المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌71 - رسالة ابن التوءم إلى الثقفى - جمهرة رسائل العرب في عصور العربية - جـ ٤

[أحمد زكي صفوت]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الرابع

- ‌مقدمة

- ‌الباب الخامس [فى العصر العباسى الأول أيضا]

- ‌الرّسائل فى العصر العباسى الأول أيضا

- ‌1 - كتاب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر

- ‌2 - كتاب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر

- ‌3 - كتاب المعتصم إلى الآفاق عند القبض على بابك الخرمى

- ‌4 - كتاب المعتصم إلى ملك الروم

- ‌5 - كتاب إبراهيم بن المهدى إلى المعتصم

- ‌6 - كتابه إلى إسحق بن إبراهيم الموصلى

- ‌7 - رواية أخرى

- ‌8 - كتابه إلى صديق له

- ‌9 - كتاب له

- ‌10 - كتاب له

- ‌11 - كتاب له فى التشوق

- ‌12 - كتاب له

- ‌13 - كتاب له

- ‌14 - كتاب له

- ‌15 - كتابه إلى منصور بن المهدى

- ‌16 - كتابه إلى العباس بن موسى

- ‌17 - فصل له

- ‌18 - فصل له

- ‌19 - كتاب يعقوب الكندى إلى بعض إخوانه

- ‌20 - بين عبد الله بن الحسن الأصبهانى وابن الزيات

- ‌21 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الزيات

- ‌22 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الزيات

- ‌23 - رد ابن الزيات عليه

- ‌24 - كتاب ابن الزيات إلى الحسن بن وهب

- ‌25 - رد الحسن بن وهب على ابن الزيات

- ‌26 - كتاب ابن الزيات إلى الحسن بن وهب

- ‌27 - كتاب الحسن بن وهب إلى ابن الحسن بن سهل

- ‌28 - كتاب الحسن بن وهب إلى القاسم بن الحسن بن سهل

- ‌29 - كتاب الحسن بن وهب إلى محمد بن إسحق

- ‌30 - كتابه إلى إسحق بن يحيى

- ‌31 - كتابه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌32 - جواب تعزية له

- ‌33 - تعزية له

- ‌34 - كتابه إلى إسحق بن إبراهيم

- ‌35 - كتابه إلى عبد الرحمن بن خاقان

- ‌36 - كتاب تعزية له

- ‌37 - كتاب له فى الشكر

- ‌38 - كتاب فى الشكر

- ‌39 - كتاب الحسن بن وهب إلى إبراهيم بن العباس

- ‌40 - كتابه إلى أبى تمام الطائى

- ‌41 - كتاب له

- ‌43 - كتاب ميمون بن إبراهيم إلى الحسن بن وهب

- ‌43 - كتاب الحسين بن الحسن بن سهل إلى صديق له

- ‌44 - رد صديقه عليه

- ‌45 - كتاب عبد الرحمن بن أحمد الحرانى إلى محمد بن سهل

- ‌46 - كتاب ابن الزيات بالعهد للواثق على مكة

- ‌47 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى الواثق

- ‌48 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى ابن الزيات

- ‌49 - كتاب إبراهيم بن العباس إلى ابن الزيات

- ‌50 - كتابه إلى عمر بن فرج

- ‌51 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌52 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌53 - كتابه إلى ابن الزيات

- ‌54 - كتاب ابن الزيات عن الخليفة إلى أحد عماله

- ‌55 - فصول لابن الزيات

- ‌56 - كتاب لابن الزيات

- ‌57 - كتاب رجل إلى ابن الزيات

- ‌58 - كتاب الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك الزيات

- ‌59 - كتاب الجاحظ إلى أحمد بن أبى دواد

- ‌60 - كتاب له فى الاستعطاف

- ‌61 - كتابه إلى بعض إخوانه فى ذم الزمان

- ‌62 - كتاب الجاحظ فى استنجاز وعده

- ‌63 - كتاب آخر

- ‌64 - كتاب آخر

- ‌65 - كتاب له فى الاستمناح

- ‌66 - كتابه إلى أبى حاتم السجستانى

- ‌67 - كتابه إلى قليب المغربى

- ‌68 - فصول للجاحظ

- ‌69 - رسالة الجاحظ فى بنى أمية

- ‌71 - رسالة ابن التوءم إلى الثقفى

- ‌72 - كتاب عمرو بن عثمان القينى إلى محمد بن عبيد الله العتبى

- ‌73 - كتاب المتوكل فى الإعلان بلقبه

- ‌74 - كتاب المتوكل إلى عماله فى النصارى وأهل الذمة

- ‌75 - كتاب المتوكل بولاية العهد لبنيه

- ‌76 - كتاب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحسن بن عثمان

- ‌77 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌78 - كتاب عبد الله بن خاقان إلى أبى الجهم

- ‌79 - كتاب أبى العيناء إلى أبى نوح

- ‌80 - كتاب أبى على البصير إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌81 - كتابه إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌82 - كتاب أبى على البصير إلى أبى العيناء

- ‌83 - كتاب لأبى على البصير فى الاعتذار

- ‌84 - كتاب آخر

- ‌85 - كتاب آخر

- ‌86 - كتابه إلى على بن يحيى

- ‌87 - كتاب آخر

- ‌88 - فصول لأبى على البصير

- ‌89 - كتاب لغسان بن عمرو الباهلى فى الذم

- ‌90 - كتاب آخر له فى الذم

- ‌91 - كتاب آخر له

- ‌92 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المتوكل

- ‌93 - تحميد لإبراهيم بن العباس صدر رسالة الخميس

- ‌94 - تحميد لابراهيم بن العباس فى فتح إسحق بن إسماعيل

- ‌95 - ومن رسالة له فى قتل إسحاق بن إسماعيل

- ‌96 - تحميد له

- ‌97 - تحميد له فى فتح

- ‌98 - تحميد آخر له

- ‌99 - تحميد له

- ‌100 - تحميد له فى فتح

- ‌101 - تحميد له فى آخر كتاب فتح

- ‌102 - كتابه إلى بعض إخوانه فى شفاعة

- ‌103 - كتابه عن المتوكل إلى أهل حمص

- ‌104 - كتابه عن المنتصر إلى طاهر بن عبد الله

- ‌105 - كتابه عن المعتز ولى العهد إلى طاهر بن عبد الله

- ‌106 - كتابه عن المؤيد وهو ولى عهد إلى طاهر بن عبد الله

- ‌107 - كتابه إلى طاهر بن عبد الله

- ‌108 - كتابه إلى طاهر بن عبد الله

- ‌109 - كتابه إلى طاهر

- ‌110 - كتابه إلى طاهر

- ‌111 - كتابه إلى عبد الرحمن بن خاقان

- ‌112 - كتابه إلى الحسن بن رجاء

- ‌113 - كتابه إلى محمد بن الحسن بن الفياض

- ‌114 - كتابه إلى عامل له

- ‌115 - كتاب له فى السلامة

- ‌116 - كتاب له فى السلامة

- ‌117 - كتاب آخر

- ‌118 - ومن فصوله

- ‌119 - ومن كلامه

- ‌120 - كتاب الفضل بن حباب إلى إبراهيم بن العباس

- ‌121 - كتاب رجل إلى المتوكل

- ‌122 - كتاب رجل إلى مالك بن طوق

- ‌123 - كتاب الحسن بن وهب إلى مالك بن طوق

- ‌124 - كتاب أحد الكتاب إلى إبراهيم وأحمد ابنى المدبر

- ‌125 - كتاب عمر بن أيوب إلى أحمد بن المدبر

- ‌126 - كتاب أبى العباس المبرد إلى إبراهيم بن المدبر

- ‌127 - كتاب إبراهيم بن المدبر إلى أبى عبد الله بن حمدون

- ‌128 - كتابه إلى عريب

- ‌129 - كتاب لابن المدبر

- ‌130 - الرسالة العذراء لإبراهيم بن المدبر

- ‌131 - كتاب محمد بن مكرم إلى إبراهيم بن المدبر

- ‌132 - كتابه إلى أحمد بن المدبر

- ‌133 - كتابه إلى أحمد بن دينار

- ‌134 - كتابه إلى أحمد بن دينار

- ‌135 - كتابه إلى نصرانىّ أسلم

- ‌136 - كتابه إلى حاجّ

- ‌137 - كتابه إلى بعض الرؤساء

- ‌138 - كتابه إلى سليمان بن وهب

- ‌139 - كتاب محمد بن مكرم إلى أبى العيناء

- ‌140 - فصول لابن مكرم

- ‌141 - كتاب سعيد بن موسى إلى أبى شراعة

- ‌142 - ردّ أبى شراعة على سعيد بن موسى

- ‌143 - كتاب البيعة للمنتصر بالله

- ‌144 - كتاب المنتصر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌145 - رقعة المعتز والمؤيد فى خلع أنفسهما من البيعة

- ‌146 - كتاب المنتصر بخلع المعتز والمؤيد

- ‌147 - كتاب البيعة للمعتز بالله

- ‌148 - كتاب عن محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أهل بغداد (كتبه سعيد بن حميد)

- ‌149 - كتاب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان

- ‌150 - كتاب سعيد بن حميد إلى صديق له

- ‌151 - كتاب سعيد بن حميد إلى أبى العباس بن ثوابة

- ‌152 - كتاب سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة

- ‌153 - كتابه إلى فضل الشاعرة

- ‌154 - كتابه إلى فضل الشاعرة

- ‌155 - كتابه إلى أبى هفان

- ‌156 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌157 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌158 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌159 - كتابه إلى بعض إخوانه

- ‌160 - كتاب له فى السلامة

- ‌161 - كتاب له فى الشوق

- ‌162 - كتاب آخر

- ‌163 - كتاب آخر

- ‌164 - كتاب له فى توصية

- ‌165 - كتاب له فى الاعتذار

- ‌166 - كتاب تعزية له

- ‌167 - كتاب تعزية له إلى محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌168 - تعزية له فى مثله

- ‌169 - كتاب له

- ‌170 - تحميد له فى فتح

- ‌171 - فصول لسعيد بن حميد فى المودة

- ‌172 - كتاب سعيد بن عبد الملك إلى سعيد بن حميد

- ‌173 - رد سعيد بن حميد عليه

- ‌174 - كتاب لسعيد بن عبد الملك فى السلامة

- ‌175 - كتاب له فى سلامة الفطر

- ‌176 - كتاب له فى الاعتذار

- ‌177 - تعزية لسعيد بن عبد الملك

- ‌178 - تعزية له

- ‌179 - كتاب له فى توصية

- ‌180 - كتاب آخر

- ‌181 - كتاب له فى إطلاق محبوس

- ‌182 - كتاب له

- ‌183 - ومن فصوله

- ‌184 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المعتز

- ‌185 - كتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى عمال النواحى

- ‌186 - رد الأتراك على كتاب ابن طاهر

- ‌187 - كتاب محمد بن عباد إلى جعفر بن محمود الإسكافى

- ‌188 - رد جعفر على محمد بن عباد

- ‌189 - كتاب ابن طاهر إلى عماله

- ‌190 - رقعة المعتز بخلع نفسه

- ‌191 - كتاب الموالى بالكرخ والدور إلى المهتدى

- ‌192 - رد المهتدى عليهم

- ‌193 - كتاب الموالى بالكرخ والدور إلى المهتدى

- ‌194 - كتاب المهتدى إليهم

- ‌195 - كتابهم إلى المهتدى

- ‌196 - كتابهم إلى القواد

- ‌197 - كتاب المهتدى إليهم

- ‌198 - كتاب القواد إليهم

- ‌199 - كتاب على بن يحيى إلى سليمان بن وهب

- ‌200 - رد ابن وهب عليه

- ‌201 - كتاب ابن وهب إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر

- ‌202 - كتاب رجل إلى سليمان بن وهب

- ‌203 - رده عليه

- ‌204 - كتاب اعتذار لسليمان بن وهب

- ‌205 - كتاب أبى العيناء إلى أبى الصقر إسمعيل بن بلبل

- ‌206 - كتاب أبى العيناء إلى بعض الرؤساء

- ‌207 - كتاب أبى العباس بن ثوابة إلى إسماعيل بن بلبل

- ‌208 - كتاب عبيد الله بن عبد الله بن طاهر إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌209 - كتاب سعيد بن عبد الملك إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌210 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌211 - رد عبيد الله عليه

- ‌212 - كتاب أبى العيناء إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌213 - جواب لأحمد بن سليمان بن وهب

- ‌214 - كتابه إلى ابن أبى الأصبغ

- ‌215 - كتابه إلى أخيه عبيد الله بن سليمان

- ‌216 - كتابه إلى صديق له

- ‌217 - كتاب أبى العباس بن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌218 - كتاب له

- ‌219 - كتاب ابن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌220 - جواب عن تعزية لابن ثوابة

- ‌221 - تعزية له إلى ابنى عمر

- ‌222 - عهد من الموفق إلى أحد الولاة كتبه ابن ثوابة

- ‌223 - كتاب جعفر بن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌224 - كتاب أحمد بن أبى طاهر إلى على بن يحيى

- ‌225 - كتابه إلى على بن يحيى

- ‌226 - كتابه فى ذم ابن ثوابة

- ‌227 - كتاب ابن أبى طاهر إلى أبى على البصير

- ‌228 - كتاب عبد الله بن المعتز إلى عبيد الله بن سليمان

- ‌229 - كتابه إلى عبيد الله بن سليمان يهنئه بقدومه

- ‌230 - كتابه إلى عبيد الله بن سليمان يعزيه عن ابنه

- ‌231 - وله فصل من تعزية بولد

- ‌232 - وله تعزية

- ‌233 - وله تعزية أخرى

- ‌324 - وله تهنئة بمولود

- ‌235 - وله فصل فى قبول عذر

- ‌236 - وله فصل فى حاجة

- ‌237 - وله فصل

- ‌238 - وله فصل

- ‌239 - وله فصل

- ‌240 - وله فصل

- ‌241 - وله فصل فى الشوق

- ‌242 - وله شفاعة فى شغل

- ‌243 - وله فصل فى فراق

- ‌244 - وله فصل

- ‌245 - وله فصل

- ‌246 - وله فصل

- ‌247 - وله فى وصف البيان

- ‌248 - وله فى وصف الكتاب والقلم

- ‌249 - كتاب أحمد بن إسمعيل إلى بعض الكتاب

- ‌250 - كتاب أحمد بن إسمعيل إلى صديق له

- ‌251 - كتاب أحمد بن يحيى الأسدى إلى الحسين بن سعد

- ‌252 - كتاب أحمد بن على المازرانى إلى ابن بشر المرثدى

- ‌253 - فصل لعبد الله بن أحمد فى الشكر

- ‌254 - كتاب ابن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس

- ‌255 - كتاب بمذهب القرامطة

- ‌256 - من كتاب عن المعتضد إلى خمارويه بن أحمد ابن طولون

- ‌257 - كتاب عن المعتضد بلعن معاوية بن أبى سفيان

- ‌258 - كتاب أم الشريف إلى ابن أخيها محمد ابن أحمد بن عيسى

- ‌259 - كتاب أم الشريف إلى المعتضد

- ‌260 - كتاب صاحب الشامة إلى بعض عماله

- ‌261 - كتاب بعض عماله إليه

- ‌262 - كتاب محمد بن سليمان الكاتب إلى القاسم بن عبيد الله

- ‌263 - كتاب ابن المعتز إلى القاسم بن عبيد الله

- ‌264 - كتاب ابن المعتز إلى القاسم

- ‌265 - كتابه إلى بعض الرؤساء

- ‌266 - كتابه إلى عليل

- ‌267 - كتاب ابن المعتز إلى بعض الوزراء

- ‌268 - رده عليه

- ‌269 - كتاب قينة إلى ابن المعتز

- ‌270 - رده عليها

- ‌271 - كتاب ابن المعتز إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى

- ‌272 - كتاب ابن المعتز إلى أحمد بن سعيد الدمشقى

- ‌273 - كتاب آخر إليه

- ‌274 - كتاب إلى عبد الله بن شبيب من صديق له

- ‌275 - كتابه إلى محمد بن طيفور من بعض إخوانه

- ‌276 - كتاب إلى محمد بن طيفور من بعض خاصته

- ‌277 - رده عليه

- ‌278 - كتاب صاحب البريد بالدينور

- ‌279 - كتاب على بن الفرات عن المقتدر فى المواريث

- ‌280 - كتاب الوزير بن مقلة إلى القواد والعمال

- ‌281 - كتاب أحمد بن الضحاك إلى صديق له يصف شعب بوّان

- ‌282 - كتاب عن الإخشيد إلى أرمانوس ملك الروم

- ‌283 - كتاب أبى الطيب المتنبى إلى أحد إخوانه

- ‌284 - كتاب الراضى إلى المتقى

- ‌التوقيعات فى العصر العباسى الأول السفاح

- ‌المنصور

- ‌المهدى

- ‌الهادى

- ‌هرون الرشيد

- ‌المامون

- ‌الواثق

- ‌أبو مسلم الخراسانى

- ‌عمرو بن عبيد

- ‌أبو عبيد الله

- ‌الفيض بن أبى صالح

- ‌يحيى بن خالد البرمكى

- ‌جعفر بن يحيى البرمكى

- ‌الفضل بن يحيى

- ‌الفضل بن سهل

- ‌الحسن بن سهل

- ‌طاهر بن الحسين

- ‌عبد الله بن طاهر

- ‌يوسف بن القاسم

- ‌أحمد بن يوسف

- ‌عمرو بن مسعدة

- ‌محمد بن يزداد

- ‌عبد الله بن محمد بن يزداد

- ‌إبراهيم بن العباس

- ‌محمد بن عبد الله بن طاهر

- ‌عبيد الله بن سليمان بن وهب

- ‌عبد الله بن المعتز

- ‌على بن عيسى

- ‌استدراك

- ‌رسالة الإمام مالك فى السّنن والمواعظ والآداب

- ‌فهرس الجزء الرابع من جمهرة رسائل العرب

- ‌فهرس الرسائل

- ‌فهرس أعلام الكتاب مرتب بترتيب الحروف الهجائية مع إتباع اسم كلّ كاتب بأرقام الصفحات التى وردت فيها رسائله

- ‌فهرس بعض ما ورد فى الهامش من الفوائد التى قد يحتاج القارئ إلى مراجعتها

- ‌فهرس الأمثال التى ورد شرحها فى الهامش

الفصل: ‌71 - رسالة ابن التوءم إلى الثقفى

كلّنا يأمل مدّا فى الأجل

والمنايا هى آفات الأمل (1)

وقال عبيد الله بن عكراش: «زمن خئون، ووارث شفون (2)، وكاسب حزون (3)، فلا تأمن الخئون، وكن وارث الشّفون (4)» وقال: يهرم ابن آدم ويشبّ معه خصلتان: الحرص والأمل» وكانوا يعيبون من يأكل وحده، وقالوا:

«ما أكل ابن عمر وحده قطّ» ، وقالوا:«ما أكل الحسن (5) وحده قط» وسمع مجاشع الرّبعىّ قولهم: «الشحيح أعذر من الظالم» فقال: «أخزى الله أمرين خيرهما الشحّ» وقال بكر بن عبد الله المزنىّ: «لو كان هذا المسجد مفعما بالرجال ثم قيل لى: من خيرهم؟ لقلت: خيرهم لهم (6)» وقال النبى صلى الله عليه وسلم:

«ألا أنبئكم بشراركم؟ » قالوا: بلى يا رسول الله، قال:«من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده» وقالت امرأة عند جنازة رجل: أما والله ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك (7)».

‌71 - رسالة ابن التوءم إلى الثقفى

فلما بلغت الرسالة ابن التوءم، كره أن يجيب أبا العاص، لما فى ذلك من المناقشة والمباينة (8)، وخاف أن يترقّى الأمر إلى أكثر من ذلك، فكتب هذه وبعث بها إلى الثقفى:

(1) هكذا فى نسخة الشنقيطى، وفى غيرها آفات الأجل.

(2)

الشفون فى الأصل: الناظر بمؤخر عينه كراهة أو عجبا. والمعنى هنا الكاره المترقب وفاة مورثه

(3)

أى شديد الحزن.

(4)

اى أنفق بحيث لا تترك شيئا لوارثك: فإذا مات استفدت من إرثه ولم بستفد من إرثك.

(5)

يعنى الحسن البصرى.

(6)

أى خيرهم أكثرهم إسداء خير لهم.

(7)

العرس: الزوجة، أى كنت كريما مستقلا بتصريف أمورك.

(8)

أى الابتعاد والتهاجر.

ص: 88

«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد فقد بلغنى ما كان من ذكر أبى العاص لنا» وتنويهه (1) بأسمائنا، وتشنيعه علينا، وليس يمنعنا من جوابه إلا أنه إن أجابنا لم يكن جوابنا أيّاه على قوله الثانى أحقّ بالترك من جوابنا له على قوله الأول، فإن نحن جعلنا لابتدائه جوابا، وجعلنا لجوابه الثانى جوابا، خرجنا إلى التّهاتر (2)، وصرنا إلى التخابر (3)، ومن خرج إلى ذلك فقد رضى باللّجاج (4) حظّا، وبالسّخف (5) نصيبا، وليس يحترس من أسباب اللجاج إلا من عرف أسباب البلوى (6)، ومن وقاه الله سوء التكفى (7) وسخفه، وعصمه من سوء التصميم (8) ونكده، فقد اعتدلت طبائعه، وتساوت خواطره، ومن قامت أخلاطه على الاعتدال وتكافأت خواطره فى الوزن، لم يعرف من الأعمال إلا الاقتصاد، ولم يجد أفعاله أبدا إلا بين التقصير والإفراط، لأن الموزون لا يولّد إلا موزونا، كما أن المختلف لا يولّد إلا مختلفا (9)، فالمتتايع (10) لا يثنيه زجر، وليست له غاية دون التّلف، والمتكّفى ليس له مأتى ولا جهة، ولا له رقية (11) ولا فيه حيلة، وكلّ متلوّن (12) فى الأرض فمنحلّ العقد،

(1) التنويه هنا: الذكر، أى وذكر أسمائنا، فقد تقدم قول أبى العاص فى أول رسالته إلى الثقفى «واختلافك إلى ابن التوءم» .

(2)

تهاترا: ادعى: كل على صاحبه باطلا.

(3)

تخابر الرجلان: تغالبا فى العلم والمعرفة، يقال: خابره فى العلم فخبره: أى غالبه فعلبه، وفى النسخ «التجابر» ولم نجد لها معنى.

(4)

التمادى فى الخصومة.

(5)

السخف: ضعف العقل.

(6)

أى لأن اللجاج يؤدى حتما إلى شر ومصيبة، فمن تجنب أسبابه تجنب أسباب المصائب.

(7)

الذى فى لسان العرب. التكفؤ: التمايل إلى قدام، يهمز ولا يهمز، والأصل الهمز، تكفأ تكفؤا كتقدم تقدما، فإذا خففت الهمزة التحق بالمعتل وصار تكفى تكفيا كتسمى تسميا، ولكن المراد بالتكفى هنا: اكتفاء المرء برأى نفسه وتشبثه به واستبداده، يؤيد ذلك الفقرة التالية.

(8)

التصميم: المضى فى الأمر من غير إصغاء إلى نصح.

(9)

أى لأن الأفعال آثار الأمزجة، فإذا كانت الأمزجة معتدلة متزنة أنتجت أفعالا متزنة، وإذا كانت مضطربة أنتجت أفعالا كذلك.

(10)

لتتايع: المتهافت على الشر المتمادى فيه المسرع إليه من غير تثبت أو نظر فى الأمور.

(11)

أى لا تجد منفذا لهدايته وإرشاده، ولا تنفع فيه الوسائل، وهو أشبه بمن مسته الجن، لا تنفع فيه رقية. والرقية: ما يقرأ للمحموم والمصروع ليشفى.

(12)

المتلون المنقلب فى الرأى، له فى كل ساعة رأى.

ص: 89

ميسّر لكل ريح، فدع عنك خلطة الإمّعة (1) فإنه حارص (2) لا خير فيه، واجتنب ركوب الجموح ذى النّزوات؛ فإن غايته القتل الزّؤاف (3)، ولا (4) فى الحرون ذى التصميم، والمتلون شر من المصمّم، إذ كنت لا تعرف له حالا يقصد إليها، ولا جهة يعمل عليها، ولذلك صار العاقل يخدع العاقل ولا يخدع الأحمق؛ لأن أبواب تدبير العاقل وحيله معروفة، وطرق خواطره مسلوكة، ومذاهبه محصورة معدودة، وليس لتدبير الأحمق وحيله جهة واحدة من أخطأها كذب (5)، والخبر الصادق عن الشىء الواحد واحد، والخبر الكاذب عن الشىء الواحد لا يحصى له عدد، ولا يوقف منه على حدّ، والمصمّم قتله بالإجهاز (6)، والمتلوّن قتله بالتعذيب (7)، فإن قلنا فليس إليه (8) نقصد، وإن احتججنا فلسنا عليه نردّ، ولكنا إليك نقصد بالقول، وإليك نريد بالمشورة، وقد قالوا:«احفظ سرّك فإن سرّك من دمك» وسواء ذهاب نفسك وذهاب ما به يكون قوام نفسك (9)، قال المنجاب العنبرىّ:

«ليس بكبير ما أصلحه المال (10)» وفقد الشىء الذى به تصلح الأمور، أعظم من الأمور (11)، ولهذا قالوا فى الإبل:«لو لم يكن فيها إلا أنها رقوء (12) الدم» فالشىء

(1) الإمع والإمعة: الرجل يتابع كل إنسان على رأيه لا يثبت على شىء.

(2)

الحارص: الملتهم لا يكاد يترك شيئا.

(3)

عبارة النسخ «واجتنب ركوب الجموح فإن غايته قبل الذواق ذى البدوات» وهى غير مفهومة. والقتل الزؤاف: السريع.

(4)

عطف على المجرور فى لا خير فيه، أى ولا خير فى الحرون، والحرون، الدابة تعصى صاحبها فتقف ولا تمشى.

(5)

أى ليس للأحمق اتجاه واحد فى تدبيره، حتى إذا لم يهتد إليه إنسان قيل إنه أخطأ.

(6)

المراد أن الضرر الذى يصل من المصمم يصل دفعة واحدة. فهو كالقتل بالإجهاز.

(7)

أى أن المتلون يأتيك منه الضرر فى نوبات متقطعة، فكأنه يقتل بالتعذيب.

(8)

الضمير فى إليه يعود إلى المتلون.

(9)

أى مادام السر جزءا من الدم وهو قوام النفس، ففقده يساوى فقد النفس.

(10)

أى كل ضرر يستطيع المال أن يصلحه ليس بكبير.

(11)

أى فقد المال الذى يصلح اختلال الأمور أعظم من فقد أى أمر.

(12)

رقأ الدم: جف وسكن، والرقوء كصبور: ما يوضع على الدم ليرقئه: أى أنها تحقن الدماء لأنها تدفع فى الديات فيكف صاحب الثأر عن طلبه فيحقن دم القاتل، وجواب لو محذوف: أى لكفاها فضلا وهو من قول أكثم بن صيفى- انظر جمهرة خطب العرب 1: 305.

ص: 90

الذى هو ثمن الإبل وغير الإبل أحقّ بالصون، وقد قضوا بأن حفظ المال أشدّ من جمعه، ولذلك قال الشاعر:

وحفظك مالا قد عنيت بجمعه

أشد من الجمع الذى أنت طالبه

ولذلك قال مشترى الأرض لبائعها حين قال له البائع: دفعتها إليك بطيئة الإجابة، عظيمة المئونة (1)، قال (2) دفعتها (3) إليك بطيئة الاجتماع، سريعة التفرق، والدرهم هو القطب الذى تدور عليه رحى الدنيا. واعلم أن التخلص من نزوات الدرهم وتقلّبه من سكر الغنى وتفلّته شديد (4)، فلو كان إذا تفلّت كان حارسه صحيح العقل سليم الجوارح لردّه فى عقاله، ولشدّه بوثاقه، ولكنا وجدنا ضعفه عن ضبطه بقدر قلقه فى يده (5)، ولا تغترّ بقولهم:«مال صامت (6)» فإنه أنطق من كل خطيب، وأنمّ من كل نمّام، فلا تكترث بقولهم:«هذين الحجرين (7)» فتتوهّم جمودهما وسكونهما وقلة ظعنهما وطول إقامتهما، فإنّ عملهما وهما ساكنان، ونقضهما للطبائع وهما ثابتان، أكثر من صنيع السّمّ الناقع، والسّبع العادى، فإن كنت لا تكتفى بصنيعه (8) حتى تمدّه، ولا تحتال فيه حتى يحتال له، فالقبر خير لك من الفقر، والسجن خير لك من الذّلّ.

وقولى هذا مرّه يعقب حلاوة الأبد، فخذ لنفسك بالثّقة (9)، فقولك الماضى حلو

(1) الضمير فى دفعتها يعود للأرض أى أنها لا تثمر إلا بعد مدة وهى تحتاج إلى نفقات كثيرة حتى تثمر.

(2)

الضمير فى قال يعود للمشترى.

(3)

الضمير فى دفعتها يعود للدراهم وهى ثمن الأرض.

(4)

تقلب الدرهم: انتقاله من يد إلى يد، ويكون أكثر تقلب الدرهم بسبب الاغترار بالغنى: أى أن رياضة الدرهم ومنعه من التقلب والفرار عند ما تدرك صاحبه نشوة الغنى والاستهانة بالمال ليست بالأمر الهين.

(5)

أى أننا شاهدنا ضعف مالك الدرهم عن حبسه مساويا لقلق الدرهم ورغبته فى الفرار.

(6)

المال الصامت: الذهب والفضة ونحوهما، والمال الناطق: الحيوان.

(7)

نصبه على تقدير: اجمع هذين الحجرين مثلا، وهما الذهب والفضة.

(8)

الضمير فى صنيعه يعود إلى الدرهم، وحتى تمده: أى تساعده على التفلت.

(9)

أى حصن نفسك بالثقة بهذا القول.

ص: 91

يعقب مرارة الأبد، فخذ لنفسك بالثقة، ولا ترض أن يكون الحرباء الراكب العود أحزم منك، فإن الشاعر يقول:

أنّى أتيح لها حرباء تنضبة

لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا (1)

واحذر أن تخرج من مالك درهما حتى ترى مكانه خيرا منه، ولا تنظر إلى كثرته، فإنّ رمل عالج (2) لو أخذ منه ولم يردّ عليه لذهب عن آخره، إن القوم قد أكثروا فى ذكر الجود وتفضيله، وفى ذكر الكرم وتشريفه، وسمّوا الشّرف جودا وجعلوه كرما، وكيف يكون كذلك وهو نتاج ما بين الضعف والنّفج (3)، وكيف والعطاء لا يكون سرفا إلا بعد مجاوزة الحق، وليس وراء الحق إلى الباطل كرم، وإذا كان الباطل كرما كان الحقّ لؤما، والسّرف- حفظك الله- معصية، وإذا كانت معصية الله كرما، كانت طاعته لؤما، ولئن جمعهما (4) اسم واحد، وشملهما حكم واحد (ومضادّة (5) الحقّ للباطل كمضادّة الصدق للكذب، والوفاء للغدر، والجور للعدل، والعلم للجهل) ليجمعنّ هذه الخصال اسم واحد، وليشملنّها حكم واحد، وقد وجدنا الله عاب السّرف، وعاب الحميّة (6)، وعاب المعصية، ووجدناه

(1) الحرباء مذكر والتنضبة: شجرة حجازية شائكة، والحرباء يشتد عليه حر الشمس فيلجأ إلى ساق شجرة يسنظل يظلها، فإذا أدركته الشمس تحول إلى ساق أخرى، وهو مثل يضرب لمن لا يدع له حاجة إلا سأل أخرى- انظر مجمع الأمثال 2: 11، وجاء فى لسان العرب مادة حرب «قال أبو دواد الإيادى: أنى أتيح له. قال ابن برى: هكذا أنشده الجوهرى وصواب إنشاده «أنى أتيح لها» لأنه وصف ظعنا ساقها وأزعجها سائق مجد، فتعجب كيف أتيح لها هذا السائق المجد الحازم، وهذا مثل يضرب للرجل الحازم، لأن الحرباء لا يفارق الغصن الأول حتى يثبت على الغصن الآخر».

(2)

عالج: رمال معروفة بالبادية.

(3)

النفج: التفاخر الكاذب بالمال.

(4)

أى جمع السرف والكرم.

(5)

هذه الجملة حالية معترضة بين القسم (لئن جمعهما) وجوابه (ليجمعن).

(6)

الحمية: شدة الأنفة، وهى الغضب والإباء للحماية، قال تعالى:«إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ»

ص: 92

قد خص السّرف بما لم يخصّ يه الحمّية (1)، لأنه ليس حبّ المرء لرهطه من المعصية، ولا أنفته من الضيم من حميّة الجاهلية، وإنما المعصية ما جاوز الحقّ، والحمية المعيبة ما تعدّى القصد، فوجدنا اسم الأنفة قد يقع محمودا ومذموما، وما وجدنا اسم المعصية ولا اسم السّرف يقع أبدا إلا مذموما، وإنما يسرّ باسم السرف جاهل لا علم له، أو رجل إنما يسرّ به لأن أحدا لا يسميه مسرفا حتى يكون عنده قد جاوز حدّ الجود، وحكم له بالحق ثم أردفه بالباطل (2)، فإن سرّ من غير هذا الوجه (3)، فقد شارك المادح فى الخطأ، وشاكله فى وضع الشىء فى غير موضعه.

وقد أكثروا فى ذكر الكرم، وما الكرم إلا كبعض الخصال المحمودة التى لم يعدمها بعض الذمّ (4)، وليس شىء يخلو من بعض النقص والوهن، وقد زعم الأولون أن الكرم يسبّب الغبا (5)، وأن الغبا يسبّب البله (6)، وأنه ليس وراء البله إلا العته (7)، وقد حكوا عن كسرى أنه قال:«احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع» وسواء جاع فظلم، وأحفظ وعسف، أم جاع وكذب، وضرع وأسفّ (8)، وسواء جاع فظلم غيره، أم جاع فظلم نفسه، والظلم لؤم، وإن كان الظلم ليس بلؤم، فالإنصاف ليس بكرم، وإن كان الجود على من لا يستحق الجود كرما، فالجود لمن وجب له ذلك ليس بكرم، فالجود إذا كان لله كان شكرا له، والشكر كرم،

(1) أى مع أن الله عاب الحمية فإن هناك ضربا من الحمية محمودا، أما السرف والمعصية فمذمومان على الإطلاق، وليس فى أحمدهما نوع محمود.

(2)

أى أنه يسر بوصفه بالسرف، لأن هذا الوصف يتضمن معنى الجود، ثم مجاوزة الحد فيه، فواصفه فى هذه الحال حكم له بالجود ضمنا، وهذا حق، ثم أردفه بالباطل وهو مدح السرف.

(3)

أى وظن أن مادحه يصفه بالجود المحمود الذى لم يخرج إلى السرف.

(4)

أى لم يفقد منها بعض الذم بتجاوزها القصد أو بالمغالاة قيها.

(5)

الغبا: عدم الفطنة، غبى الشىء وعنه كفرح غبا وغباوة وعبارة النسخ «أن الكرم يسبب الغنى وأن الغنى

».

(6)

البله: ضعف العقل وبابه فرح.

(7)

فى النسخ «المعتوه» والعته: نقص العقل أو فقده، والمراد هنا الثانى.

(8)

أسف: انحط إلى دنيئات الأمور.

ص: 93

ولن يكون الجود إذا كان معصية كرما، وكيف يتكرّم من يتوسل بأياديك إلى معصيتك، وبنعمك إلى سخطك، فليس الكرم إلا الطاعة، وليس اللؤم إلا المعصية، وليس بجود ما جاوز الحق، وليس بكرم ما خالف الشكر، ولئن كان مجاوز الحقّ كريما ليكوننّ المقصّر دونه كريما (1)، فإن قضيتم بقول العامّة (2) فالعامة ليست بقدوة.

وكيف يكون قدوة من لا ينظر، ولا يحصّل، ولا يفكّر ولا يمثّل (3)، وإن قضيتم بأقاويل الشعراء وما كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء، فما فبّحوه مما لا يشكّ فى حسنه أكثر من أن نقف عليه أو نتشاغل باستقصائه.

على أنه ليس بجود إلا ما أوجب الشكر، كما أنه ليس يبخل إلا ما أوجب اللؤم، ولن تكون العطية نعمة على المعطى حتى تراود بها (4) نفس ذلك المعطى، ولن يجب عليه الشكر إلا مع شريطة القصد، وكلّ من كان جوده يرجع إليه- لولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى فى سواك، لما قصد إليك- فإنما (5) جعلك معبرا لدرك حاجته، ومركبا لبلوغ محبته، ولولا بعض القول (6) لوجب لك عليه حق يجب به الشكر، فليس يجب لمن كان كذلك شكر، وإن انتفعت بذلك منه، إذ كان لنفسه عمل، لأنه لو تهيأ له ذلك النفع فى غيرك لما تخطّاه إليك.

وإنما يوصف بالجود فى الحقيقة، ويشكر على النفع فى حجّة العقل، الذى إن جاد عليك، فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشىء من المنافع

(1) أى إذا عد مجاوز الكرم إلى السرف كريما، جاز أن يعد المقصر دون حد الكرم كريما مادام معنى الكرم لا يدرك إدراكا صحيحا.

(2)

وهو عدهم كل سرف كرما.

(3)

لا يمثل: أى لا يصور الحقائق تصويرا صادفا.

(4)

تراود: أى تقصد وتبغى، أى إلا إذا أريد بها نفس الآخذ لا ما ينتظر منه من فائدة.

(5)

جملة فإنما خبر للمبتدأ «وكل من كان جوده» وقرن الخبر بالفاء لدلالة المبتدإ على العموم.

(6)

أى ولولا الخوف من بعض القول وهو أن نتهم بالمغالاة لقلنا بوجوب شكر الجواد للمجود عليه.

ص: 94

على جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له، فإن شكرنا للناس على بعض ما قد جرى لنا على أيديهم، فإنّما هو لأمرين: أحدهما التعبّد، وقد نعبد الله بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنّ (1) منا، وإن كنا أفضل منه، والآخر لأن النفس ما لم تحصّل الأمور وتميّز المعانى، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يده خير، وإن كان لم يردها ولم يقصد إليها.

ووجدنا عطية الرجل لصاحبه لا تخلو أن تكون لله، أو لغير الله، فإن كانت لله فثوابه على الله، وكيف يجب علىّ فى حجّة العقل شكره، وهو لو صادف ابن سبيل غيرى لما حملنى (2) ولا أعطانى، وإما أن يكون إعطاؤه إياى للذّكر، فإذا كان الأمر كذلك فإنما جعلنى سلّما إلى تجارته، وسببا إلى بغيته، أو يكون إعطاؤه إياى من طريق الرحمة والرّفّة، ولما يجد فى فؤاده من الغصّة والألم، فإن كان لذلك أعطى فإنما داوى نفسه من دائه، وكان كالذى رفّه من خناقه، وإن كان إنما أعطانى على طلب المجازاة وحبّ المكافأة، فأمر هذا معروف، وإن كان إنما أعطانى من خوف يدى أو لسانى، أو اجترار معونتى ونصرتى (3)، فسبيله سبيل جميع ما وصفنا وفصّلنا.

فلاسم الجود موضعان: أحدهما حقيقة، والآخر مجاز، فالحقيقة: ما كان من الله، والمجاز: المشتقّ من هذا الاسم (4)، وما كان لله كان ممدوحا، وكان لله طاعة، فإذا لم تكن العطية من الله، ولا لله، فليس يجوز هذا فيما سمّوه جودا، فما ظنّك بما سمّوه سرفا؟ .

(1) كذا فى عيون الأخبار، وفى النسخ «من هو شرمنا وإن كنا أفضل منهم» .

(2)

حمله: أعطاه ظهرا يركبه.

(3)

كذا فى عيون الأخبار، وفى النسخ «أو صرف معونتى وحضرتى» .

(4)

قسم الجود قسمين: حقيقى وهو ما كان من الله مباشرة، ومجازى وهو ما كان مشتقا ومتفرعا من جود الله وآتيا على يد مخلوق.

ص: 95

افهم ما أنا مورده عليك، وواصفه لك إن التربّح والتكسّب والاستئكال (1) بالخديعة والطّعم الخبيثة فاشية غالبة، ومستفيضة ظاهرة، على أن كثيرا ممن يضاف اليوم إلى النزاهة والتكرّم، وإلى الصيانة والتوقّى، ليأخذ من ذلك بنصيب وافر، وبمدّ واف (2)، فما ظنّك بدهماء الناس وجمهورهم، بل ما ظنّك بالشعراء والخطباء الذين إنما تعلّموا المنطق لصناعة التكسّب؟ وهؤلاء قوم بودّهم أن أرباب الأموال قد جاوزوا حدّ السلامة إلى الغفلة، حتى لا يكون للأموال حارس، ولا دونها مانع، فاحذرهم، ولا تنظر إلى بزّة (3) أحدهم؛ فإن المسكين أقنع منه، ولا تنظر إلى موكبه، فإنّ السّائل أعفّ منه، واعلم أنه فى مسك (4) مسكين، وإن كان فى ثياب جواد (5)، وروحه روح نذل، وإن كان فى جرم ملك، وكلّهم وإن اختلفت وجوه مسألتهم، واختلفت أقدار مطالبهم، فهو مسكين إلا أن واحدا يطلب العلق (6)، وآخر يطلب الخرق، وآخر يطلب الدّوانيق (7)، وآخر يطلب الألوف، فجهة هذا هى جهة هذا، وطعمة (8) هذا هى طعمة هذا، وإنما يختلفون فى أقدار ما يطلبون على قدر الحذق والسبب (9)، فاحذر رقاهم (10) وما نصبوا لك من الشّرك، واحرس نعمتك وما دسّوا لها من الدواهى، واعمل على أنّ سحرهم يسترقّ الذهن، ويختطف البصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنّ من البيان لسحرا» وسمع عمر بن عبد العزيز رجلا يتكلم فى حاجة فقال: «هذا والله السّحر الحلال» وقد قال رسول الله

(1) استأكل: أخذ أموال الضعفاء كالنساء واليتامى ونحوهم وعاش عليها.

(2)

المد: مكيال مقداره رطل وثلث عند أهل الحجاز، والمراد به هنا مطلق مقدار.

(3)

البزة: حسن الهيئة.

(4)

المسك: الجلد.

(5)

فى بعض النسخ «جداد» .

(6)

العلق بالكسر ويفتح: النفيس من كل شىء.

(7)

الدانق بكسر النون وتفتح والداناق: سدس الدرهم.

(8)

الطعمة: وجه المكسب.

(9)

السبب: الوسيلة.

(10)

الرقى جمع رقية، وهى كلمات تقرأ للمحموم والمصروع ليشفى. والمعنى أن لهم كلاما كالسحر.

ص: 96

صلى الله عليه وسلم: «لا خلابة (1)» واحذر احتمال مديحهم، فإن محتمل المديح فى وجهه كمادح نفسه.

إنّ مالك لا يسع مريديه، ولا يبلغ رضا طالبيه، ولو أرضيتهم بإسخاط مثلهم لكان ذلك خسرانا مبينا، فكيف ومن يسخط أضعاف من يرضى؟ وهجاء الساخط أضرّ من فقد مديح الراضى، وعلى أنهم إذا اعتوروك بمشاقصهم (2)، وتداولوك بسهامهم، لم تر ممن أرضيته بإسخاطهم أحدا يناضل عنك. ولا يهاجى شاعرا دونك، بل يخلّيك غرضا لسهامهم، ودريئة (3) لنبالهم، ثم يقول: وما كان عليه لو أرضاهم! فكيف يرضيهم، ورضا الجميع شىء لا ينال؟ وقد قال الأول: وكيف يتّفق لك رضا المختلفين؟ وقالوا: منع الجميع أرضى للجميع، إنى أحذّرك مصارع المخدوعين، وأرفعك عن مضاجع المغبونين، ولست (4) كمن لم يزل يقاسى تعذّر الأمور، ويتجرّع مرارة العيش، ويتحمل ثقل الكدّ، ويشرب بكأس الذل، حتى يكاد يمرن على ذلك جلده، ويسكن عليه قلبه، وفقر مثلك مضاعف الألم، وجزع من لم يعرف الألم أشدّ، ومن لم يزل فقيرا فهو لا يعرف الشامتين، ولا يدخله المكروه من سرور الحاسدين، ولا يلام على فقره، ولا يصير موعظة لغيره، وحديثا يبقى ذكره، ويلعنه بعد الممات ولده.

ودعنى من حكايات (5) المستأكلين، ورقى الخادعين، فما زال الناس يحفظون أموالهم من مواقع السّرف، وبجنّبونها وجوه التبذير، ودعنى مما لا نراه إلا فى الأشعار المتكلّفة، والأخبار المولّدة، والكتب الموضوعة، فقد قال بعض أهل زماننا: ذهبت المكارم إلا من الكتب.

(1) الخلابة: الخداع، وفى الحديث «إذا بايعت فقل: لا خلابة».

(2)

المشاقص: جمع مشقص كمنبر، وهو النصل العريض.

(3)

ما يستتر به.

(4)

فى النسخ إنك كمن الخ وهو غير مناسب لسياق المعنى. لأنه يريد أن يقول: إنك لم تعتد الفقر حتى يكون ألمه خفيفا، وفقر مثلك بعد الغنى يكون مضاعف الآلام شديد الوقع.

(5)

أى ما يخترعونه من حكايات مكذوبة فى الكرم الذى تجاوز الحد لخداع ضعفاء العقول.

(7 - جمهرة رسائل العرب- رابع)

ص: 97

فخذ فيما تعلم، ودع نفسك مما لا تعلم، هل رأيت أحدا قطّ أنفق مآله على قوم كان غناهم سبب فقره أنّه سلّم (1) عليهم حين افتقر فردّوا عليه، فضلا على غير ذلك (2)؟

أولست قد رأيتهم بين محمّق ومحتجب عنه، وبين من يقول: فهلّا أنزل حاجته بفلان الذى كان يفضّله ويقدّمه، ويؤثره ويخصّه؟ ثم لعلّ بعضهم أن يتجنّى عليه ذنوبا ليجعلها عذرا فى منعه، وسببا إلى حرمانه، قال الله جل ذكره:«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (3)» فأنا القائم عليك بالموعظة والزجر والأمر والنهى، وأنت سالم العقل والعرض، وافر المال، حسن الحال، فاتّق أن أقوم غدا على رأسك بالتقريع والتعيير، وبالتوبيخ والتأنيب، وأنت عليل القلب، مختلّ العرض، عديم من المال، سيىء الحال، ليس جهد البلاء (4) مدّ الأعناق، وانتظار وقع السيوف، لأن الوقت قصير، والحسّ مغمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلّة (5)، وتطول المدّة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنّبا، وابن عمّ شامتله وجارا حاسرا (6)، ووليّا قد تحوّل عدوا، وزوجة مختلعة (7)، وجارية مستبيعة (8)، وعبدا يحقرك، وولدا ينتهرك، فانظر أين موقع فوت الثناء من موقع ما عددنا عليك

(1) المصدر المؤول بدل من أحدا.

(2)

أى فضلا على الإيذاء والتشنيع وعدم الوفاء له.

(3)

سياق الآية الكريمة أن من استطاع أن يعمل شيئا ولم يعمله، أسف عند فوات الفرصة على عجزه عن عمله.

(4)

جهد البلاء: غاية ما تصل إليه المصيبة.

(5)

الخلة: الفاقة والحاجة.

(6)

الحاسر: المتلهف الحزين.

(7)

المختلعة: من دفعت إلى زوجها مالا فطلقها.

(8)

استباعه الشىء: سأله أن يبيعه إياه، والجارية المستبيعة: هى التى سألت سيدها أن يبيعها والسبب هنا فقره وضيق الحياة عنده.

ص: 98

من هذا البلاء؟ على أن الثناء طعم (1)، ولعلّك ألّا تطعمه (2)، والحمد أرزاق ولعلك ألّا تجرمه، وما يضيع من إحسان الناس أكثر (3).

وعلى أن الحفظ (4) قد ذهب بموت أهله، ألا ترى أن الشّعر لمّا كسد أفحم أهله، ولمّا دخل النقص على كل شىء أخذ الشعر منه بنصيبه؟ ولمّا تحولت الدولة فى العجم- والعجم لا تحوط الأنساب، ولا تحفظ المقامات، لأن من كان فى الرّيف (5) والكفاية، وكان مغمورا بسكر الغنى، كثر نسيانه، وقلّت خواطره، ومن احتاج تحركت همته، وكثر تنقيره (6)، وعيب الغنى أنه يورّث البلادة، وفضيلة الفقر أنه يبعث الفكر، وإن أنت صحبت الغنى بإهمال النفس أسكرك الغنى، وسكر الغنى سبّة المستأكلين، ونهزة الخدّاعين، وإن كنت لا ترضى بحظّ النائم، وبعيش البهائم، وأحببت أن تجمع مع تمام نفس المثرى، ومع عز الغنى وسرور القدرة، فطنة المخفّ، وخواطر المقلّ، ومعرفة الهارب، واستدلال الطالب، اقتصدت فى الإنفاق، وكنت معدّا للحدثان، ومحترسا من كل خدّاع.

لست تبلغ حيل لصوص النهار، وحيل سرّاق الليل، وحيل طرّاق البلدان، وحيل أصحاب الكيمياء، وحيل التجّار فى الأسواق، والصّنّاع فى جميع الصناعات، وحيل أصحاب الحروب، وحيل المستأكلين والمتكسّبين، ولو جمعت الخبر (7) والسّحر والتمائم (8) والسم، لكانت حيلهم فى الناس أشد تغلغلا، وأعرض وأسرى فى عمق

(1) جمع طعمة: وهى المأكلة.

(2)

أى إن جدت وأسرفت» وقوله «ألا تحرمه» أى إن بخلت وأمسكت، وربما كان الأصل «أن تطعمه» على تقدير «إن بخلت» كما هو التقدير فى الثانى.

(3)

أى أن الضائع من أخبار الإحسان أكثر مما يبقى منها، فلا تغتر بأن الإحسان يبقى لك حسن الذكر فإنه عرضة للنسيان.

(4)

أى حفظ الجميل والمعروف أو حفظ أخبار الكرماء.

(5)

الريف: الأرض فيها زرع وخصب.

(6)

أى بحثه عن الأنساب ومنازل الرجال وأخبار الناس ويامهم ليتخذ من ذلك بضاعة للمديح.

(7)

الخبر: تمام المعرفة.

(8)

التمائم: جمع تميمة، وهى خرزة أو نحوها يعلقها الأعراب على أولادهم لدفع الشر.

ص: 99

البدن، وأدخل إلى سويداء القلب وإلى أمّ الدّماغ، وإلى صميم الكبد، ولهى أدقّ مسلكا، وأبعد غاية من العرق (1) السّارى، والشّبه النازع (2)، ولو اتّخذت الحيطان الرفيعة الثخينة، والأقفال المحكمة الوثيقة، ولو اتّخذت الممارق (3) والجواسق (4) والأبواب الشّداد، والحرس المتناوبين بأغلظ المؤن، وأشدّ الكلف، وتركت التقدم فيما هو أحضر ضررا (5)، وأدوم شرا، ولا غرم عليك فى الحراسة فيه، ولا مشقة عليك فى التحفظ منه (6)، إنك إن فتحت لهم على نفسك مثل سمّ الخياط جعلوا فيه طريقا نهجا، ولقى (7) رحبا، فأحكم بابك، ثم أدم (8) إصفاقه، بل أدم إغلاقه، فهو أولى بك، وإن قدرت على مصمت (9) لا حيلة فيه فذلك أشبه بحزمك، ولو جعلت الباب مبهما، والقفل مصمتا، لتسوّروا عليك من فوقك، ولو رفعت سمكه إلى العيّوق (10) لنقبوا عليك من تحتك، قال أبو الدّرداء:

«نعم صومعة المؤمن بيته» وقال ابن سيرين: «العزلة عبادة» .

وحلاوة حديثهم (11) تدعو إلى الاستكثار منهم، وتدعو إلى إحضار (12) غرائب شهواتهم، فمن ذلك قول بعضهم لبعض أصحابه: «كل رخلة (13) واشرب مشعلا (14)،

(1) العرق: جذر النبات.

(2)

أى شبه الأبناء بآبائهم وأجدادهم، فإن الشبه قد يسرى إلى غاية بعيدة فى النسب.

(3)

الممارق: جمع ممرق بالفتح، هو هنا المكان الخفى للفرار.

(4)

جمع جوسق بالفتح: وهو القصر.

(5)

هو حيل المستأكلين وتملق المجتدين.

(6)

جواب لو اتخذت الممارق محذوف يدل عليه ما قبله: أى لكانت حيلهم أشد.

(7)

اللقى فى الأصل: اللقاء، والمراد به هنا مكان اللقاء.

(8)

إصفاق الباب: رده بعد أن كان مفتوحا.

(9)

المصمت والمبهم: الباب أو القفل لا يهتدى إلى طريقة فتحه إلا صاحبه.

(10)

العيوق: نجم أحمر مضىء فى طرف المجرة الأيمن يتلو التريا.

(11)

أى حديث المستأكلين والمتكسبين.

(12)

أحضر الفرس: عدا، وإحضار غرائب الشهوات: تسابقها فى الظهور.

(13)

الرخلة: الأنثى من أولاد الضأن.

(14)

المشعل: شىء يتخذه أهل البادية من جلود يخرز بعضها إلى بعض، ثم يشد إلى أربع قوائم من خشب فيصير كالحوض ينبذ فيه، يقول: اشرب قدر ما فى مشعل من نبيذ.

ص: 100

ثم تجشّا واحدة لو أنّ عليها رحى لطحنت» ومن ذلك قول الآخر حين دخل على قوم وهم يشربون، وعندهم قيان، فقالوا: اقترح أىّ صوت شئت، قال:«أقترح نشيش (1) مقلى» ومن ذلك قول المدينىّ (2): «من تصبّح بسبع موزات، وبقدح من لبن (3) الأوارك، تجشّأ بخور (4) الكعبة» . ومن ذلك قولهم لبعض هؤلاء- وقدّامهم خبيص (5) -: «أيّما أطيب: أهذا أم الفالوذج (6)، أم اللّوزينج (7)؟

قال: «لا أقضى على غائب» ومن ذلك كلام الجارود بن أبى سبرة لبلال بن أبى بردة حين قال له: صف لى عبد الأعلى (8) وطعامه، قال:«يأتيه الخبّاز فيمثل بين يديه، فيقول: ما عندك؟ فيقول: عندى جدى كذا، وعناق (9) كذا، وبطّة كذا، حتى يأتى على جميع ما عنده» قال: وما يدعوه إلى هذا؟ قال: «ليقتصد (10) كلّ أمرئ فى الأكل، حتى إذا أتى بالذى يشتهى بلغ منه حاجته» قال: ثم ماذا؟ قال:

«ثم يؤتى بالمائدة فيتضايقون (11) حتى يخوّى تخوية الظّليم (12)، فيجدّون ويهزل،

(1) النشيش: صوت غليان القدر والمقلى ونحوهما.

(2)

قال فى القاموس: «والنسبة إلى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم مدنى، وإلى مدينة المنصور وأصفهان وغيرهما مدينى» .

(3)

الإبل الأوارك: التى اعتادت أكل الأراك، وفى النسخ «من لبن الأوداك» .

(4)

فى النسخ «بحوز» وهى غير مفهومة.

(5)

الخبيص: نوع من الحلواء، قال صاحب القاموس: يعمل من التمر والسمن.

(6)

الفالوذ والفالوذج والفالوذق: حلواء، قال صاحب اللسان: تسوى من لب الحنطة، فارسى معرب، وسمع الحسن رجلا يعيب الفالوذج فقال: لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن، ماعاب هذا مسلم (العقد الفريد 3: 312 وعيون الأخبار 9: 203) وقال الجاحظ فى البخلاء ص 193: ومدحه أمية بن أبى الصلت فقال:

إلى ردح من الشيزى عليها

لباب البر يلبك بالشهاد

(7)

اللوزينج: حلواء شبه القطائف تؤدم بدهن اللوز، فارسى معرب.

(8)

يعنى عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر.

(9)

العناق: الآنثى من ولد المعز.

(10)

فى الأصل «ليقتصر» وهو تحريف.

(11)

أى أخذ كل واحد يضيق مكانه حول المائدة حتى تتسع لهم جميعا.

(12)

الضمير فى نجوى يعود إلى عبد الأعلى، وخوى: فرج ما بين عضديه وجنبيه، والظليم:

ذكر النعام.

ص: 101

حتى إذا فتروا أكل أكل الجائع المقرور (1)» وقال آخر: «أشتهى ثريدة دكناء (2) من الفلفل، ورقطاء (3) من الحمّص، ذات حفافين (4) من اللحم، لها جناحان من العراق (5)، أضرب فيها ضرب اليتيم عند وصىّ السّوء (6)» .

وسئل بعضهم عن حظوظ البلدان فى الطعام، وما قسم لكل قوم منه؟ فقال:

«ذهبت الروم بالجشم (7) والحشو، وذهبت فارس بالبارد والحلو» وقال عمر لفارس الشّفارج (8) والحموض (9)«فقال دوسر المدينى: » لنا الهرائس (10) والقلايا، ولأهل البدو اللبأ (11) والسّلاء (12) والجراد والكمأة (13) والخبزة فى الرائب والتّمر بالزّبد، وقد قال الشاعر:

(1) المقرور: الذى أصابه القر وهو البرد- اقرأ خبر هذا الحديث أيضا فى العقد الفريد 3: 312 وعيون الأخبار 9: 215.

(2)

دكناء: يضرب لونها إلى السواد.

(3)

رقطاء: أى سوداء يشوبها نقط بيضاء، أو بيضاء يشوبها نقط سوداء.

(4)

الحفاف: الجانب.

(5)

قال فى اللسان «العرق بالفتح: العظم أخذ عنه معظم اللحم وبقى عليه لحوم رقيقة طيبة فتكسر وتطبخ وتؤخذ إهالتها من طفاحتها ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق وتتمشش العظام، ولحمها من أطيب اللحمان عندهم، وجمعه عراق بالضم» قال ابن الأثير: وهو جمع نادر».

(6)

انظر هذا الحديث أيضا فى العقد الفريد 3: 313 - 314، وعيون الأخبار 9: 198، وفيهما «كما يضرب ولى السوء فى مال اليتيم» وهو أولى.

(7)

الجشم: الجوف أو الصدر بضلوعه، وفى عيون الأخبار 9: 204 «أما الرومى فذهب بالحشو والأحشاء، وأما الفارسى فذهب بالبارد والحلواء» .

(8)

فى النسخ «الشفارق» وقال صاحب القاموس واللسان: «الشفارج: الطبق فيه الفيخات والسكرجات فارسى معرب» - والفيخة: (بالفتح) السكرجة، (بضمات وتشديد الراء) فهو عطف مرادف- قال صاحب اللسان:«السكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشىء القليل من الأدم، وهى فارسية، وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها» - وقال صاحب التاج فى السكرجة. «إن العرب كانت تستعملها فى الكوامخ وأشباهها من الجوارش على الموائد حول الأطعمة للتشهى والهضم» .

(9)

الحموض: جمع حمض بالفتح، وهو كل نبت فى طعمه حموضة، والملوحة تسمى الحموضة.

(10)

الهرائس: جمع هريسة، وهى طعام يعمل من الحب المدقوق واللحم، والقلايا: جمع قلية كرزية وهى مرقة تتخذ من لحوم الجزور وأكبادها.

(11)

اللبأ: أول اللبن فى النتاج.

(12)

سلأ السمن كمنع: طبخه وعالجه، والاسم السلاء: ككتاب.

(13)

نبات بالبادية يقال له: شحم الأرض.

ص: 102

ألا ليت خبزا قد تسربل رائبا

وخيلا من البرنىّ فرسانها الزّبد (1)

ولهم البرمة (2) والخلاصة (3) والحيس (4) والوطيئة (5)».

وقال أعرابى: «أتينا ببرّ كأفواه البعران (6) فحبزنا منه خبزة زيت (7) فى النار، فجعل الجمر يتحدّر عنها تحدّر الحشو عن البطان (8): ثم ثردناها فجعل الثريد يجول فى الإهالة (9) جولان الضّبعان فى الضّفرة (10)، ثم أتينا بتمر كأعيان الورلان (11) يوحل فيه الضّرس» .

ونعت السّويق (12) بأنه من عدد المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر (13)، وبلغة المريض، يشدّ فؤاد الحزين، ويردّ من نفس المحدود (14)، وحيد فى السّمين (15)، ومنعوت فى الطيّب، قفاره يجلو البلغم، ومسمونه (16) يصفّى الدم، إن شئت كان ثريدا، وإن شئت كان خبيصا، وإن شئت كان طعاما، وإن شئت كان شرابا.

(1) البرنى: نوع من التمر، معرب.

(2)

قدر من حجارة، ولعلها تطلق على اسم طعام يطبخ فيها.

(3)

خلاصة السمن: ما خلص منه.

(4)

الحيس: تمر يخلط بسمن وأقط [والأقط مثلثة ويحرك وككتف ورجل وإبل: شىء يتخذ من المخيض الغنمى] فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه، وربما جعل فيه سويق.

(5)

الوطيئة: تمر يخرج نواه ويعجن بلبن، والأقط بالسكر.

(6)

يشبه البر فى بياضه بأفواه البعران (جمع بعير) لما يعلوها من الرغوة والزبد.

(7)

أى خبزة عجنت بزيت.

(8)

البطان: حزام قتب البعير.

(9)

الإهالة: الشحم المذاب.

(10)

الضبع بضم الباء وسكونها مؤنثة، والذكر ضبعان بالكسر والأنثى ضبعانة أيضا. والضفرة من الرمل: ما عظم وتجمع.

(11)

الورلان جمع ورل كسبب: وهو زاحف كالضب.

(12)

السويق: ما يعمل من الحنطة والشعير.

(13)

من يقوم فى بكرة النهار، وفى النسخ «المتكره» .

(14)

المحدود: المحروم.

(15)

أى خير أنواع الطعام السمين، وفى عيون الأخبار «وهو جيد فى التسمين» اقرأ هذا الوصف فيه ج 9: ص 206.

(16)

سمن الطعام: لته بالسمن فهو مسمون.

ص: 103

وقيل لبعض هؤلاء اللّعامظة (1) والمستأكلين والسّفّافين (2) المقفّعين- ورئى سمينا- ما أسمنك؟ قال: «أكلى الحارّ وشربى القارّ، والاتكاء على شمالى، وأكلى من غير مالى (3)» وقد قال الشاعر:

وإن امتلاء البطن فى حسب الفتى

قليل الغناء وهو فى الجسم صالح (4)

وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: «قلة الفكرة، وطول الدّعة، والنوم على الكظّة (5)» وقال الحجاج للغضبان (6) بن القبعثرى: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة (7)، ومن كان فى ضيافة الأمير سمن» وقيل لآخر: إنك لحسن السّحنة (8)، قال:«آكل لباب البرّ، وصغار الممز، وأدّهن بخام (9) البنفسج، وألبس الكتّان» والله لو كان من يسأل يعطى لما قام كرم العطية بلؤم المسألة.

ومدار الصواب على طيب المكسبة والاقتصاد فى النفقة، وقد قال بعض العرب «اللهم إنى أعوذ بك من بعض الرزق» حين رأى نافجة (10) من ماله من صداق أمه.

(1) اللعامظة: جمع لعمظ كجعفر، وهو الحريص الشهوان النهم كاللعموظ (كعصفور).

(2)

فى النسخ «السفافيف» والمقفع: المنكس الرأس أبدا.

(3)

اقرأ فى عيون الأخبار 9: 224.

(4)

أى أن كثرة الأكل لا تفيد فى إعلاء شرف الفتى، ولكنها تفيد الجسم، وفى النسخ «الغنى» بدل «الفتى» .

(5)

وهذا أيضا فى عيون الأخبار، والكظة: شىء يعترى الإنسان عند الامتلاء من الطعام.

(6)

من خبره أنه لما هلك بشر بن مروان وولى لحجاج العراق بلغ ذلك أهل العراق فقام الغضبان خطيبا بالكوفة يؤلبهم على الحجاج، فكان فيما قال لهم «فاعترضوا هذا الخبيث فى الطريق فاقتلوه» «فأطيعونى وتغدوا به قبل أن يتعشى بكم» فلما قدم الحجاج الكوفة بلغته مقالته، فأمر به فأقام فى حبسه ثلاث سنين- اقرأ خطبته فى جمهرة خطب العرب 2:320.

(7)

الرتعة: الاتساع فى الخصب، وهو مثل. وأول من قاله عمرو بن الصعق بن خويلد بن نفيل ابن عمرو بن كلاب، وكانت شاكر من همدان أسروه فأحسنوا إليه وروحوا عنه وقد كان يوم فارق قومه نحيفا، فهرب من شاكر فلما وصل إلى قومه قالوا: أى عمرو، خرجت من عندنا نحيفا وأنت اليوم بادن، فقال: القيد والرتعة، فأرسلها مثلا، وهذا كقولهم: العز والمنعة، والنجاة والأمنة، وفى عيون الأخبار (9: 225) القيد والدعة.

(8)

السحنة بالفتح وتحرك: الهيئة واللون ولين البشرة، وفى عيون الأخبار «الشحمة» .

(9)

الخام: الريح الطيبة تعبق بالثوب.

(10)

يقال: للابل التى يرثها الرجل فتكثربها إبله «نافجة» .

ص: 104

وأىّ سائل كان ألحف مسألة من الحطيئة وألأم؟ ومن ألأم من جرير ابن الخطفى وأبخل؟ ومن أمنع من كثيّر، وأشحّ من ابن هرمة (1)؟ ومن كان يشقّ غبار ابن أبى حفصة (2)؟ ومن كان يصطلى بنار أبى العتاهية؟ ومن كأبى نواس فى بخله؟ أو كأبى يعقوب الخزيمى فى دقة نظره وكثرة كسبه؟ ومن كان أكثر نحرا لجزرة (3) لم تخلق من ابن هرمة؟ وأطعن برمح لم ينبت، وأطعم لطعام لم يزرع، من الخزيمىّ (4)؟ فأين أنت عن ابن يسير؟ وأين تذهب عن ابن أبى كريمة؟

ولم تقصّر فى ذكر الرّقاشّى، ولم تذكر شرّه؟

إن الأعرابى شرّ من الحاضر (5)، سائل جبّار، وثّابة ملّاق، إن مدح كذب، وإن هجا كذب، وإن أيس كذب، وإن طبع كذب، لا يعرفه إلا نطف (6) أو أحمق، ولا يعطيه إلا من يحبّه، ولا يحبه إلا من هو فى طباعه.

ما أبطأكم عن البذل فى الحق، وأسرعكم إلى البذل فى الباطل! فإن كنتم الشعراء تفضّلون، وإلى قولهم ترجعون، فقد قال الشاعر:

قليل المال تصلحه فيبقى

ولا يبقى الكثير على الفساد

وقد قال الشّمّاخ بن ضرار:

لمال المرء يصلحه فيغنى

مفاقره، أعفّ من القنوع (7)

(1) هو إبراهيم بن هرمة شاعر عباسى، وكان مولعا بالشراب، ولما ولى المنصور شخص إليه فامتدحه فاستحسن شعره ووصله، وسأله ابن هرمة أن يبيح له الشراب لأنه مغرم به فقال: ويحك هذا حد من حدود الله وما كنت لأعطله، قال: فاحتل لى فيه يا أمير المؤمنين، فكتب إلى عامله بالمدينة:

من أتاك بابن هرمة سكران فاجلده مائة واجلد ابن هرمة ثمانين، فجعل الجلواز إذا مر بابن هرمة سكران قال: من يشترى ثمانين بمائة؟ - انظر ترجمته فى الأغانى 4: 101، والشعر والشعراء ص 289.

(2)

يعنى مروان بن أبى حفصة، وهو شاعر عباسى مشهور.

(3)

الجزرة: الشاة السمينة، وجمعها جزر.

(4)

يقول: إن الشعراء يتخيلون وينسبون إلى أنفسهم كثيرا من أعمال الكرم والشجاعة.

(5)

الحاضر: ساكن الحضر.

(6)

النطف المتهم بريبة.

(7)

المفاقر: قيل جمع فقر على غير قياس، وقيل جمع لا واحد له، والقنوع: السؤال والتذلل.

ص: 105

وقال أحيحة بن الجلاح:

استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب

من ابن عم ولا عمّ ولا خال

إنى أكبّ على الزّوراء أعمرها

إن الكريم على الأقوام ذو المال (1)

وقال أيضا:

استغن عن كل ذى قربى وذى رحم

إن الغنىّ من استغنى عن الناس

والبس عدوّك فى رفق وفى دعة

لباس ذى إربة، للدهر لبّاس (2)

ولا يغرّنك أضغان مزمّلة

قد يضرب الدّبر الدامى بأحلاس (3)

وقال سهل بن هرون:

إذا امرؤ ضاق عنى لم يضق خلقى

من أن يرانى غنيّا عنه بالياس

فلا يرانى إذا لم يرع آصرتى

مستمريا دررا منه بإبساس (4)

لا أطلب المال كى أغنى بفضلته

ما كان مطلبه فقرا إلى الناس (5)

وقال أبو العتاهية:

أنت ما استغنيت عن صا

حبك الدهر أخوه

فإذا احتجت إليه

ساعة مجّبك فوه

وقال أحيحة بن الجلاح:

فلو أنى أشاء نعمت بالا

وبا كرنى صبوح أو نشيل (6)

(1) الزوراء: أرض كانت لأحيحة بن الجلاح، سميت ببئر كانت فيها (والزوراء: البئر البعيدة العقر) - انظر معجم البلدان 4: 412 - والبيت فيه:

إنى أقيم على الزوراء أعمرها

إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال

(2)

الإربة: الدهاء.

(3)

مزملة: دفينة خفية، من التزميل وهو الإخفاء واللف فى الثوب، والدبر: البعير أصيب بقرحة من الرحل، والأحلاس: جمع حلس كقرد، وهو ما يوضع على ظهر البعير تحت الرحل.

(4)

الآصرة: صلة المودة أو القرابة، والمستمرى: الحالب، والدرر: اللبن، والإبساس:

التلطف بالناقة عند الحلب بأن يقال لها بس بس تسكينا لها.

(5)

ما فى «ما كان» مصدرية ظرفية أى مدة كون طلبه يعد فقرا إلى الناس.

(6)

باكرنى: جاءنى فى بكرة النهار، والصبوح: ما حلب من اللبن بالغداة، والنشيل: اللحم المطبوخ: بغير تابل، أو اللبن ساعة يحلب.

ص: 106

ولا عبنى على الأنماط لعس

على أنيابهنّ الزّنجبيل (1)

ولكنى خلقت إزاء مال

فأبخل بعد ذلك أو أنيل

وقال آخر:

أيا مصلح أصلح ولا تك مفسدا

فإن صلاح المال خير من الفقر

ألم تر أن المرء يزداد عزّة

على قومه أن يعلموا أنه مثرى؟

وقال عروة بن الورد:

ذرينى للغنى أسعى فإنى

رأيت الناس شرّهم الفقير

وأبعدهم وأهونهم عليهم

وإن أمسى له نسب وخير (2)

ويقصى فى الندىّ وتزدريه

حليلته وينهره الصغير

وتلقى ذا الغنى وله جلال

يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه، والذنب جمّ

ولكنّ الغنى ربّ غفور

وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:

تلك عرساى تنطقان على عمد

لى اليوم قول زور وهتر (3)

سالتانى الطلاق أن رأتا ما

لى قليلا، قد جئتمانى بنكر (4)!

فلعلّى أن يكثر المال عندى

ويعرّى من المغارم ظهرى

ويرى أعبد لنا وأواق

ومناصيف من خوادم عشر (5)

(1) الأنماط: جمع نمط كسبب، وهو ثوب صوف ذو لون يفرش، لعس: أى نساء لعس جمع لعساء. وصف من اللعس بالتحريك، وهو سواد مستحسن فى الشفة.

(2)

الخير: الكرم والشرف.

(3)

العرس: الزوجة، والهتر: تمزيق العرض، هتره كضرب وهتره: مزقه.

(4)

سال من باب خاف لغة فى سأل المهموز.

(5)

الأواقى: جمع واقية، وهى الحافظة الصائنة، ويريد بها الخادمة. ومناصيف: جمع منصف كمنبر ومقعد، وهى الخادم، وجمعها مناصف ومناصيف.

ص: 107

وتجرّ الأذيال فى نعمة زو

ل، تقولان ضع عصاك لدهر (1)

وى كأن من يكن له نشب يحبب

، ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (2)

ويجنّب سرّ النّجىّ ولكنّ

أخا المال محضر كلّ سرّ (3)

وقال الآخر:

وللمال منى جانب لا أضيعه

وللهو منى والبطالة جانب (4)

وقال الأخنس بن شهاب:

وقد عشت دهرا والغواة صحابتى

أولئك إخوانى الذين أصاحب

فأدّيت عنى، ما استعرت من الصّبا

وللمال منى اليوم راع وكاسب

وقال ابن أذينة الثقفى:

أطعت النفس فى الشّهوات حتى

أعادتنى عسيفا عبد عبد (5)

إذا ما جئتها قد بعت عتقا

تعانق أو تقبّل أو تفدّى (6)

فمن وجد الغنى فليصطنعه

ذخيرته ويجهد كلّ جهد

وقال:

من يجمع المال ولا يثبّه (7)

ويترك العام لعام جدبه (8)

* يهن على النّاس هوان كلبه*

وقد قيل فى المثل: «الكدّ قبل المدّ (9)» وقال لقيط: «ألقم وأذر للّقاح، وأحدّ السلاح (10)» .

(1) الزول: الحسنة العجيبة، ومعنى الشطر الثانى، تقولان: ألق عصاك لدهرك فلا تكدح فيه، ولا تنتقل فى طلب الرزق فقد تمت عليك النعمة.

(2)

وى بمعنى أتعجب، وكأن مخففة من الثقيلة، وهى هنا بمعنى حقا، والنشب: المال الأصيل.

(3)

فى النسخ «شر النجى» و «محضر كل شر» وفيها أيضا «أخا الفقر» والنجى: من تساره.

(4)

الرواية المشهورة «ولله منى» .

(5)

العسيف: الأجير، والعبد المستهان به.

(6)

العتق: الشرف والحرية، أى إذا ما جئت النفس وقد بعت شرفى وحريتى تسربى.

(7)

ثبى المال: جمعه وكثره.

(8)

أى أنه إذا كان فى عام خصب ترك الادخار حتى يحل به عام قد يكون جدبا.

(9)

الكد: التعب، والمد: البسط والسعة.

(10)

أى ألقم إبلك بيدك إذا أبت أن تأكل بنفسها، وأذر: أى ألق الغذاء- من ذرت الريح الشىء تذروه وأذرته إذا أطارته- للقاح: وهى النوق التى لقحت أى حملت، وأحد السلاح: أى سنه، والغرض من ذلك: العناية بالمال وأخذ العدة لحوادث الدهر.

ص: 108

وقال أبو المعافى:

إن التوانى أنكح العجز بنته

وساق إليها حين زوّجها مهرا (1)

فراشا وطيئا ثم قال لها اتّكى

فقصر كما لا بدّ أن تلدا الفقرا (2)

وقال عثمان بن أبى العاص: «ساعة لدنياك وساعة لآخرتك» .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» وقال: «خير الصّدقة ما أبقى غنى، واليد العليا خير من اليد السّفلى (3)، وابدأ بمن تعول» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير، إنّك أن تدع ولدك أغنياء خير من أن يتكفّفوا الناس» وقال ابن عباس: «وددت أن الناس غضّوا من الثلث شيئا، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» .

وأنتم ترون أن المجد والكرم أن أفقر نفسى بإغناء غيرى، وأن أحوط عيال غيرى بإضاعة عيالى، وقال فى ذلك ابن هرمة:

كتاركة بيضها بالعراء

وملبسة بيض أخرى جناحا (4)

وقال آخر:

كمفسد أدناه ومصلح غيره

ولم يأتمر فى ذاك أمر صلاح

(1) أى أن التوانى زوج ابنته للعجز ولم يكلفه مهرا، بل بعث إليه بابنته وساق معها مهرها.

(2)

فراشا بدل من مهرا: أى ثم قال لها اتكئى على هذا الفراش الوثير واستريحى ولا تعملى شيئا، وقصرك أن تفعل كذا، وقصارك بالفتح وبضم وقصيراك وقصارك بضمهما: أى جهدك وغايتك، أى غاية أمركما التى لا مناص منها أن تلدا مولودا اسمه الفقر.

(3)

اليد العليا: المعطية. والسفلى: المعطاة.

(4)

يعنى النعامة، وقد ضربوا بها المثل فى الحمق فقالوا «أحمق من نعامة» قال الميدانى فى شرحه «وذلك أنها تنتشر للطعم فربما رأت بيض نعامة أخرى قد انتشرت لمثل ما انتشرت هى له فتحضن بيضها وتنسى بيض نفسها، ثم تجىء الأخرى فترى غيرها على بيض نفسها، فتمر لطيتها (أى لوجهها) وإياها عنى ابن هرمة بقوله: كتاركة بيضها

» ثم قال «وزعم أبو عبيدة أن ابن هرمة عنى بقوله: كتاركة بيضها الحمامة التى تحضن بيض غيرها وتضيع بيض نفسها» .

ص: 109

وقال آخر:

كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت

بنيها ولم ترقع بذلك مرقعا

وقال الله تبارك وتعالى: «ولا تبذّر تبذيرا. إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين» وقال: «وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (1)» فأذن فى العفو ولم يأذن فى الجهد، وأذن فى الفضول ولم يأذن فى الأصول (2)، وأراد كعب بن مالك أن يتصدق بماله، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:«أمسك عليك مالك» فالنبى صلى الله عليه وسلم يمنعه من إخراج ماله فى الصدقة. وأنتم تأمرونه بإخراجه فى السّرف والتبذير! . وخرج غيلان بن سلمة من جميع ماله، فأكرهه عمر على الرجوع فيه، وقال:«لو متّ لرجمت قبرك كما يرجم قبر أبى رغال (3)» وقال الله جل وعز:

«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «يكفيك ما بلّغك المحلّ (4)» وقال: «ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى» وقال الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «إن المنبتّ لا أرضا

(1) العفو: ما يفضل عن الحاجة.

(2)

الفضول جمع فضل: وهو الزيادة، والمراد بالأصول: المال المحتاج إليه فى حياة الرجل، أو صناعته أو تجارته.

(3)

قال صاحب القاموس: «وأبو رغال ككتاب، فى سنن أبى داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبى رغال، وهو أبو ثقيف وكان من ثمود. وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه» وقال صاحب اللسان: «أبو رغال؛ اسمه زيد بن مخلف، عبد كان لصالح النبى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، بعثه مصدقا، وأنه أتى قوما ليس لهم لبن إلا شاة واحدة ولهم صبى قد ماتت أمه فهم يعاجونه بلبن تلك الشاة- يعنى يغذونه، والعجى كغنى: الذى يغذى بغير لبن أمه- فأبى أن يأخذ غيرها، فقالوا: دعها نحايى بها هذا الصبى. فأبى فيقال: إنه نزلت به قارعة من السماء، ويقال: بل قتله رب الشاة، فلما فقده صالح قام فى الموسم ينشد الناس فأخبر بصنيعة فلعنه، فقره بين مكة والطائف يرجمه الناس» - وقد قدمنا عنه كلمة فى نسب ثقيف فى الجزء الثانى ص 146.

(4)

يروى فى خطبة أكثم بن صيفى أمام كسرى «يكفيك من الزاد ما بلغك المحل» - انظر جمهرة خطب العرب 1: 22.

ص: 110

قطع ولا ظهرا أبقى (1)» وقال الله جل ذكره: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً»

ولذلك قالوا: «خير مالك ما نفعك، وخير الأمور أوساطها، وشرّ السّير الحقحقة (2)، والحسنة بين السيئتين» وقالوا: «دين الله بين المقصّر والغالى (3)» وقالوا فى المثل: «بينهما يرمى الرامى (4)» وقالوا: «عليك بالسّداد والاقتصاد، لا وكس ولا شطط (5)» وقالوا: «بين الممخّة والعجفاء (6)» وقالوا: «لا تكن حلوا فتبتلع، ولا مرّا فتلفظ» وقالوا فى المثل:

«ليس الرّىّ عن التّشافّ (7)» وقالوا: «يا عاقد اذكر حلّا (8)» وقالوا: «الرّشف (9)

(1) المنبت المنقطع عن أصحابه فى السفر، والظهر الدابة، قاله صلى الله عليه وسلم لرجل اجتهد فى العبادة حتى هجمت عيناه: أى غارتا، فلما رآه قال له: إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المنبت:

أى الذى يجد فى سيره حتى ينبت أخيرا- سماه بما تئول إليه عاقبته كقوله تعالى:

«إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» مثل يضرب لمن يبالغ فى طلب الشىء ويفرط حتى ربما يفوته على نفسه.

(2)

الحقحقة: أشد السير وأتعبه للظهر، أو أن يلج فى السير حتى تعطب راحلته أو تنقطع، قال صاحب اللسان:«وتعبد عبد الله بن مطرف بن الشخير فلم يقتصد، فقال له أبوه: «يا عبد الله العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة» هو إشارة إلى الرفق فى العبادة. يعنى: عليك بالقصد فى العبادة، ولا تحمل على نفسك فتسأم، وخير العمل ماديم وإن قل، وإذا حملت على نفسك من العبادة ما لا تطيقه انقطعت به عن الدوام على العبادة وبقيت حسيرا، فتكلف من العبادة ما تطيقه ولا يحسرك».

(3)

أى أن الدين هو الطريقة المثلى بين التقصير والمغالاة.

(4)

أى بين التقصير والمغالاة الاعتدال الذى يجب أن يقصد إليه القاصد.

(5)

الوكس: النقص، والشطط: الجور.

(6)

أمخت الشاة: سمنت، والعجفاء: الهزيلة، وهو مثل يضرب فى التوسط.

(7)

الاشتفاف والتشاف: أن تشرب جميع ما فى الإناء مأخوذ من الشفافة بالضم، وهى بقية الماء فى الإناء، يقول: ليس من لا يشتف لا يروى، فقد يكون الرى دون ذلك. وهو مثل يضرب فى قناعة الرجل ببعض ما ينال من حاجته: أى ليس قضاؤك الحاجة أن لا تدع قليلا ولا كثيرا إلا نلته، فإذا نلت معظمها فاقنع به.

(8)

ويروى «يا حامل» فإذا قلت يا عاقد فقولك حلا يكون نقيض العقد؛ وإذا رويت يا حامل فالحل بمعنى الحلول، يقال حل بالمكان يحل حلا وحلولا ومحلا. وأصل المثل فى الرجل يشد حمله فيسرف فى الاستيثاق حتى يضر ذلك به وبراحلته عند الحلول، يضرب مثلا للنظر فى العواقب.

(9)

الرشف: التأنى فى الشرب، أنقع: أذهب وأقطع للعطش، مثل يضرب فى ترك العجلة.

ص: 111

أنقع للظمآن» وقالوا: «القليل الدائم أكثر من الكثير المنقطع» وقال أبو الدّرداء «إنى لأستجمّ نفسى ببعض الباطل، كراهة أن أحمل عليها من الحق ما يملّها» وقال الشاعر:

وإنى لحلو تعترينى مرارة

وإنى لصعب الرأس غير جموح (1)

وقالوا فى عذل المصلح ولائمة المقتصد: «الشحيح أعذر من الظالم (2)» وقالوا:

«ليس من العدل سرعة العذل» وقالوا: «لعلّ له عذرا وأنت تلوم (3)» وقالوا:

«ربّ لائم مليم (4)» وقال الأحنف: «ربّ ملوم لا ذنب له (5)» وقال: «إعطاء السائل تضرية (6)، وإعطاء الملحف مشاركة (7)» وقال النبى صلى الله عليه وسلم:

«لا تصلح المسألة إلا فى ثلاث: فقر مدقع (8)، وغرم مفظع، ودم موجع (9)» وقال الشاعر:

الحرّ يلحى والعصا للعبد

وليس للملحف غير الرّدّ (10)

وقالوا: «إذا جدّ السؤال جدّ (11) المنع» وقالوا: «احذر إعطاء المخدوعين (12)،

(1) ويروى لحسان بن ثابت:

وإنى لحلو تعترينى مرارة

وإنى لتراك لما لم أعود

(2)

يقول: إنهم حين تجنوا على المقتصد ولاموه ووصفوه بالشح كذبا، جعلوا له فى شحه عذرا أقوى من عذر الظالم.

(3)

مثل يضرب لمن يلوم من له عذر لا يعلمه اللائم، وهو عجز بيت وصدره:

* تأن ولا تعجل بلومك صاحبا*

(4)

ألام: أتى بما يلام عليه، والمثل لأكثم بن صيفى.

(5)

قال الميدانى «هذا من قول أكثم بن صيفى، يقول: قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه وهم لا يعرفون حجته وعذره فهو يلام عليه. وذكروا أن رجلا فى مجلس الأحنف بن قيس قال: ليس شىء أبغض إلى من التمر والزبد فقال الأحنف «رب ملوم لا ذنب له» .

(6)

التضرية: التعويد والإغراء. وأصله من ضرى الكلب بالصيد كفرح: تعود، وأضراه صاحبه به وضراه: عوده وأغراه.

(7)

أى مشاركة له فى الإلحاف لأنك باعطائه عاونته وأجرته.

(8)

أى شديد ملصق بالدقعاء، وهى الأرض.

(9)

أى فى حال جمع المال لدية القتيل.

(10)

يلحى: يلام، لحاه يلحاه: لامه.

(11)

أى قوى واشتد.

(12)

المصدر مضاف لفاعله: أى احذر أن تعطى وأنت مخدوع.

ص: 112

«بذل المغبونين، فإن المغبون لا محمود ولا مأجور» ولذلك قالوا: «لا تكن أدنى العيرين (1) إلى السّهم» يقول: إذا أعطيت السائلين مالك صارت مقاتلك أظهر لأعدائك من مقاتلهم، وقالوا:«الفرار بقراب أكيس (2)» وقال أبو الأسود:

«ليس من العز أن تتعرض للذل، ولا من الكرم أن تستدعى اللؤم» ومن أخرج ماله من يده افتقر، ومن افتقر فلا بد له من أن يضرع (3)، والضّرع لؤم. وإن كان الجود شقيق الكرم، فالأنفة أولى بالكرم (4)، وقد قال الأول:«اللهم لا تنزلنى (5) ماء سوء، فأكون امرأ سوء» .

وقد قال الشاعر:

واخط مع الدهر إذا ما خطا

واجر مع الدهر كما يجرى

وقد قال الآخر:

يا ليت لى نعلين من جلد الضّبع

وشركا من ثغرها (6) لا تنقطع

كلّ الحذاء يحتذى الحافى الوقع (7)

وقد صدق قول القائل: «من احتاج اغتفر، ومن اقتضى (8) تجوّز» وقيل

(1) العير: الحمار، والعيران هنا السائل والمسئول، فإذا أعطى المسئول كل ماله للسائل تعرض لسهام أعدئه ولم يقو على نزالهم.

(2)

القراب: الغمد، والمثل لجابر بن عمرو المازنى. وذلك أنه كان يسير يوما فى طريق إذ رأى أثر رجلين، وكان عائفا قائفا (والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها، والقائف: من يعرف الآثار) فقال:

أرى أثر رجلين شديدا كلبهما عزيزا سلبهما والفرار بقرب أكيس. أراد ذو الفرار أى الذى يفر ومعه قراب سيفه إذا فاته السيف أكيس ممن يفيت القراب أيضا.

(3)

أى بدل.

(4)

يقول: إذا كان الجود شقيق كرم النفس، وجب على الجواد ألا يسعى فى إذلال نفسه، وأن يحافظ على أنفتها وإبائها، وإنما يكون ذلك بالمحافظة على ماله.

(5)

هكذا فى الحيوان للجاحظ، وفى النسخ «لا تثرلى» .

(6)

هكذا فى مجمع الأمثال، وفى النسخ «من استها» والشرك جمع: شراك ككتاب، وهو سير النعل.

(7)

وقع الرجل كفرح: إذا حفى من مره على الحجارة، وهو مثل يضرب عند الحاجة تحمل على التعلق بما يقدر عليه.

(8)

اقتضى دينه وتقاضاه بمعنى.

(8 - جمهرة رسائل العرب- رابع)

ص: 113

(1) جاء فى كتاب الحيوان للجاحظ: «حدثنى العتبى قال: كان فى اليونانيين ممرور (وهو الذى غلبت عليه المرة بالكسر: أى معتوه) له نوادر عجيبة وكان يسمى ديسيموس، قال: والحكماء يروون له أكثر من ثمانين نادرة» .

(2)

الزيادة بين القوسين من الحيوان للجاحظ.

(3)

القائل صعصعة بن صوحان، تغذى عند معاوية فتناول من بين يديه شيئا، فقال معاوية: يا بن صوحان: انتجعت من بعد، فقال: من أجدب انتجع.

(4)

النوار كسحاب: المرأة النفور من الربية.

(5)

ند البعير كضرب: نفر وذهب على وجهه شاردا.

(6)

أول من قاله عامر بن الظرب العدوانى، وهو مثل يضرب فى ذم الحرص على الطعام.

(7)

أول من قاله مالك بن عوف بن أبى عمرو بن عوف بن محلم الشيبانى، وكان سنان بن مالك ابن أبى عمرو بن عوف بن محلم شام غيما فأراد أن يرحل بامرأته- وهى أخت مالك بن عوف- فقال له مالك: أين تظعن يا أخى؟ قال: أطلب موقع هذه السحابة، قال: لا تفعل فإنه ربما خيلت وليس فيها قطر، وأنا أخاف عليك بعض مقانب العرب (جمع مقنب كمنبر: وهو جماعة الخيل والفرسان) قال:

لكنى لست أخاف ذلك فمضى، وعرض له مروان الفرظ بن زنباع العبسى، فأعجله عنها وانطلق بها وجعلها بين بناته وأخواته ولم يكشف لها سترا، فقال مالك بن عوف لسنان. ما فعلت أختى؟ قال:

نفتنى عنها الرماح، فقال مالك: رب عجلة تهب ريثا، ورب فروقة يدعى ليثا (والفروقة بالفتح:

الجبان الشديد الفزع) ورب غيث لم يكن غيثا، فأرسلها مثلا. يضرب للرجل يشتد حرصه على حاجة ويخرق فيها حتى تذهب كلها.

(8)

أى آكل وأملأ بطنى ولو كان فى ذلك الموت.

(9)

من أمثالهم «تطلب أثرا بعد عين» و «لا أطلب أثرا بعد عين» يضرب لمن ترك شيئا يراه ثم تبع أثره بعد فوت عينه، وأول من قاله مالك بن عمرو العاملى، وذلك أن بعض ملوك غسان كان يطلب فى عاملة ذحلا (أى ثأرا) فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسماك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا ثم دعاهما فقال لهما: إنى قاتل أحد كما فأيكما أقتل؟ فجعل كل واحد منهما يقول: اقتلنى مكان أخى، فلما رأى ذلك قتل سماكا وخلى سبيل مالك، فقال سماك حين ظن أنه مقتول أبماتا منها:

وأقسم لو قتلوا مالكا

لكنت لهم حية راصده

وانصرف مالك إلى قومه، فلبث فيهم زمانا، ثم إن ركبا مروا وأحدهم يتغنى بهذا البيت فسمعت-

ص: 114

نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن» فانظر كيف تخرج الدرهم؟ ولم تخرجه؟

وقالوا: «شرّ من المرزئة سوء الخلف (1)» وقال الشاعر:

إن يكن ما به أصبت جليلا

فذهاب العزاء فيه أجلّ

ولأن تفتقر بجائحة نازلة خير لك من أن تفتقر بجناية مكتسبة، ومن كان سببا لذهاب وفره، لم تعدمه الحسرة من نفسه، واللائمة من غيره، وقلة الرحمة، وكثرة الشماتة، مع الإثم الموبق والهوان على الصاحب، وذكر عمر بن الخطاب فتيان قريش وسرفهم فى الإنفاق، ومسابقتهم فى التبذير، فقال:«لخرقة (2) أحدهم أشدّ علىّ من عيلته» يقول: إن إغناء الفقير أهون علىّ من إصلاح الفاسد:

ولا تكن على نفسك أشأم من خوتعة (3)، وعلى أهلك أشأم من البسوس (4)،

بذلك أم سماك، فقالت: يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخرج فى الطلب بأخيك، فخرج فى الطلب فلقى قاتل أخيه يسير فى ناس من قومه، فقال: من أحس لى الجمل الأحمر؟ فقالوا له- وعرفوه-: يا مالك له مائة من الإبل فكف، فقال لا أطلب أثرا بعد عين، فذهبت مثلا، ثم حمل على قاتل أخيه. فقتله، والمعنى:

لا آخذ الدية وهى أثر الدم وتبعته، وأترك العين يعنى القاتل.

(1)

المرزئة: المصيبة، وسوء الخلف ما تخلفه من الجزع، أى إذا فقدت مالك كان جزعك على ضياعه أشد من ضياعه.

(2)

الخرقة: الحمق، وسوء التصرف فى الأمور. والعيلة: الفقر.

(3)

هو رجل من بنى غفيلة كجهينة دل كثيف (كزبير) بن عمرو التغلبى وأصحابه على بنى الزبان (بالفتح) الذهلى، لترة كانت له عند عمرو بن الزبان، فأتوهم وهم قد جلسوا على الغداء، فقال عمرو لا تشب الحرب يبننا وبينك، قال: كلا، بل أقتلك وأقتل إخوتك، قال: فإن كنت فاعلا فأطلق هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا بالحروب، فإن وراءهم طالبا أطلب منى، يعنى أباهم، فقتلهم وجعل رءوسهم فى مخلاة، وعلقها فى عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم (كزبير) فجاءت الناقة والزبان جالس أمام بيته، فبركت، فقال:

يا جارية هذه ناقة عمرو، وقد أبطأ هو وإخوته، فقامت الجارية فجست المخلاة فقالت: قد أصاب بنوك بيض نعام، وأدخلت يدها فأخرجت رأس عمرو أول ما أخرجت، ثم رءوس إخوته، فغسلها الزبان ووضعها على ترس وقال: آخر البز على القلوص، فأرسلها مثلا- والبز: القلوص- أى هذا آخر عهدى بهم لا أراهم بعده. وخبر أن خوتعة هو الذى دل على ولده، فأثخن فى بنى غفيلة حتى أبادهم- اقرأ المثل مطولا فى مجمع الأمثال 1:255.

(4)

هى البسوس بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة قاتل كليب، والتى من أجلها نشبت حرب البسوس المشهورة بين بكر وتغلب- اقرأ المثل مفصلا فى مجمع الأمثال 1:254.

ص: 115

وعلى قومك أشأم من عطر منشم (1)، ومن سلّط الشهوات على نفسه، وحكّم الهوى فى ذات يده، فبقى حسيرا، فلا يلومنّ إلا نفسه، وطوبى لك يوم تقدر على قديم (2) تنتفع به، وقال بعض الشعراء:

أرى كل قوم يمنعون حريمهم

وليس لأصحاب النبيذ حريم

أخوهم إذا مادارت الكأس بينهم

وكلّهم رثّ الوصال سئوم

فهذا بيانى لم أقل بجهالة

ولكننى بالفاسقين عليم

وقد كان هذا المعنى فى أصحاب النبيذ أوجد (3)، فأمّا اليوم فقد استوى الناس، قال الأضبط بن قريع لمّا انتقل فى القبائل فأساءوا جواره بعد أن تأذّى ببنى سعد.

«بكل واد بنو سعد» .

خذ بقولى ودع قول أبى العاص، وخذ بقول من قال:«عشّ ولا تغترّ (4)» ويقول من قال: «لا تطلب أثرا بعد عين» وبقول من قال: «املأ حبّك (5) من أول مطرة، ودع ما يريبك إلى مالا يريبك، أخوك من صدقك، ومن أتاك من جهة عقلك، ولم يأتك من جهة شهوتك، وأخوك من احتمل ثقل نصيحتك فى حظك (6)، ولم تأمن لائمته إياك فى غدك» .

(1) ويقال: «أشأم من منشم» وكانت منشم امرأة عطارة تبيع الطيب، فكانوا إذا قصدوا الحرب غمسوا أيديهم فى طيبها وتحالفوا عليه أن يستميتوا فى تلك الحرب، ولا يولوا أو يقتلوا، فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس: قد دقوا بينهم عطر منشم، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبى سلمى حيث يقول:

تدار كتما عبسا وذبيان بعدما

تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم

وقيل: إن منشم كانت امرأة تبيع الحنوط، وإنما سموا حنوطها عطرا فى قولهم: قد دقوا بينهم عطر منشم، لأنهم أرادوا طيب الموتى.

(2)

يراد بالقديم: المال المدخر، وفى النسخ «على قدم» .

(3)

أى أكثر وجودا فيهم.

(4)

مثل يضرب فى الحث على الحيطة. وأصله أن رجلا أراد أن يفوّز بإبله ليلا، واتكل على عشب يجده فى الطريق، فقيل له: عش ولا تغتر «وفوّز بإبله: ركب بها المفازة» .

(5)

الحب: وعاء كبير للماء.

(6)

أى فى سبيل سعادتك.

ص: 116

وقال الآخر:

إن أخاك الصّدق من لم يخدعك

ومن يضير نفسه لينفعك (1)

وقد قال عبيد بن الأبرص:

واعلمن علما يقينا أنه

ليس يرجى لك من ليس معك

ولا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وعين من عقلك على طباعك، أو ما كان لك أخ نصيح، ووزير شفيق، والزوجة الصالحة عون صدق، والسعيد من وعظ بغيره، فإن أنت لم ترزق من هذه الخصال (2) خصلة واحدة، فلا بدّ لك من نكبة موجعة، يبقى أثرها، ويلوح لك ذكرها؛ ولذلك قالوا:«خير مالك ما نفعك» ولذلك قالوا: «لم يذهب (3) من مالك ما وعظك» .

إن المال محروص عليه، ومطلوب فى قعر البحار، وفى رءوس الجبال، وفى دغل الغياض (4)، ومطلوب فى الوعورة كما يطلب فى السّهولة، وسواء فيها (5) بطون الأودية، وظهور الطرق، ومشارق الأرض ومغاربها، فطلبت بالعز، وطلبت بالذل، وطلبت بالوفاء، وطلبت، بالغدر، وطلبت بالنّسك كما طلبت بالفتك، وطلبت بالصدق كما طلبت بالكذب، وطلبت بالبذاء، وطلبت بالملق، فلم تترك فيها حيلة ولا رقية

(1) يقال: هذا الرجل الصدق بالفتح، فإذا أضفت إليه كسرت الصاد، وقوله لم يخدعك بنصب الفعل بعد لم، قال صاحب المغنى:«وزعم اللحيانى أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم «أَلَمْ نَشْرَحْ» وقوله:

فى أى يومى من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وخرجا على أن الأصل نشرحن ويقدرن ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين، اهـ. وربما كان الأصل «من لن يخدعك» ويضير نفسه: يضرها، والمثل فى مجمع الأمثال «إن أخا الهيجاء من يسعى معك، ومن يضر نفسه لينفعك» يضرب فى المساعدة.

(2)

أى الخصال التى ذكرت آنفا، وهى أن يكون له واعظ من نفسه الخ.

(3)

ويروى «لم يضع» وهو مثل لأكثم بن صيفى، قال المبرد: أى إذا ذهب من مالك شىء فحذرك أن يحل بك مثله، فتأديبه إياك عوض من ذهابه.

(4)

الدغل: الشجر الكثير الملتف. والغياض: جمع غيضة بالفتح، وهى الأجمة ومجتمع الشجر.

(5)

فيها: أى فى الأموال، والمراد فى طلبها، فهى مطلوبة فى بطون الأودية الخ.

ص: 117

حتى طلبت بالكفر بالله، كما طلبت بالإيمان، وطلبت بالسّخف كما طلبت بالنّبل، فقد نصبوا الفخاخ بكل موضع، ونصبوا الشّرك (1) بكل ربع، وقد طلبك من لا يقصّر دون الظفر، وحسدك من لا ينام دون الشّفاء.

وقد يهدأ الطالب الطّوائل (2) والمطلوب بذات نفسه، ولا يهدأ الحريص، يقال:

إنه ليس فى الأرض بلدة واسطة (3)، ولا بادية شاسعة، ولا طرف من الأطراف، إلا وأنت واجد بها المدينىّ والبصرىّ والحيرىّ، وقد ترى شنف (4) الفقراء للأغنياء، وتسرّع الرغبة إلى الملوك، وبغض الماشى للراكب، وعموم الحسد فى المتفاوتين، وإن لم تستعمل الحذر، وتأخذ بنصيبك من المداراة، وتتعلّم الحزم، وتجالس أصحاب الاقتصاد، وتعرف الدهور ودهرك خاصّة، وتمثّل لنفسك الغير (5) حتى تتوهّم نفسك فقيرا ضائعا، وحتى تتهم شمالك على يمينك، وسمعك على بصرك، ولا يكون أحد أتهم (6) عند نفسك من نفسك، ولا أولى بأخذ الحذر منه من أمينك، اختطفت اختطافا (7)، واستلبت استلابا، وذوّبوا مالك وتحيّفوه (8)، وألزموه السّلّ ولم يداووه، وقد قالوا:«بلى المال ربّه وإن كان أحمق» فلا تكوننّ دون ذلك الأحمق، وقالوا:«لا تعدم صناع ثلّة (9)» فلا تكوننّ دون تلك الصناع، وقد قال الأول فى المال المضيّع المسلّط عليه شهوات العيال:«ليس لها راع، ولكن حلبة (10)» .

(1) الشرك: حبائل الصائد، واحدته شركة كقصبة، ويجمع على شرك كعنق نادرا.

(2)

الطوائل: جمع طائلة، وهى الثأر.

(3)

أى متوسطة.

(4)

شنف له شنفا كفرح: أبغضه وتنكره.

(5)

حوادث الدهر المغيرة.

(6)

أى أكثر إتهاما، من أتهمه كأكرمه إذا اتهمه.

(7)

فى بعض النسخ «واحتفظت احتفاظا» .

(8)

أى تنقصوه، من حيفه. والحيف كعنب جمع حيفة بالكسر: وهى الناحية.

(9)

امرأة صناع اليدين: حاذقة ماهرة بعمل اليدين. والثلة: الصوف تغزله المرأة، مثل يضرب لمن إذا عدم عملا أخذ فى آخر لحذقه وبصيرته.

(10)

الحلبة: جمع حالب، مثل يضرب للرجل يؤكل وليس له من يبقى عليه، وفى النسخ «خلية» .

ص: 118

وليس مالك المال المعفى من الأضراس فيقال فيه: مرعى ولا أكولة (1)، وعشب ولا بعير، فقصاراك مع الإصلاح أن يقوم ببطنك وبحوائجك وبما ينوبك، ولا بقاء للمال على قلة الرّعى وكثرة الحلب، فكس (2) فى أمرك، وتقدّم فى حفظ مالك، فإن من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين، والأكرمان: الدّين، والعرض، وقد قيل:«للرمى يراش السهم (3)» و «عند النّطاح تغلب القرناء (4)» .

وإذا رأت العرب مستأكلا وافق غمرا (5) قالت: «ليس عليك نسجه فاسحب وخرّق (6)» وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس كلّهم سواء كأسنان المشط» والمرء كثير بأخيه، ولا خير لك فى صحبة من لا يرى لك مثل ما يرى لنفسه، فتعرّف شأن أصحابك ومعنىّ (7) جلسائك، فإن كانوا فى هذه الصفة فاستعمل الحزم، وإن كانوا فى خلاف ذلك عملت على حسب ذلك.

إنى لست آمرك إلا بما أمرك به القرآن، ولست أوصيك إلا بما أوصاك به الرسول، ولا أعظك إلا بما وعظ به الصالحون بعضهم بعضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اعقلها وتوكّل» وقال مطرّف بن الشّخّير: «من نام تحت صدف (8) مائل وهو ينوى التوكل، فليرم بنفسه من طمار (9) وهو ينوى التوكّل» فأين

(1) الأكولة: الشاة التى تعزل للأكل وتسمن، مثل يضرب للمتمول لا آكل لماله.

(2)

أمر من الكيس بالفتح، وهو العقل والفطنة.

(3)

راش السهم يريشه: ألزق عليه الريش، ورواه الميدانى فى مجمع الأمثال «قبل الرمى يراش السهم» مثل يضرب فى تهيئة الآلة قبل الحاجة إليها، وهو مثل قولهم «قبل الرماء تملأ الكنائن» أى تؤخذ الأهبة للأمر قبل وقوعه.

(4)

أى ذات القرن، ومن أمثالهم «عند النطاح يغلب السكبش الأجم» ويغلب بالبناء للمجهول، والتيس الأجم: الذى لا قرن له، يضرب لمن غلبه صاحبه بما أعده له.

(5)

الغمر بالفتح والضم وكسبب وكتف. من لم يجرب الأمور:

(6)

رواه الميدانى «ليس عليك نسجه فاسحب وجر» أى أنك لم تنصب فيه فلذلك تفسده.

(7)

معنى: مقصد.

(8)

الصدف: كل شىء مرتفع من حائط ونحوه.

(9)

طمار: اسم للمكان العالى، قال الشاعر:

«وآخر يهوى من طمار قتيل»

. ينشد من طمار بفتح الراء ومن طمار بكسرها منونا وغير منون، وقيل هو اسم جبل.

ص: 119

التوقّى الذى أمر الله به، وأين التغرير الذى نهى عنه؟ ومن طمع فى السلامة من غير تسلّم (1)، فقد وضع الطمع فى موضع الأمانىّ، وإنما ينجز الله الطمع إذا كان فيما أمر به، وإنما يحقّق من الأمل ما كان هو المسبّب له، وفرّ عمر من الطاعون فقال له أبو عبيدة:«أتفرّ من قدر الله؟ » قال: «نعم إلى قدر الله» وقيل له: «هل ينفع الحذر من القدر؟ » فقال «لو كان الحذر لا ينفع لكان الأمر به لغو» فإبلاء العذر (2) هو التوكل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل قال فى خصومة: حسبى الله:

«أبل الله عذرا، فإذا أعجزك أمر فقل: حسبى الله» .

وقال الشاعر:

ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا

من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلى عذرا أو ليبلغ حاجة

ومبلغ نفس عذرها مثل منجح

وقال الآخر:

فإن يكن القاضى قضى غير عادل

فبعد أمور لا ألوم لها نفسى

وقال زهير البابىّ (3): «إن كان التوكل أن أكون متى أخرجت مالى أيقنت بالخلف، وجعلت الخلف ما لا يرجع فى كيسى، ومتى ما لم أحفظه أيقنت بأنه محفوظ، فإنى أشهدكم أنى لم أتوكل قطّ، إنما التوكل أن تعلم أنك متى أخذت بأدب الله تتقلب فى الخير فتجزى بذلك إما عاجلا وإما آجلا» ثم قال: فلم تجر أبو بكر؟

ولم تجر عمر؟ ولم تجر عثمان؟ ولم تجر الزبير؟ ولم تجر عبد الرحمن (4)؟ ولم علّم عمر الناس يتجرون، وكيف يشترون ويبيعون؟ ، ولم قال عمر: «إذا اشتريت جملا

(1) المراد بالتسلم هنا: الأخذ بأسباب السلامة والعمل لها.

(2)

إبلاء العذر: تقديمه، وكل من لم يقصر فى عمل شىء ولم ينجح فيه فقد أبلى عذرا.

(3)

قال ياقوت فى معجم البلدان 2: 13 وينسب إلى باب الابواب جماعة منهم زهير بن نعيم البابى وفى بعض النسخ «الثانى» وهو تصحيف.

(4)

أى عبد الرحمن بن عوف.

ص: 120

فاجعله ضخما، فإن لم يبعه الخبر (1) باعه المنظر»؟ ، ولم قال عمر:«فرّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين (2)» ؟ ولم قال عثمان حين سئل عن كثرة أرباحه:

«لم أروّ من ربح قطّ» ؟ ولم قيل: «لا تشتر عيبا ولا شيبا (3)» ، وهل حجر على بن أبى طالب على ابن أخيه عبد الله بن جعفر إلا فى إخراج المال فى غير حقه، وإعطائه فى هواه؟ وهل كان ذلك إلا فى طلب الذكر، والتماس الشكر؟ وهل قال أحد إن إنفاقه (4) كان فى الخمور والقمار، وفى الفسولة (5) والفجور؟ وهل كان إلا فيما تسمونه جودا، وتعدّونه كرما؟ ومن رأى أن يحجر على الكرام لكرمهم رأى أن يحجر على الحلماء لحلمهم (6)! وأىّ إمام بعد أبى بكر تريدون؟ وبأىّ سلف بعد علىّ تقتدون؟ .

وكيف نرجو الوفاء والقيام بالحق والصبر على النائبة من عند لعموظ (7) مستأكل وملّاق مخادع، ومنهوم بالطعام شره لا يبالى بأى شىء أخذ الدرهم، ومن أىّ وجه أصاب الدينار؟ ولا يكترث للمنّة، ولا يبالى أن يكون أبدا منهوما منعوما عليه، وليس يبالى إذا أكل كيف كان ذلك الطعام؟ وكيف كان سببه؟ ، وما حكمه.

فإن كان مالك قليلا فإنما هو قوام عيالك، وإن كان كثيرا فاجعل الفاضل لعدّة نوائبك، ولا يأمن الأيام إلا المضلّل، ولا يغترّ بالسلامة إلا المغفّل، فاحذر

(1) الخبر: العلم والمعرفة.

(2)

انظر ص 391 من الجزء الثالث.

(3)

الشيب معروف، والمراد هنا لازمه. وهو الضعف، وكبر السن، أى لا تشتر ذا عيب ولا ذا ضعف.

(4)

الضمير فيه يعود إلى عبد الله بن جعفر.

(5)

الفسولة: الدناءة.

(6)

أى لو كان حجر على رضى الله عنه على عبد الله بن جعفر لكرمه لساغ الحجر على الحليم، وساغ الحجر على كل ذى فضيلة، يريد أن يقول: إن إنفاق ابن جعفر لم يكن كرما.

(7)

الحريص الشهوان.

ص: 121

طوارق البلاء، وخدع رجال الدهاء، سمنك فى أديمك (1)، وغثك خير من سمين غيرك (2) لو وجدته، فكيف ودونه أسل (3) حداد، وأبواب شداد؟ قالت امرأة لبعض العرب:«إن تزوجتنى كفيتك» فأنشأ يقول:

إذا لم يكن لى غير مالك مسّنى

خصاص وبان الحمد منّى والأجر (4)

وما خير مال ليس نافع أهله

وليس لشيخ الحىّ فى أمره أمر؟

وقال المعلوّط القريعىّ:

أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس

بكفّيك ستر الله فالله واسع

فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملّوا فيمنعوا (5)

(كتاب البخلاء ص 129)

(1) من أمثالهم «سمنكم هريق فى أديمكم» وكثيرا ما يقولون «سمنهم فى أديمهم» يضرب للذى لا يتجاوزه خيره، قال أبو عبيدة: الأديم: المأدوم من الطعام، أى جعلوا سمنهم فيه ولم يفضلوا به.

وقال الأصمعى: أصله فى قوم سافروا ومعهم نحى سمن، فانصب على أديم لهم، فكرهوا ذلك، فقيل لهم:

ما نقص من سمنكم زاد فى أديمكم.

(2)

أول من قال هذا المثل معن بن عطية المذحجى. وذلك أنه كانت بينهم وبين حى من أحياء العرب حرب شديدة، فمر معن فى حملة حملها برجل من حزبه صريعا فاستغاثه وقال: امنن على كفيت البلاء، فارسلها مثلا، فأقامه معن وساربه حتى بلغه مأمنه، ثم عطف أولئك القوم على مذحج فهزموهم وأسروا معنا، وأخا له يقال له روق- وكان يضعف ويحمق- فلما انصرفوا إذا صاحب معن الذى نجاه أخو رئيس القوم فناداه معن، وقال: يا خير جاز بيد أوليتها نج منجيك.

فعرفه صاحبه فقل لأخيه: هذا المان على ومنقذى بعد ما أشرفت على الموت. فهبه لى، فوهبه له فخلى سبيله، وقال: إنى أحب أن أضاعف لك الجزءا، فاختر أسيرا آخر، فاختار معن أخاه روقا، ولم يلتفت إلى سيد مذحج وهو فى الأسارى، ثم انطلق معن وأخوه راجعين، فمن با سارى قومهما، فسألوا عن حاله فأخبرهم الخبر، فقالوا لمعن: قبحك الله! تدع سيد قومك وشاعرهم لا تفكه وتفك أخاك هذا الأنوك الغسل الرذل، فو الله مانكأ جرحا، ولا أعمل رمحا، ولا ذعر سرحا، وإنه لقبيح المنظر، سيء المخبر، لئيم، فقال معن. «غثك خير من سمين غيرك» فأرسلها مثلا.

(3)

الأسل: الرماح، واحدته أسلة.

(4)

الخصاص: الفقر كالخصاصة.

(5)

اطلعت فى خلال اشتغالى بهذا المؤلف على تحقيق وشرح لكتاب البخلاء لأستاذى الجليلين على بك الجارم، وأحمد بك العوامرى، وقد استعنت بمجهودهما الموفق فى هذه الرسالة، فلهما منى ومن قراء العربية جزيل الشكر.

ص: 122