الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
257 - كتاب عن المعتضد بلعن معاوية بن أبى سفيان
وروى الطبرى قال:
وفى سنة 284 هـ عزم المعتضد بالله على لعن معاوية بن أبى سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس.
وذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذى كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وكانت نسخة الكتاب الذى أنشىء للمعتضد بالله:
«بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله العلىّ العظيم، الحليم الحكيم، العزيز الرحيم، المنفرد بالوحدانية، الباهر بقدرته، الخالق بمشيئته وحكمته، الذى يعلم سوابق الصدور وضمائر القلوب، لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة فى السموات العلى ولا فى الأرضين السّفلى، قد أحاط بكل شىء علما، وأحصى كلّ شىء عددا، وضرب لكل شىء أمدا، وهو العليم الخبير، والحمد لله الذى برأ خلقه لعبادته، وخلق عباده لمعرفته، على سابق علمه فى طاعة مطيعهم، وماضى أمره فى عصيان عاصيهم، فبيّن لهم ما يأتون وما يتّقون، ونهج لهم سبل النجاة، وحذّرهم مسالك الهلكة، وظاهر عليهم الحجّة، وقدّم إليهم المعذرة، واختار لهم دينه الذى ارتضى لهم وأكرمهم به، وجعل المعتصمين بحبله والمتمسّكين بعروته أولياءه وأهل طاعته، والعائدين (1) عنه والمخالفين له أعداءه وأهل معصيته: «ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حىّ عن بيّنة وإنّ الله لسميع عليم» والحمد لله الذى اصطفى محمدا رسوله من جميع بريّته، واختاره لرسالته، وابتعثه بالهدى والدّين المرتضى إلى عباده أجمعين، وأنزل عليه الكتاب المبين المستبين، وتأذّن له بالنصر والتمكين، وأيّده بالعز والبرهان المتين، فاهتدى به من اهتدى، واستنقذ به من
(1) أى المائلين.
استجاب له من العمى، وأضلّ من أدبر وتولّى، حتى أظهر الله أمره، وأعز نصره، وقهر من خالفه، وأنجز له وعده، وختم به رسله، وقبضه مؤدّيا لأمره، مبلّغا لرسالته، ناصحا لأمته، مرضيا مهتديا إلى أكرم مآب المنقلبين، وأعلى منازل أنبيائه المرسلين، وعباده الفائزين، فصلّى الله عليه أفضل صلاة وأتمّها، وأجلّها وأعظمها، وأزكاها وأطهرها، وعلى آله الطيّبين، والحمد لله الذى جعل أمير المؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين، ورثة خاتم النبيين، وسيّد المرسلين، والقائمين بالدين، والمقوّمين لعباده المؤمنين، والمستحفظين ودائع الحكمة ومواريث النبوّة، والمستخلفين فى الأمة، والمنصورين بالعز والمنعة، والتأييد والغلبة، حتى يظهر الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون.
وقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامّة، من شبهة قد دخلتهم فى أديانهم، وفساد قد لحقهم فى معتقدهم، وعصبيّة قد غلبت عليها أهواؤهم، ونطقت بها ألسنتهم، على غير معرفة ولا رويّة، وقلّدوا فيها قادة الضلالة بلا بيّنة ولا بصيرة، وخالفوا السّنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة، قال الله عز وجل:«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» خروجا عن الجماعة، ومسارعة إلى الفتنة، وإيثارا للفرقة، وتشتيتا للكلمة، وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة، وبتر منه العصمة، وأخرجه من الملّة، وأوجب عليه اللعنة، وتعظيما لمن صغّر الله حقّه، وأوهن أمره، وأضعف ركنه، من بنى أمية الشجرة الملعونة، ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة، وأسبغ عليهم به النعمة، من أهل بيت البركة والرحمة، قال الله عز وجل:«يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» * فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك، ورأى فى ترك إنكاره حرجا عليه فى الدين، وفسادا لمن قلّده الله أمره من المسلمين، وإهمالا لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، وتبصير الجاهلين، وإقامة الحجة على الشاكّين، وبسط اليد على العابدين.
وأمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين، أن الله عز وجل لما ابتعث محمدا بدينه، وأمره أن يصدع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته، فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشّرهم، ونصح لهم وأرشدهم، فكان من استجاب له وصدّق قوله واتّبع أمره نفر يسير من بنى أبيه، من بين مؤمن بما أتى به من ربه، وبين ناصر له وإن لم يتّبع دينه، إعزاز له وإشفاقا عليه، لماضى علم الله فيمن اختار منهم، ونفذت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته وإرث نبيّه، فمؤمنهم مجاهد ببصيرته، وكافرهم مجاهد بنصرته وحميّته، يدفعون من نابذه، ويقهرون من عارّه (1) وعانده، ويتوثّقون له ممن كانفه وعاضده، ويبايعون له من سمح بنصرته (2)، ويتجسّسون له أخبار أعدائه (3) ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأى العين، حتى بلغ المدى، وحان وقت الاهتداء، فدخلوا فى دين الله وطاعته وتصديق رسوله والإيمان به، بأثبت بصيرة،
(1) عاره معارة وعرارا: قانله وآذاه، وفى شرح ابن أبى الحديد «عازه» بالزاى، يقال: عازنى فعززته أى غالبنى فغلبته، وكانفه: عاونه وساعده.
(2)
يعنى بذلك جده العباس بن عبد المطلب، وما كان منه فى بيعة العقبة الثانية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (قبل هجرته من مكة) كان قد تواعد مع أنصاره من أهل المدينة الذين استجابوا لدعوته (فى موسم الحج) أن يجتمع بهم عند العقبة ليلا خفية من قريش، ووافاهم هناك ومعه عمه العباس، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس، فقال: يا معشر الخزرج- وكانت العرب إنما يسمون هذا الحى من الأنصار الخزرج، خزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو فى عز من قومه ومنعة فى بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، وما نعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه فى عز ومنعة من قومه وبلده
…
الخ- انظر تاريخ الطبرى 2: 238، وسيرة ابن هشام 1:266.
(3)
يعنى ما كان من العباس فى غزوة أحد، وذلك أن جيش المشركين كان قد خرج من مكة لمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقاما لما أصابهم يوم بدر- حتى نزلوا مقابل المدينة، وبلغ الخبر رسول الله من كتاب بعث به إليه عمه العباس مع رجل استأجره لذلك ولم يخرج معهم فى هذه الحرب، محتحا بما أصابه يوم بدر ولم يساعدهم بشىء (وقد قدمنا فى ص 87 من الجزء الثالث أنه كان خرج مع المشركين يوم بدر وأسر وأخذ رسول الله منه الفدية) وكان بمكة يكتب إلى رسول الله بأخبار المشركين، وقيل: إنه كان قد أسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إسلامه- انظر أسد الغابة 3: 110 والسيرة الحلبية 2: 230.
وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة، وأهل بيت الدين، أذهب عنهم الرّجس (1) وطهّرهم تطهيرا، ومعدن الحكمة، وورثة النبوّة، وموضع الخلافة، وأوجب لهم الفضيلة، وألزم العباد لهم الطاعة.
وكان ممن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر، والسّواد الأعظم، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب (2)، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف، ويبارزونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدّون عنه من قصده، وينالون بالتعذيب من اتّبعه، وكان أشدّهم فى ذلك عداوة، وأعظمهم له مخالفة، أوّلهم فى كل حرب ومناصبة، ورأسهم فى كل إجلاب (3) وفتنة، لا يرفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها فى كل مواطن الحرب، من بدر وأحد والخندق والفتح، أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بنى أمية الملعونين فى كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله فى عدّة مواطن وعدة مواضع، لسابق علم الله فيهم، وماضى حكمه فى أمرهم وكفرهم ونفاقهم، فلم يزل- لعنه الله- يحارب مجاهدا، ويدافع مكايدا، ويجلب منابذا، حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقوّل (4) بالإسلام غير منطو عليه، وأسرّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم، وميّز له المؤلّفة قلوبهم (5).
(1) الرجس: كل ما استقذر من العمل.
(2)
التثريب: اللوم.
(3)
الجلبة بالتحريك: اختلاط الأصوات وفعله كضرب ونصر، وقد أجلبوا وجلبوا.
(4)
وفى شرح ابن أبى الحديد «فتعوذ» .
(5)
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتصر على هوازان وثقيف وجموعهم بحنين سنة 8 هـ (وحنين بصيغة اتصغير: واد بين مكة والطائف) غنم منهم سبيا وغنائم كثيرة، فاعطى المؤلفة قلوبهم (وهم من أسلم من أهل مكة) وكانوا أشرافا من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فكان أولهم أبا سفيان بن حرب، أعطاه أربعين أوقية من الفضة ومائة من الإبل، قال: وابنى يزيد، فأعطاه كذلك قال: وابنى معاوية، فأعطاه كذلك، فأخذ أبو سفيان ثلاثمائة من الإبل ومائة-
فما لعنهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنزل به كتابا قوله «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً» ولا اختلاف بين أحد أنه تبارك وتعالى أراد بها بنى أمية (1)، ومما ورد من ذلك فى السّنّة، ورواه ثقات الأمة، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وقد رآه مقبلا على حمار، ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به: لعن الله الراكب والقائد والسائق (2)».
وعشرين أوقية من الفضة، وقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، لأنت كريم فى الحرب وفى السلم- انظر السيرة الحلبية 3: 137، وتاريخ الطبرى 3: 136، وسيرة ابن هشام 2: 320 وميزله:
أى لأجله: وميز الشىء: فصل بعضه من بعض، والمعنى انه أفرد المؤلفة قلوبهم بفضل من العطاء امتازوا به على من سواهم.
(1)
لا. بل قد اختلفوا فى هذه الشجرة، فالأكثرون قالوا: إنها شجرة الزقوم المذكورة فى القرآن فى قوله: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثِيمِ» وقوله: «أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ. فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ» والمراد بلعنها لعن طاعمها على الإسناد المجازى، وكل أبو جهل لما سمع بذكرها قال: يزعم محمد أن نار جهنم تحرق الحجارة حيث قال «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» * ثم يقول بأن فى النار شجرا، والنار تأكل الشجر، فكيف يولد فيها! . وقال ابن عباس: الشجرة بنو أمية، يعنى الحكم بن أبى العاص قال:
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام أن ولد الحكم يتداولون منبره (وسيرد ذكر هذه الرؤيا فى تلك الرسالة بعد) فقص رؤياه على أبى بكر وعمر وقد خلا فى بيته معهما، فلما تفرقوا سمع رسول الله الحكم يخبر برؤيا رسول الله، فاشتد ذلك عليه، واتهم عمر بإفشاء سرة، ثم ظهر أن الحكم كان يتسمع إليهم، فنفاه رسول الله ولعنه، قال الواحدى: هذه القصة كانت بالمدينة، والسورة مكية، فيبعد هذا التفسير، إلا أن يقال: هذه الآية مدنية، ولم يقل به أحد، ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة رضى الله عنها لمروان بن الحكم: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله لعن أباك وأنت فى صلبه، فأنت فضض من لعنة الله (وفضض كجبل: أى قطعة) وروى عن عائشة أيضا أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدك: إنكم الشجرة الملعونة فى القرآن- انظر تفسير الفخر الرازى، مفاتيح الغيب 5: 609 وروح المعانى للآلوسى 4: 546 وغيرهما من التفاسير.
(2)
وجاء فى مخاصمة بين الحسن بن على رضى الله عنه وبين معاوية أن الحسن قال له: «وأنشدك الله يا معاوية، أتذكر يوم جاء أبوك على جمل أحمر، وأنت تسوقه، وأخوك عتبة هذا يقوده، فرآكم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: «اللهم العن الراكب والقائد والسائق» - انظر شرح ابن أبى الحديد م 2: ص 101.
ومنه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان: «يا بنى عبد مناف تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جنة ولا نار» وهذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من الله، كما لحقت الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ومنه ما يروون من وقوفه على ثنيّة أحد بعد ذهاب بصره (1) وقوله لقائده: ها هنا رمينا (2) محمدا وقتلنا أصحابه. (ومنه الكلمة التى قالها للعباس قبل الفتح، وقد عرضت عليه الجنود: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما! فقال له العباس: ويحك! إنه ليس بملك، إنها النبوة. ومنه قوله يوم الفتح، وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذّن ويقول: أشهد أن محمدا رسول الله: لقد أسعد الله عتبة (3) بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد (4))، ومنه الرؤيا التى رآها النبى صلى الله عليه وسلم فوجم (5) لها. فما رئى ضاحكا بعدها، فأنزل الله:«وما جعلنا الرّؤيا الّتى أريناك إلّا فتنة للنّاس» فذكروا أنه رأى نفرا من بنى أمية ينزون (6) على منبره.
ومنه طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبى العاص لمحاكاته إياه فى مشيته، وألحقه الله- بدعوة رسوله- آفة باقية، حين التفت إليه فرآه يتخلّج يحكيه، فقال له: كن كما أنت، فبقى على ذلك سائر عمره (7)، هذا إلى ما كان من مروان ابنه
(1) الثنية: الطريق فى الجبل، وكان أبو سفيان قد فقئت عينه يوم الطائف، وفقئت عينه الأخرى يوم اليرموك- وقد شهد اليرموك، وكان هو القاص فى جيش المسلمين يحرضهم ويحثهم على القتال- ولما عمى كان يقوده مولى له- انظر أسد الغابة 3: 12 وصبح الأعشى 1: 448.
(2)
وفى تاريخ الطبرى «ذببنا محمدا» .
(3)
هو حمو أبى سفيان، وجد معاوية لأمه هند.
(4)
ما بين القوسين وارد فى رواية ابن أبى الحديد، ساقط من طبعة الطبرى التى بأيدينا.
(5)
وجم كوعد: سكت على غيظ.
(6)
نزاينزو: وثب، جاء فى كتب التفسير: روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى قوما من بنى أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة، فقال: هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم.
(7)
كان الحكم يحكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشيته وبعض حركاته، وكان صلى الله عليه وسلم يتكفأ فى مشيته) فالتفت يوما فرآه وهو يتخلج فى مشيته (أى يضطرب) فقال: كن كذلك، فلم يزل يرتعش فى مشيته من يومئذ، وطرده رسول الله ولعنه وأخرجه إلى الطائف وقال له: لا تساكننى فى بلد أبدا، وصار مشهورا بأنه طريد رسول الله، ولم يزل مفيا حياة النبى، فلما ولى أبو بكر-
فى افتتاحه أول فتنة كانت فى الإسلام (1)، واحتقابه (2) لكل دم حرام سفك فيها، أو أريق بعدها، وما أنزل الله منه على نبيّه فى سورة القدر «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» قالوا: ملك بنى أمية (3)، ومنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بمعاوية ليكتب بين يديه، فدافع بأمره واعتلّ بطعامه، فقال النبى:«لا أشبع الله بطنه (4)» فبقى لا يشبع، وهو يقول: والله ما أترك الطعام شبعا، ولكن إعياء (5) ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع من هذا الفجّ (6) رجل من أمتى
الخلافة قيل له فى الحكم ليرده إلى المدينة فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله، وكذلك عمر، فلما ولى عثمان الخلافة- والحكم عمه- رده وقال: كنت قد شفعت فيه إلى رسول الله فوعدنى برده- انظر أسد الغابة 2: 34.
(1)
هى الفتنة التى نجمت فى أواخر خلافة عثمان، وأفضت إلى قتله، ثم إلى انشقاق عصا المسلمين، وكان مروان غالبا على أمر عثمان، وقد طلب الثوار إليه أن يسلم إليهم مروان، إذ اتهموه بأنه افتعل.
عليه كتابا إلى عامل مصر، وبعثه مع غلام عثمان، يأمره فيه بقتل المصريين منهم، فأبى عثمان أن يسلمه والقصة مشهورة.
(2)
احتقب الراكب الحقيبة: شدها من خلف، ثم توسعوا فى اللفظ حتى قالوا: احتقب فلان الإثم:
إذا اكتسبه، كأنه شىء محسوس جمعه واحتقبه من خلفه.
(3)
مما ذكره المفسرون فى تفسيرها، ما جاء فى تفسير الفخر الرازى (8: 630) قال: «روى القاسم بن فضل عن عيسى بن مازن قال: قلت للحسن بن على عليه السلام: يا مسود وجود المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له! - يعنى معاوية- فقال: إن رسول الله رأى فى منامه بنى أمية يطئون أمنبره واحدا بعد واحد، وفى رواية: ينزون على منبره نزو القردة، فشق ذلك عليه، فأنزل الله تعالى:
«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إلى قوله «خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعنى ملك بنى أمية. قال القاسم «فحسبنا ملك بنى أمية فإذا هو ألف شهر» اه، وذكر ذلك أيضا الآلوسى فى روح المعانى (9:
ص 422) وأرى أن الخبر موضوع، وأن ذلك التأويل لا ينهض عليه دليل، على أن ملك بنى أمية ليس «ألف شهر لا يزيد يوم، ولا ينقص يوم» كما يقول القاسم بن فضل، فقد قامت الدولة الأموية سنة 41 هـ وسقطت سنة 132، فولايتها أكثر من ألف شهر.
(4)
روى ابن الأثير فى أسد الغابة (ج 4: ص 386) قال: «عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطانى حطاة (والحطو: تحريك الشىء مزعزا) وقال: اذهب فادع لى معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، ثم قال: اذهب فادع لى معاوية، فجئت فقلت هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه، أخرج مسلم هذا الحديث بعينه لمعاوية» .
(5)
أعيا إعباء: كلّ.
(6)
الفج: الطريق الواسع بين جبلين.
يحشر على غير ملتى» فطلع معاوية (1)، ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا رأيتم معاوية على منبرى فاقتلوه» ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال: «إن معاوية فى تابوت من نار فى أسفل درك من جهنم ينادى: يا حنّان يا منّان، فيقال له: «آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ! » ومنه انبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين فى الإسلام مكانا، وأقدمهم إليه سبقا، وأحسنهم فيه أثرا وذكرا:
علىّ بن أبى طالب، ينازعه حقّه بباطله، ويجاهد أنصاوه بضلّاله وغواته، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» ويستهوى أهل الغباوة، ويموّه على أهل الجهالة، بمكره وبغيه اللّذين قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عنهما، فقال لعمّار (2) ابن ياسر:«تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار (3)» مؤثرا
(1) أرى أن هذا الحديث والحديثين بعده موضوعة.
(2)
هو عمار بن ياسر رضى الله عنه، أحد السابقين الأولين، وقد عذبه المشركون فى بدء الدعوة الإسلامية فاحتمل العذاب، وكان يعذب هو وأخوه وأبوه وأمه بالنار، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صبرا آل ياسر فموعدكم الجنة، اللهم اغفر لآل ياسر».
(3)
روت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: لما بى رسول الله مسجده بالمدينة أمر باللبن أن يضرب وما يحتاج إليه، ثم قام فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم كسيتهم يرتجزون ويقولون ويعملون:
لئن قعدنا والنبى يعمل
…
ذاك إذن لعمل مضلل
قالت: وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا، فكان يحمل اللبنة ويجافى بها عن ثوبه فإذا وضعها نفض كفيه، ونظر إلى ثوبه. فإذا أصابه شىء من التراب نفضه، فنظر إليه على رضى الله عنه فأنشد:
لا يستوى من يعمر المساجدا
…
يدأب فيها راكعا وساجدا
وقائما طورا وطورا قاعدا
…
ومن برى عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجزها وهو لا يدرى من يعنى، فسمعه عثمان فقال: يابن سمية (وسمية أميه) ما أعرفنى بمن تعرض ومعه جريدة، فقال: لتكفن أو لأعترضن بها وجهك، فسمعه النبى وهو جالس فى ظل حائط فقال:«عمار جلدة ما بين عينى وأنفى، فمن بلغ ذلك منه فقد بلغ منى» وأشار بيده فوضعها بين عينيه، فكف الناس عن ذلك وقالوا لعمار: إن رسول قد غضب فيك، ونخاف أن ينزل فينا قرآن، فقال: أنا أرضيه كما غضب، فأقبل عليه فقال: يا رسول الله مالى ولأصحابك؟ قال: مالك ولهم؟ قال: يريدون قتلى، يحملون لبنة ويحملون على لبنتين، فأخذ به وطاف به فى المسجد، وجعل سح وجهه من التراب ويقول:«يا بن سمية، لا يقتلك أصحابى، ولكن تقتلك الفئة الباغية» فلما قتل-
للعاجلة، كافرا بالآجلة، خارجا من ربقة الإسلام، مستحلّا للدم الحرام، حتى سفك فى فتنته، وعلى سبيل غوايته وضلالته، ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذّابّين عن دين الله، والناصرين لحقه، مجاهدا فى عداوة الله، مجتهدا فى أن يعصى الله فلا يطاع، وتبطل أحكامه فلا تقام، ويخالف دينه فلا يدان (1)، وأن تعلو كلمة الضّلالة، وترتفع دعوة الباطل «وكلمة الله هى العليا» ودينه المنصور، وحكمه النافذ، وأمره الغالب، وكيد من عاداه وحادّه (2) المغلوب الداحض، حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما تبعها، وتطوّق تلك الدماء وما سفك بعدها، وسنّ سنن الفساد التى عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة، وأباح المحارم لمن ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها، واغترّه الإملاء (3)، واستدرجه الإمهال، والله له بالمرصاد.
ثم مما أوجب الله له به اللعنة، قتله من قتل صبرا (4) من خيار الصحابة والتابعين، وأهل الفضل والدين، مثل عمرو بن الحمق الخزاعىّ، وحجر بن عدىّ الكندىّ (5) فيمن قتل من أمثالهم، فى أن تكون لهم العزّة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة، والله عز وجل يقول «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً» ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة أخاه، ونسبته إياه إلى أبيه جرأة على الله، والله يقول «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ، هُوَ أَقْسَطُ (6) عِنْدَ اللَّهِ» ورسول الله صلى الله عليه
بصفين- وكان من أصحاب على- وروى هذا الحديث عبد الله ابن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه، لأنهم أخرجوه إلى القتل، فلما بلغ ذلك عليا قال: ونحن قتلنا أيضا حمزة لأنا أخرجناه؟ - انظر العقد الفريد 2: 237.
(1)
أى فلا يدان به.
(2)
حاده: غاضبه وعاداه وخالفه، داحض: أى باطل.
(3)
أملى له الله: أمهله، وفى ابن أبى الحديد «وغرته الآمال» .
(4)
صبر الإنسان على القتل: أن يحبس ويرمى حتى يموت.
(5)
انظر خبرهما فيما قدمنا فى الجزء الثانى (ص 45 وص 60).
(6)
أى أعدل.
وسلم يقول «ملعون من ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه» ويقول:
«الولد للفراش وللعاهر الحجر (1)» فخالف حكم الله عز وجل وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم جهارا، وجعل الولد لغير الفراش، والحجر لغير العاهر (2)، فأحلّ بهذه الدّعوة من محارم الله ومحارم رسوله فى أم حبيبة (3) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم وفى غيرها من سفور وجوه ما قد حرّمه الله، وأثبت بها قربى قد باعدها الله، وأباح بها ما قد حظره الله، مما لم يدخل على الإسلام خلل مثله، ولم ينل الدين تبديل شبهه، ومنه إيثاره لخلافة الله على عباده ابنه يزيد السّكّير الخمّير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعّد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطّلع على خبثه ورهقه (4)، ويعاين سكرانه (5) وفجوره وكفره، فلما تمكن- قاتله الله- فيما مكّنه منه، ووطأه له، وعصى الله ورسوله فيه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم (6) عند المسلمين، فأوقع بأهل المدينة فى وقعة الحرّة (7) الوقعة التى لم يكن فى الإسلام أشنع منها، ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عبد (8) نفسه وغليله، وظن أنه قد انتقم من أولياء الله، وبلغ النّوى (9) لأعداء الله، فقال مجاهرا بكفره، ومظهرا لشركه:
ليت أشياخى ببدر شهدوا
…
جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
…
وعدلنا ميل بدر فاعتدل (10)
(1) انظر ص 37 من الجز الثانى.
(2)
وفى الطبرى «والعاهر لا يضره عهره» .
(3)
هى بنت أبى سفيان، وسفرت المرأة كضرب سفورا: كشفت عن وجهها.
(4)
الرهق: السفة والحمق والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.
(5)
أى سكره.
(6)
الطوائل! جمع طائلة، وهى الثأر.
(7)
انظر الجزء الثانى ص 89.
(8)
العبد: الغضب.
(9)
النوى. الحاجة والوجه الذى تنويه وتقصده، وفى ابن أبى الحديد «وبلغ الثأر» .
(10)
القرم: السيد.
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
…
ثم قالوا يا يزيد لا تشلّ (1)
لست من خندف إن لم أنتقم
…
من بنى أحمد ما كان فعل (2)
لقنت هاشم الملك، فلا
…
خبر جاء ولا وحى نزل (3)
هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله، ولا إلى دينه، ولا إلى كتابه، ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله، ثم من أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اجترم، سفكه دم الحسين بن علىّ، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراء على الله، وكفرا بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فكأنما يقتل منه ومن أهل بيته قوما من كفّار أهل التّرك والدّيلم، لا يخاف من الله نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر (4) الله عمره، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده (5)، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته.
هذا إلى ما كان من بنى مروان، من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكامه، واتخاذ مال الله دولا (6) بينهم، وهدم بيته، واستحلال حرامه، ونصبهم المجانيق
(1) هذا البيت والبيتان بعده من قول يزيد.
(2)
خندف: هى أم مدركة وطابخة وقمعة (كرقبة) أبناء إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
(3)
لقن كفرح: حفظ بالعجلة، وفى الأصل «تاريخ الطبرى» «لعنت هاشم بالملك» وهو تحريف وقد أصلحته كما ترى، وربما كان «ولعت هاشم بالملك» «بدون صرف» .
(4)
بتره: قطعه، والمعنى أماته حدثا فى شرخ شبابه، فقد مات وهو ابن بضع وثلاثين سنة، وفى ابن أبى الحديد «فتبر» والتتبير: الكسر والإهلاك، واجتثه: قطعه.
(5)
فقد انتقلت الخلافة بعده إلى ابنه معاوية الثانى الذى لم يلبث فى الخلافة إلا أربعين يوما ثم مات وانتقلت الخلافة إلى البيت المروانى.
(6)
جمع: دولة بالضم، أى متداولا بينهم دون سائر المسلمين.
عليه، ورميهم إياه بالنيران، لا يألون (1) له إحراقا وإخرابا، ولما حرّم الله منه استباحة وانتهاكا، ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا، ولمن أمّنه الله به إخافة وتشريدا، حتى إذا حقّت عليهم كلمة العذاب، واستحقّوا من الله الانتقام، وملئوا الأرض بالجور والعدوان، وعمّوا عباد الله بالظلم والاقتسار (2)، وحلّت عليهم السّخطة، ونزلت بهم من الله السّطوة، أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته من استخلصهم منهم لخلافته، مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين، وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين، فسفك الله بهم دماءهم مرتدّين، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين، وقطع الله دابر القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين، ومكّن الله المستضعفين، وردّ الله الحقّ إلى أهله المستحقين، كما قال جل شأنه:«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» .
واعلموا أيها الناس أن الله عز وجل إنما أمر ليطاع، ومثّل ليتمثّل، وحكم ليقبل، وألزم الأخذ بسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ليتّبع، وأن كثيرا ممن ضل فالنوى وانتقل من أهل الجهالة والسّفاه، ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وقد قال الله عز وجل:«فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ» وقال: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» وقال: «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» فانتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم، وراجعوا ما يرضيه عنكم، وارضوا من الله بما اختار لكم، والزموا ما أمركم به، وجانبوا ما نهاكم عنه، واتّبعوا الصراط المستقيم، والحجة البيّنة، والسّبل الواضحة، وأهل بيت الرحمة الذين هداكم الله بهم بديئا (3)، واستنقذكم بهم من الجور والعدوان أخيرا، وأصاركم إلى الخفض والأمن والعزّ بدولتهم، وشملكم الصلاح فى أديانكم ومعايشكم فى أيامهم، والعنوا من لعنه الله ورسوله، وفارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته، اللهم العن أبا سفيان
(1) لا يألون: أى لا يقصرون.
(2)
الاقتسار: القهر.
(3)
أى أولا.
(22 - جمهرة رسائل العرب- رابع)
ابن حرب ومعاوية ابنه ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده، اللهم العن أئمة الكفر، وقادة الضلالة، وأعداء الدين، ومجاهدى الرسول، ومغيّرى الأحكام، ومبدّلى الكتاب، وسفّاكى الدم الحرام، اللهم إنا نتبرأ إليك من موالاة أعدائك، ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت:«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» يأيها الناس، اعرفوا الحقّ تعرفوا أهله، وتأمّلوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها، فإنه إنما يبين عن الناس أعمالهم، ويلحقهم بالضلال والصلاح آباؤهم، فلا يأخذكم فى الله لومة لائم. ولا يميلنّ بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم، وكيد من يكيدكم، وطاعة من تخرجكم طاعته إلى معصية ربكم. أيها الناس، بنا هداكم الله، ونحن المستحفظون فيكم أمر الله، ونحن ورثة رسول الله، والقائمون بدين الله، فقفوا عند ما نقفكم عليه، وانفذوا لما نأمركم به، فإنكم ما أطعتم خلفاء الله وأئمة الهدى، على سبيل الإيمان والتقوى، وأمير المؤمنين يستعصم الله لكم، ويسأله توفيقكم، ويرغب إلى الله فى هدايتكم لرشدكم، وفى حفظ دينكم عليكم، حتى تلقوه مستحقّين طاعته، مستحقبين (1) لرحمته، والله حسب أمير المؤمنين فيكم، وعليه توكّله، وبالله على ما قلّده من أموركم استعانته، ولا حول لأمير المؤمنين ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم».
وكتب أبو القاسم عبيد الله بن سليمان فى سنة 284 (2).
(تاريخ الطبرى 11: 355، وشرح ابن أبى الحديد م 3: ص 442)