الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللذان كتب أولهما كتابًا عن لغة الهوسا وأدبها، وتأثرهما بلغة العرب وآدابها عنوان (أدب الهوسا الإسلامي)، وكتب ثانيهما كتابًا مماثلًا، ولكن عن اللغة السواحلية عنوانه (الأدب السواحلي الإسلامي).
ولدينا من المقارنين العرب من كتب في تأثير قصص الحيوان عند ابن المقفع مثلًا على "لافونتين" في خرافاته، ومن كتب عن تأثير رسالة ابن الطفيل (حي بن يقظان) على الرواية الإنجليزية (روبنسن كروزو)، التي كتبها "دانيال ديفو"، ومن كتب عن تأثير العنصر العجائبي في (ألف وليلة) على روائي أمريكا الجنوبية ذوي اتجاه الواقعية السحرية.
والأمثلة جد كثيرة، لكن هذا يكفي الآن.
التأثر والتأثير الذي تشترطه المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن
وبالنسبة إلى عملية التأثر والتأثير، التي تشترطها المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن، هناك مقارنون عرب لا يولون هذه النقطة أية أهمية معلنين أنهم مع المدرسة الأمريكية، التي لا تشترط مثل هذا الشرط، بل إن بعض المقارنين العرب قد طبقوا هذا المبدأ من قبل أن نسمع بالمدرسة الأمريكية، مثلما هو الحال فيما خططوا يراعة رفاعة الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز)، من مقارنات بين بعض الأساليب العربية في الشعر والبلاغة في الأدب العربي.
ونظير ذلك في أدب الفرنسيس، وكذلك روح الخالدي السياسي والكاتب الفلسطيني، الذي أصدر في بدايات القرن العشرين كتابًا يحوي بعض مباحث الأدب المقارن، كمبحثه في المقارنة بين رسالة الغفران للمعري، والكوميديا الإلهية لـ"دانتي"، ومبحثه في المقارنة بين أغنية "رولان" وسيرة عنترة بن شداد، وعندنا أيضًا فخري أبو السعود في مقالاته الكثيرة التي نشرها في منتصف
الثلاثينيات من القرن الماضي في مجلة "الرسالة"، وقارن فيها بين الأدبين العربي والإنجليزي في عدد من الأجناس الأدبية وغيرها.
وأنا لا أرى بذلك بأسًا على الإطلاق، إذ إني لا أذهب مذهب من يشترط من دارسي الأدب المقارن أن تكون هناك صلات بين العملين الأدبيين، اللذين نريد المقارنة بينهما، والدكتور محمود مكي كاتب مقدمة الكتاب الذي تضمن مقالات أبي السعود هو من المناصرين لهذا الرأي، إذ يقول: إن المدرسة الفرنسية تنفي هذه المقالات من دنيا الأدب المقارن، إلا أنها بمنطق المدرسة الأمريكية إذا طعمت بالنزعة الإنسانية الحقيقية تكسب مشروعية كاملة في انتمائها للأدب المقارن.
وهنا نجد الدكتور عطية عامر يؤكد ببساطة وثقة وعن حق، أن أبا السعود قد سبق بذلك "أوست ورن" و"رينيه" وليك"، رائدي المدرسة الأمريكية أنفسهما، كما لاحظ الدكتور مكي قد قصر اهتمامه في تلك المقالات على رصد أوجه التشابه والاختلاف مع تغليب الاهتمام بالجانب الأخير، فإن هذا في حد ذاته هدف عظيم، إذ من خلال مثل هذا الرصد نستطيع أن ننظر إلى تراثنا الأدبي والنقدي بعين غير العين التي ألف النظر بها إليه، وحينها تكون لدينا فرصة أفضل من رؤية مزاياه وعيوبه، وحتى لو كانت النتائج التي يتوصل لها أبو السعود وسواه غير دقيقة أو متسرعة أو نيئة، فإنها لكفيلة رغم هذا باستفزاز أذهاننا وعواطفنا، ودفعنا دفعًا للتعمق في دراسة هذا التراث، وإعادة النظر فيه وبلوغ زواياه البعيدة وخفاياه المظلمة المتربة، التي لم ينفض عنها الغبار منذ زمن طويل، ومحاولة الطب لعيوبه والنهوض به، وجعله قادرًا على مساماة أعظم آداب العالم وهكذا.
أما ما يظن الدكتور عبد الحميد إبراهيم من أنه قد أضافه إلى مباحث الأدب المقارن حين قال: إنه ينبغي للمقارن الأدبي العربي أن ينطلق إلى المقارنة بين إبداع أدبي غربي، ونظير له في أدبنا القومي من المنطلق الفني، إذا رأى في العمل الأدبي الغربي ما يذكره بعمل عربي من الناحية التقنية؛ فيدرس العملين عن قرب ويدرس كل ما يتصل بهما مما يمكن أن يوصله إلى التأثير والتأثر بينهما، كما هو الحال مع رواية "كفكا" عن أمريكا، التي ذكر أنه بعد قراءته لها شعر أنها لا تمت من الناحية الفنية إلى أعمال "كفكا" الأخرى، بل تختلف عن الأعمال الروائية الأوربية بوجه عام، وتقترب بالأحرى من جنس المقامات، التي تقوم على وحدات مستقلة ليس من اللازم أن تخضع لخط تطوري يربط فصولها بعضها ببعض؛ ليتبين في النهاية أنها متأثرة بالمقامة العربية، إما مباشرة وإما عن طريق روايات الشطار الأوربية في بدايات عصر النهضة تلك الروايات، التي تأثرت بدورها بفن المقامة.
أقول: إن ما يظن الكاتب أنه قد أتى فيه بالجديد هو في الواقع ليس جديدًا البتة، إذ الأدب المقارن لا يقتصر كما يوحي كلام الدكتور على الصلات الفكرية بين الأعمال الأدبية، بل يشمل كل شيء مما يدخل في الإبداع الأدبي من أسلوب وتصوير وعاطفة وخيال وبِنية، اللهم إلا إذ كان يقصد فقط أن كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال بالذات يفتقر إلى المعالجة الفنية في مقارناته الأدبية، لكن الآن ليس هو كل المقارنين العرب، ولا حتى كل المقارنين المصريين، ومن ثم لا أستطيع أن أرى جديدًا فيما ذكر الدكتور عبد الحميد إبراهيم أنه ينبغي للمقارن الأدبي العربي أن يصنعه في هذا الصدد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.