المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شخصية عنترة العبسي - الأدب المقارن - جامعة المدينة (ماجستير)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 مفهوم الأدب المقارن من خلال المعالم التاريخية والرؤى النقدية

- ‌نشأة مفهوم الأدب المقارن، وما يشمله

- ‌مفهوم الأدب المقارن من خلال الرؤى النقدية

- ‌هل يعد نشوء علم الأدب المقارن في القرن التاسع عشر مفارقةً

- ‌الدرس: 2 بحوث الأدب المقارن ومجالاته

- ‌(بحوث الأدب المقارن

- ‌دراسة جوانب التأثر والتأثير في النماذج الاجتماعية والإنسانية

- ‌الشروط التي يجب توافرها فيمن يبحث في الأدب المقارن

- ‌موضوع الترجمة والمترجمين وكتب الرحلات في الأدب المقارن

- ‌الدرس: 3 العلاقات الأدبية العالمية ظاهرة تاريخية

- ‌معنى العالمية، وارتباطها بالأدب المقارن

- ‌ما ينبغي أن يصنعه المقارن الأدبي في ضوء الاعتبارات

- ‌خصوصية الأدب القومي، وعلاقة ذلك بالأدب المقارن

- ‌الشعر والقصص

- ‌الدرس: 4 مباحث ومشكلات في ساحة الأدب المقارن في العالم العربي

- ‌دراسة كتاب (الأدب المقارن من منظور الأدب العربي مقدمة وتطبيق)

- ‌طول القصائد وقصرها بين الشعر العربي ونظيره الفارسي

- ‌التأثر والتأثير الذي تشترطه المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن

- ‌الدرس: 5 الأجناس الأدبية وتبادل التأثير والتأثر فيها عبر الآداب العالمية

- ‌تعريف الملحمة، وملحمة المهابهاراتا الهندية

- ‌ملحمة "الإلياذة" وملحمة "الأوديسا

- ‌ملحمة (الإنياذة) وملحمة (الكوميديا الإلهية) و (رسالة الغفران)

- ‌هل يوجد في الأدب العربي ما يسمى بالملاحم

- ‌الدرس: 6 الأجناس الأدبية وتبادل التأثير والتأثر فيها عبر الآداب العالمية

- ‌التعريف بأحمد شوقي، وبمسرحياته، وتحليلها

- ‌مآخذ النقاد على إبداعات شوقي

- ‌الدرس: 7 مسرحية كليوباترا بين شوقي والآداب العالمية

- ‌قصة مسرحية كيلوباترا، وظروف تأليف شوقي لها

- ‌(مسرحية كيلوباترا) بين شكسبير وأحمد شوقي

- ‌الدرس: 8 ليلى والمجنون بين الأدبين العربي والفارسي

- ‌ليلى والمجنون في الأدب العربي

- ‌ليلى والمجنون في الأدب الفارسي

- ‌ليلى والمجنون في الآداب الإسلامية الأخرى

- ‌الدرس: 9 عزيز أباظة ومسرحه الشعري

- ‌حياة عزيز أباظة، وما ألفه من مسرحيات

- ‌مسرح عزيز أباظة الشعري، وآراء النقاد في مسرحياته

- ‌المقارنة بين مسرحية أباظة وما يناظرها في المسرح الأوربي

- ‌الدرس: 10 قصص الحيوان

- ‌مفهوم قصة الحيوان

- ‌كتاب (كليلة ودمنة) وأثره في الأدب العربي والآداب العالمية

- ‌جهد لافونتين في فن الخرافة، وصياغة أحمد شوقي لقصص الخرافات

- ‌الدرس: 11 أجناس الأدب النثرية

- ‌القصة، والملحمة

- ‌المقامة، وتأثيرها في الأدب الأوربي

- ‌الدرس: 12 تأثير (رسالة الغفران) و (التوابع والزوابع) و (حي بن يقظان) في الأدب العالمي

- ‌تأثير (رسالة الغفران)، ورسالة (التوابع والزوابع)

- ‌قصة (حي بن يقظان) وتأثيرها في الأدب العالمي

- ‌أوجه الاتفاق والتباين بين قصة (حي بن يقظان)، و (روبنسون كروزو)

- ‌الدرس: 13 التاريخ ذو الطابع الأدبي

- ‌تعريف علم التاريخ، وأهم الأمور التي يهتم بها

- ‌منهج كتابة التاريخ الإسلامي

- ‌الدرس: 14 الصياغة الفنية التابعة للأجناس الأدبية

- ‌الصياغة الفنية للموشحات والأزجال

- ‌التأثيرات الأسلوبية بين الآداب العالمية وأهميتها في الدراسات الأدبية المقارنة

- ‌الدرس: 15 المواقف الأدبية

- ‌تعريف مصطلح "موقف" لغة واصطلاحًا

- ‌مثال في باب الموازنات الأدبية لا المقارنات، للتمييز بين الموقف والموضوع

- ‌الدكتور محمد غنيمي هلال يوضح معنى الموقف بصورة أوسع

- ‌خلاصة الموضوع عند غنيمي هلال في كتابه (الأدب المقارن)

- ‌الدرس: 16 المواقف الأدبية في مسرحيات "عطيل" و"عدو الشعب" و"فاوس" و"أديب

- ‌المواقف الأدبية في مسرحيتي "عطيل" و"عدو الشعب

- ‌المواقف الأدبية في مسرحيتي "فوست" و"أوديب

- ‌الدرس: 17 النماذج الأدبية

- ‌تعريف النموذج لغةً واصطلاحًا

- ‌بعض النماذج الإنسانية المستمدة من الأدب العربي

- ‌الدرس: 18 بعض النماذج الإنسانية العربية

- ‌شخصية عنترة العبسي

- ‌شخصية مجنون ليلى

- ‌الدرس: 19 تصوير الآداب القومية للبلاد والشعوب

- ‌أمثلة تأثر الآداب المختلفة بعضها ببعض، مع توضيح عوامل التأتثر

- ‌دور الأدب في تسجيل مشاعر الأمة وآرائها

- ‌الدرس: 20 المصادر واتصالها بالأدب المقارن

- ‌النواحي الشخصية للكاتب، واكتشاف عناصر مقوماته وتكوينه

- ‌تتعدد أنواع البحوث في المصادر على حسب موضوعاتها

- ‌البحث عن مصادر الكاتب في الآداب المختلفة، وأمثلة على ذلك

- ‌تأثر أدب شعب ما بأدب آخر أو بالآداب الأخرى مجتمعة

- ‌الدرس: 21 المذاهب الأدبية بين الشرق والغرب - دراسة مقارنة

- ‌الكلاسيكية

- ‌الرومانسية

- ‌الواقعية

- ‌الرمزية

- ‌السريالية

- ‌الدرس: 22 الصلة بين الأدب العربي والآداب الأخرى

- ‌جنس الملحمة

- ‌فن المقامة

- ‌ألف ليلة وليلة والموشحات

- ‌الشعر الغنائي

- ‌بعض مظاهر التأثير والتأثر بين كل من الأدب العربي والآداب الأخرى

الفصل: ‌شخصية عنترة العبسي

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن عشر

(بعض النماذج الإنسانية العربية)

‌شخصية عنترة العبسي

بعض النماذج الإنسانية العربية:

شخصية عنترة العبسي: وهو شاعرٌ جاهلي من شعراء المعلقات السبع، وفارس من فرسان بني عبس، ارتبط اسمه بحبه بعبلة ابنة عمه.

أما أمه: فجاريةٌ سوداء من الحبشة تدعى زبيبة، تملكها شداد فأنجبت له عنترة، ولكن كان من عادة العرب في الجاهلة إذا كان للرجل ولد من أمة استعبد؛ ولهذا عد عنترة من العبيد.

وكان فارِسُنا وشاعرنا من أشد أهل زمانه، وأجودهم بما ملكت يداه، وقد دعاه أبوه وألحقه بنسبه بسبب غارة لبعض أحياء العرب على قومه بني عبس أظهر فيها عنترة شجاعة فائقة، وقد عانى عنترة أولًا من العبودية التي طوقت عنقه، ثم نال حريته بعد أن قدم التضحيات، وأظهر بطولة فذة وشجاعة نادرة كانت مضرب الأمثال.

وعنترة أحدُ أبطال حرب داحس والغبراء؛ فقد خلدها بشعره ووصف أحداثها مفتخرًا بفروسيتها وأفعاله.

وقد اشتهر عنترة بالفروسية والشعر والخلق السمح، ومما يروى أن بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس فأصابوا منهم فتتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم، وعنترة فيهم فقال له أبوه: كُر يا عنترة. فقال عنترة: العبدُ لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والسر. فقال: كر وأنت حر. فكر وأبلى بلاء حسنًا يومئذ، فادعاه أبوه بعد ذلك وألحق به نسبه.

وقد بلغ الأمر بهذا الفارس الذي نال حريته بشجاعته، أنه دوخ أعداء عبس في حرب داحس والغبراء، وهو ما دعى الأصمعي إلى القول بأن عنترة قد أخذ الحرب كلها في شعره، وبأنه من أشعر الفرسان.

ص: 483

أما النهاية التي لقيها الشاعر، فالقول فيها مختلف، ففئة تقول بأنه مات بسهم رماه به رجل أعماه اسمه الليث الرهيص، أثناء غارة قبيلة عبس على قبيلة طيئ وانهزام العبسيين، وانتقم هذا الرجل من عنترة بسبب العمى الذي أصابه بعنترة في تلك الحرب، ويقال: إن الليث الرهيص كان أحد الفرسان الأقوياء بذلك العصر.

وقد شبه المؤلف "فليب حبي" في كتابه (تاريخ العرب) عنترة بن شداد بـ"أخيل" بوصفه رمزًا لعصر البطولة العربية.

واشتهر عنترة أيضًا بقصة حبه لابنة عمه عبلة بنت مالك، وكانت من أجمل النساء قومها، في نظارة صبى وشرف أرومة، بينما كان عنترة بن عمرو بن شداد العبسي بن جارية فلحاء، أسود البشرة ذاق في صباه ذل العبودية والحرمان وشظف العيش، والمهانة؛ لأن أباه لم يستلحقه بنسبه في البداية، فتاقت روحه إلى الحرية والانعتاق غير أن ابن الفلحاء عرف كيف يكون من صناديد الحرب والهيجاء يذوب عن الأرض ويحمي العرض، ويعف عن المغنم.

وهناك رواية تقول: إن عنترة بوصفه مثالًا لأخلاقيات الحرب، والنبل والشهامة والحمية، قد استحق تنويه النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما تولي أمامه قول الشاعر:

ولقد أبيت على الطوى وأظله

حتى أنال به كريم المأكل

فيُقال: إنّ الرسول محمدًا عليه الصلاة والسلام علق على ذلك قائلًا: ((ما وصف لي أعربي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة)).

ويقول صاحب (الأغاني): قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: كيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس

ص: 484

بن زهير فينا، وكان حازمًا فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم، وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره.

وقيل لعنترة: أأنت أشجع العرب وأشَدُّها؟ فقال: لا، فقيل: فلماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضوعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.

وهذه الآراء تؤكد اقتران الحيلة والحنكة في فن الحرب أو عند عنترة وأقران في عصر السيف والرمح والفروسية، ولا مراء في أن عنترة كان أشهر فرسان العرب في الجاهلية وأبعدهم صيتًا وأسيرهم ذكرًا وشيمًا، وعزة نفس، ووفاء للعهد، وإنجازًا للوعد، وكان عنترة ابن لأب من أشراف القوم وأعلاهم نسبًا؛ لكن محنته جاءته من ناحية أمه الأمة، ولم يكن ابن الأمة يلحق بنسب أبيه إلا إذا بَرّز وأظهر جدارته واستحقاقه للحرية والعتق والشرف الرفيع، وهذا ما حصل في حال عنترة الذي اشترى حريته بسيفه وترسه ويراعه، وأثبت أن الإنسان صانع نفسه وصاحب مصيره بغض النظر عن أصله وفصله وجنسه ولونه وشكله.

وقد كانت عبلة وظلت الأثيرة في حياته وحتى مماته، وقد انتهت حياة البطل عنترة بعد أن بلغ من العمر عتيّا، ويشبه في رواية من الروايات المشهورة ميتة "أخيل"، بوصفه فارسًا يُقاتل في التسعين من عمره، ومات مقتولًا إثر رمية سهم، كما أشرنا قبل قليل.

وكان "لامرتين" الشاعر الفرنسي معجبًا بتصوير السيرة الشعبية لميتة عنترة، الذي ما أن أصيب بالسهم المسموم، وأحس أنه ميت لا محالة حتى اتخذ خطة المناضل

ص: 485

حتى بعد مماته، فظل ممتطيًا صهوة جواده، مرتكزًا على رمحه السمهري، وأمر الجيش بأن يتراجع القهقرى وينجو من بأس الأعداء، وظل في وقفته تلك حاميًا ظهر الجيش والعدو بصر الجيش الهارب لكنه لا يستطيع اللحاق به لاستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه حتى نجا الجيش وأسلم عنترة الروح باقيًا في مكانه متكئًا على الرمح فوق جواده الأبجر. وبعض المقارنين يَرون في ذلك ما يذكرهم بميتة "رولان" في الملحمة المسامة باسمه.

وشعر عنترة رجع مباشر لمعاناته النفسية، يمتلئ بالحديث عن شمائله وأخلاقه الكريمة، ومعلقته ترسم صورة خلقية كاملة له، ففيها يتحدث عنترة عن وقائعه، وينعت نفسه بأجمل الأوصاف، مظهرًا أخلاقه وكرمه، وكريم فعاله وبطولاته، ويظهر في كثير من أبيات القصيدة أثر الصراع العنيف بين حب عنترة لعبلة وسواد لونه صحة نسبه، فقد ظلمته القبيلة وتنكرت له الحبيبة فتسامى في خلقه وفي حبه، وتغلب على جروحه وآلامه، فأخذ يردد على مسامع عبلة مكارمه ويظهر له مواقفه في مبارزة الأبطال.

هذه هي صورة عنترة كما صورها لنا التاريخ، فهي صورة شاعر فارس لا تتعدى فروسيته نطاق القبيلة، أما في السيرة الشعبية التي تحمل اسمه، فقد ارتفع شأنه إلى أن أصبح نموذجًا أدبيّا، ممثلًا لكل ما هو عربي نبيل؛ بل إنه وهو الوثني قد صار بطلًا للإسلام إذ استحالت السيرة معرضًا للتاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، وما وقع فيه من أحداث خطيرة لمدة خمسمائة عام تقريبًا من الصراعات القبيلة، إلى الكفاح ضد احتلال الأحباش اليمن، إلى خضوع بلاد العرب للحكم الفارسي، إلى انتصار القوة الإسلامي الصاعدة على الفرس، إلى الصراع بين الفرس والروم، إلى انتشار الإسلام في شمال إفريقيا فضلًا عن الحروب الصليبية.

ص: 486

وقد كتبت السيرة بأسلوب نثري مسموع تغلب عليه السلاسة مع تطعيمه بما يقارب عشرة آلاف بيت شعري.

وإذا كانت أم عنترة -حسبما نعرف من سجلات التاريخ- عبدة حبشية فإنها في السيرة ليست أقل من أن تكون بنت ملك الحبشة نفسه، أُسرت في بعض المعارك وأخذت إلى بلاد العرب حيث أصبحت أمة من الإماء، أما ابنها فكان ذا قوة أسطورية بالغة وعمر بلغ من الطول حدًّا خياليًّا، إذ امتدت حياته عدة قرون، كما كان باستطاعته وهو طفل رضيع أن يمزق أقوى الملابس التي يقمطونها بها، وحين صار له من العمر سنتان تمكن من تقويض إحدى الخيام، ولما بلغ الرابعة قتل كلبًا ضخمًا، وفي التاسعة ذئبًا، وعندما صار راعيًا فقد صرع أسدًا، وكان في مقدوره أن يجندل أي قرن ينازله في المعركة ثم يكسب قلبه بعد ذلك، وبشجاعته وبدفاعه البطولي عن قبيلته استطاع أن يكتسب حريته فيعترف به أبوه ويعامله معاملة الرجال الأحرار.

أما عمه أبو حبيبته عبلة الذي وعده أن يزوجه إياها في لحظة من لحظات الحاجة إليه، فقد حاول التملص من ذلك الوعد باشتراطه عليه تحقيق بعض المطالب التي من شأنها أن تعرضه للخطر الداهم، إلا أن بطلنا استطاع أن يُنجز كل ما طلب منه، وفاز بحبيبة قلبه رغم كل الأهوال التي لقيها، ثم لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أضيف إليه نجاحه في وضع حد للصراع الدموي بين القبائل التي تنتمي إلى ذات النسب.

كذلك قَام هو نفسه بتعليق قصيدته على أستار الكعبة بعد تفوقه على كل شعراء المعلقات في منافسة شعرية ومبارزة سيفية، ثم ترك مكة إلى خيبر حيث هدم مساكن اليهود، ثم تأخذ السيرة عنترة خارج بلاد العرب إلى العراق بغية الحصول على النوق العصافيرية التي طالبه بها عمه مهرًا لعبلة.

ص: 487

كما نراه يواجه كبار ملوك عصره ويتحداهم وينتصر عليهم جميعًا من أكاسرة، ومناذرة، وأحباش، وفرنجة، وسودانيين، وهنود، ويقود جيوشًا يفتح بها البلاد في مصر، ويزحف عبر الشمال الإفريقي حتى المغرب، ويشاهد تمثالًا له منصوبًا في القسطنطينية إقرارًا من الروم ببطولته، وما قدم لهم من معونته ضد أعدائهم وبجواره تمثالان آخران لأخويه الذين حاربا إلى جانبه.

وكان له فرقة من الفرسان يدربهم ويقودهم، ومن هنا أتت تسميته بالشهيرة أبو الفوارس، وبالمناسبة فقد ترك عنترة وراءه في السيرة ذرية من الأبناء منهم اثنان من أميرتين أروبيتين، وإن لم ينجب في ذات الوقت من عبلة التي زوجته إياها السيرة، رغم أن التاريخ لا يسجل أنه قد حدث بينهما قران.

وقد استحوذت سيرةُ عنترة بما صورته من نموذج إنساني يتحقق فيه البطولة والفروسية والشجاعة والنبل، استحوذت على خيال المسترقين فكتبوا عنها كثيرًا وترجموا بعضها وجعلوا منها موضوعًا من مواضيع الأدب المقارن، وممن ترجموا أجزاءً من تلك السيرة "كوساندبيرسيفال"، و"ديل كاردون"، و"أوشيربونوا"، وكذالك "ترك هملوتون" الذي سمى ما ترجمه " A nter A bdo w in romins " وفي كتابه "فويج أفواياج أون أيوه" يبدي "لامرتين" الشاعر الفرنسي انبهاره بتلك الملحمة العجيبة وتصويرها شخصية عنترة بما تجسمه من التفرد وتعشق الحرية والافتخار بما وهبه من عبقرية وتميز في ميدان الشعر والفروسية جميعًا، قائلًا:" sa tan babla bor show lweek de tot la an gagh" وترجمتها: "أنها إحدى أجمل الأغاني في كل اللغات".

كذلك وصوفها "كوساندبيرسيفال" المستشرق الفرنسي المشهور بأنها "إلياذة العرب" مؤكدًا أنها تقدم لنا صورة شاملة وصادقة ودقيقة وحية ناصعة لحياة

ص: 488

العرب في البادية بما تحتوي عليه من كرم، وثأر وغرام وأريحية وحماسة للنهب وتذوق للشعر، منسوجة بأسلوب يتميز بالأناقة والتنوع بالإضافة إلى ما يبلغه من سموق شاهق في بعض الأحيان.

وفي الجزء الثاني من كتابه عن فلسفة الفن، يضع الناقد الفرنسي هيبوليت بِان عنترة بن شداد إلى جانب أعظم الأبطال في الملامح العالمية، كـ"أوديسوس"، و"أخيل"، و"السيد"، و"رولان"، و"زيجفج"، و"رستم"، ولا ننسى رأي "إرمست لينان" الذي كتب في دراسته عن تاريخ الأديان، مبديًا إعجابه البالغ بهذا العمل، وما يشتمل عليه من صور بديعة لحياة العرب في الجاهلة.

ويُعلق كاتب مادة سيرة عنتر في الطبعة الثانية من "إنسيكلوبيد إسلام" بأن سيرة عنتر تستحق ما تصوف به عن جدارة؛ إذ تعرض علينا "بانوراما" تدل على خيال خصب خلاق، ومهارة في السرد لا يعتريها اللغوب طوال اثنين وثلاثين جزءًا هي أجزاء السيرة العنترية، ذلك العمل الإبداعي الذي صيغ في أسلوب شاعري يتسم بالثراء.

ويرى "رونوكو راشيدي" كاتب مقال: Antera the lion Father of heroes المنشور بموقع: the global a f rk an community يرى فيه عنترة تجسيدًا للفروسية، والعبقرية الشعرية، والعشق، والبطولة، والحدب على الفقراء والمستضعفين، والذود عن النساء.

وإلى جانب ذلك: هُناك السيمفونية التي أبدعها "ريمسكي كورساكوف" من وحي افتتانه بنموذج عنترة بن شداد البطولي وسماها عنترة، وكذلك "الأوبرا" التي ألفها "جابريل دي بو" عام ألف وتسعمائة وأربعة عشر بعنوان عنتر ( Anter)

ص: 489

والتي تتكون من أربعة فصول وخمس لوحات، وأيضًا الكتاب ذو المجلدين الذي أبدعه قلم المصور الفرنسي المسلم إثين دي نِيه عن الشاعر والفارس العربي بعنوان: Anter poin Erowek Arab dibo and Islamic أي: عنتر قصيدة بطولية عربية من العصر الجاهلي.

وزينته ريشته بكثير من الصور الرائعة حتى إن نسخة من الكتاب تباع بإحدى المكتبات الأوربية بخمسة عشر ألف دولار أمريكي، وكذلك المسرحية التي ألفها أبو خليل القباني مصورًا بطولة عنترة وفروسيته، والمسرحية التراجيدية التي مثلت فوق مسرح "الأوديون" بباريس عام ألف وتسعمائة وعشرة من تأليف شكري غانم السوري وعنوانها: عنتر. وتلك التي ألفها محمود تيمور بعنوان حواء الخالدة، واتخذ منها أداة لتصوير مدى الحب الذي كان يكنه ذلك البطل الصنديد لعبلة، واستغلته عبلة استغلالًا شديدًا، فكانت تجشمه المطالب الصعبة فينهض بتحقيقها بطواعية وحب.

ثُم عندنا المسرحية الشعرية التي وضعها شوقي عن شاعرنا الفارس وجعل منه بطلًا قوميًّا هدفه وحدة العرب الجاهليين الذين كانوا ممزقين قبائل متصارعة يعمل بعضها على إفناء بعض.

والمسرحة التي كتبها عادل كامل بعنوان: "ويك عنتر"، ثم الرواية التي كتبها محمد فريد أبو حديد بعنوان: أبو الفوارس، وهو عنوان يشي بما ركز عليه أبو حديد الذي قدم لنا عنترة فارسًا بطلًا لا يشق له غبار، هادفًا من وراء هذا إلى استنفار المشاعر الوطنية لدى المصريين أيام أن كانت مصر محتلة من قبل بريطانيا.

ولدينا كذلك القصة التي وضعها: حسن جوهر، ومحمد أحمد برانق، وأمين أحمد العطار بعنوان: عنترة بن شداد، بهدف بث قيم البطولة في نفوس الناشئة

ص: 490

العرب وقد اعتمدوا في المحل الأول على سيرة عنتر، ولكن دون أساطير، أو خوارق، أو أعمال انتقام وحشية، ودون الأسلوب المسجوع الذي صيغت به السيرة والذي يقترب إلى العامية.

كذلك أخرج طاهر الطناحي قصة عنترة إخراجًا صحفيًّا، ناسبًا إياها إلى يوسف بن إسماعيل أحد أدباء الدولة الفاطمية، مع تزيينها بالرسوم الجميلة والاهتمام الشديد بسوق الأحداث الغرامية سواء كانت لها صلة بالقصة الأصلية أو لا.

وهناك كذلك القصة التي أبدعها عمر أبو النصر بعنوان: عنتر بطل العرب وفارس الصحراء، واختار من السيرة بعض حوادثها وموضوعاتها مركزًا على إبراز بطولة عنترة من أجل بث روح الشجاعة والإقدام والتضحية في نفوس الشباب العربي، في لغة بسيطة سلسة.

ومما يَنْبَغي الإتيان على ذكره في هذا السياق الكتاب الذي نشر في لندن عام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين بعنوان: Anter and Abla abidwon romans

انظر في ذلك مادة سيرة عنتر في كل من: الموسوعة العربية العالمية، والطبعة الثانية من دائرة المعارف الإسلامية، أو مادة Anter Romans of في الموسوعة البريطانية، والطبعة الثانية من دائرة المعارف الإسلامية أو مادة Anter romans of، ومادة Anter في طبعة عام ألفين وتسعة من إن سايكلوبيديا يونفيرسل ياس، ومادة عنترة بن شداد في اليوكيبيديا العربية الإنجليزية والفرنسية، وكتاب (سيرة عنترة) للدكتور محمود الحفني في سلسلة مذاهب وشخصيات من مختارات الإذاعة والتليفزيون في مصر، ومادة "لورماند أنتر" في الجزء الخاص بالنصوص من معجم ليمون دا ليتيرا تير بموقع

ص: 491