الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحكم لو زوج ابنته بدون صداق مثلها]
قال: وإذا زوج ابنته بدون صداق مثلها فقد ثبت النكاح.
ش: هذا هو المنصوص والمختار لعامة الأصحاب.
2457 -
لما روى أبو العجفاء رضي الله عنه قال: خطبنا عمر، فقال: ألا لا تغالوا في صدق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية. رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وهذا قاله بمحضر من الصحابة، ولم ينقل مخالفته، فينزل منزلة الإجماع، وظاهره أن كل أحد يصح أن يزوج موليته على مثل هذا المهر، وإن كان مهر مثلها أكثر، وإنما خصصنا ذلك بالأب لأنه الذي له الولاية التامة، ولما سيأتي.
2458 -
وعن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنته بدرهمين، وهو من سادات قريش شرفا وعلما ودينا، ومن متموليهم أيضا، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها، ولأن المقصود من النكاح السكن، ووضع المرأة عند من يصونها، ويحسن عشرتها، لا العوض، والظاهر من الأب مع تمام شفقته أنه لا ينقص ابنته عن مهر مثلها إلا لهذه المعاني أو بعضها، لا سيما وهو غير متهم، وبهذا خرج سائر الأولياء، وخرج أيضا بيع الأب لسلعتها، لأن المقصود تحصيل العوض لا غيره، فلذلك لم يجز أن يبيع بدون ثمن المثل، وظاهر كلام ابن عقيل في الفصول اختصاص هذا الحكم بالأب المجبر، قال: وإذا زوج الأب ابنته التي يملك إجبارها - وهي الصغيرة رواية واحدة، والبكر البالغة في إحدى الروايتين - بدون مهر مثلها يثبت المسمى، وللقاضي في تعليقه احتمال بأن حكم الأب مع الثيب الكبيرة حكم غيره من
الأولياء، وحكى ابن حمدان في رعايتيه قولا أن على الزوج بقية مهر المثل، وأطلق.
وكلام الخرقي يشمل وإن كرهت، ونص عليه أحمد والأصحاب، وقد يستشكل بأن من لا يملك إجبارها إذا قالت: أذنت لك أن تزوجني على مائة درهم لا أقل، فكيف يصح أن يزوجها على أقل من ذلك، وقد يقال: إذنها في المهر غير معتبر فيلغى، ويبقى أصل إذنها في النكاح، والله أعلم.
قال: وإن فعل ذلك غير الأب ثبت النكاح، وكان لها مهر مثلها.
ش: إذا زوج غير الأب موليته بدون مهر مثلها، فإن النكاح صحيح، لأن قصاراه أن التسمية فاسدة، والنكاح لا يبطل بفساد التسمية، ويجب مهر المثل، جريا على القاعدة بأن التسمية إذا فسدت وجب مهر المثل.
وظاهر كلام الخرقي - وهو المذهب عند أبي الخطاب وأبي محمد وغيرهما - أن جميع مهر المثل على الزوج، وذلك لأن التسمية لما فسدت لعدم الإذن فيها شرعا وجب على الزوج مهر المثل، إذ هو بدل البضع، كما لو زوجها الولي على محرم، وحكى أبو البركات وغيره رواية، أن تمام مهر المثل على الولي، لأنه مفرط، أشبه الوكيل في البيع إذا باع بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له وصححناه على المنصوص، وأخذ ذلك - والله أعلم -
من قول أحمد: أخاف أن يكون ضامنا، وظاهره أن الوكيل يضمن ما نقص من مهر المثل، وفهم أبو محمد من هذا النص أن الولي يضمن الزوج، فقطع في المغني بوجوب مهر المثل على الزوج، وجعل الولي ضامنا له، وليس بالبين.
واعلم أنه قد يطلب الفرق - على المذهب - بين هذا وبين الوكيل، وقد يفرق بأن القاعدة عندنا أن النهي يقتضي الفساد، فالولي لما خالف ما أمر به فسدت التسمية، وإذا فسدت لم يفسد العقد، كما هو مقرر في موضعه، ووجب الرجوع إلى مهر المثل، ويجب جميعه على الزوج إذ القاعدة أن العوض يجب على من حصل له المعوض، والمعوض حصل للزوج، فوجب استقرار العوض عليه، (أما في البيع) فمن راعى هذين الأصلين من غير نظر إلى معنى آخر - كأبي محمد - أبطل البيع، (وأما على المنصوص) فنقول: النهي إذا كان لحق آدمي معين، وأمكن تداركه، لا يبطل العقد، كتلقي الركبان ونحوه، وهنا كذلك، لأنه أمكن زوال المفسدة التي لأجلها ورد النهي بأن يجعل على الوكيل ضمان النقص لتفريطه، ولا يمكن أن يجعل على المشتري، لأنه زيادة على الثمن الذي وقع العقد عليه مع
صحة الثمن، ولا أن تلغى التسمية، لأن العقد إذا يفسد، والأصل تصحيح كلام المكلف مهما أمكن، والله أعلم.
قال: ومن زوج غلاما غير بالغ أو معتوها لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج.
ش: للأب أن يزوج ابنه الذي لم يبلغ على المذهب المنصوص.
2459 -
لما روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية، فكان له تزويجه كابنته الصغيرة.
وظاهر كلام الخرقي وكثيرين أنه لا يشترط حاجة الصغير، وقال القاضي في المجرد: الصغير كالمجنون، إن كان محتاجا إلى النكاح زوجه وإلا فلا، فإن أراد الحاجة إلى النكاح - وهو الذي فهمه ابن عقيل لأنه قال: هذا إنما يتصور في المراهق - فظاهر كلام أحمد والأصحاب خلافه، وإن أراد الحاجة مطلقا فغير
مخالف لأن الأب وغيره تصرفهم منوط بالمصلحة. انتهى.
وللأب أيضا أن يزوج ابنه المعتوه، أي المجنون، وهذا ظاهر كلام أحمد، واختيار أبي الخطاب والشيخين وغيرهما، لأنه غير مكلف، أشبه الصغير بل أولى، لأنه يتوقع منه النظر عند الحاجة إليه، بخلاف المجنون، وشرط القاضي لذلك أن يظهر منه أمارات الشهوة من تتبع النساء ونحو ذلك، وحمل كلام أحمد، والخرقي على ذلك، إذ تزويجه مع عدم ذلك إضرار به، لالتزامه حقوقا لا مصلحة في التزامها، ومنع أبو بكر في الخلاف من تزويج البالغ مطلقا، لأنه بالغ محجور عليه، أشبه المفلس.
ومحل الخلاف في المجنون المطبق، أما من يخنق أحيانا فلا يزوج إلا بإذنه، ومن زال عقله ببرسام ونحوه إن رجي زوال علته فكالمخنق، وإلا فكالمجنون، انتهى.
ووصي الأب في النكاح قائم مقامه، فيزوج الصغير والمجنون كالأب، لأنه قائم مقامه، ونائب منابه، وهذا يعتمد أصلا، وهو أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية، (وهو إحدى الروايات)
عن أحمد، والمختار لجمهور الأصحاب، القاضي وولده أبي الحسين، والشريف، وأبي الخطاب، وابن عقيل، والشيرازي، وابن البنا، وأبي محمد وغيرهم، لأنها ولاية ثابتة، فجازت الوصية بها كولاية المال، ولأن له أن يستنيب في حياته، فكذلك بعد مماته كالمال، (وعنه) - واختاره أبو بكر - لا يستفاد بذلك، لأنها ولاية تنتقل إلى غيره، فلم تجز الوصية بها كالحضانة، يحققه أنه لا ضرر على الوصي في وضعها عند من لا يكافيها، فهو كالأجنبي.
2460 -
واستدل لها بما روى «ابن عمر رضي الله عنه قال: توفي عبد الله بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالاي. قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عبد الله بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة، يعني إلى أمها، فأرغبها في المال فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله، ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في
الكفاءة، ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها» قال: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة» ، رواه أحمد، والدارقطني. ولو استفاد ولاية النكاح بالوصية لملك الإجبار كالأب، ولم يكن لها معه إذن، وحمله القاضي على أنه كان وليا في المال، ويرده تعليله بقوله: صلى الله عليه وسلم هي يتيمة ولم يقل: ولايتك في المال، لا في النكاح، لكن قد يقال: إن هذه واقعة عين فيحتمل أن هذه اليتيمة كانت ابنة تسع، وهو الظاهر من القصة، ويلتزم أن ابنة تسع لا يزوجها أبوها إلا بإذنها، وكذلك وصيه في النكاح، بل قد يقال إن هذا الحديث يستدل به على أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية، لأنه زوج بذلك، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد يقال: إنما لم ينكر عليه لأن له ولاية بالعمومة، لكن إذاً يبقى ذكر ابن عمر وابن مظعون الوصية ضائعا.
(وعن أحمد) رواية ثالثة - حكاها القاضي في الجامع الكبير، وهي اختيار ابن حامد - إن كان ثم عصبة لم تستفد، حذارا من إسقاط حقهم، وإلا استفيدت، لعدم ذلك، وشرط
الخرقي أن يكون وصيا في النكاح، فلو كان وصيا في المال لم تكن له ولاية التزويج، لأنها إحدى الوصيتين، فلا تملك بها الأخرى، كوصية النكاح، لا يملك بها المال.
ثم ظاهر كلام المصنف والإمام والأصحاب أنه لا خيار للصبي والحال هذه إذا بلغ، قال القاضي: ووجدت في رقعة بخط أبي عبد الله جواب مسألة إذا زوجه نظرا للصغير وهو وصي، ثبت نكاحه وتوارثا، فإذا بلغ فله الخيار، انتهى.
وليس لغير الأب والوصي - من حاكم ووصي - تزويج الصغير والمجنون، لأنه إذا لم يكن لهما تزويج الصغيرة فالصغير أولى، وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب كما اقتضاه كلام الخرقي، وإليه ميل أبي محمد، وأجاز ذلك ابن حامد للحاكم خاصة، بشرط ميل المجنون للنساء، بأن يتتبعهن ونحو ذلك، وألحق أبو محمد بذلك ما إذا
قال أهل الخبرة إن علته تزول بتزويجه، وتبع القاضي في المجرد، وأبو البركات ابن حامد بغير شرط، لأنه يلي ماله، أشبه الأب، ومن هنا يخرج لنا قول أن الجد يزوج الصغير إن قلنا يلي ماله.
(تنبيهان) أحدهما كلام الخرقي فيما تقدم يشمل الأب الكافر، وصرح به القاضي، لأن الحظ والشفقة موجودة فيه، فأشبه المسلم، ولنا وجه في الكافر أنه لا يلي مال ولده الكافر، فيخرج هنا كذلك (الثاني) إطلاق الخرقي يقتضي أن للأب تزويج ابنه الصغير بأربع، وصرح به القاضي في الجامع الكبير، لأنه قد يرى المصلحة في ذلك.
قلت: وقال في المجرد: قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من واحدة، إذ حاجته تندفع بذلك. والله أعلم.
قال: وإذا زوج أمته بغير إذنها لزمها النكاح وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة.
ش: هذا هو المذهب المعروف، المجزوم به عند الأصحاب، لأن النكاح عقد على منفعتها، وهي مملوكة له أشبه إجارتها ونقل أبو عبد الله النيسابوري عن أحمد أنه سئل هل يزوج الرجل جاريته من غلامه بغير مهر؟ فقال: لا يعجبني إلا بمهر وشهود. قيل: فإن أبت هي، وقالت: لا أتزوج. فللسيد أن يكرهها على ذلك؟ قال: لا إلا بإذنها. قال أبو العباس: ظاهر هذا أن
السيد لا يجبر الأمة الكبيرة، بناء على أن منفعة البضع ليست بمال، بدليل أن المعسرة لا تلزم بالتزويج، ولا تضمن باليد اتفاقا، وملك السيد لها كملكه لمنفعة بضع زوجته، والقاضي ذكر هذا النص في الجامع الكبير، فيما إذا وجد أحدهما بالآخر عيبا به مثله، وقال: ظاهر هذا أنه لم يجعل للسيد إجبار أمته على نكاح العبد، وإن كان مساويا لها فيقتضي أن المساواة في النقص لا يمنع الفسخ، قال أبو العباس: وفي هذا نظر، إذ الرق من باب عدم الكفاءة، ولو زوجت المرأة بمن يكافئها في النسب ونحوه لم يكن لها فسخ بحال.
قلت: وتمام هذا أن العبد والحال هذه مكافئ للأمة، فلا يكون لها فسخ، وقد يقال: مسلم أنه لا فسخ لها لوجود المكافأة، وإنما لها الفسخ للعيب وهو الرق، إذ ليس للولي أن يزوج موليته بمعيب، كما هو مقرر في موضعه.
وقد شمل كلام الخرقي المدبرة، والمعلق عتقها بصفة، وأم الولد، والمكاتبة، وهو صحيح فيما عدا المكاتبة، لمساواتهن للأمة فيما تقدم، أما المكاتبة فليس له إجبارها على النكاح، لأنها قد ملكت منافعها عليه، ولهذا لا يجوز له وطؤها ولا إجارتها، والله أعلم.