الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
(قصص الحيوان)
مفهوم قصة الحيوان
فنقول: تعرف موسوعة "الإنكارتا الإنجليزية" في طبعتها لسنة 2006 قصة الحيوان في المادة المخصصة لها: بأنها حكايات أو أساطير شعبية تحتل فيها الحيوانات مقدمة الصورة، بوصفها أشخاصًا رئيسيين أو مشاركين مهمين في تطور الأحداث، وتلقي مادة "لزامنو إيجانيير" أي: الحيوانات الخيالية في النسخة الفرنسية من موسوعة "الإنكارتا الشبابية" في طبعتها لسنة 2009 الضوء على تلك النقطة، فتقول: إن الأساطير والحكايات والخرافات في كل بلاد العالم وفي كل العصور، تمتلئ بالكائنات العجيبة ذات الأشكال الغريبة، أو القدرات السحرية، وتعج بعض الحكايات التي من هذا الصنف بحيوانات من كل نوع بعضها متوحش، وبعضها مسالم، وبعضها معادٍ للإنسان، وبعضها خادم له، وكثير منها قد أبدعته الروايات لشرح بعض الظواهر المرعبة، أو التي لا يستطاع تعليلها تعليلًا علميًّا.
كذلك فكثير من حكايات تلك الحيوانات تجسد جوانب من الشخصية الإنسانية، وبعضها يرتبط بدورات الطبيعة إلى آخره، ومن أشهر القصص الحيوانية الحكايات المنسوبة إلى إيسوب أو يعسوب الكاتب الإغريقي القديم، والتي تهتم بوصف مغامرات الإنسان والحيوان، ولكن صاحبها كان يرغب في أن يعلم قراءه شيئًا حول طبيعة الإنسان.
ولعل من أشهر حكاية يعسوب الخرافية قصة (الثعلب وعناقيد العنب)، التي يقول معناها الحرفي: إن ثعلبًا أراد الحصول على عنقود من العنب متدل فوق رأسه، فحاول يائسًا الحصول عليه لكنه لم يتمكن من ذلك مما اضطره في النهاية إلى أن يتخلى عن رغبته، ويقول: إن العنب حامض،
والمعنى الرمزي في تلك القصة هو أن الناس قد يتظاهرون بأن الأشياء، التي لا يمكنهم الحصول عليها ليست بذات قيمة، ومن ثَم فهم لا يبالون بها أو بتملكها، وقد عاش يعسوب أو إيسوب قبل الميلاد بعدة قرون، ويقال: إنه ليس له وجود حقيقي، بل الإغريق هم الذين اخترعوه وامتازت شخصيته بما لها من سرعة بديعة، وقدرة عقلية فذة، وحكمة تنساب على لسانها.
وقد زودت حكايات يعسوب بتعبيرات شهيرة كثيرة، وعلى سبيل المثال فإن العدو الذي يتظاهر بأنه صديق يسمى ذئبًا في ثياب حَمَل، وقد نشأ هذا التعبير من قصة يتنكر فيها ذئب في جلد حمل، ثم يتحرك دون أن يُكتشف وسط قطيع من الخراف، ويقتلها ليأكلها، ومن ناحية أخرى فإن الراعي يحسبه حملًا فيذبحه للعشاء.
ولسنين كثيرة كانت حكايات يعسوب تروى بالتواتر من جيل لآخر، وفي حوالي عام ثلاثمائة قبل الميلاد قام سياسي أثيني اسمه ديمتريوس فاليروس، بجمع حوالي المائتين منها في مجموعة أسماها (تجميعات حكايات يعسوب)، وقد ترجم هذه المجموعة اللاتينية بعد حوالي ثلاثمائة سنة عبد إغريقي عتيق يسمى فيدروس، وفي نحو عام مائتين وثلاثين ميلادية قام الكاتب الإغريقي فاليروس بابليوس بضم حكايات يعسوب إلى بعض الحكايات الهندية، وترجمها شعرًا إغريقيًّا، ومن ذلك الحين عاد كتاب آخرون رواية الحكايات وزادوا من معانيها، إلا أن الحكايات لم تفقد مطلقًا بساطتها وجاذبيتها الأصليين.
وقد وضعت كل الشعوب القديمة تقريبًا حكايات شعبية فيها شخصيات لحيوانات ذات صفات آدمية، فالثعلب مثلًا كان يصور على أنه ماكر، والبومة على أنها عاقلة في بعض الثقافات، ونذير شؤم في ثقافات أخرى، وبمرور الوقت بدأ
الناس يحكون الحكايات لتعليم الأخلاق الحميدة، وأصبحت الحكايات خرافية، ويمكن تعقب أصل الحكايات الخرافية الشعبية في البلاد الغربية إلى بلاد اليونان والهند القديمة، وتنسب معظم الحكايات اليونانية إلى يعسوب.
وقد تأثرت حكايات الشعب الهندي بأن بني البشر يولدون مرة ثانية بعد الموت على هيئة حيوانات، وألف رواة القصص الهنود حكايات كثيرة عن مثل هذا البعث أو الميلاد الجديد، واستخدموه لتلقين مختلف الدروس الأخلاقية، كما وصلت بعض هذه القصص إلى الغرب في بداية التاريخ الميلادي، وتم ضمها إلى المجموعة الأولى لحكايات يعسوب، وخلال القرن السادس قبل الميلاد أو بعده جمع الهنود أفضل حكاياتهم في عمل يسمى (بانشاتانترا)، وعبر القرون أعاد كثير من الكتاب رواية الحكايات الخرافية القديمة، وفي الثقافة العربية الكثير من الخرافات التي تعود إما إلى أصل محلي، أو جاءت من ثقافات أخرى كما في كتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفع.
وتقول الدكتورة نفوسة زكريا في كتابها (الخرافة في الأدب العربي): إن الخرافة في أدبنا العربي قديمة النشأة، جاء في كتب الأدب طائفة منها متفرقة في مواضع مختلفة جاء أكثرها مع الأمثال لتفسيرها، وهي جميعًا خرافات ذات مغزى، نذكر منها على سبيل المثال قصة ذات الصفا، التي جاءت لتفسير هذا المثل الذي يعد من أمثال العرب المشهورة، كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟ يقول الميداني: أصل هذا المثل على ما حكته العرب على لسان حية أن أخوين كانا في إبل لهما، وكانا بالقرب منهما واد خصيب، وفيه حية تحميه من كل أحد فقال أحدهما للآخر: يا فلان، لو أني أتيت هذا الوادي المكلئ، فرعيت فيه إبلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية ألا ترى أن لا يهبط
أحد ذلك الوادي إلا أهلكته، قال: فوالله لأفعلن، فهبط الوادي ورعى به إبله زمنًا، ثم إن الحية نهشته فقتلته، فقال أخوه: والله ما في الحياة بعد أخي خير، ولأقتلنها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي وطلب الحية؛ ليقتلها فقالت الحية له: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي تكون فيه، وأعطيك كل يوم دينارًا ما بقيت؟
قال: أوفاعلة أنتِ؟ قالت: نعم، قال: إني أفعل -أي: موافق- فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها، وجعلت تعطيه كل يوم دينارًا، فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالًا، ثم إنه تذكر أخاه، فقال: كيف ينفعني العيش، وأنا أنظر إلى قاتل أخي، فعمد إلى فأس، فأخذها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها، فأخطأها، ودخلت الجحر، فوقعت الفأس بالجبل فوق جحرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شرها وندم، فقال لها: هل لك أن نتواثقَا ونعود إلى ما كنا عليه؟ فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟ وأصبح هذا القول مثلًا يضرب لمن لا يفي بالعهد.
وقد نظم النابغة الذبياني هذه القصة شعرًا، فقال:
وإني لقيت من ذوي الغي منهم
…
وما أصبحت تشكو من السر ساهره
كما لقيت ذات الصفا من حليفها
…
وكانت تريه المال غبًّا وظاهره
فلما رأى أن ثمر الله ماله
…
وأثل موجودًا وسد مفاقره
أكب على فأس يحد غرابها
…
مذكرة من المعاول باتره
فقام لها من فوق حجر مشيد؛
…
ليقتلها أو تخطئ الكف بادره
فلما وقاها الله ضربة فأسه
…
وللشر عين لا تغمض ناظره
فقال تعالِ نجعل الله بيننا
…
على مالنا أو تنجزي لي آخره