الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشروط التي يجب توافرها فيمن يبحث في الأدب المقارن
وهناك مجموعة من الشروط يجب توافرها فيمن يبحث في الأدب المقارن، منها أن تتسع معارفه بحيث يكون مطلعًا على جوانب متعددة من الثقافات فيما يتصل بالأدب، وأن يعرف بعض اللغات الأجنبية، إذ لا يستطيع أن يعرف ما تم من تأثير وتأثر في الموضوعات التي يدرسها، إلا بالاطلاع على النصوص والآثار الأدبية في لغاتها الأصلية، فقد ثبت أنه كثيرًا ما يؤدي الاعتماد على الترجمات دون الرجوع إلى الأصول إلى أخطاء في النتائج بسبب سوء الترجمة أو تحويرها، أو سهوها عن أشياء مهمة في اللغات المنقول منها.
ومعنى هذا أن من يريد معرفة تأثير الشاعر الألماني "جوته" في الأدباء الرومانسيين مثلًا لا بد له أن يقرأ "جوته" الألماني في اللغة الألمانية، وليس يكفيه تمامًا اللجوء إلى ما تُرجم من أدبه، كذلك ينبغي للدارس المقارن أن يلم بالمصادر، والأصول الخاصة بموضوع البحث؛ كي يستطيع معرفة عملية التأثير والتأثر، وإذا وقعت له ترجمة لعمل من الأعمال الأدبية، فعليه أن يقارن بين الترجمة والأصل، أو بين الترجمات المتنوعة إذا كان هناك أكثر من ترجمة للعمل المذكور، وبالمثل عليه معرفة ما يختص بدراسة الأجناس أو الأنواع الأدبية، كنشأة قصص الرعاة ومسرحياتهم في الأدب الأوربي، وانتشار القصة التاريخية في أوربا مع أوائل القرن التاسع عشر، ونشوء القصة والمسرحية في الأدب العربي، ثم الحكايات التي كتبت على ألسنة الطير والحيوان، وكيف أدخلها إلى الأدب العربي الكاتب العباسي عبد الله بن المقفع؟ وكيف أثر الأدب العربي في الأدب الفارسي؟ أو كيف أثر الأدب الفارسي في الأدب العربي إلى آخره؟
وإلى جانب هذا، يجب أن يتتبع الدارس المقارن كل نوع وتطوره في لغتين أو أكثر، وأن يبحث العوامل التي أثرت في كل الآداب التي يراد دراستها، وقد يحاول الباحث المقارن دراسة جنس أدبي في أدبين فقط، وذلك كدراسة القصة الرومانسية الفرنسية، وتأثيرها في القصة العربية أو في أكثر من أدبين كدراسة القصة الرومانسية في الآداب الأوربية، ثم تأثيرها في القصة العربية خلال العصر الحديث، وعليه أن يأتي بالدليل على تأثر ذلك الكاتب، أو أولئك الكتاب بالجنس الأدبي موضوع الدراسة، وقد يصرح الكاتب نفسه بهذا التأثير، وعليه تكون مهمة التدليل، والبرهنة يسيرة على الباحث المقارن، كما هو الحال حين صرح "فيكتور هيجو" مثلًا بمحاكاة مسرح "شكسبير" الإنجليزي، أما إذا لم يصرح الكاتب بذلك، كما في محاكاة أحمد شوقي نفسه لـ"شكسبير" في مسرحيته "مصرع كليوباترا"، أو في تأثره عند إبداعه أشعاره التي ساقها على ألسنة الطير والحيوان بكتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفع، ففي مثل هذه الحالات تكون مهمة الباحث المقارن صعبة.
ومما ينبغي معرفته طبقًا لما يقوله أساتذة الأدب المقارن أن يحدد الدارس مدى تأثر الكاتب الجنس الأدبي، وهل كان تأثرًا شاملًا أو جزئيًّا؟ ومن هنا يجب على الباحث المقارن دراسة حياة الكاتب، وظروفه الاجتماعية والنفسية، وكذلك مكوناته الفكرية والثقافية، وبالنسبة لدراسة الموضوعات الأدبية، كدراسة شخصية الملكة كليوباترا في الأدب الإنجليزي والفرنسي والعربي، فهذه الدراسة تحتاج من الباحث المقارن إلى جهد كبير يتطلب سعة في العلم، ومعرفة بخصائص الشعوب ونفسياتها.
ومن أكثر فروع الأدب المقارن انتشارًا دراسة تأثير كاتب معين في أدب أمة أخرى، وهذا التأثير قد يكون شخصيًّا أو فنيًّا أو فكريًّا، ولا مانع من دراسة أثر كاتب أو عمل معين في أمة من الأمم على كاتب أو أعمال إبداعية معينة من أمة أخرى، إذ يمكن مثلًا دراسة أثر "إبسن" أو "برناردشو" أو "برنادلو" أو "بخت" أو
"يوجنسكو" أو الكتاب الأسبان في مسرحية توفيق الحكيم، وقد ندرس رواية مثل (الرباط المقدس) لتوفيق الحكيم، وعلاقتها برواية "تاييس" الكاتب الفرنسي "أناتول فرانس"، وقد ندرس التأثير الفرنسي في أدب دكتور طه حسين، وبالذات في أعماله القصصية مثل (المعذبون في الأرض)، و (شجرة البؤس) وغيرهما، أو ندرس تأثير الكاتب الفرنسي "موباسان" في قصص محمود تيمور إلى آخر هذه الموضوعات التي يمكن للباحث المقارن أن يتناولها.
كذلك ينبغي التنبه إلى أن التأثر بين الآداب المختلفة قد يكون على غير اتجاه الأصل المؤثر، بمعنى أن يفهم الأديب المتأثر الأديب، الذي تأثر به فهمًا مخالفًا لمقصده. ومن ذلك مثلًا أن الكاتب البريطاني "توماس كارليل" قد قرأ الكاتب والشاعر "ماني جوته" على أنه داعية إلى بعض الرؤى الأخلاقية الدينية التي يتفق معه فيها؛ وبهذا يكون "كارليل" كما نبه إلى ذلك بعض الدارسين المقارنين قد أول بهذا الفهم رؤية "جوته"؛ ليذهب التأثير إلى غيره من الكتاب عبر هذا التأويل، وليس عبر العصر.
وهناك التأثر العكسي في فهم رؤى الآخر كأن يقف أديب موقفًا مضادًّا من الرؤية الفنية الفكرية لأديب أو حركة أدبية مختلفة في لغة أو قومية أخرى، ويمكن أن نمثل لذلك بالصورة التي رسمت لكليوباترا في الآداب الغربية، وصورتها عند أحمد شوقي، الذي عمل على رسمها في غير صورة المرأة اللعوب الملتوية؛ لتصبح عنده ملكة وطنية مخلصة.
ومن المسائل التي يتناولها الدارس المقارن أيضًا ما يمكن عقده من موازنات بين طرفين في أدبين مختلفين ليس لهما من علاقة تبادل تأثير، وهو أمر لا يدخله عدد من الباحثين في صلب الأدب المقارن، الذي يرون أنه ينبغي أن نركز فقط على حالة التأثر والتأثير بين طرفين أدبيين، ومنهم الدكتور محمد غنيمي هلال الذي أكد أنه لا يعد من الأدب المقارن في شيء، ما يُعقد من موازنات بين كتاب من آداب مختلفة، لم تقم بينهم