الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
146 - كتاب المنتصر بخلع المعتز والمؤيد
وكتب المنتصر كتابا إلى العمال بخلعهما، وهذه نسخة كتابه إلى أبى العباس محمد بن عبد الله بن طاهر فى ذلك:
«من عبد الله محمد الإمام المنتصر بالله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين.
أما بعد، فإن الله- وله الحمد على آلائه، والشكر بجميل بلائه- جعل ولاة الأمر، من خلفائه القائمين بما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، والذّابّين عن دينه، والداعين إلى حقه، والممضين لأحكامه، وجعل ما اختصّهم به من كرامته قواما لعباده، وصلاحا لبلاده، ورحمة عمر بها خلقه، وافترض طاعتهم ووصلها بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأوجبها فى محكم تنزيله، لما جمع فيها من سكون الدّهماء، واتّساق الأهواء، ولمّ الشّعث، وأمن السّبل ووقم العدو، وحفظ الحريم، وسدّ الثغور، وانتظام الأمور، فقال:«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فمن الحقّ على خلفاء الله الذين حباهم بعظيم نعمته، واختصّهم بأعلى رتب كرامته، واستحفظهم فيما جعله وسيلة إلى رحمته، وسببا لرضاه ومثوبته، أن يؤثروا طاعته فى كل حال تصرّفت بهم، ويقيموا حقّه فى أنفسهم، والأقرب فالأقرب منهم، وأن يكون محلّهم من الاجتهاد فى كل ما قرّب من الله عز وجل حسب موقعهم من الدين، وولاية أمير المسلمين، وأمير المؤمنين يسأل الله مسألة، رغبة إليه وتذلّلا لعظمته، أن يتولاه فيما استرعاه، ولاية يجمع له بها صلاح ما قلده، ويحمل عنه أعباء ما حمّله، ويعينه بتوفيقه على طاعته، إنه سميع قريب.
وقد علمت ما حضرت من رفع أبى عبد الله وإبرهيم ابنى أمير المؤمنين المتوكّل على الله رضى الله عنه إلى أمير المؤمنين رقعتين بخطوطهما يذكران فيهما ما عرّفهما الله من عطف أمير المؤمنين عليهما ورأفته بهما، وجميل نظره لهما، وما كان أمير المؤمنين المتوكّل على الله عقده لأبى عبد الله من ولاية عهد أمير المؤمنين، ولإبرهيم من ولاية العهد بعد أبى عبد الله، وأن ذلك العقد كان وأبو عبد الله طفل لم يبلغ ثلاث سنين، ولم يفهم ما عقد له، ولا وقف على ما قلّده، وإبرهيم صغير لم يبلغ الحلم، ولم تجر (1) أحكامهما، ولا جرت أحكام الإسلام عليهما، وأنه قد يجب عليهما إذ بلغا ووقفا على عجزهما عن القيام بما عقد لهما من العهد، وأسند إليهما من الأعمال، أن ينصحا لله ولجماعة المسلمين، بأن يخرجا من هذا الأمر الذى عقد لهما أنفسهما، ويعتزلا الأعمال التى قلّداها، ويجعلا كلّ من فى عنقه لهما بيعة وعليه يمين، فى حلّ، إذ كانا لا يقومان بما رشّحا له، ولا يصلحان لتقلّده، وأن يخرج من كان ضمّ إليهما ممن فى نواحيهما من قوّاد أمير المؤمنين ومواليه وغلمانه وجنده وشاكريّته وجميع من مع أولئك القواد بالحضرة وخراسان وسائر النواحى عن رسومهما، وبزال عنهم جميعا ذكر الضّم إليهما، وأن يكونا سوقة (2) من سوق المسلمين وعامّتهم، ويصفان ما لم يزالا يذكران لأمير المؤمنين من ذلك، ويسألانه فيه، منذ أفضى الله بخلافته إليه، وأنهما قد خلعا أنفسهما من ولاية العهد وخرجا منها، وجعلا كلّ من لهما عليه بيعة ويمين، من قواد أمير المؤمنين وجميع أوليائه ورعيته قريبهم وبعيدهم، وحاضرهم وغائبهم، فى حلّ وسعة من بيعتهم وأيمانهم، ليخلعوهما كما خلعا أنفسهما، وجعلا لأمير المؤمنين على أنفسهما عهد الله وأشدّ ما أخذ على ملائكته وأنبيائه وعباده من
(1) وربما كان «ولم تجز» .
(2)
السوقة: الرعية، للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وقد يجمع على سوق بضم ففتح.
عهد وميثاق، وجميع ما أكده أمير المؤمنين عليهما من الأيمان، بإقامتهما على طاعته ومناصحته وموالاته فى السر والعلانية، ويسألان أمير المؤمنين أن يظهر ما فعلاه وينشره، ويحضر جميع أوليائه ليسمعوا ذلك منهما، طالبين راغبين، طائعين غير مكرهين ولا مجبرين، ويقرأ عليهم الرّقعتان اللتان رفعاهما بخطوطهما، بما ذكرا من وقوع الأمر لهما من ولاية العهد وهما صبيّان، وخلعهما أنفسهما بعد بلوغهما، وما سألا من صرفهما عن الأعمال التى يتولّيانها، وإخراج من كان بها ممن ضمّ إليهما فى نواحيهما من قوّاد أمير المؤمنين وجنده وغلمانه وشاكريّته وجميع من مع أولئك القواد بالحضرة وخراسان وسائر النواحى عن رسومهما، وإزالة ذكر الضمّ إليهما عنهم، وأن يكتب الكتاب بذلك إلى جميع عمال النواحى، وأن أمير المؤمنين وقف على صدقهما فيما ذكرا ورفعا، وتقدّم فى إحضار جميع إخوته، ومن بحضرته من أهل بيته وقواده ومواليه وشيعته ورؤساء جنده وشاكريّته وكتّابه وقضاته والفقهاء وغيرهم وسائر أوليائه الذين كانت وقعت البيعة لهما بذلك عليهم. وحضر أبو عبد الله وإبرهيم ابنا أمير المؤمنين المتوكّل على الله رضى الله عنه، وقرئت رقعتاهما بخطوطهما بحضرتهما فى مجلس أمير المؤمنين عليهما وعلى جميع من حضر، وأعادا من القول بعد قراءة الرقعتين مثل الذى كتبابه، ورأى أمير المؤمنين أن يجمع فى إجابتهما إلى نشر ما فعلاه وإظهاره وإمضائه ذلك، قضاء حقوق ثلاثة: منها حقّ الله عز وجل فيما استحفظه من خلافته، وأوجب عليه من النظر لأوليائه فيما يجمع لهم كلمتهم فى يومهم وغدهم، ويؤلّف بين قلوبهم، ومنها حقّ الرعية الذين هم ودائع الله عنده، حتى يكون المتقلّد لأمورهم من يراعيهم آناء الليل والنهار، بعنايته ونظره وتفقّده وعدله ورأفته، ومن يقوم بأحكام الله فى خلقه، ومن يضطلع بثقل (1) السياسة وصواب التدبير، ومنها حقّ أبى عبد الله وإبرهيم فيما يوجبه أمير المؤمنين لهما بأخوّتهما وماسّ رحمهما، لأنهما لو أقاما على ما خرجا منه، مع عجزهما عنه، لم يؤمن تأدى ذلك إلى ما يعظم فى الدين
(1) الثقل: الحمل، واضطلع به: قوى على حمله.
ضرره، ويعمّ المسلمين مكروهه، ويرجع عليهما عظيم الوزر فيه، فخلعهما أمير المؤمنين إذ خلعا أنفسهما من ولاية العهد، وخلعهما جميع إخوة أمير المؤمنين ومن بحضرته من أهل بيته، وخلعهما جميع من حضر من قواد أمير المؤمنين ومواليه وشيعته ورؤساء جنده وشاكريّته وكتّابه وقضاته والفقهاء وغيرهم من سائر أولياء أمير المؤمنين، الذين كانت أخذت لهما البيعة عليهم، وأمر أمير المؤمنين بإنشاء الكتب بذلك إلى جميع العمال، ليتقدّموا فى العمل بحسب ما فيها، ويخلعوا أبا عبد الله وإبرهيم من ولاية العهد، إذ كانا قد خلعا أنفسهما من ذلك، وحلّلا الخاصّ والعامّ، والحاضر والغائب، والدانى والقاصى منه، ويسقطوا ذكرهما بولاية العهد، وذكر ما نسبا إليه من نسب ولاية العهد، من المعتزّ بالله والمؤيّد بالله من كتبهم وألفاظهم، والدعاء لهما على المنابر، ويسقطوا كلّ ما ثبت فى دواوينهم من رسومهما القديمة والحديثة الواقعة على من كان مضموما إليهما، ويزيلوا ما على الأعلام والمطارد (1) من ذكرهما، وما وسمت به دوابّ الشاكريّة والرّابطة من أسمائهما، ومحلّك من أمير المؤمنين وحالك عنده على حسب ما أخلص الله لأمير المؤمنين من طاعتك ومناصحتك وموالاتك ومشايعتك ما أوجب الله لك بسلفك ونفسك، وما عرّف الله أمير المؤمنين من طاعتك، ويمن نقيبتك (2)، واجتهادك فى قضاء الحق، وقد أفردك أمير المؤمنين بقيادتك، وإزالة الضمّ إلى أبى عبد الله عنك، وعمّن فى ناحيتك بالحضرة وسائر النواحى، ولم يجعل أمير المؤمنين بينك وبينه أحدا يرأسك، وخرج أمره بذلك إلى ولاة دواوينه. فاعلم ذلك واكتب إلى عمالك بنسخة كتاب أمير المؤمنين هذا إليك، وأوعز إليهم فى العمل على حسبه إن شاء الله والسلام».
(1) المطرد كمنبر: رمح قصير يطرد به.
(2)
النقيبة: النفس.