الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومشقة، وهو اختيار أبي بكر ، والشيخين، لأن أهل العرف يعدون ذلك مضرا، وقال القاضي في تعليقه - وتبعه أبو الخطاب في خلافه الصغير -: هو ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة، كسفر الحجاز، وعن ابن عقيل: ما تستضر به المرأة من فوات الكفو الراغب، وقيل: يكتفى بمسافة القصر، لأن أحمد اعتبر البعد في رواية ابن الحارث وأطلق، انتهى.
وكل موضع لا توجد الغيبة المعتبرة فإن الولي ينتظر ويراسل، حتى يقدم أو يوكل.
وظاهر كلام الخرقي أن الشرط لتزويج الأبعد الغيبة المذكورة، فلو لم يعلم أقريب أم بعيد لم يزوج الأبعد، وهو ظاهر إطلاق غيره، وقال أبو محمد في المغني: يزوج الأبعد والحال هذه، قال: وكذلك إذا علم أنه قريب ولم يعلم مكانه وهو حسن، مع أن كلام الخرقي لا يأباه، وفي قول الخرقي: زوج من هو أبعد من عصبتها. إشعار بأن هذا الحكم في الحرة، وهو صحيح، إذ لو غاب سيد الأمة فطلبت النكاح في حال غيبته فإن الحاكم يزوجها، قاله القاضي في تعليقه مدعيا أنه قياس المذهب، والله أعلم.
[اشتراط الكفاءة في النكاح]
قال: وإذا زوجت من غير كفو فالنكاح باطل.
ش: الكفاءة شرط لصحة النكاح، على المنصوص والمشهور، والمختار لعامة الأصحاب (من الروايتين) .
2426 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب المسلم ممن ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» رواه الترمذي، وروي مرسلا، قال بعضهم: وهو أصح، ومفهومه أنه إذا لم يرض دينه ولا خلقه لا يزوج.
2427 -
وروى الدارقطني بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء.
2428 -
وعن أبي إسحاق الهمداني، قال: خرج سلمان، وجرير في سفر، فأقيمت الصلاة، فقال جرير لسلمان: تقدم. فقال سلمان: بل أنت تقدم، فإنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم، لأن الله تعالى فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم احتج بهما أحمد في رواية أبي طالب.
2429 -
وفي مراسيل أبي داود عن الحسن قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج الأعرابي المهاجرة» . ولأنه تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه فلم يصح، كما لو زوجت بغير رضاها، (والرواية الثانية) الكفاءة شرط للزوم النكاح دون صحته، اختاره أبو الخطاب في خلافه الصغير، وأبو محمد، وابن حمدان، لظاهر قول الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
2430 -
وقد «زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه من عثمان ومن أبي العاص» ، ونسبه صلى الله عليه وسلم من فوق نسبهما.
2431 -
وفي الصحيحين «أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه رضي الله عنه وهي قرشية» .
2432 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه» وقال: «إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة» رواه أبو داود. وبنو بياضة من الأنصار، وأبو هند حجام من مواليهم. وزاد أبو داود في المراسيل عن الزهري
فقالوا: يا رسول الله نزوج بناتنا من موالينا؟ فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] الآية، قال الزهري: نزلت في أبي هند خاصة. قال عبد الحق الإشبيلي: وقد أسند هذا والمرسل أصح.
2433 -
وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال:«جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.» رواه ابن ماجه، ورواه أحمد، والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة.
2434 -
وقد روي الجواز أيضا، عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم وحديث أبي هريرة إن صح نقول بموجبه، إذ مقتضاه أنه لا يجب
علينا تزويجه، وكذا نقول، ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل، وقصة عمر، وسلمان إن ثبتتا يحتمل أن ذلك منهما على سبيل الاختيار، يدل على ذلك أن عمر قال: لأمنعن. ولو كان هذا أمرا متحتما لمنع قطعا.
ومن نصر الأولى أجاب عن تزويجه صلى الله عليه وسلم بنتيه لعثمان ولأبي العاص بأنهما من العرب، والعرب لا تتفاضل على رواية، وكذلك قال أحمد في رواية أبي طالب وغيره في الجواب عن حديث أسامة، وأسامة عربي جرى عليه الرق، وعلى رواية
التفاضل هم من قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهما من قريش، وعن قصة أبي هند بأن أحمد ضعفه وأنكره في رواية أبي طالب وغيره، وكذلك بقية الآثار، قال المروذي: قلت لأبي عبد الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني بياضة أنكحوا أبا هند» فأنكره إنكارا شديدا، وأنكر الأحاديث الذي فيها نكاح غير الأكفاء، وقال مهنا: سألته عن هذه الأحاديث أن عمر أراد أن يزوج سلمان، والأحاديث التي جاءت: فلان تزوج فلانة، وفلانة تزوجت فلانا. قال: ليس لها إسناد، وأما حديث بريدة فالتزم القاضي في التعليق في الجواب عنه بأن المبطل عدم الكفاءة في النسب فقط، قال: والذي فقد هنا يحتمل أنه الدين، أو الصناعة، وقال ابن أبي موسى: هذا الرجل كان كفؤا لأنه ابن عمها وهو مسلم، ويحتمل أنه كان أعور أو أعرج، أو فقيرا، وذلك ليس بنقص في الكفء.
قلت: إذا لم يكن نقصا في الكفء فلم خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.
فعلى (الرواية الأولى) الكفاءة حق لله تعالى وللمرأة والأولياء حتى من يحدث، ولا يتصور العلم برضى الجميع، فيبطل النكاح، (وعلى الثانية) حق للمرأة والأولياء فقط، فعليها يمكن العلم بالرضا، ويتوقف على من هو له، فإذا رضيت المرأة والأولياء بغير كفؤ صح النكاح، لأن الحق لهم، وإن عقده بعضهم ولم يرض الباقون، فهل يقع العقد باطلا من أصله، أو صحيحا؟ على روايتين، حكاهما القاضي في الجامع الكبير، أشهرهما الصحة، لحديث الفتاة التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذه لمن لم يرض من المرأة والأولياء المستوين الفسخ، وهل للأبعد الفسخ مع رضى الأقرب، لما يلحقه من العار بفقد الكفاءة، أو لا فسخ له، لأنه كالمعدوم ولحجبه بالأقرب؟ فيه روايتان، أشهرهما الأولى، حتى أن القاضي في الجامع الكبير، قال: لا تختلف الرواية في ذلك.
(تنبيهان) : أحدهما: إذا حدثت الكفاءة وقت العقد، كما إذا أوجب النكاح لعبد، فقال السيد: قبلت النكاح له وأعتقته. فقال أبو العباس: قياس المذهب الصحة، قال: ويتخرج عدمها من رواية إذا أعتقا معا، (الثاني) حسب الإنسان ما يعده
من مفاخر آبائه، وقيل: شرف النفس وفضلها، (والكفؤ) المثل، (واليافوخ) وسط الرأس، والله أعلم.
قال: والكفؤ ذو الدين والمنصب.
ش: لما قال: إن الكفاءة شرط لصحة النكاح. أراد أن يبين الكفاءة ما هي، فقال: إنها الدين والمنصب، وهذا (إحدى الروايتين) عن أحمد، وإليها ميل أبي محمد، (أما في الدين) فلقول الله سبحانه وتعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] ويلتزم أن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من كل وجه، كما قد صرح به القاضي وغيره من أصحابنا، ولأن الفاسق مردود الشهادة والرواية، غير مأمون، مسلوب الولاية، ناقص عند الله وعند خلقه، فلا يكون كفؤا لعفيفة.
2435 -
(وأما في المنصب) وهو النسب فلأن في حديث عمر المتقدم، قال: قلت: وما الأكفاء؟ قال: في الحسب. رواه أبو بكر بإسناده، ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب، ويأنفون من
نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصا وعارا (والرواية الثانية) تعتبر الكفاءة في خمسة أشياء، الشيئين المذكورين، والحرية، والصناعة، واليسار، اختارها القاضي في تعليقه، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وأبو البركات، وصححها أبو محمد في الحرية، والشيرازي في اليسار.
2436 -
وذلك (أما في الحرية) فلأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت، وإذا ثبت الخيار في الاستدامة ففي الابتداء أولى، (وأما في
الصناعة) فلأن ذلك نقص في عرف الناس، أشبه نقص النسب.
2437 -
وقد روي «العرب بعضهم لبعض أكفاء، قبيلة لقبيلة، وحي لحي، ورجل لرجل، إلا حائك أو حجام» ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وهو ضعيف، وقد بالغ ابن عبد البر، فقال: إنه منكر موضوع. لكن أحمد قال: العمل عليه. لما قال له مهنا - وقد قال: الناس أكفاء إلا الحائك والحجام -: تأخذ بالحديث وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. (وأما في اليسار) فلأن في عرف الناس التفاضل بذلك.
2438 -
وقد قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها «أما معاوية فصعلوك لا مال له» .
تنبيهات: (أحدها) : قد تقدم أن الكفاءة هل هي شرط للصحة أو للزوم؟ على روايتين، وأن الكفاءة هل تعتبر في اثنين أو في خمسة؟ على روايتين أيضا، واختلف طرق الأصحاب هل روايتا الصحة واللزوم في الخمسة أو في بعضها، فقال القاضي في الجامع الكبير - وهو ظاهر كلامه في التعليق، وأبو الخطاب في الهداية، وأبو محمد وطائفة -: هما في الشرائط الخمسة، وقال في المجرد: محلهما في الدين والمنصب فقط، أما الثلاثة الباقية فلا تبطل، رواية واحدة، وجمع أبو البركات الطريقتين،
فجعل في المسألة ثلاث روايات، الثالثة: يختص البطلان بالمنصب والدين فقط، وقال القاضي في المجرد: يتوجه اختصاص البطلان بالنسب فقط، وهذه طريقته في الروايتين وفي التعليق، التزاما كما تقدم، وقال أبو العباس: لم أجد عن أحمد نصا ببطلان النكاح لفقر أو رق، ولم أجد عنه نصا بإقرار النكاح مع عدم الدين والمنصب، ونص على التفريق بالحياكة في رواية حنبل وعلي بن سعيد، وهذه طريقة خامسة.
(الثاني) : الكفاءة في الدين) أن لا يزوج العفيفة عن المحرم المفسق بفاسق من جهة فعل أو اعتقاد، وفي كون من شرب مسكرا ولم يسكر كفوا لمن تقدم روايتان، حكاهما ابن أبي موسى (والمنصب) هو النسب، فلا تزوج عربية بعجمي، والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء، على إحدى الروايتين أو الروايات عن أحمد - رحمة الله -، واختيار أبي محمد في العمدة، لما تقدم من أن «النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه عثمان وأبا العاص، وهما من بني عبد شمس، وزوج أسامة فاطمة بنت قيس وهي من قريش» .
2439 -
وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم، وهذا يدل على أن العرب كلهم في رتبة واحدة.
2440 -
وفي مسند البزار عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العرب بعضهم لبعض أكفاء، والموالي بعضهم لبعض أكفاء» إلا أن خالدا لم يسمع من معاذ، وحكى القاضي في الجامع الكبير، وأبو الخطاب والشيخان وغيرهم عن أحمد رواية أخرى أن القرشية لا تزوج لغير قرشي، والهاشمية لا تزوج لغير هاشمي، إذ العرب فضلت بقية الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش أخص به من سائر العرب، وبنو هاشم أخص به من قريش.
2441 -
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» ورد أبو العباس هذه الرواية،
وقال: ليس في كلام أحمد ما يدل عليها، وإنما المنصوص عنه في رواية الجماعة أن قريشا بعضهم لبعض أكفاء، قال: وكذلك ذكر ابن أبي موسى، والقاضي في خلافه، وحكى رواية مهنا: قريش أكفاء بعضهم لبعض، والعرب أكفاء بعضهم لبعض، وموالي القوم منهم، قال أبو العباس: ومن قال: إن الهاشمية لا تتزوج بغير هاشمي، بمعنى أنه لا يجوز فهو مارق من دين الإسلام، إذ قصة تزويج الهاشميات من بنات النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن بغير الهاشميين ثابت في السنة ثبوتا لا يخفى، فلا يجوز أن يحكى هذا خلافا في مذهب أحمد، وليس في لفظه ما يدل عليه، انتهى.
(قلت) : وكذلك حكى القاضي الرواية في الروايتين على نحو ما في الخلاف، وصححها، وحكى ابن عقيل في التذكرة المسألة على ثلاث روايات، فجمع طريقتي شيخه في الجامع وفي الخلاف.
(تنبيه) : يجوز للعجمي تزوج موالي بني هاشم، نص عليه في رواية أبي طالب.
2442 -
وقال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم من أنفسهم» هو في الصدقة، ويحتمل رواية مهنا المتقدمة «مولى القوم منهم» المنع.
أما ولد الزنا فلا يكون كفوا لعربية، لأنه أدنى من المولى، قاله أبو محمد، ومن أسلم كفو لمن له أبوان في الإسلام، نص عليه، وكيف لا والصحابة أفضل الأمة وأكفاء للتابعين، بلا تردد، (أما السلامة) من العيوب فلا يبطل عدمها قولا واحدا، نعم للمرأة الفسخ للعيب، لا لفوات الكفاءة انتهى.
(والكفاءة في الحرية) أن لا تزوج حرة بعبد.
قلت: ولا بمن بعضه رقيق، واختلف فيمن مسه أو مس أباه الرق، هل يكون كفوا لحرة الأصل؟ كلام أحمد يدل على روايتين، والجواز اختيار ابن أبي موسى، وأبي محمد، وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار، والمنع اختيار ابن عقيل، واختلف أيضا في موالي القوم هل هم أكفاء لهم؟ فعنه أنهم أكفاء لهم.
2443 -
لما روي أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: أصحبنا كيما تصيب منها. قال: لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله. فانطلق فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من
أنفسهم» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه، قوله: صلى الله عليه وسلم من أنفسهم يشمل في الصدقة وفي غيرها، (وعنه) - واختاره القاضي في الروايتين وأبو محمد - ليسوا بأكفاء لهم، قصرا على السبب وهو الصدقة، ولأنه إذا كافى سيدته كافى من تكافيه سيدته، فيبطل اعتبار المنصب.
(وأما الكفاءة) في الصناعة فتعتبر في الحجامة بلا خلاف نعلمه في المذهب، فلا تزوج بنت بزاز بحجام، وكذلك في الكساحة نص عليه، فلا تزوج بنت باني - وهو صاحب العقار، وقيل: الكثير المال - بكساح، وهل تعتبر في الحياكة؟ فيه روايتان، وما عدا هذه الثلاثة من الصنائع الرديئة كالحارس والمكاري والمزين والكباش والحمامي ونحوهم فلا نص فيه عن أحمد، قاله ابن عقيل، ثم من الأصحاب من قصر الحكم على الثلاثة مدعيا بأن الشرع لم يرد بغيرها، وأن القياس لا مدخل له هنا، ومنهم - وهو القاضي في الجامع، وأبو محمد -
من عدى ذلك إلى كل صناعة رديئة، قياسا على الحجامة.
(قلت) والظاهر أن الشرع لم يرد في الكساحة بشيء، فنص أحمد عليها دليل على لحظ المعنى.
ومعنى الكفاءة بالمال أن يكون بقدر المهر والنفقة، قاله القاضي، وأبو محمد في المغني، ولأن هذا الذي يحتاج إليه في النكاح، ولم يعتبر أبو محمد في الكافي إلا النفقة فقط، واعتبر ابن عقيل أن يكون بحيث لا يغير عليها عادة كانت عند أبيها في بيته.
(الثالث) : الكفاءة المعتبرة في الرجل دون المرأة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لا مكافئ له، وقد تزوج من أحياء العرب وتسرى.
2444 -
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران» متفق عليه، والمعنى في ذلك أن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه.
(الرابع) : قال أبو العباس: ينبغي أن يكون الخيار في الفسخ على التراخي، في ظاهر المذهب، لأنه لنقص في المعقود
عليه، فعلى هذا يسقط خيارها بما يدل على الرضى من قول وفعل، ولا يسقط خيار الأولياء إلا بالقول، وقال: إن قياس المذهب افتقار الفسخ إلى حاكم.
(الخامس) : إذا كانت الكفاءة المعتبرة حال العقد موجودة ثم زالت بعده، فإن النكاح لا يبطل بذلك قولا واحدا، لكن هل للمرأة والأولياء الفسخ، كما لو كانت معدومة قبل العقد ويعزى ذلك لأبي الخطاب، ويحتمله كلام شيخه في التعليق، أو لا يثبت لواحد منهما، أو يثبت ذلك للمرأة دون الولي، وهو الذي أورده المجد مذهبا؟ على ثلاثة أوجه، والله أعلم.
قال: وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة.
ش: لا نزاع بين أهل العلم فيما نعلمه في أن للأب تزويج ابنته البكر التي لم تستكمل تسع سنين وإن كرهت، بشرط أن يضعها في كفاية، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا، ودل عليه قوله سبحانه:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أي فعدتهن كذلك [أو على التقديم والتأخير، والتقدير: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، وعلى كل حال يدل] على أن الصغيرة تزوج وتطلق، لوقوع
العدة عليها، ولا إذن لها معتبرة والحال هذه.
2445 -
وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا» ، متفق عليه، وفي رواية لأحمد، ومسلم:«تزوجها وهي ابنة تسع» . ولا إذن لها إذا معتبرة.
2446 -
وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست، فقيل له. فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي.
واختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في من استكملت تسع سنين، فروي عنه كذلك وإن بلغت، وهي اختيار الخرقي وجمهور الأصحاب، القاضي ، وولده أبى الحسين وأبي الخطاب في خلافه، والشريف، وابن البنا، وأبي محمد وغيرهم.
2447 -
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها» رواه مسلم وغيره، وفي رواية في الصحيح «يستأمرها أبوها»
فتقسيم النساء قسمين، وإثبات الحق لأحدهما دليل على نفيه عن الآخر، وهي البكر، فيكون وليها أحق منها، وإلا فلا فائدة من التفرقة، لا يقال: الفائدة التفرقة في صفة الإذن، لأنا نقول: ظاهر الحديث أن الذي فرق فيه حق الولي، ألا ترى أنه ذكر صفة الإذن بعد، وعلى هذا فالإذن في حقها على سبيل الاستحباب، وعلى هذا فالعلة في الإجبار البكارة.
(وروي عنه) : لا يجبرها مطلقا، وهي أظهر، وقد قال الشريف: إنها المنصوص عنه.
2448 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال:«أن تسكت» .
2449 -
«وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، تستأمر النساء في أبضاعهن؟ قال: «نعم» قلت: فإن البكر تستأمر فتستحي؟ فقال: سكاتها إذنها» متفق عليهما.
2450 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد، وأبو داود. والعلة على هذا القول البكارة مع
صغر مخصوص. (وعنه) : تجبر ابنة تسع سنين، حكاها ابن أبي موسى وغيره لما تقدم، ولا تجبر البالغة، لأنها جائزة التصرف في مالها، أشبهت الثيب الكبيرة، والعلة على هذا القول الصغر والبكارة، وظاهر كلام ابن عقيل أن العلة على هذا القول الصغر، ومن نصر الأول حمل ما ورد من استئذان البكر على الاستحباب، أو على غير الأب، وأجابوا عن حديث ابن عباس بأن أبا داود، وأبا حاتم وغيرهما أعلوه بالإرسال، ثم يحتمل أن أباها زوجها من غير كفو فخيرت لذلك، وفي هذه الأجوبة نظر، أما الأول فظواهر الأحاديث تخالفه، ومثل هذا الظاهر لا يترك إلا بأقوى منه، وأما الثاني فالمرسل عندنا حجة على الصحيح، لا سيما وقد اعتضد بظواهر الأحاديث، وأما الثالث فالذي رتب عليه الحكم من دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه وعلم التأويل هو الكره لا غيره، وأما قوله: صلى الله عليه وسلم «الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأمر» فالمراد، والله أعلم، في الرد والإجابة في الخطبة، فالولي ليس له مع الثيب أمر في ذلك، ولهذا قال: تستأمر أي يطلب أمرها، بخلاف البكر فإنه لا مدخل لها في العادة في ذلك، وإنما تستأذن في الرضا بالنكاح فقط.
تنبيهات: (أحدها) قد تقدم التنبيه على علة الإجبار، وسيأتي أن لنا وجها أن الثيب الصغيرة تجبر مطلقا، وعلى هذا فالعلة في الإجبار الصغر، عكس الأول، لكن لا أعرف قائلا بذلك، وإنما أبو بكر يقول بإجبار ثيب لم تبلغ تسعا، فالعلة عنده صغر مخصوص، وأبو البركات ينتظم من كلامه أن في علة الإجبار ثلاث روايات، الصغر، البكارة، أحدهما، ويتلخص من مجموع ذلك ثلاثة أقوال.
(الثاني) : إذا قلنا لا تجبر المميزة بعد التسع هنا وفيما سيأتي فهل لها إذن صحيح فتزوج به؟ فيه روايتان، أنصهما وأشهرهما عن أحمد نعم، وبها جزم القاضي في تعليقه، وفي جامعه، ومجرده، وابن عقيل في فصوله وتذكرته، وأبو الخطاب في خلافه، والشريف وابن البنا، ونصبها الشيرازي، وهي ظاهر كلام أبي بكر كما سيأتي، لظاهر قول الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] الآية، مفهومه أنا إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة.
2451 -
وقد فسرته عائشة رضي الله عنها بذلك، واليتيمة من لم تبلغ، ولا أب لها، ومن هذه حالها لا تزوج إلا بإذنها.
2452 -
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها» رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
2453 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت لم تكره» رواه أحمد، وهذا يفيد أنها تزوج بإذنها وأن لها إذنا معتبرا.
2454 -
وإنما قيدنا ذلك ببنت تسع، لقول عائشة رضي الله عنها: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. رواه أحمد، وروي مرفوعا
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومعناه: في حكم المرأة، ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه، أشبهت البالغة، (وعن أحمد) رواية أخرى لا إذن لها صحيح، فلا تزوج حتى تبلغ كإذنها في المال.
وقول الخرقي: فوضعها في كفاية. مفهومه أنها إذا لم يضعها في كفاية أن النكاح غير ثابت، فيحتمل بطلانه، وهو مقتضى كلامه السابق، إذ من مذهبه أن الكفاءة شرط للصحة، ولا تفريع على هذا، أما إذا قلنا: إن الكفاءة شرط للزوم، ففي تزويج الأب والحال هذه روايتان:(إحداهما) : بطلان النكاح رأسا، لأنه نكاح محرم، أشبه نكاح المحرمة والمعتدة ونحوهما.
(والثانية) : لا تبطل، لأن النهي لحق آدمي، وقد أمكن تداركه بثبوت الخيار له، فأشبه تلقي الركبان ونحوه على المذهب، وقيل: إن علم بفقد الكفاية لم يصح للتحريم، وإلا صح في الحال، كالوكيل يشتري معيبا لم يعلم عيبه، وقيل: يصح إن كانت كبيرة، لاستدراك الضرر في الحال بثبوت الخيار لها، وإلا لم يصح، ومتى لم يبطل العقد فلها الخيار إن كانت كبيرة، دفعا للضرر الحاصل لها، قاله أبو محمد، ولا خيار لأبيها، لإسقاط حقه باختياره وإن كانت صغيرة فهل عليه الفسخ، لأنه لحظها أو لا فسخ له، ويمنع الزوج من الدخول بها حتى يصح إذنها، دفعا
للضرر الحاصل لها، فتختار؟ فيه وجهان، ولغير الأب من الأولياء الفسخ على الصحيح من الروايتين وقد تقدمتا، وعلى كل حال فلا يحل له أن يزوج من غير كفو، ولا من معيب.
وقول الخرقي: في كفاية. يحتمل أن يريد به الكفو، ويحتمل أن يريد ما هو أعم منه، فيدخل فيه المعيب.
(الثالث) : نفست المرأة. إذا ولدت، بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما، أما إن حاضت فبفتح النون لا غير، والله أعلم.
قال: وليس هذا لغير الأب.
ش: أي ليس لغير الأب من الأولياء تزويج البكر بدون إذنها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها» ونحو ذلك مما يقتضي أن اليتيمة لا تزوج إلا بعد الإذن، وهو يدل بطريق التنبيه على أن البالغة لا تزوج إلا بإذنها، إذا تقرر هذا فالطفلة لا إذن لها بالاتفاق، وإذا يمتنع تزويجها لفوات الشرط، أما إن بلغت تسع سنين ففيها الروايتان المتقدمتان، والمذهب منهما صحة إذنها، وتزويجها به كما تقدم، ولا عبرة بقول ابن المنجا أن المذهب أنها لا تزوج، لأنه اعتمد في ذلك على تقديم أبي محمد، وما استدل به من قصة قدامة بن مظعون، وقوله: صلى الله عليه وسلم «هي يتيمة ولا تزوج إلا بإذنها» دليل عليه، لأن ظاهره أن اليتيمة لها إذن صحيح تزوج به، انتهى.
، أما إن بلغت