الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلئن تمّ ما أراه وأصبحت وزيرا لتطعمنّ جزائى (1) فاعتذر إليه وزاده فى الدعاء.
وكان هذا فى كلام منثور لمن كان قبل المازرانى: «وكنت آمل لك الرفعة، ولم أدر أنها تكسبنى الضّعة، وأرجو لك الثروة ولم أدر أنها تؤدينى إلى الإضافة، فكان المنى طرد العنا، والدعاء سبب الثراء» .
(أدب الكتاب ص 160)
253 - فصل لعبد الله بن أحمد فى الشكر
(اختيار المنظوم والمنثور 13: 380)
254 - كتاب ابن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس
وكتب ابن عبد كان (3) عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس حين عصى عليه بالإسكندرية (4)، منذرا له وموبّخا له على فعله.
(1) لتطعمن: أى لتذوقن، وفى الأصل «لتطعمنى» وهو تحريف.
(2)
من قولهم: امرأة عاطل وعطل: إذا لم يكن عليها حلى.
(3)
هو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عبد كان، كان على المكاتبات والرسائل فى عهد الدولة الطولونية، وكان بليغا مترسلا فصيحا- انظر الفهرست لابن النديم ص 197 ومعجم الأدباء 6:85.
(4)
كان الخليفة المعتز قدولى بايكباك مصر، فولى عليها بايكباك من قبله أحمد بن طولون سنة 254 -
«من أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين (1)، إلى الظالم لنفسه، العاصى لربّه، الملمّ بذنبه، المفسد لكسبه، العادى (2) لطوره، الجاهل لقدره، الناكص على عقبه، المركوس (3) فى فتنته، المبخوس من حظّ دنياه وآخرته.
سلام على كل منيب مستجيب، تائب من قريب، قبل الأخذ بالكظم (4)، وحلول الفوت والندم.
وأحمد الله الذى لا إله إلا هو حمد معترف له بالبلاء الجميل، والطّول الجليل، وأسأله مسألة مخلص فى رجائه، مجتهد فى دعائه، أن يصلّى على محمد المصطفى، وأمينه المرتضى، ورسوله المجتبى، صلى الله عليه وسلم.
ثم استقل ابن طولون بمصر سنة 257 فى عهد الخليفة المعتمد، ثم أراد أن يوسع نطاق ملكه فأغار على الشام 264، وفى أثناء غيابه بها عصى عليه ابنه العباس، وجاء فى تاريخ الكامل لابن الأثير فى هذا الصدد (ج 7: ص 107): «كان أحمد بن طولون قد خرج إلى الشام واستخلف ابنه العباس على مصر، فلما أبعد عن مصر حسن للعباس جماعة كانوا عنده أخذ الأموال والانسراح إلى برقة، ففعل ذلك، وأتى برقة فى ربيع الأول سنة 265، وبلغ الخبر أباه فعاد إلى مصر، وأسل إلى ابنه ولاطفه واستعطفه، فلم يرجع إليه، وخاف من معه فأشاروا عليه بقصد إفريقية، فسار إليها وكاتب وجوه البربر، فأتاه بعضهم، وامتتع بعضهم، وكتب إلى إبراهيم بن الأغلب يقول: إن أمير المؤمنين قد قلدنى أمر إفريقية وأعمالها، ورحل حتى أتى حصن «لبدة» ففتحه أهله له، فعاملهم أسوأ معاملة ونهبهم، فمضى أهل الحصن إلى إلياس بن منصور رئيس الإباضية هناك، فاستعانوا به، فغضب لذلك وسار إلى العباس ليقاتله، وكان إبراهيم بن الأغلب قد أرسل إلى عامل طرابلس جيشا وأمره بقتال العباس، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، قاتل العباس فيه بيده، فلما كان بالغد وافاهم إلياس بن منصور الإباضى فى اثنى عشر ألفا من الإباضية، فاجتمع هو وعامل طرابلس على قتال العباس فقتل من أصحابه خلق كثير، وانهزم أقبح هزيمة، وكاد يؤسر فخلصه مولى له، ونهبوا سواده وأكثر ما حمله من مصر وعاد إلى برقة أقبح عود، وشاع بمصر أن العباس انهزم فاغتم والده حتى ظهر عليه، وسير إليه العساكر لما علم سلامته، فقاتلوه قتالا صبر فيه الفريقان، فانهزم العباس ومن معه، وكثر القتلى فى أصحابه، وأخذ العباس أسيرا وحمل إلى أبيه فحبسه فى حجرة فى داره، إلى أن قدم باقى الأسرى من أصحابه، فلما قدموا أحضرهم أحمد عنده والعباس معهم، فأمره أبوه أن يقطع أيدى أعيانهم وأرجلهم ففعل، فلما فرغ منه وبخه أبوه وذمه، ثم أمر به فضرب مائة مقرعة، ودموعه تجرى على خده رقة لولده، ثم رده إلى الحجرة واعتقله وذلك سنة 268» ومات ابن طولون سنة 270».
(1)
يعنى المعتمد على الله.
(2)
عدا الأمر وعنه: جاوزه، والطور: القدر.
(3)
الركس: قلب أول الشىء على آخره.
(4)
الكظم: مخرج النفس.
أما بعد، فإن مثلك مثل البقرة تثير المدية بقرنيها، والنملة يكون حتفها فى جناحيها، وستعلم- هبلتك (1) الهوابل! أيها الأحمق الجاهل، الذى ثنى على الغىّ عطفه، واغترّ بضجاج المواكب خلفه- أىّ موردة هلكة بإذن الله تورّدت، إذ على الله جل وعز تمرّدت وشردت، فإنه تبارك وتعالى قد ضرب لك فى كتابه مثلا:«قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ» .
وإنا كنا نقرّبك إلينا، وننسبك إلى بيوتنا، طمعا فى إنابتك، وتأميلا لفيئتك (2)، فلما طال فى الغىّ انهما كك، وفى غمرة الجهل ارتباكك، ولم نر الموعظة تلين كبدك، ولا التذكير يقيم أودك (3)، لم تكن لهذه النسبة أهلا، ولا لإضافتك إلينا موضعا ومحلّا، بل لا نكنى بأبى العباس إلا تكرّها، وطمعا بأن يهب الله منك خلفا نقلّده اسمك، ونكنى به دونك، ونعدّك كنت نسيا منسيّا (4)، ولم تك شيئا مقضيّا، فانظر- ولا نظر بك- إلى عار نسبته تقلّدت، وسخط من قبلنا تعرّضت، واعلم أن البلاء بإذن الله قد أظلّك، والمكروه إن شاء الله قد أحاط بك، والعساكر بحمد الله قد أتتك كالسّيل فى الليل، تؤذنك بحرب وبويل، فإنا نقسم- ونرجو أن لا نجور ونظلم- ألا نثنى عنك عنانا، ولا نؤثر على شانك شانا، ولا تتوقّل (5) ذروة جبل، ولا تلج بطن واد، إلا تبعناك (6) بحول الله وقوته فيهما، وطلبناك حيث أممت منهما، منفقين فيك كلّ مال خطير، ومستصغرين بسببك كل خطب جليل، حتى تستمرّ من طعم العيش ما استحليت، وتستدفع من البلايا ما استدعيت، حين لا دافع بحول الله عنك، ولا مزحزح لنا
(1) هبلته أمه كفرح: ثكلته، وامرأة هابل وهبول.
(2)
الفيئة: الرحوع.
(3)
الأود: الاعوجاج.
(4)
النسى: مانسى.
(5)
وقل فى الجبل كوعد وتوقل: صعد.
(6)
فى الأصل «جعلناك» والظاهر أنه محرف، وصوابه «تبعناك» كما ذكره مصحح صبح الأعشى.
عن ساحتك، وتعرف من قدر الرخاء ما حهلت، وتودّ أنك هبلت ولم تكن بالمعصية عحلت، ولا رأى من أضلّك من غواتك قبلت، فحينئذ يتفرّى (1) لك الليل عن صبحه، ويسفر لك الحقّ عن محضه، فتنظر بعينين لا غشاوة عليهما، وتسمع بأذنين لا وقر (2) فيهما، وتعلم أنك كنت متمسّكا بحبائل غرور، متماديا فى مقابح أمور، من عقوق لا ينام طالبه، وبغى لا ينجو هاربه، وغدر لا ينتعش صريعه، وكفران لا يودى (3) قتيله، وتقف على سوء رويتّك، وعظم جريرتك، فى تركك قبول الأمان، إذ هو لك مبذول، وأنت عليه محمول، وإذ السيف عنك مغمود، وباب التوبة إليك مفتوح، وتتلهّف والتلهف غير نافعك، إلا أن تكون أجبت إليه مسرعا، وانقدت إليه منتصحا.
وإن مما زاد فى ذنوبك عندى ما ورد به كتابك علىّ بعد نفوذى على الفسطاط من التمويهات والأعاليل (4)، والعدات بالأباطيل، من مصيرك- بزعمك- إلى إصلاح ما ذكرت أنه فسد علىّ، حتى ملت إلى الاسكندرية فأقمت بها طول هذه المدة، واستظهارا عليك بالحجة، وقطعا لمن عسى أن يتعلّق به معذرة علم بأن الأناة غير صادّة، ولا أنه خالجنى شكّ ولا عارضنى ريب فى أنك إنما أردت النزوح (5) والاحتيال للهرب والنزوع إلى بعض المواضع التى لعلّ قصدك إياها يوديك (6)، ولعل مصيرك إليها يكفينيك، ويبلّغ إلىّ أكثر من الإرادة فيك، لأنك إن شاء الله
(1) تفرى: انشق، والمعنى هنا ينكشف، وسفر الصبح كضرب وأسفر: أضاء وأشرق.
(2)
الوقر: الصمم.
(3)
ودى القتيل كوعى: أعطى ديته.
(4)
أخذها من قول الإمام على كرم الله وجهه فى بعض خطبه: «أعاليل بأضاليل» وفى كتب اللغة «العلالة بالضم والتعلة كتحية والعلة بالفتح: ما يتعلل به» ولم أجد فيها كلمة أعاليل ولا مفردها، ولا بد أن تكون جمع أعلولة بالضم، كأعاجيب وألاعيب
…
الخ. والأباطيل: جمع أبطولة بالضم أو إبطالة بالكسر أو باطل على غير قياس.
(5)
النزوح: البعد.
(6)
الذى كتب فى اللغة «أودى الرجل: هلك، وأودى به الموت: أهلكه» .
لا تقصد موضعا إلا تلوتك، ولا تأتى بلدا إلا قفوتك، ولا تلوذ بعصمة تظن أنها تنجيك إلا استعنت بالله عز وجل فى جدّ حبلها، وفصم (1) عروتها، فإنّ أحدا لا يؤوى مثلك ولا ينصره إلا لأحد أمرين من دين أو دنيا، فأمّا الدّين فأنت خارج من جملته، لمقامك على العقوق، ومخالفة ربك وإسخاطه، وأما الدنيا فما أراه بقى معك من الحطام الذى سرقته وحملت نفسك على الإيثار به، ما يتهيأ لك مكاثرتنا بمثله، مع ما وهب الله لنا من جزيل النعمة التى نستودعه تبارك وتعالى إياها، ونرغب إليه فى إنمائها، إلى ما أنت مقيم عليه من البغى الذى هو صارعك، والعقوق الذى هو طالبك.
وأما ما منّيتناه من مصيرك إلينا فى حشودك وجموعك ومن دحل فى طاعتك، لإصلاح عملنا، ومكافحة أعدائنا، بأمر أظهروا فيه الشماتة بنا، فما كان إلا بسببك، فأصلح أيها الصبىّ الأخرق أمر نفسك قبل إصلاحك عملنا، واحزم فى أمرك قيل استعمالك الحزم لنا، فما أحوجنا الله- وله الحمد- إلى نصرتك وموازرتك، ولا اضطررنا إلى التكثّر بك على شقاقك ومعصيتك «وما كنت متّخذ المضلّين عضدا» .
وليت شعرى على من تهوّل بالجنود، وتمخرق (2) بذكر الجيوش؟ ومن هؤلاء المسخّرون لك، الباذلون دماءهم وأموالهم وأديانهم دونك، دون رزق ترزقهم إياه، ولا عطاء تدرّه عليهم؟ فقد علمت- إن كان لك تمييز، أو عندك تحصيل- كيف كانت حالك فى الوقعة التى كانت بناحية أطرابلس (3)، وكيف خذلك أولياؤك والمرتزقة معك حتى هزمت، فكيف تغترّ بمن معك من الجنود الذين لا اسم لهم
(1) الجد: القطع. والفصم: القطع والكسر أيضا.
(2)
المخرقة: التمويه، والممخرق: المموه.
(3)
يقال فيها: طرابلس وأطرابلس كما جاء فى معجم ياقوت.
معك، ولا رزق يجرى لهم على يدك؟ فإن كان يدعوهم إلى نصرتك هيبتك والمداراة لك، والخوف من سلطانك، فإنهم ليجذبهم أضعاف ذلك منا، ووجودهم من البذل الكثير والعطاء الجزيل عندنا ما لا يجدونه عندك، وإنهم لأحرى بخذلك، والميل إلينا دونك، ولو كانوا جميعا معك، ومقيمين على نصرتك، لرجونا أن يمكن الله منك ومنهم، ويجعل دائرة السّوء عليك وعليهم، ويجرينا من عادته فى النصر وإعزاز الأمر على ما لم يزل يتفضل علينا بأمثاله، ويتطوّل بأشباهه، فما دعانى إلى الإرجاء لك، والتسهيل من خناقك (1)، والإطالة من عنانك، طول هذه المدة إلا أمران: أغلبهما كان علىّ احتقار أمرك واستصغاره وقلة الاحتفال والاكتراث به، وأنى اقتصرت من عقوبتك على ما أحللته (2) بنفسك من الإباق إلى أقاصى بلاد المغرب، شريدا عن منزلك وبلدك، فريدا من أهلك وولدك، والآخر أنى علمت أن الوحشة دعتك إلى الانحياز إلى حيث انحزت إليه، فأردت التسكين من نفارك، والطّمأنينة من جأشك (3)، وعملت على أنك تحنّ إلينا حنين الولد، وتتوق إلى قربنا توقان ذى الرّحم والنسب، فإن فى رفقنا بك ما يعطفك إلينا، وفى تآخينا إياك ما يردّك علينا، ولم يسمع منا سامع فى خلاء ولا ملإ (4) انتقاصا بك، ولا غضّا منك، ولا قدحا فيك، رقّة عليك، واستتماما لليد عندك، وتأميلا لان تكون الراجع من تلقاء نفسك، والموفّق بذلك لرشدك وحظّك، فأمّا الآن مع اضطرارك إياى إلى ما اضطررتنى إليه من الانزعاج نحوك، وحبسك رسلى النافذين بعهد كثير إلى ما قبلك، واستعمالك المواربة والخداع فيما يجرى عليه تدبيرك، فما أنت بموضع للصيّانة، ولا أهل للإبقاء والمحافظة، بل اللعنة عليك حالّة، والذّمّة منك بريّة، والله طالبك ومؤاخذك بما استعملت من العقوق والقطيعة، والإضاعة
(1) الخناق: الحبل يخنق به.
(2)
فى الأصل «ما أخلقته» وأراه محرفا، والصواب ما ذكرته، والإباق: الهرب.
(3)
الجأش: رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع.
(4)
الملأ: الجماعة.
(21 - جمهرة رسائل العرب- رابع)