الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تذكارا، وإذا تفضّل الله بإتمام السلامة إلى أن أوافى شيراز، كتبت إليك من خبرى بما تقف عليه إن شاء الله تعالى.
(معجم البلدان 2: 299)
282 - كتاب عن الإخشيد إلى أرمانوس ملك الروم
وكتب الإخشيد (1) محمد بن طغج صاحب الديار المصرية، وما معها من البلاد الشاميّة، والأعمال الحجازية، إلى أرمانوس ملك الروم، وقد أرسل أرمانوس إليه كتابا يذكر من جملته بأنه كاتبه وإن لم تكن عادته أن يكاتب إلا الخليفة، فأمر بكتابة جوابه، فكتب له الكتّاب عدة أجوبة، ورفعوا نسخها إليه، فلم يرتض منها إلا ما كتبه إبراهيم بن عبد الله النّجيرمى (2) - وكان عالما بوجوه الكتابة- ونسخته:
«من محمد بن طغج مولى أمير المؤمنين إلى أرمانوس عظيم الروم ومن يليه:
سلام بقدر ما أنتم له مستحقّون، فإنّا نحمد الله الذى لا إله إلا هو، ونسأله أن يصلى على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد، فقد ترجم لنا كتابك الوارد مع نقولا وإسحاق رسوليك، فوجدناه مفتتحا بذكر فضيلة الرحمة، وما نمى (3) عنا إليك، وصحّ من شيمنا فيها لديك، وبما نحن عليه من المعدلة وحسن السيرة فى رعايانا، وما وصلت به هذا القول من ذكر الفداء، والتوصّل إلى تخليص الأسرى، إلى غير ذلك مما اشتمل عليه وتقهّمناه.
(1) ولى حكم مصر سنة 323 فى خلافة الراضى بالله أحمد بن المقتدر (الذى ولى الخلافة سنة 322 ومات سنة 329) وتوفى الإخشيد سنة 335 (وقد استولى بنو بويه على بغداد سنة 334 فى خلافة المستكفى بن المكتفى بن المعتضد).
(2)
نسبة إلى نجيرم، وقال ياقوت فى معجم البلدان:«بفتح أوله وثانيه وياء ساكنة وراء مفتوحة، ويروى بكسر الجيم. بليدة مما يلى البصرة على جبل هناك على ساحل البحر، وقد نسب إليها قوم من أهل الأدب والحديث، منهم إبراهيم بن عبد الله النجيرمى .... » .
(3)
نميت الحديث: رفعته.
فأمّا ما أطنبت فيه من فضيلة الرحمة، فمن سديد القول الذى يليق بذوى الفضل والنّبل، ونحن- بحمد الله ونعمه علينا- بذلك عارفون، وإليه راغبون، وعليه باعثون، وفيه- بتوفيق الله إيانا- مجتهدون، وبه متواصون وعاملون، وإياه نسأل التوفيق لمراشد الأمور، وجوامع المصالح، بمنّه وقدرته.
وأمّا ما نسبته إلى أخلاقنا من الرحمة والمعدلة، فإنا نرغب إلى الله جل وعلا، الذى تفرّد بكمال هذه الفضيلة، ووهبها لأوليائه، ثم أثابهم عليها، أن يوفّقنا لها، ويجعلنا من أهلها، وييسرنا للاجتهاد فيها، والاعتصام من زيغ الهوى عنها، وعرّة (1) القسوة بها، ويجعل ما أودع قلوبنا من ذلك موقوفا على طاعته، وموجبات مرضاته، حتى نكون أهلا لما وصفتنا به، وأحقّ حقّا بما دعوتنا إليه، وممن يستحق الزّلفى من الله تعالى، فإنا فقراء إلى رحمته، وحقّ لمن أنزله الله بحيث أنزلنا، وحمّله من جسيم الأمر ما حمّلنا، وجمع له من سعة الممالك ما جمع لنا بمولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- أن يبتهل (2) إلى الله تعالى فى معونته لذلك وتوفيقه وإرشاده، فإن ذلك إليه وبيده «ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور» .
وأمّا ما وصفته من ارتفاع محلّك عن مرتبة من هو دون الخليفة فى المكاتبة، لما يقتضيه عظم ملككم، وأنه الملك القديم الموهوب من الله، الباقى على الدهر، وأنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحقّقته من حالنا عندك، فإن ذلك لو كان حقا، وكانت منزلتنا- كما ذكرته- تقصر عن منزلة من تكاتبه، وكان لك فى ترك مكاتبتنا غنم ورشد، لكان من الأمر البيّن أن أحظى وأرشد وأولى بمن حلّ محلك أن يعمل بما فيه صلاح رعيته، ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيبا، ولا يقع فى معاناة صغيرة من الأمور تعقبها كبيرة، فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار، ويخوض
(1) العرة بالفتح: المعرة والخلة القبيحة، وبالضم: القذر، وتستعار للمساوى والمعايب.
(2)
الابتهال: الاجتهاد فى الدعاء وإخلاصه.
الغمار، ويعرّض مهجته فيما ينفع رعيته، والذى تجشّمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته، فهو أمر سهل يسير، لأمر عظيم خطير، وجلّ نفعه وصلاحه وعائدته (1) تخصّكم، لأن مذهبنا انتظار إحدى الحسنيين، فمن كان منا فى أيديكم فهو على بيّنة من ربه، وعزيمة صادقة من أمره، وبصيرة فيما هو يسبيله، وإن فى الأسارى من يؤثر مكانه من ضنك الأسر، وشدة البأساء، على نعيم الدنيا وخيرها، لحسن منقلبه، وحميد عاقبته، ويعلم أن الله تعالى قد أعاده من أن يفتنه، ولم يعذه من أن يبتليه، هذا إلى أوامر الإنجيل الذى هو إمامكم، وما توجبه عليكم عزائم سياستكم، والتوصل إلى استنقاذ أسرائكم، ولولا أن إيضاح القول فى الصواب، أولى بنا من المسامحة فى الجواب، لأضربنا عن ذلك صفحا، إذ رأينا أن نفس السبب الذى من أجله سما إلى مكاتبة الخلفاء عليهم السلام من كاتبهم، أو عدا عنهم إلى من حلّ محلّنا فى دولتهم بل إلى من نزل عن مرتبتنا، هو أنه لم يثق من منعه، ورد ملتمسه ممن جاوره، فرأى أن يقصد به الخلفاء الذين الشّرف كلّه فى إجابتهم، ولا عار على أحد وإن جلّ قدره فى ردّهم، ومن وثق فى نفسه ممن جاوره، وجد قصده أسهل السبيلين عليه، وأدناهما إلى إرادته، حسب ما تقدّم لها من تقدّم، وكذلك كاتب من حلّ محلّك من قصر عن محلّنا، ولم يقرب من منزلتنا، فممالكنا عدّة، كان يتقلّد فى سالف الدهر كلّ مملكة منها ملك عظيم الشأن.
فمنها ملك مصر الذى أطغى فرعون، على خطر أمره، حتى ادّعى الإلهيّة، وافتخر على نبىّ الله موسى بذلك.
ومنها ممالك اليمن التى كانت للتبابعة، والأفيال العباهلة (2)، ملوك حمير، على عظم شأنهم، وكثرة عددهم.
(1) العائدة. المنفعة.
(2)
العباهلة: الذين أقروا على ملكهم فلم يزالوا عنه (بالبناء للمجهول) انظر الجزء الأول ص 60
ومنها أجناد الشأم، التى:
منها جند حمص، وكانت دارهم ودار هرقل عظيم الروم ومن قبله من عظمائها.
ومنها جند دمشق على جلالته فى القديم والحديث، واختيار الملوك المتقدمين له.
ومنها جند الأردنّ على جلالة قدره، وأنه دار المسيح صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والحواريّين.
ومنها جند فلسطين، وهى الأرض المقدّسة، وبها المسجد الأقصى، وكرسىّ النّصرانية، ومعتقد غيرها، ومحجّ النصارى واليهود طرّا. ومقرّ داود وسليمان ومسجدهما، وبها مسجد إبراهيم وقبره، وقبر إسحق ويعقوب ويوسف وإخوته وأزواجهم عليهم السلام، وبها مولد المسيح وأمّه وقبرها.
هذا إلى ما نتقلده من أمر مكة المحفوظة بالآيات الباهرة، والدّلالات الظاهرة، فإنا لو لم نتقلّد غيرها، لكانت بشرفها، وعظم قدرها، وما حوت من الفضل، توفى على كل مملكة، لأنها محجّ آدم، ومحجّ إبراهيم وارثه ومهاجره، ومحجّ سائر الأنبياء، وقبلتنا وقبلتهم عليهم السلام، وداره وقبره (1) ومنبت ولده، ومحجّ العرب على مرّ الحقب (2)، ومحلّ أشرافها وذوى أخطارها، على عظم شأنهم، وفخامة أمرهم، وهو البيت العتيق المحرّم المحجوج إليه من كل فجّ عميق، الذى يعترف بفضله وقدمه أهل الشرف، من مضى ومن خلف، وهو البيت المعمور، وله الفضل المشهور.
ومنها مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم المقدّسة بتربته، وأنها مهبط الوحى، وبيضة هذا الدين المستقيم الذى امتد ظلّه على البر والبحر، والسّهل والوعر، والشرق
(1) كذا فى صبح الأعشى، وقد جاء فى هامشه:«كذا فى المغرب فى أخبار المغرب أيضا- وهو الذى نقل عنه القلقشندى هذا الكتاب- ويظهر أنه مقدم على ما بعده- أى ونبت ولده ويكون لضمير فيه عائدا على سيدنا إسمعيل، فإن مكة كانت داره ومنبته» .
(2)
الحقب: جمع حقبة بالكسر، وهى مدة من الدهر لا وقت لها، والسنة.
والغرب، وصحارى العرب على بعد أطرافها، وتنازح (1) أقطارها، وكثرة سكانها فى حاضرتها وباديتها، وعظمها فى وفودها وشدّتها، وصدق بأسها ونجدتها، وكبر أحلامها (2) وبعد مرامها، وانعقاد النصر من عند الله براياتها، وأن الله تعالى أباد خضراء (3) كسرى، وشرّد قيصر عن داره ومحلّ عزّه ومجده بطائفة منها.
هذا إلى ما تعلمه من أعمالنا، وتحت أمرنا ونهينا ثلاثة كراسىّ من أعظم كراسيّكم: بيت المقدس، وأنطاكية، والإسكندرية، مع ما إلينا من البحر وجزائره، واستظهارنا بأتمّ العتاد (4)، وإذا وفّيت النظر حقّه، علمت أن الله تعالى قد أصفانا (5) بجلّ الممالك التى ينتفع الأنام بها، وبشرف الأرض المخصوصة بالشرف كلّه دنيا وآخرة، وتحقّقت أن منزلتنا بما وهبه الله لنا من ذلك فوق كل منزلة، والحمد لله ولىّ كل نعمة.
وسياستنا لهذه الممالك قريبها وبعيدها، على عظمها وسعتها، بفضل الله علينا، وإحسانه إلينا، ومعونته لنا، وتوفيقه إيانا كما كتبت إلينا، وصحّ عندك من حسن السيرة، وبما يؤلف بين قلوب سائر الطّبقات من الأولياء والرعية، ويجمعهم على الطاعة واجتماع الكلمة، ويوسعها الأمن والدّعة فى المعيشة، ويكسبها المودة والمحبة.
والحمد لله رب العالمين أوّلا وآخرا، على نعمه التى تفوت عندنا عدد العادّين، وإحصاء المجتهدين، ونشر الناشرين، وقول القائلين، وشكر الشاكرين، وثسأله أن يجعلنا ممن تحدّث بنعمته عليه شكرا لها، ونشرا لما منحه الله منها، ومن
(1) أى تباعد، وهو تفاعل من نزحت الدار كمنع وضرب: أى بعدت.
(2)
الأحلام: العقول، جمع حلم بالكسر.
(3)
الخضراء: سواد القوم ومعظمهم، وفى حديث الفتح «أبيدت خضراء قريش» أى دهماؤهم وسوادهم.
(4)
استظهر به: استعان، والعتاد: العدة.
(5)
أصفاه بكذا: آثره به.
رضى اجتهاده فى شكرها، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وكان سعيه مشكورا إنه حميد مجيد.
وما كنت أحبّ أن أباهيك بشىء من أمر الدنيا، ولا أتجاوز الاستيفاء لما وهبه الله لنا من شرف الدين الذى كرّمه وأظهره، ووعدنا فى عواقبه الغلبة الظاهرة، والقدرة القاهرة، ثم الفوز الأكبر يوم الدين، لكنك سلكت مسلكا لم يحسن أن نعدل عنه، وقلت قولا لم يسعنا التقصير فى جوابه، ومع هذا فإنا لم نقصد بما وصفناه من أمرنا مكاثرتك، ولا اعتمدنا تعيين فضل لنا نعوذ به، إذ نحن نكرم عن ذلك، ونرى أن نكرمك عند محلك ومنزلتك، وما يتصل بها من حسن سياستك ومذهبك فى الخير ومحبتك لأهله، وإحسانك لمن فى يدك من أسرى المسلمين، وعطفك عليهم، وتجاوزك فى الإحسان إليهم جميع من تقدّمك من سلفك، ومن كان محمودا فى أمره رغب فى محبته، لأن الخيّر أهل أن يحبّ حيث كان، فإن كنت إنما تؤهّل لمكاتبتك ومماثلتك، من اتسعت مملكته، وعظمت دولته، وحسنت سيرته، فهذه ممالك عظيمة، واسعة جمّة، وهى أجلّ الممالك التى ينتفع بها الأنام، وسرّ الأرض المخصوصة بالشرف، فإن الله قد جمع لنا الشرف كله، والولاء الذى جعل لنا من مولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- مخصوصين بذلك، إلى مالنا بقديمنا وحديثنا وموقعنا، والحمد لله رب العالمين الذى جمع لنا ذلك بمنّه وإحسانه، ومنه نرجو حسن السعى فيما يرضيه بلطفه، ولم ينطو عنك أمرنا فيما اعتمدناه. وإن كنت تجرى فى المكاتبة على رسم من تقدّمك، فإنك لو رجعت إلى ديوان بلدك، وجدت من كان تقدّمك قد كاتب من قبلنا من لم يحلّ محلّنا، ولا أغنى غناءنا (1) ولا ساس فى الأمور سياستنا، ولا قلّده مولانا أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- ما قلّدنا، ولا فوّض إليه ما فوّض إلينا، وقد كوتب أبو الجيش خمارويه
(1) أغنى غناءه: كفى كفايته.
ابن أحمد بن طولون، وآخر من كوتب تكين مولى أمير المؤمنين، ولم يكن تقلّد سوى مصر وأعمالها.
ونحن بحمد الله كثيرا أوّلا وآخرا، على نعمه التى يفوت عندنا عددها عدّ العادّين، ونشر الناشرين ولم نرد بما ذكرناه المفاخرة، ولكنا قصدنا بما عددنا من ذلك حالات: أوّلها التحدث بنعمة الله علينا، ثم الجواب عما تضمّنه كتابك من ذكر المحل والمنزلة فى المكاتبة، ولتعلم قدر ما بسطه الله لنا فى هذه المسالك، وعندنا قوة تامّة على المكافأة على جميل فعلك بالأسارى، وشكر واف لما توليهم وتتوخّاه من مسرّتهم، إن شاء الله تعالى وبه الثقة، وفّقك الله لمواهب خيرات الدنيا والآخرة، والتوفيق للسّداد فى الأمور كلها، والتيسير لصلاح القول والعمل الذى يحبه ويرضاه ويثبت عليه، ويرفع فى الدنيا والآخرة أهله، بمنّه ورحمته.
وأما الملك الذى ذكرت أنه باق على الدهر، لأنه موهوب لكم من الله خاصة، فإنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين، وإنّ الملك كلّه لله، يؤتى الملك من يشاء، وينزع الملك ممّن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، بيده الخير وإليه المصير، وهو على كلّ شىء قدير، وإنّ الله عز وجل نسخ ملك الملوك، وجبريّة الجبّارين، بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين، وشفع نبوّته بالإمامة، وحازها إلى العترة الطاهرة من العنصر الذى منه أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- والشجرة التى منها غصنه، وجعلها خالدة فيهم يتوارثها منهم كابر عن كابر، ويلقيها ماض إلى غابر، حتى بحز أمر الله ووعده، وبهر نصره وكلمته، وأظهر حجّته، وأضاء عمود الدين بالأئمة المهتدين، وقطع دابر الكافرين، ليحقّ الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون.
وإنّ أحقّ ملك- أن يكون من عند الله، وأولاه وأخلقه أن يكنفه (1) الله
(1) كنفه كنصره: صانه وحفظه.
بحراسته وحياطته، ويحفّه بعزه وأيده (1)، ويجلّله بهاء السكينة فى بهجة الكرامة، ويجّمله بالبقاء والنّجاء (2)، مالاح فجر وكرّ دهر- ملك إمامة عادلة، خلفت نبوّة فجرت على رسمها وسننها، وارتسمت أمرها، وأقامت شرائعها، ودعت إلى سبلها، مستنصرة بأيدها، منتجزة لوعدها، وإن يوما واحدا من إمامة عادلة خير عند الله من عمر الدّنيا تملّكا وجبريّة.
ونحن نسأل الله تعالى أن يديم نعمه علينا، وإحسانه إلينا، بشرف الولاية، ثم يحسن العاقبة بما وفّر علينا فخره وعلاه، ومجده وإحسانه، إن شاء الله، وبه الثقة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأمّا الفداء ورأيك فى تخليص الأسرى، فإنا وإن كنا واثقين لمن فى أيديكم بإحدى الحسنيين، وعلى بيّنة لهم من أمرهم، وثبات من حسن العاقبة وعظم المثوبة، عالمين بما لهم، فإن فيهم من يؤثر مكانه من ضنك الأسر وشدّة البأساء، على نعيم الدنيا ولذّتها، سكونا إلى ما يتحققه من حسن المنقلب، وجزيل الثواب، ويعلم أن الله قد أعاذه من أن يفتنه، ولم يعذه من أن يبتليه (3)، وقد تبيّنا مع ذلك فى هذا الباب ما شرعه لنا الأئمة الماضون، والسّلف الصالحون، فوجدنا ذلك موافقا لما التمسته، وغير خارج عما أحببته، فسررنا بما تيسّر منه، وبعثنا الكتب والرسل إلى عمّالنا فى سائر أعمالنا، وعزمنا عليهم فى جمع كل من قبلهم وأتباعهم بما وفر الإيمان فى إنفاذهم، وبذلنا فى ذلك كلّ ممكن، وأخّرنا إجابتك عن كتابك، ليتقدم فعلنا قولنا، وإنجازنا وعدنا، ويوشك أن يكون قد ظهر لك من ذلك ما وقع أحسن الموقع منك إن شاء الله.
وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة، واستشعرته لنا من المودة والمحبة، فإن عندنا فى مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التى تجمعنا على اختلاف المذاهب، وتقتضيه نسبة الشرف الذى يؤلّفنا على تباين النّحل، فإن ذلك من الأسباب التى تخصنا وإياك،
(1) الأيد: القوة.
(2)
النجاء: المجاة.
(3)
مكرر مع ما سبق.