الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك ذكر الدكتور زكي مبارك أن فن المقامة قد انتقل أيضًا إلى الأدبين السرياني والعبري؛ وذلك في مقالة له بعنوان "المقامات في الأدب العربي" نشرها في المجلة الجديدة في مارس سنة 1934، وهو ما أشار إليه الدكتور شوقي ضيف: ولعل الله يقيض المسألة انتقال هذا الفن من العربية إلى السريانية والعبرية من يدرسها هي كذلك.
ألف ليلة وليلة والموشحات
فإذا انتقلنا إلى ألف ليلة وليلة، والموشحات وتناولنا الصلة بين الأدب العربي والآداب الأخرى في هذا المجال، فأول شيء نتحدث عنه هو التعريف بألف ليلة وليلة وهي كما جاء في المادة المخصصة لها في (الموسوعة العربية العالمية): مجموعة من الحكايات التي روتها شخصية تسمى شهرزاد للسلطان شهريار، وشهريار ملكٌ عاين خيانة زوجته فتحوّل إلى سفاح يأخذ بكرًا كل ليلة ويفترعها؛ أي يفض بكارتها، ثم يقتلها من ليلتها، حتى ضج الناس وهربوا ببناتهم، ولم يبقَ في تلك المدينة إلا شهرزاد ابنة الوزير، وشهرزاد حاكية هذه القصص شخصية قرأت الكتب وسير الملوك وأخبار الأمم فقالت لأبيها وزير السلطان زوجني هذا الملك؛ إما أن أعيش وإما أن أكون فداء للبنات وسبب لخلاصهن، وكانت تقص على الملك كل ليلة حكاية ثم تسكت عندما يدركها الصباح عند موقف مشوّق مما جعل السلطان يستبقيها لسماع حكاياتها الباقيات، وبفضل هذه الحكايات التي روتها شهرزاد تحولت شخصية شهريار من شخصية شريرة إلى شخصية خيّرة.
ومع أن المسعودي وابن النديم في القرن الرابع الهجري يشيران إلى كتاب فارسي بعنوان (هازار أفسانه) قريب الشبه في عنوانه وشخصياته الرئيسية بألف ليلة
وليلة، إلا أن ألف ليلة وليلة بتقاليدها القصصية الشفهية التي تناقلتها الأجيال واحتفاظها بصورة مميزة للحياة العربية ورموزها الحضارية عبر العصور خصوصا للعصر المملوكي- تؤكد براعة المخيلة العربية واستمرارية التقليد الشفهي القصصي، إلى أن تم تدوينها.
والملاحظ أن الكلام عن هذا الكتاب في التراث العربي شحيح غاية الشحة؛ حتى إننا لا نجد حديثًا عنه تقريبًا إلا في كتابين اثنين هما (مروج الذهب) للمسعودي و (الفهرس) لابن النديم، والنصان قصيران نسبيّا، وإن كان نص المسعودي أقصر كثيرًا من نص ابن النديم، ولا يشفي غليلًا.
فأما في (مروج الذهب) فيقول المسعودي: إنه قد ذكر كثير من الناس أن هذه أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب للملوك بروايتها وصال على أهل عصره بحفظها والمذاكرة بها، وأن سبيلها الكتب المنقولة إلينا والمترجمة لنا من الفارسية والهندية والرومية وسبيل تأليفها مما ذكرنا مثل كتاب (هازار أفسانه) وتفسير ذلك من الفارسية إلى العربية ألف خرافة، والخرافة بالفارسية يقال لها أفسانه، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة وليلة، وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتها وهما شيرزاد ودنيا زاد ومثل كتاب (فارزه وسيماس) وما فيه من أخبار ملوك الهند والوزراء، ومثل كتاب (السندباد) وغيرها من الكتب في هذا المعنى.
وأما في كتاب ابن النديم فنقرأ تحت عنوان "الفن الأول في أخبار المسامرين والمخرفين وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار": أن أول من صنف الخرافات وجعل لها كتبا وأودعها الخزائن وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان الفرس الأُول، ثم أغرق في ذلك ملوك الأشغانية وهم الطبقة الثالثة من ملوك الفرس ثم زاد ذلك واتسع في أيام ملوك الساسانية، ونقلته العرب إلى اللغة العربية،
وتناوله الفصحاء والبلغاء، فهذبوه ونمقوه وصنفوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب (هازار أفسان) ومعناه ألف خرافة، وكان السبب في ذلك أن ملكًا من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة وبات معها ليلة قتلها من الغد فتزوج بجارية من أولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما حصلت معه ابتدأت تخرّفه وتصل الحديث عند انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث، إلى أن أتى عليها ألف ليلة وهو مع ذلك يطؤها، إلى أن رزقت منه ولدها فأظهرته وأوقفته على حيلتها عليه، فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك كهرمانة يقال لها دنيا زاد، فكانت موافقة لها على ذلك، وقيل: إن هذا الكتاب ألف لحمان ابنة بهمن، وجاءوا فيه بخبر غير هذا، والصحيح إن شاء الله أن أول من سمر بالليل الإسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه لا يريد بذلك اللذة، وإنما كان يريد الحفظ والحرس، واستعمل لذلك بعده الملوك كتاب (هازار أفسان) ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المائتي سمر؛ لأن السمر ربما حُدث به في عدة ليال، وقد رأيته بتمامه دفعات، وهو في الحقيقة كتاب غث بارد الحديث.
وابتدأ أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري صاحب كتاب (الوزراء) بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم، كل جزء قائم بذاته لا يعلق بغيره، وأحضر المسامرين فأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه، وكان فاضلًا فاجتمع له من ذلك أربعمائة ليلة وثمانون ليلة كل ليلة سمرٌ تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تتميمه ألف سمر، ورأيت من ذلك عدة أجزاء بخط أبي الطيب أخي الشافعي.