الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73 - كتاب المتوكل فى الإعلان بلقبه
ولما مات هرون الواثق بن المعتصم سنة 232 هـ بويع بالخلافة أخوه جعفر، ولقّب المتوكّل على الله، فأحضر محمد بن عبد الملك الزيات وأمر بالكتاب بذلك إلى الناس، فنفذت إليهم الكتب، نسخة ذلك:
«بسم الله الرحمن الرحيم: أمر- أبقاك الله- أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- أن يكون الرّسم الذى يجرى به ذكره على أعواد منابره، وفى كتبه إلى قضاته وكتّابه وعماله وأصحاب دواوينه وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه وبينه:
«من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين» فرأيك فى العمل بذلك وإعلامى بوصول كتابى إليك موفّقا إن شاء الله».
(تاريخ الطبرى 11: 26)
74 - كتاب المتوكل إلى عماله فى النصارى وأهل الذمة
وفى سنة 235 هـ كتب المتوكل إلى عمّاله فى الآفاق، بشأن النصارى وأهل الذمة:
«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى بعزّته التى لا تحاول، وقدرته على ما يريد، اصطفى الإسلام فرضيه لنفسه، وأكرم به ملائكته وبعث به رسله، وأيّد به أولياءه، وكنفه بالبرّ، وحاطه بالنصر، وحرسه من العاهة، وأظهره على الأديان، مبرّأ من الشّبهات، معصوما من الآفات، محبوّا بمناقب الخير، مخصوصا من الشرائع بأطهرها وأفضلها، ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها، ومن الأحكام بأعدلها وأقنعها، ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها، وأكرم أهله بما أحلّ لهم من حلاله، وحرّم عليهم من حرامه، وبيّن لهم من شرائعه وأحكامه، وحدّ لهم من حدوده ومناهجه، وأعدّ لهم من سعة جزائه وثوابه، فقال فى كتابه فيما أمر به
ونهى عنه، وفيما حضّ عليه فيه ووعظ:«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» وقال فيما حرّم على أهله مما عمط (1) فيه من ردىء المطعم والمشرب والمنكح، لينزّههم عنه، وليطهّر به دينهم ليفضلهم عليهم تفضيلا:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ (2) وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ، وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ» ثم ختم ما حرّم عليهم من ذلك فى هذه الآية بحراسة دينه ممن عند (3) عنه، وبإتمام نعمته على أهله الذين اصطفاهم، فقال عز وجل:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ، وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ، وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ
(1) أى عابه وثلبه.
(2)
أى سارفع الصوت لغير الله به فذبح على اسم غيره، كقولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه.
والمنخفقة: التى ماتت بالخنق: والموقوذة. المقتولة ضربا بخشبة أو حجر. والمتردية: التى تردت وسقطت من علو فماتث. والنطيحة: التى نطحتها أخرى فماتت. وما أكل السبع: أى وما أكل منه السبع فمات، إلا ما ذكيتم: التذكية: الذبح، أى إلا ما أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه، وما ذبح على النصب: وهى احجار كانت منصوبة حول الكعية يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة، وقيل هى الأصنام، أى وما ذبح على اسم النصب، وأن تستقسموا: أى تطلبوا معرفة ما قسم لكم، والأزلام: جمع زلام بفتح الزاى وضمها مع فتح اللام، وهو قدح (كقرد) صغير لا ريش له ولا نصل، وكانوا إذا قصدوا فعلا أجالوا ثلاثة قداح، مكتوب على أحدها أمرنى ربى، وعلى الثانى نهانى ربى، والثالث غفل. فإن خرج الأول مضوا فى الأمر، وإن خرج الثانى تجنبوه، وإن خرج الثالث أجالوها ثانية.
(3)
أى مال عنه.
مِنْ أَصْلابِكُمْ، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ، إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً» وقال «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ (1) مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» .
فحرّم على المسلمين من مآكل أهل الأديان أرجسها وأنجسها، ومن شرابهم أدعاه إلى العداوة والبغضاء، وأصدّه عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن مناكحهم أعظمها عنده وزرا، وأولاها عند ذوى الحجا والألباب تحريما، ثم حباهم محاسن الأخلاق، وفضائل الكرامات، فجعلهم أهل الإيمان والأمانة، والفضل والتراحم، واليقين والصدق، ولم يجعل فى دينهم التقاطع والتدابر، ولا الحميّة ولا التكبّر، ولا الخيانة ولا الغدر، ولا التّباغى ولا التظالم، بل أمر بالأولى، ونهى عن الأخرى، ووعد وأوعد عليها جنّته وناره، وثوابه وعقابه، فالمسلمون بما اختصّهم الله من كرامته وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذى اختاره لهم، بائنون على الأديان بشرائعهم الزاكية، وأحكامهم المرضيّة الطاهرة، وبراهينهم المنيرة، وبتطهير الله دينهم بما أحلّ وحرّم فيه لهم وعليهم، قضاء من الله عز وجل فى إعزاز دينه حتما، ومشيئة منه فى إظهار حقه ماضية، وإرادة منه فى إتمام نعمته على أهله نافذة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» وليجعل الله الفوز والعاقبة للمتقين، والخزى فى الدنيا والآخرة على الكافرين.
وقد رأى أمير المؤمنين- وبالله توفيقه وإرشاده- أن يحمل أهل الذّمة جميعا بحضرته وفى نواحى أعماله أقربها وأبعدها، وأخصّهم وأخسّهم، على تصيير
(1) الرجس: القذر.
طيالستهم (1) التى يلبسونها، من لبسها من تجّارهم وكتّابهم وكبيرهم وصغيرهم، على ألوان الثياب العسليّة، لا يتجاوز ذلك منهم متجاوز إلى غيره، ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأرذالهم ومن يقعد به حاله عن لبس الطيالسة منهم، أخذ بتركيب خرقتين، صبغهما ذلك الصّبغ، يكون استدارة كلّ واحدة منهما شبرا تامّا فى مثله، على موضع أمام ثوبه الذى يلبسه تلقاء صدره ومن وراء ظهره، وأن يؤخذ الجميع منهم فى قلانسهم (2) بتركيب أزرّة عليها، يخالف ألوانها ألوان القلانس، ترتفع فى أماكنها التى تقع بها، لئلا تلصق فتستر، ولا ما يركّب منها على حباك (3) فيخفى، وكذلك فى سروجهم باتخاذ ركب (4) خشب لها، ونصب أكر على قرابيسها (5) تكون ناتئة عنها وموفية عليها، لا يرخّص لهم فى إزالتها عن قرابيسهم وتأخيرها إلى جوانبها، بل تتفقّد ذلك منهم ليقع ما وقع من الذى أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهرا يتبيّنه الناظر من غير تأمل، وتأخذه الأعين من غير طلب، وأن تؤخذ عبيدهم وإماؤهم ومن يلبس المناطق من تلك الطبقة بشدّ الزّنانير والكساتيج (6) مكان المناطق التى كانت فى أوساطهم، وأن توعز إلى عمّالك فيما أمر به أمير المؤمنين فى ذلك إيعازا تحدرهم (7) به إلى استقصاء ما تقدّم إليهم فيه،
(1) الطيالسة جمع طيلسان بفتح الطاء وتثليث اللام: ضرب من الأكسية أسود، فارسى معرب.
(2)
القلانس: جمع قلنسوة بفتحتين فسكون فضم ففتح، وهى لباس الرأس.
(3)
الحباك: حبل يشد به على الوسط.
(4)
الركب، جمع ركاب بالكسر، والركاب للسرج كالغرز للرحل.
(5)
القرابيس: جمع قربوس بفتح أوله وثانيه، وهو حنو السرج (بكسر الحاء)، وله قربوسان والكرة: معروفة، وأصلها كروة فحذفت الواو، وتجمع على كرات وكرين، وتجمع أيضا على أكر وأصله وكر، مقلوب اللام إلى موضع الفاء، ثم أبدلت الواو همزة لانضمامها، وناتئة:
مرتفعة.
(6)
المناطق: جمع منطقة كمكنسة، وهى ما يشد على الوسط، والزنانير: جمع زنار كتفاح، وهو ما يشد على وسط النصارى والمجوس، والكساتيج جمع كستيج بالضم: وهو خيط غليظ يشده الذمى فوق ثيابه دون الزنار.
(7)
أى تسوقهم.