الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدكتور محمد غنيمي هلال يوضح معنى الموقف بصورة أوسع
ويلقي الدكتور محمد غنيمي هلال مزيدًا من الضوء على معنى الموقف فيقول:
إنّ الموقف في العمل الأدبي يقتضي أن يكون في المشهد أشخاص آخرون غير الشخصية التي تمثل محور العمل القصصي أو المسرحي، وأن يكون هناك صراع بينهم، وسنرى بالإشارة إلى أن الموقف يشمل دائمًا أكثر من شخص، وأن أيا منها لا تتضح ملامح شخصيتة إلا بالنسبة إلى ملامح الآخرين، فإذا لم يوجد آخرون فإن شخصياتنا لا تكون واضحة، إذ الشيءُ إنما يتميز بناء على مقارنته بالأشياء الأخرى.
وفي كل مسرحية أو قصة هناك عدد من المواقف، ولكل شخصية موقف أكثر من تلك المواقف، ومن مجموع هذه المواقف الخاصة يتكون الموقف العام الذي يشمل الجميع في العمل الأدبي، وقد يكون الموقف والتضحية بالنفس من أجل مثلًا أعلى يؤمن به الإنسان كحب الوطن أو الدين مثلًا، وقد يكون تأنيب الضمير، وقد يكون الوقوع فريسة لشخص قاس لا خارجة من رحمة في قلبه.
وبالنسبة للموقف في عمل أدبي معين، نراه يشير إلى أنه في المسرحية "فيدر" للكاتب الفرنسي راسين، هو الحب الآثم ففي هذه المسرحية كما يقول الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه (رومانتيكية) تحب فدر ابن زوجها "بوليت" حبًّا مبرحًا، ولكنها حين بليت بما حيلة لها فيه من هذا الحب اليائس غير المشروع، لم تفكر إلا في الموت غير أن الأحداث ساقت لها منفذًا للأمل، فقد غاب زوجها غيبة لا أمل في الرجوع منها، بل إنه نعي كذبًا إليها، وأغرتها بعد ذلك وصيفتها أن تغتنم الفرصة فتكشف عن حبها، بعد أن زال ما أمامه من عوائق.
وحين مثلت أمام حبيبها "هيبولت" لم يكن في نيتها إلا أن توصي ابنها الصغير قبل موتها، ثم تغلبها عاطفته المسلوبة؛ فتكني له عن حبها؛ فيغضب لذلك "هيبوليت" الذي كان قلبه مشغولًا بحب أخرى، وتندم هي على ما فرط منها من تصريح لم تقدر عواقبه.
ويَزْداد الموقف خطورة بعودة زوجها، فلا تجد لها منفذًا غير الموت، وإذا وصيفتها تشرح لها ما يجر موتها على ابنها الصغير، ثم على شرفها، وتغريها باتهام حبيبها بأنه هو الذي حاول أن يعتدي عليها في غيبة زوجها، فتأبى بادئ الأمر أن تطيع وصيفتها كل الإباء ثم تستسلم مشدوهة حين تفاجئ بلقاء زوجها؛ فتعارض بـ"هيبوليت" عارضًا يثير الشكوك في وجهها دون أن تصرح، حتى إذا أكملت وصيفتها دورها ضد "هيبوليت" استيقظ ضميرها، وحاولت أن تعترف بفريتها لزوجها كي تنقذ "هيبوليت" البريء، ولكنها تقع فريسة الغيرة حين تعلم أن "هيبوليت" يحب غيرها، ولا تفيق من هذه الغيرة إلا بعد موت حبيبها؛ فتعترف لزوجها وقد تجرعت السم.
وهكذا ظلت "فدر" على وعي بعبء هذه الأحداث، عالمة كل العلم بما عليها من تبعة، وبما سيقت إليه من إثم، على أنها بعد لم تتطلع لأمر غير ممكن في حينه، وهكذا نجد العقل ماثلًا؛ حتى في أقوى ما خالفه من الأدب الكلاسيكي من وصف للعاطفة حين تبلغ أقصى حالات شبوبها، على أن الكلاسيكيين طالما حذروا من العواطف مسار الشرور والأهواء، وطريق الخيال الجامح، والخيال هو الجانب الخادع في النفس، الذي يقود إلى الخطأ والذلل.
فكما يقول الكاتب: فإنه في المسرحيات الكلاسيكية قد تنتصر العاطفة على الواجب، ولكن المؤلف لا يعرض ذلك إلا ليُبين مواطن الضعف الإنسانية،
ويُحَذِّر منها، فقد صور "راسين" العاطفة قوية طاغية في قلب "فدر" ولكنه يشرح المعنى الخلقي لها التصوير بقوله: في هذه المسرحية لم أجل أمام العيون شهوات النفوس إلا لأبين كل ما ينتج عنها من اضطراب، وقد صورت الرذيلة في كل أجزائها، في سورة ذات أسمار تبرز قبحها، وتجعلها بغيضة إلى الناس، وهذه هي الغاية الحق التي يجب أن يرمي إليها كل إنسان يعمل للجمهور. وكان في هذه الغاية هي الهدف الأول للشعراء المسرحيات القدامى، فكان مسرحهم مدرسة للفضيلة، لا تقل عن مدارس الفلاسفة.
وفي هذا نرى أن العواطف كانت عند الكلاسيكيين أهواء لا يعرضونها في أدبهم الارستقراطي إلا في صورة تنفر منها، ولكن سرعان ما صارت في أدب القرن الثامن عشر نفسه دعامة المشاعر النبيلة، وطريقًا إلى الفضيلة، ومتنفسًا لذوي القلوب، فتفيض عيونهم بالدموع رقة وحنانًا، أو وجدًا وأسى.
وكانت هذه الدموع في الأدب الكلاسيكي آية ضعف، لا يجمل بأبطالهم أن يذرفوها خذ مثلًا لذلك بطلًا كلاسيكيًّا يُفضي إلى صاحبه بمكنون حبه، وبما انتابه من ضعف؛ حتى كادت تسيل منه الدموع، فيقول له صاحبه مغضًا: دموع! أولى أن يذوق الأعداء حتفهم على يديك الباسلتين دموع! أو يتحكم فيك الألم إلى هذا الحد، ولم يكن النظارة في العصر الكلاسيكي يبحون أن يروا هذه الدموع في عيني بطل من أبطال مسرحياتهم.
ثم سرعان ما حال العهد، ودار الزمن وتغيرت معه الأذواق، وها هم أولاء النظارة يشهدون مسرحية عام ألف وسبعمائة وخمسة وثلاثين، يرون فيها امرأة تهرب من
زوجها الذي تحبه؛ لأنّها اعتقدت أنه خانها، وتفضي بمر شكواها إلى صديق، ولكن هذا الصديق لم يكن في الحقيقة سوى زوجها متنكرًا، وعلى سَمَاعِها يَذُوب زوجها رقة، ويجسوا أمامها في فيض من الدموع قائلًا: ها هو ذا زوجك جاس أمامك حيث يجب أن يموت، فدعيني غارقًا في دموعي، أكفر عما فرَط مني، وأنتقم لجمالك الفاتن من نفسي، وكانت هذه الدموع ألسنة الوفاق بينهما.
وقد سار من المسرحية للقصص هذا التقليد من بكاء أبطالها رقة لشبوب عواطفهم، يَقُصّ الكاتِبُ الإنجليزي "اشتيرن" في القرن الثامن عشر كيف كان يستمع في رحلته العاطفية إلى فتاة فرنسية فقدت حبيبها ثم أباها، وكادت تفقد على أثرهما عقلها، تشرح له قصة بؤسها، والدموع تنساب على خديها. يقول "اشتير": فجلست قريبًا منها، وتركتني "ماريا" أجفف دموعها كلما سالت بمنديلي، ثم أغمره بعد في دموعي، ثم في دموعها، ثم في دموعي، ثم في دموعها ثانية، وكنت أشعر أثناء ذلك بنشوة عاطفية تعجز الوصف، حتى إني على يقين من أنه لا يستطاع التعبير عنها في شعر ما، أو في أريحية ما، فأيقنت حينذاك أن لي روحًا لا تستطيع أن تحملني على جحودها كتب الماديين التي سممو بها العالم.
أما في مسرحية "زايير" للفيلسوف الفرنسي ""فولتيير" فالموقف الذي اتخذه بطلها هو الغيرة الطائشة المتعجلة، إذ بعدما يقتل بطل المسرحية حبيبته بالخنجر ظنًّا منه أنها تخونه، إذا به يكتشف أن الشخص الذي حسبه عشيقها، إنما هو في الحقيقة أخوها، مما يَدْفَعه إلى قتل نفسه فوق جثتها.
على حين أن الموقف العام في مسرحية "فاوس" لـ "جوته" إنّما هو التردد بين العقل والقلب، والحيرة الشديدة في معرفة أيهما هو السبيل إلى الحصول على السعادة
وراحة البال، أهو في الوصول إلى الحقيقة المطلقة التي لا يمكن لبشر بلوغها؟ أم في عمل الخير ونبل المشاعر؟! ذلك أن "فاوس" قد ظن في بداءة أمره أن في مستطاعه الوصول إلى الحقيقة المطلقة؛ ليكتشف بعد استحصاد تجاربه المرة الأليمة أن هذا أمر من الاستحالة بمكان، وأن سعادته ممكنة فقط عن طريق عمل الخير النافع للآخرين.
والأمر ذاته يَصْدُق على الموقف العام في مسرحية توفيق الحكيم "شهرزاد" ولكن في وضع معكوس، إذ كان "شهريار" قد سئم متعة الجسد وبهجة العاطفة وهو ما دفعه إلى البحث في السعادة في الدنيا الفكر المُجرد ليفشل هنا أيضًا، وهو ما يُوحي بأن السعادة ليست في تجاهل طبيعتنا الإنسانية، التي تَحتَاجُ إلى إشباع جوانبها المختلفة، وعدم تجاهل أي منها؛ فضلًا عن التركيز على جانب واحد فحسب.
كذلك فعلى كل شخصية من الشخصيات أن تعمل على الخروج من الموقف الخاص الذي تجد نفسها فيه، باتخاذ قرار أو سلوك ما.
والموقف العام في صورته التجريدية، هو: عبارة عن صدام بين قوى إنسانية تتصارع فيما بينها، وهذه القوى تُمَثّلها الشخصيات في موقفها الخاص، ويَسلتَزمُ الخاص ست صور من القوى كي تكتمل صورته العامة.
ونكتفي هنا بالوقوف عند القوة الخامسة والسادسة لضرب المثال ليس أكثر، فالقوة الخامسة من القوة من القوى المؤثرة في الصراع هي قوة الحكم، أو القوة التي تسد الموقف، وتميل كفته إلى ناحية من النواحي، وقد تتمثل في البطل ذاته، مثل شخصية "الأورست" و"عطيل" وقد تتمثل في الشخصية الممثلة للقوة الثالثة أي: الموفرة للخير المنشود مثل ليلى في مسرحية "مجنون ليلي"
لشوقي، فهي تميل كفة الموقف في تفضيلها وردًا، فتتحكم بذلك عن طريق مباشر في مصيرها وفي مصير قيس.
وأضعف صور هذه القوة: أن تَأتي من خَارِج المَسْرحِيّة كتَدخل الآلهة في المسرحيات اليونانية القديمة، أو تدخل ملك مسرحية "ترتوف" لمولير، وأخيرًا تأتي قوة الأعوان أو المساعدين لأي قوة من القوة السابقة في صورة شخصيات، تنضم إلى أية قوة منها؛ فابن عوف بمثابة عون لمجنون ليلى، ونصيب بمثابة عون للمهدي و"إلكترا" عون لـ"أورست".
وقد يؤدي حذف العون أو المساعد حذفًا فنيًّا إلى اكتساب المسرحية قوة وروعة، حين يشيع في جوها انتظار المساعد الذي لا يَحْضُر أو العون الموهوم الذي لا وجود له، وقد يُرجع إليه المؤلف جوهر تصوير الفني في مسرحيته، وذلك مثل جودو في مسرحية "في انتظار جودو" لصموئيل بكت.
ومن القضايا المحببة للرومانتيكيين: أن يبدو البطل وحيدًا دون عون مفيد، مثل "جون فانجان" في قصة البائسين لـ"فيكتور هوجو" وعلى الأخص غادة الكاميليا في المسرحية والقصة التي تحمل اسمها لألكسندر "دومالبن" ومن المسرحيات الكلاسيكية الخالدة "ملهاة عدو المجتمع""لموليير" وفيها نرى البطل يفقد ثقته فيمن حوله قليلًا قليلًا، حتى يصير أخيرًا وحيدًا؛ لأنه شديد التعلق بالصدق والصراحة، وهو ما يفتقده عبثًا في مجتمعه الحافل بالنفاق والرياء، وقد فقد كل معارفه وأصدقائه وأخيرًا ينفر من حبيبته ومن الناس جميعًا، ويعتزم الذهاب إلى مكان نائ في الأرض، حيث يتوفر له حرية الرجل الشريف، وهذا هو خلق "آلسست" بطل المسرحية السابقة.
ويمضي هلال قائلًا: لا نقصد من إحصاء القوى السِّتْ السَّابقة: أنّ كل مسرحية مثلًا لا بد أن تحتوي على ست شخصيات، ممثلة لهذه القوى؛ فقد وضح ما
قلناه: أنه يمكن أن تمثل بأكثر من ذلك، وقد يمثل شخص واحد أكثر من قوة منها، وقد يُحذف بعضها فيزيد التصوير الفني روعة وقوة، متى توفر الإحكام الفني في البناء المسرحي أو القصصي.
وكُلما تعقدت الشخصيات نفسيًّا -أي بعدت عن السطحية والضحالة- جمعت بين أكثر من قوة منها، فمثلًا: هاملت هو بطل الموقف في مسرحية شكسبير، وهو يُمَثّل القُوة الأولى والثانية والثالثة والخامسة من القوى الدِّرامية، ذلك أنه طالب للغاية، وفي داخله ذاته أكبر عائق يمنعه من الوصول إليها؛ ثم إنّه يَنْشُد هذه الغاية في نفسه فهو يرجوها ويحرص عليها ويخافها ويرغبها، وهو كذلك الحكم فيها في تردد بالغ مداه في العمق، وفي هذا غنيت معانيه النفسية وتعددت ودقت مسالكها.
وعلى عكس ذلك إذا تفتت القوى في صورة رموز؛ فإن المسرحية تفقد قوتها الدرامية، لأنّ رَوابطها الحيوية تُصبح أقرب إلى التجريد، فمثلًا في مرحلة ولوع الأستاذ توفيق الحكيم بالمسرح الرمزي كان يقصد إلى تجريد شخصياته، كما يقول هو في مقدمة مسرحية "بيكماليون" عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين. إذ قال: أقيمُ اليوم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارًا تتحرك في مطلق المعاني مرتدية أثواب الرموز؛ فمثلًا في مسرحية "شهرزاد" يجعل العبد رمزًا لقوة الجسد، والوزير قمر رمزًا للعاطفة، وشهريار رمزًا للفكر الخالص.
وعلى الرغم من قوة الحوار الذي ينفرد به الأستاذ توفيق الحكيم، وطرافة المعاني ودقة الاختيار للموضوع والأفكار، وشفافية ذلك كله عن موقف ذهني دقيق في أسلوبه الممتع على الرغم من ذلك كله تفقد المسرحية بنيتها الدرامية، وحركتها الحيوية وقوتها في الإقناع.
ولا نقْصِدُ أنْ نُقَلّل من القيمة الفنية في هذا المنزع الرمزي لمسرحيات الأستاذ الحكيم، فقد أغنا أدبنا الحديث في جوانب الحوار والمعاني ودقة المسلك الذهني؛ لما لا نزال نفتقر لمثله حتى اليوم، ومن حسن الحظ أن الأستاذ توفيق الحكيم قد رجع عن نظريته الرمزية تلك في نقده وإنتاجه الأدبي فيما بعد.
وقد تتبع بعض الدارسين حديثًا صور هذه المواقف المسرحية؛ فأوصلها إلى أكثر من مائتي ألف موقف، ويُمكن تتبع نظائرها في القصة، ولا يهمنا هنا الاستقصاء، وهذه المواقف كلها جديدة في جنس المسرحية والقصة في أدبنا الحديث، وهي لذلك تحتاج إلى تقديم جدي في أسسها وفي ما تدل عليه من صنوف التأثير.
وكثيرًا ما يكون هناك تأثير وتأثر بين عملين أدبيين من ناحية الموقف، وقد يكون التأثر في نفس الاتجاه، ولكن على الناحية الأخرى قد تبدو الصلة بين الموقفين في التأثر الأدبي في صورة عكسية.
ونَضْرِبُ مثلًا لذلك: بالموقف العام في مسرحية "فاوس لـ جوته" ومسرحية شهرزاد للأستاذ توفيق الحكيم؛ فالموقف العام من مسرحية "فاوست" يتمثل في تصوير التردد بين العقل والقلب، ومنذ مطلع المسرحية الأولى من مسرحيته "فاوس" نرى فاوس شقيًّا بعقله لم يستطع أن يتذوق طعم السعادة أو لذة المعرفة فييأس ويهم بالانتحار، ثم يتولد فيه الأمل على رؤية مباهج الربيع، ويخوض في نشدان السعادة عن طريق إغناء مشاعره، والانغماس في تجارب حيوية مختلفة ورحلات متعددة، يُصاحبه فيها روح الشرّ "مفست فوليس".
ويأتي "فاوست" آثامًا يعتريه فيه من الذم، ويكون هذا بمثابة تكفير عن سيئاته وآية عن روح الخير فيه في المسرحية الأولى. فلم يكسب الشيطان الرّهان الذي عقده مع الله على إغواء "فاوس" في المنظر الثاني من المسرحية الأولى، ويظل في هذا النوع من الآثام والسلوك طوال هذه المسرحية الأولى، وهي التي تنتهي بنجاة "مارجريت" منه ومن روح الشّر، بعد أن حاولا معًا إخراجها من السجن؛ ففضلت البقاء في السجن، والبعد عن حبيبها على الخروج مع روح الشر المصاحب لـ"فاوست".
وفي المسرحية الثانية التي تسمى "فاوس" الثانية وهي استمرار للأولى، يظل "فاوس" مُنغمسًا في تجارب الحياة التي يغني بها مشاعره، ويهتدي بها إلى أن الحقيقة المجردة فوق قدرة العقل المجرد، ويَتعرف على "هيلين" رمز الجمال الخالص؛ فيهتدي عن طريقها إلى الخير، وهو غَاية ما يستطيع المرء الوصول إليه بعواطفه الإنسانية، وروحه الصافية؛ فقضية فاوست هي إخلاس العقل الخالص، ووجوب إغناء المعاني الإنساني عن طريق المشاعر، والخوض في تجارب الحياة؛ لتطهر روح الإنسان، وتصبح سامية في طبيعتها الخالصة بتفضيل عمل الخير عن طريق البقاء في نطاق التفكير الفطري، والعقل الخالص، وتلك قضية رومانتيكية عامة يتبلور الموقف حولها في مسرحتي "فاوست".
وعلى بُعد ما بين موضوع مسرحتي فوست السابقتين، وبين مسرحية "شهر زاد" للأستاذ توفيق الحكيم، وعلى بعد ما بين المسرحيتين كذلك في طرق المعالجة وجوهرها، نَرَى القضية نفسها هي محور الموقف العام في المسرحية الأستاذ الحكيم، نراه أول ما نراه قد شبع من الجسد، واشتاق إلى معرفة الحقيقة المجردة بعقله لا بعاطفته، تلك الحقيقة التي يتخذ "قمرزاد" رمزًا لها.