاسك لم تلحق بالأعراب ولم تكن إلا نبطيا، وقد جاء فى بعض الحديث: إن القط من نثرة عطسة الأسد، وإن الفأر من نثرة عطسة الخنزير، فقال هذا: لون أن الضب من نثرتك لم تكن إلا نبطيا» اه. والنبط: قوم كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين.

(4)

أى كف، وفى الأصل «فأقصر عن بعضك» وهو تحريف.

(5)

الخزامى: نبت زهره أطيب الأزهار نفعة، والثمام: نبت أيضا.

(6)

فى العقد «شعام» وهو محرف، وأرى أن صوابه «شبام» وهو نبات يشب (أى تحسن) به لون الحناء.

(7)

الشلو: الجسد من كل شىء، والنبع: شجر للقسى والسهام، والبشام: شجر عطر الرائحة يستاك بقضبه.

ص: 201

لو تحرّكت كذا لان

جفلت منك نعام (1)

وظباء راتعات

ويرابيع عظام (2)

وحمام يتغنّى

حبّذا ذاك الحمام

أنا ما ذنبى إن كذ

ذبنى فيك الأنام

وقفا يحلف ما إن

أعرقت فيه الكرام

ثم قالوا هاشمىّ

من بنى الأنباط حام

كذبوا ما أنت إلّا

عربىّ والسلام

وسألنى بعض أهل العلم أن أكتب له قصّة إلى جعفر بن عبد الواحد القاضى، وقال: اكتب لى قصّة سهلة بليغة الألفاظ، فقلت له: دعنى أكتب لك ما يصلح للقضاة، فغضب وقال: ما أسأل أن تعطينى شيئا إنما أسألك هذا المعنى الرخيص، فاحتملت عتبة لذمام (3)، فكتبت له قصة لا تصلح أن تدفع إلا لرؤبة (4) بن العجّاج يقرؤها أو الطّرمّاح (5)، فلما حصلت بيد القاضى أراد قراءتها فإذا هى مغلقة عليه، فقال له: أنت كتبت هذه القصة؟ قال: نعم، قال: إذن فاقرأها، فذهب ليقرأها، فإذا هى بالسّودانية، استعجاما عليه، فقال له: أصلح الله القاضى، إنما أقرؤها فى بيتى، فقال له: فاطلب حاجتك إذن فى بيتك، فرجع إلىّ غضبان أسفا يشتم ويؤذى،

(1) انجفل: أسرع الهرب.

(2)

اليرابيع: جمع يربوع بالفتح، وهو دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها، ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة.

(3)

الذمام: الحق والحرمة.

(4)

هو راجز مجيد مشهور كأبيه العجاج، وكان بصيرا باللغة عالما بحوشيها وغريبها، وهو من مخضرمى الدولتين، مدح بنى أمية وبنى العباس ومات سنة 145 هـ- انظر ترجمته فى الأغانى 21: 57، ووفيات الأعيان 1: 187، والشعر والشعراء ص 230.

(5)

هو الطرماح بن حكيم، شاعر أموى مشهور. قال رؤبة: كان الطرماح والكميت يصيران إلى فيسألاننى عن الغريب، فأخبرهما به، فأراه بعد فى أشعارهما. وسئل ابن الأعرابى عن ثمان عشرة مسألة كلها من غريب شعر الطرماح فلم يعرف منها واحدة، يقول فى جميعها: لا أدرى لا أدرى- انظر ترجمته فى الأغانى 10: 148، والشعر والشعراء ص 228.

ص: 202

وسألنى أن أكتب له قصة على ما أرى، فكتبت له كتابا يشبه أن يكون من مثله إلى القضاة، فقرأه وقضى حاجته، وعلم أنه لم يكتب واحدة منهما.

والكتاب إذا لم يكن شبيها بحالة (1) صاحبه، كان أحد الأسباب المانعة، والمعانى كلها ممتثلة، والكلام مشبع (2)، ولكن سياسته صعبة، وتأليفه شديد، إلا على جهابذته وفرسانه أمراء الكلام، يصرّفونه كيف شاءوا، ولا يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، ويكون اللفظ أسبق إلى الأسماع من معناه إلى القلوب (3).

قال الجاحظ: كان لفظه فى وزن إشارته، وطبعه فى معناه فى مطابقة معناه.

وذكر الحسن بن وهب أحمد بن يوسف فقال: ما كنت أدرى: ألفظه آنق أم معناه، أو معناه أجزل أم لفظه؟

والمعانى وإن كانت كامنة فى الصدور، فإنها مصوّرة فيها ومتّصلة بها، وهى كاللآلئ المنطوية (4) فى أصدافها، والنار المخبوءة فى أحجارها، فإن أظهرتها من أكنانها (5) وأصدافها، تبيّن حسنها، وإن قدحت النار من مكامنها وأحجارها انتفعت بها، وإلّا بقيت محجوبة مستورة، وربما يستثار الكامن منها، ويستخرج المستسرّ (6) من جواهرها، بقدر حذق المستنبط، وصواب حركات المستخرج، وقصد إشارته، ولطف مذاهبه، وكذلك ليس كل ناطق ولا كاتب يوضح عن المعنى، ولا يصيب إشارته، وكلما كان الكلام أفصح، والبيان أوضح، كان أدلّ

(1) فى الأصل «بحاجة» وأراه محرفا.

(2)

امتثله: تصوره حتى كأنه ينظر إليه، ومشبع من قولهم: رجل مشبع العقل بفتح الباء أى وافره، وفى الأصل «مشبعا» وهو تحريف.

(3)

وجاء فى نهاية الأرب 7: 8 «وقالوا: لا يستحق الكلام اسم البلاغة حتى يكون معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك» .

(4)

فى الأصل «المنظومة» وهو تحريف.

(5)

الأكنان: جمع كن، وهو الستر، بالكسر، فيهما.

(6)

استسر: استتر وخفى.

ص: 203

على حسن وجه المعنى، وقد رأيتهم شبهوا المعنى الخفىّ بالرّوح الخفى، واللفظ الظاهر بالجثمان الظاهر، وإذا لم ينهض بالمعنى الشريف لفظ شريف جزل، لم تكن العبارة واضحة، ولا النظام متّسقا، وتضاءل المعنى الحسن تحت اللفظ القبيح، كتضاؤل الحسناء فى الأطمار (1) الرّثّة.

وإنما يدل على المعنى أربعة أصناف: لفظ، وإشارة، وعقد وخطّ، وقد ذكر أرسطاطاليس صنفا خامسا فى كتاب المنطق، وهو الذى يسمى النّصبة، والنّصبة:

الحال الدّالة التى تقوم مقام تلك الأصناف الأربعة، وهى الناطقة بغير لفظ، والمشيرة إليه بغيريد، وذلك ظاهر فى خلق السموات والأرض، وفى كل صامت وناطق، وهى داخلة فى جملة هذه المعانى الأربعة، وخارجة منها بالحلية، ولكل واحدة من هذه الدلائل صورة مخالفة لصورة صاحبتها، وحلية غير مشاكلة لحلية أختها، غير أنها فى الجملة كاشفة عن أعيان المعانى، وسافرة (2) عن وجوهها (3). وأوضح هذه الدلائل، وأفصح هذه الأصناف، صنفان منها، وهما اللسان والقلم، وكلاهما يترجمان ويدلان على القلب، ويستمليان منه، ويؤديان عنه ما لا تؤدى هذه الأصناف الباقية، فأما اللسان فهو الآلة التى يخرج الإنسان بها عن حد الاستبهام إلى حد الإنسانية بالكلام، ولذلك قال صاحب المنطق: حدّ الإنسان: الحى الناطق. وقال هشام ابن عبد الملك «إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه من بين الجوارح بتوحيده، وما جعل الله من عبّر عن شىء مثل من لم يعبّر عنه» . وقال على بن عبدة: «إنما يبين عن الإنسان اللسان، وعن المودّة العينان» . وقال آخر: «الرجل مخبوء تحت لسانه (4)» .

وقالوا «المرء بأصغريه: قلبه ولسانه» .

(1) الأطمار: جمع طمر بالكسر، وهو الثوب الخلق.

(2)

أى كاشفة أيضا.

(3)

وقد عقد الجاحظ فصلا طويلا فى الكلام على أصناف الدلالات على المعانى- انظر باب البيان من كتابه البيان والتبيين ج 1: ص 42.

(4)

من الحكم المروية عن الإمام على كرم الله وجهه «المرء مخبوء تحت لسانه» .

ص: 204

وقال الشاعر:

وما المرء إلا الأصغران، لسانه

ومعقوله، والجسم خلق مصوّر

فإن ترها راقتك يوما، فربّما

أمرّ مذاق العود والعود أخضر (1)

وقال الأعور التّيمىّ (2):

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

وقال آخر:

إن الكلام لفى الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقال الطائى:

ومما كانت الحكماء قالت

لسان المرء من خدم الفؤاد

وللخط صورة معروفة، وحلية موصوفة، وفضيلة بارعة، ليست لهذه الأوصاف، لأنه ينوب عنها فى الإيضاح عند المشهد، ويفضلها فى المغيب، لأن الكتب تقرأ فى الأماكن المتباينة، والبلدان المتفرقة، وتدرس فى كل عصر وزمان، وبكل لسان، واللسان وإن كان ذلقا فصيحا لا يعدو سامعه، ولا يجاوزه إلى غيره، وكفى بفضيلة العلم والخط قول الله عز وجل:«الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» وأقسم (3) به كما أقسم بغيره (4)، ثم أقسم بما يكتبه القلم، إفصاحا عن حاله، وإعظاما لشأنه، وتنبيها لذكره، فقال:«وَما يَسْطُرُونَ» . ومن فضيلة الخط: أنه لسان اليد، ورسول الضمير (5) ودليل الإرادة، والناطق عن الخواطر، وسفير العقول، ووحى الفكر، وسلاح المعرفة، ومحادثة الأخلّاء على التنائى، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومستودع

(1) الضمير يعود على مفهوم من السياق: أى صورته.

(2)

وفى رواية الزوزنى أن هذا البيت لزهير بن أبى سلمى من معلقته.

(3)

قال تعالى: «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ» .

(4)

من السماء والطارق والفجر والشمس والليل والضحى والتين والزيتون

الخ مما ورد فى القرآن، والآيات فى ذلك معروفة.

(5)

وفى العقد والصبح ونهاية الأرب «وبهجة الضمير» .

ص: 205

الأسرار، وديوان الأمور، وترجمان القلوب، والمعبّر عن النفوس، والمخبر عن الخواطر، ومورّث الآخر مكارم الأوّل، والناقل إليه مآثر الماضى، والمخلّد له حكمته وعلمه، والمسامر للعين بسرّ القلب، والمخاطب عن الناصت (1)، والمجادل عن الساكت، والمفصح عن الأبكم، والمتكلّم عن الأخرس، الذى تشهد له آثاره بفضائله، وأخباره بمناقبه.

وقد وضعت البلاغة من القلم (2) علوّ القدر، وباذخ (3) العز، كأبى مسلم صاحب الدولة: فرّقت شمله، وبدّدت جمعه، ونقضت برمه (4)، وأفسدت صلاحه، وضعضعت بنيانه، مع ذكائه وتفطّنه، ومكايده ودهائه، وأصالة رأيه وشدة شكيمته (5)، وامتناعه على أبى جعفر ونفاره عنه، كيف استفزّه ابن المقفع، وصالح بن عبد القدّوس، وجبل بن يزيد، واستمالوه بسحر ألفاظهم، وبلاغة أقلامهم، حتى نزل من باذخ عزه، وجاء مبادرا حتى وقع فى الشّرك المنصوب له، فتفرّق جمعه، وانطفأ نوره، وصار خبرا سائرا، ورسما دائرا (6).

ورفع القلم خاشع الطّرف، صغير الخطر (7)، لئيم الجنس، درج من عشّ التّجّار، ونشأبين المكيال والميزان، كيف شالت (8) البلاغة بضبعيه، ورفعت من ناظريه، حتى شافهت به عنان السماء، ورفعت بناءه فوق البناء، حتى طلبه الراكب، وقصده الطالب، وخشعت له الرجال، ولحظته العيون بالوقار، وتمكّن من الصنائع،

(1) نصت كضرب، وأنصت: سكت.

(2)

فى رسائل البلغاء: «وقد وقعت البلاغة من العلم» وهو تحريف.

(3)

الباذخ: العالى.

(4)

يقال برم الحبل برما وأبرمه إبراما.

(5)

الشكيمه: الأنفة.

(6)

أى دارسا ممحوا.

(7)

الخطر: الفدر.

(8)

أشال الحجر، وشال به يشول شولا: رفعه، فانشال هو- ولا يقال شلت بالكسر- والضبع. العضد كلها أو وسطها، والعنان. السحاب واحدته عنانة.

ص: 206

ومدّت نحوه الأصابع، فشكرت منه اللّفظة، ورجيت منه اللّحظة، كمحمد (1) ابن عبد الملك بن الزيات، وفيه يقول على بن الجهم (2):

أحسن من عشرين بيتا سدى

جمعك معناهنّ فى بيت

ما أحوج الملك إلى مطرة

تغسل عنه وضر الزيت (3)

فأجابه محمد بن عبد الملك:

رقيت فى القول إلى خطّة

قدرك فيها قد تعدّيت

(1) كان جدء أبان يجلب الزيت من مواضعه إلى بغداد ويتجر فيه، وكان أبوه عبد الملك تاجرا من مياسير التجار بالكرخ (محلة ببغداد) فكان يحثه على التجارة، وملازمتها، فيأبى إلا الكتابة، وطلبها، وقصد المعالى حتى بلغ مرتبة الوزارة كما قدمنا، وكان فى أول أمره من جملة الكتاب، وسبب تقدمه أن المعتصم ورد عليه كتاب من بعض العمال، فقرأه عليه وزيره أحمد بن عمار بن شاذى البصرى، وكان فى الكتاب ذكر الكلأ، فقال له المعتصم: ما الكلأ؟ فقال لا أدرى- وكان قليل المعرفة بالأدب- فقال المعتصم: خليفة أمى ووزير عامى! - وكان المعتصم ضعيف الكتابة- ثم قال: أبصروا من بالباب من الكتاب؟ فوجدوا ابن الزيات المذكور فأدخلوه إليه، فقال له: ما الكلأ؟ فقال:

الكلأ العشب على الإطلاق، فإن كان رطبا فهو الخلا، فإذا يبس فهو الحشيش، وشرع فى تقسيم أنواع النبات، فعلم المعتصم فضله فاستوزره وحكمه وبسط يده- انظر الأغانى 20: 46 ووفيات الأعيان 2: 54، والفخرى ص 213، وغرر الخصائص الواضحة ص 143.

(2)

شاعر عباسى مشهور، توفى سنة 249 - انظر ترجمته فى الأغانى 9: 99، ووفيات الأعيان 1:349.

(3)

الوضر: وسخ الدسم، وفى العقد الفريد (3: 111): «وقال محمد بن الجهم يهجوا ابن الزيات: أحسن من سبعين بيتا

» وجاء فى الأغانى (20: 51). «كان محمد بن عبد الملك يعادى أحمد بن أبى دواد ويهجوه، فكان أحمد يجمع الشعراء ويحرضهم على هجائه ويصلهم، ثم قال فيه أحمد بيتين كانا أجود ما هجا به، وهما: أحسن من خمسين بيتا

» وفى وفيات الأعيان:

(2: 56) «وكان ابن الزيات قد هجا ابن أبى دواد بتسعين بيتا، فعمل القاضى أحمد فيه بيتين وهما:

أحسن من تسعين بيتا

» وجاء فيه أيضا (1: 25) «وهجا بعض الشعراء ابن الزيات بقصيدة عدد أبياتها سبعون بيتا، فبلغ خبرها القاضى أحمد فقال

فبلغ ابن الزيات ذلك- ويقال: إن بعض أحداد القاضى أحمد كان يبيع القار (الزفت) - فقال:

يا ذا الذى يطمع فى هجونا

عرضت بى نفسك للموت

الزيت لا يزرى بأحسابنا

أحسابنا معروفة البيت

قيرتم الملك فلم ننقه

حتى غسلنا القار بالزيت

وقيره: أطلاه بالقار.

ص: 207

قيّرتم الملك فلم ننقه

حتى غسلنا القار بالزّيت (1)

وقال حبيب بن أوس يمدحه ويصف قلمه:

لك القلم الأعلى الذى بشباته

تصاب من الأمر الكلى والمفاصل (2)

وكان محمد من ألطف الناس ذهنا، وأرقّهم طبعا، وأصدقهم حسّا، وأرشقهم قلما، وأملحهم إشارة، إذا قال أصاب، وإذا كتب أبلغ، وإذا شعر (3) أحسن، وإذا اختصر أغنى عن الإطالة: أمره الواثق أن يتلطف بعبد الله بن طاهر، ويعلمه أنه صرفه عن أمر الجزائر والعواصم (4)، وفوّض ذلك لابن عمه إسحق بن إبراهيم، فكتب:

«أما بعد، فإن أمير المؤمنين رأى أن يخلع ما فى يمينك، من أمر الجزائر والعواصم، فيجعله فى شمالك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (5)» .

وقال سهل بن بركة يهجو أبا نوح النصرانى الكاتب:

بأبى وأمّى، ضاعت الأحلام

أم ضاعت الأذهان والأفهام؟ (6)

من صدّ عن دين النبى محمد

أله بأمر المسلمين قيام؟

إلّا تكن أسيافهم مشهورة

فينا، فتلك سيوفهم أقلام

(1) البيتان على هذه الرواية فيهما عيب شعرى وهو الإصراف، لأن حركة روى البيت الأول فتحة، وحركة روى البيت الثانى كسرة.

(2)

الشباة: حد كل شىء، وهذا البيت هو الأول من أبيات تسعة مشهورة- انظرها، فى العقد الفريد 2: 179، ونهاية الأرب 7: 25، وصبح الأعشى 2: 448، وأدب الكتاب ص 75 وزهر الآداب 2:35.

(3)

شعر كنصر وكرم قال شعرا، أو شعر بالفتح: قال شعرا، وشعر بالضم: أجاده.

(4)

العواصم: ولاية كانت قصبتها أنطاكية.

(5)

ليس ابن الزيات فى هذا المعنى ببدع، بل اقتبسه من يحيى بن خالد البرمكى- انظر ما قدمناه فى ص 155 من الجزء الثالث.

(6)

الأحلام: العقول.

ص: 208

وقال عبد الرحمن بن كيسان: «استعمال الكلام أجدر بإحضار الذهن عند تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام (1)» .

ولم يختلف فى شرف القلم، وإنما اختلف فى كيفية البلاغة وماهيّتها، وقد مدحها كل قوم بأوضح عبارتهم، وأحسن بيانهم، فقال صاحب اليونانيين:«البلاغة تصحيح الأقسام، واختيار الكلام» وقال الرومى: «البلاغة وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة، وحسن الإشارة (2)» وقال الفارسى (3): «هى معرفة الفصل من الوصل» وقال الهندى: «هى البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، ثم إن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقا، وربما كان الإطراق عنها أبلغ فى الدّرك، وأحقّ بالظفر» وقال غيره: «جماع البلاغة التماس حسن الموقع، والمعرفة بساعات القول، والحذق بما التبس من المعانى وغمض، وبما شرد عليك من اللفظ وتعذّر» ثم قال: «وزين ذلك كلّه وبهاؤه، وحلاوته وسناؤه، أن تكون الشمائل معتدلة، والألفاظ موزونة، واللهجة نقية، فإن جامع ذلك السّنّ والسّمت (4) والجمال وطول الصمت، فقدتم كل التمام (5)» .

وقيل لهندى ما البلاغة؟ فأخرج صحيفة مكتوبة عندهم فيها (6): «أول البلاغة

(1) وفى البيان والتبيين 1: 45 «وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحس الذهن على تصحيح الكتاب من استعمال اللسان على تصحيح الكلام» .

(2)

وفى البيان والتبيين 1: 49 «وقيل للرومى: ما البلاغة؟ قال: حسن الاقتضاب عند البداهة، والغزارة يوم الإطالة، وقيل للهندى: ما البلاغة؟ قال: وضوح الدلالة، وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة» (وكذا فى زهر الآداب 1: 135). قال الجاحظ: وقال بعض أهل الهند:

«جماع البلاغة البصر بالحجة .... » .

(3)

يعنى أبا على الفارسى.

(4)

السمت: هيئة أهل الخير.

(5)

انظر البيان والتبيين 1: 49.

(6)

جاء فى البيان والتبيين (1: 51)«قال معمر أبو الأشعث: قلت لبهلة الهندى أيام اجتلب يحى بن خالد أطباء الهند، ما البلاغة عند أهل الهند؟ قال بهلة: عندنا فى ذلك صحيفة مكتوبة ولكننى لا أحسن ترجمتها لك، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسى بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها، قال أبو الأشعث: فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة، فإذا فيها: أول البلاغة اجتماع ..... » انظر أيضا زهر الآداب 1: 120.

(14 - جمهرة رسائل العرب- رابع)

ص: 209

اجتماع (1) آلة البلاغة، وذلك أن يكون البليغ رابط الجأش (2)، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخيّر اللفظ، لا يكلّم سيد الأمة بكلام الأمة، ولا الملوك بكلام السّوقة ويكون فى قواه فضل التصرف فى كل طبقة، ولا يدقّق المعانى كلّ التدقيق، ولا ينقّح الألفاظ كل التنقيح، ولا يصفّيها كل التصفية (3)، ولا يهذّبها غاية التهذيب، ولا يكون كذلك حتى يصادف فيلسوفا حكيما عليما، ومن قد تعوّد حذف فضل الكلام، وأسقط مشترك اللفظ» (4) وقال أنو شروان لبزرجمهر (5): متى يكون العيىّ بليغا؟ فقال: إذا وصف بليغا، وقال أرسطاطاليس:«البلاغة حسن الاستعارة» وقال بشر بن خالد (6): «البلاغة التقرب من المعنى البعيد، والتباعد عن خسيس الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير» وقال خالد بن صفوان: «ليس البلاغة بخفّة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقرع بالحجّة» وقال عمر بن عبد العزيز: «البليغ من إذا وجد كثيرا ملأه، وإذا وجد قليلا كفاه» ، وقال ابن عتبة:«البلاغة دنوّ المآخذ، وقرع الحجة، والاستغناء بالقليل عن الكثير» وقال بعضهم: «إنى لأكره للإنسان أن يكون مقدار لسانه فاضلا عن مقدار عقله، كما أكره أن يكون مقدار عقله فاضلا عن مقدار لسانه وعلمه، يكفى من حظ البلاغة

(1) فى رسائل البلغاء «احتمال» .

(2)

الجأش: رواع القلب إذا اضطرب من الفزع، ونفس الإنسان. وربط جأشه رباطة (بالكسر) اشتد قلبه.

(3)

فى رسائل البلغاء «ويصعبها كل التصعبة» .

(4)

جاء فى البيان والتبيين، وزهر الآداب عقب ذلك «قد نظر فى صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة، لاعلى جهة التصفح والاعتراض. ووجه التظرف والاستطراف» .

(5)

بزرجمهر: مركب من بزرج معرب بزرك أى الكبير، ومهر: أى الروح، وهو: بزرجمهر ابن البختكان وزير كسرى أنو شروان ملك الفرس، وكان سديد الفكر حصيف الرأى.

(6)

وفى العقد «جعفر بن خالد» وفى زهر الآداب 1: 134 «قال أعرابى: البلاغة التقرب من البعيد، والتباعد من الكلفة، والدلالة بقليل على كثير» .

ص: 210

أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع (1)» وقيل لعمرو بن عبيد (2): ما البلاغة؟ فقال: «ما بلّغك الجنّة، وعدل بك عن النار، وما بصّرك بمواقع رشدك، وعواقب غيّك، فقال السائل: ليس هذا أريد، فقال:

من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يستمع، ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول (3)، قال: ليس هذا أريد: قال: قال النبى عليه الصلاة والسلام: «إنا معاشر الأنبياء بكاء» (4) وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله، فقال له السائل: ليس هذا أريد، قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سقطات الكلام، ما لا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصّمت (5)، فقال: ليس هذا أريد، فقال: فكأنك إنما تريد تخيّر اللفظ فى حسن إفهام، قال: نعم، قال: إنك إن أردت تقرير حجة الله فى عقول المكلّفين (6)، وتخفيف المئونة على المستمعين، وتزيين تلك المعانى فى قلوب المريدين (7)، بالألفاظ المستحسنة فى الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبة فى سرعة استجابتهم، ونفى الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الحسنة الناطقة عن الكتاب والسنة،

(1) جاء فى البيان والتبيين 1: 49 «قال الإمام إبراهيم بن محمد: يكفى من حظ البلاغة ....

الخ «انظر أيضا زهر الآداب 1: 134، وفى نهاية الأرب 7: 7 «وقيل لآخر ما البلاغة؟ قال: ألا يؤتى القائل من سوء فهم السامع، ولا يؤتى السامع من سوء بيان القائل» .

(2)

وردت هذه المحاورة فى زهر الآداب 1: 117، ونهاية الأرب 7: 7، وعمرو بن عبيد ابن باب: إمام من أئمة المعتزلة توفى سنة 144 - انظر ترجمته فى وفيات الأعيان 1: 384.

(3)

وفى نهاية الأرب: «قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع، ومن لم يحسن أن يسمع لم يحسن أن يسأل، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول» .

(4)

بكأ الرجل بكاءة بالفتح فهو بكىء، من قوم

بالكسر: قل كلامه خلفة، وأصله من بكأت

الناقة والشاة كجعل وكرم بكئا وبكاءة بالفتح فيهما، وبكوءا وبكاء بالضم فيهما، فهى بكىء وبكيئة:

إذا قل لبنى وفى الحديث «إنا معشر النبآء بكاء» وفى رواية «نحن معاشر الأنبياء فينا بكء وبكاء» بالضم أى قلة كلام إلا فيما نحتاج إليه- انظر لسان العرب والقاموس مادة بكأ.

(5)

فى رسائل البلغاء «قال كانوا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصمت» والتصحيح من زهر الآداب.

(6)

وفى نهاية الأرب «المتكلمين» .

(7)

وفيه «المستفهمين» .

ص: 211

كنت قد أوتيت فصل الخطاب، واستوجبت من الله سبحانه جزيل الثواب (1).

وقال الخليل بن أحمد: كلّ ما أدّى إلى قضاء الحاجة فهو بلاغة، فإن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقا، ولتلك الحال وفقا، وآخر كلامك لأوّله مشابها، وموارده لمصادره موازنا فافعل، واحرص أن تكون لكلامك متّهما، وإن ظرف ولنظامك مستريبا وإن لطف. بمواتاة (2) آلتك لك، وتصرّف إرادتك معك، فافعل إن شاء الله.

وهذه الرسالة عذراء، لأنها بكر معان لم تفترعها بلاغة الناطقين، ولا لمستها أكفّ المفوّهين، ولا غاصت عليها فطن المتكلمين، ولا سبق إلى ألفاظها أذهان الناطقين، فاجعلها مثالا بين عينيك، ومصوّرة بين يديك، ومسامرة لك فى ليلك ونهارك، تهطل عليك شآبيب منافعها، ويظلّك منها بركاتها، وتوردك مناهل بلاغاتها، وتدلك على مهيع (3) رشدها، وتصدرك وقد نقع (4) ظمؤك بينابيع بحر إحسانها إن شاء الله عز وجل، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (5)».

(رسائل البلغاء ص 176، والعقد الفريد 2: 171)

(1) وجاء فى زهر الآداب عقب ذلك: «فقيل لعبد الكريم بن روح الغفارى: من هذا الذى صبر له عمرو هذا الصبر؟ قال: سألت عن ذلك أبا حفص الشمرى فقال: ومن يجترىء عليه هذه الجراءة إلا حفص بن سالم؟ » أقول: وحفص هذا هو أحد دعاء المعتزلة الذين أنفذهم واصل بن عطاء إلى الآفاق، وبثهم فى البلاد، لنشر مذهب الاعتزال، وقد بعثه واصل إلى خراسان- انظر المنية والأمل ص 19» والبيان والتبيين 1:14.

(2)

المواتاة: الموافقة والمطاوعة.

(3)

طريق مهيع: أى بين.

(4)

نقع الماء العطش كقطع: سكنه، وفى المثل «الرشف أنقع» أى إن الشراب الذى يترشف قليلا قليلا أقطع للعطش وأنجع، وإن كان فيه بطء، مثل يضرب فى ترك العجلة.

(5)

ذكر الأستاذ كرد على فى رسائل البلغاء أنه نقل هذه الرسالة من مجموع قديم من كتب الشيخ طاهر الجزائرى، وقد أورد صاحب العقد الفريد نحوا من شطرها فى باب أدوات الكتابة، وأخبار الكتاب، غير أنه لم يوردها على النمط الذى ورد فى رسائل البلغاء، بل تصرف فيها كثيرا بالحذف والزيادة والتقديم والتأخير، وتراه يلقب إبراهيم بن محمد بن المدبر كاتبها بالشيبانى، فيقول: قال إبراهيم بن محمد الشيبانى .... وآورد القلقشندى فى صبح الأعشى. فقرأ منها- انظر ج 2: ص 457 وج 3.

ص 6، وكذا النويرى فى نهاية الأرب- انظر ج 7 ص: 12، 13، 19 وكلاهما يلقبه بالشيبانى أيضا، والظاهر أنه ينتمى إلى شيبان بالولاء.

ص: 212