الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب اللعان]
ش: اللعان مصدر: لاعن لعانا. إذا فعل ما ذكر، أو لعن كل واحد من الاثنين الآخر، قال أبو محمد: مشتق من اللعن، لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا، وقال القاضي: لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبا، فتحصل اللعنة عليه. انتهى، قال الأزهري: وأصل اللعن الطرد والإبعاد، يقال: لعنه الله أي باعده. والأصل في اللعان قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] إلى قَوْله تَعَالَى: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] .
2773 -
وعن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه «أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله
- صلى الله عليه وسلم؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها؛ فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآن، فاذهب فأت بها» قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها؛ فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم» ؛ قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. رواهما الشيخان، وأبو داود وهذا لفظه.
قال: وإذا قذف الرجل زوجته البالغة الحرة المسلمة، فقال لها: زنيت، أو يا زانية، أو رأيتك تزنين. ولم يأت بالبينة، لزمه الحد إن لم يلتعن، مسلما كان أو كافرا، حرا كان أو عبدا.
ش: الكلام على هذه المسألة أولا من جهة الإجمال، وثانيا من جهة التفصيل.
فأما من جهة الإجمال فإذا قذف الرجل زوجته التي هذه صفتها بما ذكر، ولم يأت بالبينة لزمه الحد، فإن التعن سقط عنه الحد، لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الآية، أوجب سبحانه الحد على رامي المحصنات إن لم يأت
بالبينة، وهو شامل للأزواج وغيرهم، ثم خص الأزواج بعد ذلك باللعان، تنبيها على أن اللعان قائم مقام البينة في إسقاط الحد.
2774 -
ويشهد لهذا ما في السنن عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «البينة وإلا حد في ظهرك» فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «البينة وإلا حد في ظهرك» مختصر، رواه البخاري وأبو داود، والترمذي وابن ماجه.
وأما من جهة التفصيل فقول الخرقي: إذا قذف الرجل زوجته، إلى آخره يقتضي أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين، وهو اتفاق في الجملة، أما قذف غير الزوجين فالواجب فيه إما الحد إن كانت المرأة محصنة، أو التعزيز إن لم تكن محصنة، لما تقدم من قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] إلى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] دل على أن كل رام يلزمه الحد، وأن الزوج له مع عدم البينة شيء آخر وهو اللعان، وكذلك لا لعان بقذف الأمة، وإن كان بينهما ولد، لأن اللعان، إنما ورد في الزوجات،
ويدخل في الزوجة الرجعية، لأنها زوجة، وكذلك من قذفها ثم أبانها، لأن القذف ورد على زوجته، وكذلك إذا قال لها: أنت طالق يا زانية ثلاثا؛ لأن قذفها حصل قبل بينونتها، ويستثنى من الأجنبية إذا قذفها في نكاح فاسد، أو أبانها ثم قذفها بزنا في النكاح، أو في العدة أو قال لها: أنت طالق ثلاثا يا زانية، فإن في هذه الصورة إن كان بينهما ولد لاعن لنفيه، للحاجة إلى ذلك، وإن لم تكن زوجة، لإضافة ذلك إلى الزوجية، وإلا حد ولم يلاعن، ويستثنى من الزوجة إذا قذف زوجته بزنا قبل النكاح، فإنه يحد ولا يلاعن على المذهب مطلقا، لإضافة القذف إلى حالة البينونة (وعنه) يلاعن مطلقا، نظرا إلى أنها زوجته، فيدخل في الآية الكريمة (وعنه) إن كان ثم ولد لاعن لحاجته إلى نفيه، وإلا لم يلاعن، انتهى، وقوله: البالغة الحرة المسلمة. إلى آخره، بيان لصفة الزوجين الذين يصح لعانهما، وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك، فروي عنه أن من شرطهما أن يكونا مكلفين، وإن كانا ذميين، أو رقيقين أو فاسقين، أو كان أحدهما كذلك، لعموم:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] وهذا شامل لكل زوج وزوجة، خرج منه غير المكلفين، لأن هذا لا يخلو من حد أو تعزير، وذلك لا يتعلق إلا بمكلف، وبنى القاضي وغيره ذلك على أن اللعان يمين، واليمين لا يشترط لها إسلام ولا حرية، ولا عدالة، ودليل ذلك افتقار اللعان إلى اسم الله تعالى.
2775 -
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة هلال: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» وهذه الرواية هي اختيار القاضي في تعليقه، وجماعة
من أصحابه، كالشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي وابن البنا، واختيار أبي محمد أيضا وغيره (وعنه) يشترط التكليف الإسلام والحرية والعدالة، فلا لعان إلا من مسلمين حرين عدلين، وعلله أحمد بأنه شهادة، وذلك لوجود لفظ الشهادة فيه، ولأن الله سبحانه قال:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] فجعلهم شهداء (وعنه) رواية ثالثة: لا يصح اللعان إلا من المحصنة وزوجها المكلف، ولا لعان في قذف يوجب التعزير، لأن الله تعالى قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ثم قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآية، وظاهره المحصنات (وعنه) لا لعان بقذف غير المحصنة، إلا لولد يريد نفيه، وهذا اختيار القاضي في المجرد، نظرا للحاجة لنفي الولد، وظاهر كلام الخرقي الثالثة، لأنه اعتبر في الزوجة البلوغ والحرية والإسلام، ولم يعتبر ذلك في الزوج، والقاضي والشريف وأبو الخطاب قالوا: إن اختياره الثانية.
واعلم أن في كلام الخرقي تساهلا، لأنه قال: لزمه الحد إن لم يلتعن، مسلما كان أو كافرا. والحد إنما يجب بقذف المسلمة، والكافر لا يكون زوجا لمسلمة، وقد يحمل على ما إذا أسلمت فقذفها في عدتها، فإن هنا يلزمه الحد وإن كان كافرا، وله أن يلتعن لإسقاطه إن كان بينهما ولد كما تقدم. انتهى، وقوله:
فقال لها: زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين، بيان للألفاظ التي يصير بها قاذفا، ويترتب عليها اللعان، ولا يشترط أن يضيف ذلك إلى الرؤية، لعموم:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] ولا أن يقذفها بزنا في القبل، بل لا فرق بين القبل والدبر، ولو قذفها بغير الزنا، أو بزنا لكن في غير الفرج فلا حد ولا لعان، ولو لم يقذفها بالزنا أصلا، بأن قال: لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني. ونحو ذلك، فيأتي إن شاء الله تعالى، وقوله: ولم يأت بالبينة لزمه الحد إن لم يلتعن، تقدم الكلام عليه أولا، وظاهر كلامه أنه إذا قدر على البينة له أن يلتعن وهو كذلك، لأنهما بينتان، فكان له الخيرة في أيهما شاء والله أعلم.
قال: ولا يعرض له حتى تطالبه زوجته.
ش: يعني لا يعرض له في طلب حد ولا لعان حتى تطالبه زوجته، لأن ذلك حق لها، فلا يقام إلا بطلبها، كبقية حقوقها، ولا يملك وليها المطالبة، وإن كانت صغيرة أو مجنونة، أو أمة، لأنه حق ملحوظ فيه التشفي، فليس لغير من هو له طلبه كالقصاص، فإن أراد الزوج اللعان من غير طلبها، ولا ولد لم يكن له ذلك بلا نزاع عندنا، وكذلك مع وجود الولد على أكثر نصوص الإمام أحمد، لأنه أحد موجبي القذف، فلا يشرع مع عدم المطالبة كالحد، واختار القاضي أن له اللعان وحده، لأجل نفي الولد، لحاجته إلى ذلك، وجعله أبو البركات قياس رواية أنه يلاعن إذا نفى الولد، ولم يرمها بالزنا، بأن قال: لم تزن والولد ليس ولدي. ونحو ذلك، كما سيأتي، وهكذا الخلاف في كل موضع تعذر فيه اللعان من جهتها، كما