الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحذّرهم إدهانا (1) وميلا، وتتقدّم إليهم فى إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع أهل الذمة عن سبيل عناد، وتهوين إلى غيره، ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم على السبيل التى أمر أمير المؤمنين بحملهم عليها، وأخذهم بها إن شاء الله.
فاعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين وأمره، وأنفذ إلى عمّالك فى نواحى عملك ما ورد عليك من كتاب أمير المؤمنين بما تعمل به إن شاء الله، وأمير المؤمنين يسأل الله ربّه ووليّه أن يصلّى على محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وملائكته، وأن يحفظه فيما استخلفه عليه من أمر دينه، ويتولّى ما ولّاه مما لا يبلغ حقّه فيه إلا بعونه، حفظا يحمل به ما حمّله، وولاية يقضى بها حقّه منه، ويوجب بها له أكمل ثوابه، وأفضل مزيده، إنه كريم رحيم».
وكتب إبراهيم بن العباس فى شوّال سنة خمس وثلاثين ومائتين.
(تاريخ الطبرى 11: 36)
75 - كتاب المتوكل بولاية العهد لبنيه
وفى سنة 235 هـ أيضا عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة- المنتصر والمعتز والمؤيّد- بولاية العهد، وضم إلى المنتصر إفريقية والمغرب وما يضاف إليها، وإلى المعتز كور خراسان وما يضاف إليها، وإلى المؤيد الشأم، وكتب بينهم كتابا نسخته:
«هذا كتاب كتبه عبد الله جعفر الإمام المتوكّل على الله أمير المؤمنين، وأشهد الله على نفسه بجميع ما فيه، ومن حضر من أهل بيته وشيعته وقوّاده وقضاته وكفاته وفقهائه وغيرهم من المسلمين، لمحمد المنتصر بالله ولأبى عبد الله المعتزّ بالله، وإبراهيم المؤيّد بالله بنى أمير المؤمنين، فى أصالة من رأيه، وعموم من عافية بدنه،
(1) الإدهان: الغش.
واجتماع من فهمه، مختارا لما شهد به، متوخّيا بذلك طاعة ربه، وسلامة رعيّته واستقامتها، وانقياد طاعتها، واتّساع كلمتها، وصلاح ذات بينها، وذلك فى ذى الحجّة سنة خمس وثلاثين ومائتين، إلى محمد المنتصر بالله بن جعفر الإمام المتوكّل على الله أمير المؤمنين ولاية عهد المسلمين فى حياته، والخلافة عليهم من بعده، وأمره بتقوى الله التى هى عصمة من اعتصم بها، ونجاة من لجأ إليها، وعزّ من اقتصر عليها فإنّ بطاعة الله تتمّ النعمة، وتجب من الله الرحمة، والله غفور رحيم، وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين الخلافة من بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، إلى أبى عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين، ثم من بعد أبى عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين الخلافة إلى إبراهيم المؤيّد بالله ابن أمير المؤمنين.
وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين لمحمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، على أبى عبد الله المعتزّ بالله وإبراهيم المؤيّد بالله ابنى أمير المؤمنين:
السمع والطاعة والنّصيحة والمشايعة والموالاة لأوليائه، والمعاداة لأعدائه، فى السّرّ والجهر، والغضب والرّضا، والمنع والإعطاء، والتمسك ببيعته، والوفاء بعهده، لا يبغيانه غائلة (1)، ولا يحاولانه مخاتلة، ولا يمالئان (2) عليه عدوّا، ولا يستبدّان دونه بأمر يكون فيه نقص لما جعل إليه أمير المؤمنين، من ولاية العهد فى حياته والخلافة من بعده.
وجعل عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، لأبى عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيّد بالله ابنى أمير المؤمنين:
الوفاء بما عقده لهما، وعهد به إليهما، من الخلافة بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين- وإبراهيم المؤيّد بالله ابن أمير المؤمنين الخليفة من بعد أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين- والإتمام على ذلك، ولا يخلعهما، ولا واحدا منهما، ولا يعقد دونهما
(1) الغائلة: الداهية. والمخاتلة: المخادعة.
(2)
مالأه على الأمر: ساعده وشايعه.
(9 - جمهرة رسائل العرب- رابع)
ولا دون واحد منهما بيعة لولد ولا لأحد من جميع البريّة، ولا يؤخّر منهما مقدّما، ولا يقدّم منهما مؤخّرا، ولا ينقصهما، ولا واحدا منهما شيئا من أعمالهما التى ولّاهما عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، وكلّ واحد منهما، من الصلاة والمعاون والقضاء والمظالم والخراج والضّياع والغنيمة والصّدقات وغير ذلك من حقوق أعمالهما، وما فى عمل كلّ واحد منهما من البريد والطّراز (1) وخزن بيوت الأموال والمعاون ودور الضّرب، وجميع الأعمال التى جعلها أمير المؤمنين ويجعلها إلى كل واحد منهما، ولا ينقل عن واحد منهما أحدا من ناحيته من القوّاد والجند والشاكريّة (2) والموالى والغلمان وغيرهم، ولا يعترض عليه فى شىء من ضياعه وإقطاعاته وسائر أمواله وذخائره وجميع ما فى يده وما حواه وملكت يده، من تالد وطارف، وقديم ومستأنف، وجميع ما يستفيده ويستفاد له، بنقض، ولا بخرم، ولا بجنف (3)، ولا يعرض لأحد من عمّاله وكتّابه وقضاته وخدمه ووكلائه وأصحابه وجميع أسبابه، بمناظرة ولا محاسبة، ولا غير ذلك من الوجوه والأسباب كلّها، ولا يفسخ فيما وكّده أمير المؤمنين لهما فى هذا العقد والعهد بما يزيل ذلك عن جهته، أو يؤخّره عن وقته، أو يكون ناقضا لشىء منه.
وجعل عبد الله جعفر المتوكل على الله أمير المؤمنين على أبى عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين، إن أفضت إليه الخلافة بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، لإبراهيم المؤيّد بالله ابن أمير المؤمنين، مثل الشرائط التى اشترطها على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، بجميع ما سمّى فيه ووصف فى هذا الكتاب، وعلى ما بيّن وفسّر، مع الوفاء من أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، بما جعله أمير المؤمنين
(1) انظر ص 195 من الجزء الثالث.
(2)
الشاكرى: الأجير والمستخدم.
(3)
أصل الخرم: فصم الخرزة. ومعناه هنا: النقص. والجنف: الميل والجور، وفى الأصل «ولا يحرم ولا يجنف» وأراه مصحفا.
لإبراهيم المؤيّد بالله ابن أمير المؤمنين من الخلافة وتسليم ذلك رضيّا ممضيّا له مقدّما ما فيه حقّ الله عليه وما أمره به أمير المؤمنين، غير ناكث ولا ناكب (1) بذلك ولا مبدّل، فإن الله تعالى جدّه، وعزّ ذكره، يتوعد من خالف أمره، وعند (2) عن سبيله فى محكم كتابه:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .
على أن لأبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين، ولإبرهيم المؤيّد بالله ابن أمير المؤمنين، على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين [إذا أفضت الخلافة إليه (3)] وهما مقيمان بحضرته، أو أحدهما، أو كانا غائبين عنه، مجتمعين كانا أو متفرّقين، وليس أبو عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين فى ولايته بخراسان وأعمالها المتصلة بها والمضمومة إليها، وليس إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين فى ولايته بالشام وأجنادها، فعلى محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين أن يمضى أبا عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين إلى خراسان وأعمالها المتصلة بها والمضمومة إليها، وأن يسلّم له ولايتها وأعمالها كلّها وأجنادها، والكور الداخلة فيما ولّى جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين أبا عبد الله المعتزّ بالله ابن أمير المؤمنين، فلا يعوّقه عنها، ولا يحبسه قبله، ولا فى شىء من البلدان دون خراسان والكور والأعمال المضمومة إليها، وأن يعجّل إشخاصه إليها، واليا عليها وعلى جميع أعمالها، مفردابها، مفوّضا إليه أعمالها كلّها، لينزل حيث أحبّ من كور عمله، ولا ينقله عنها، وأن يشخص معه جميع من ضمّ إليه أمير المؤمنين، ويضمّ من مواليه وقواده وشاكريّته وأصحابه وكتّابه وعمّاله وخدمه، ومن اتبعه من صنوف الناس بأهاليهم وأولادهم وعيالهم وأموالهم، ولا يحبس عنه أحدا، ولا يشرك فى شىء من أعماله أحدا، ولا يوجّه عليه
(1) نكب عنه كنصر وفرح: عدل.
(2)
عند عن الطريق كنصر وسمع وكرم: مال.
(3)
ما بين القوسين ساقط من الأصل، والسياق يقتضيه، وسيرد نظيره فى الرسالة نفسها بعد.
أمينا ولا كاتبا ولا بريدا، ولا يضرب (1) على يده فى قليل ولا كثير، وأن يطلق محمد المنتصر بالله لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين الخروج إلى الشأم وأجنادها، فيمن ضمّ أمير المؤمنين ويضمّه إليه، من مواليه وقواده وخدمه وجنوده وشاكريّته وصحابته وعمّاله وخدّامه، ومن اتّبعه من صنوف الناس بأهاليهم وأولادهم وأموالهم ولا يحبس منهم أحدا، ويسلّم إليه ولايتها وأعمالها وجنودها كلّها، لا يعوّقه عنها ولا يحبسه قبله، ولا فى شىء من البلدان دونها، وأن يعجّل إشخاصه إلى الشأم وأجنادها، واليا عليها، ولا ينقله عنها، وأنّ عليه له فيمن ضمّ إليه من القوّاد والموالى والغلمان والجنود والشاكريّة وأصناف الناس، وفى جميع الأسباب والوجوه مثل الذى اشترط على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لأبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين فى خراسان وأعمالها، على ما رسم من ذلك وبيّن ولخّص وشرح فى هذا الكتاب.
ولإبرهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين على أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين إذا أفضت الخلافة إليه وإبراهيم المؤيد بالله مقيم بالشأم أن يقرّه بها، أو كان بحضرته أو كان غائبا عنه، أن يمضيه إلى عمله من الشأم، ويسلّم إليه أجنادها وولايتها وأعمالها كلها، ولا يعوّقه عنها، ولا يحبسه قبله ولا فى شىء من البلدان دونها، وأن يعجّل إشخاصه إليها، واليا عليها وعلى جميع أعمالها، على مثل الشرط الذى أخذ لأبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين، فى خراسان وأعمالها، على ما رسم ووصف وشرط فى هذا الكتاب لم يجعل أمير المؤمنين لواحد ممن وقعت عليه وله هذه الشروط، من محمد المنتصر بالله وأبى عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله بنى أمير المؤمنين، أن يزيل شيئا مما اشترطنا فى هذا الكتاب ووكّدنا، وعليهم جميعا الوفاء به، لا يقبل الله منهم إلا ذلك ولا التمسك إلا بعهد الله فيه، وكان عهد الله مسئولا.
(1) ضرب على يده: منعه من أمر أخذ فيه، كحجر عليه.