الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المنع من قبلها لا من قبله، ولعل هذا يلتفت إلى أصل تقدم، وهو أنه يصح الإيلاء ممن يتعذر وطؤها، والعامة على الصحة، فقياس قولهم هنا الاحتساب، وأبو محمد يقول ثم لا يصح، وهنا جرى على ذلك، وعلى هذا القول إن طرأ العذر استأنفت المدة عند زواله، لأن ظاهر الآية يقتضي توالي الأربعة أشهر، وخرج أن يسقط أوقات المنع، وتبني ويستثنى على هذا القول الحيض، فإنه يحتسب من مدته بلا ريب، لئلا يودي إلى إسقاط حكم الإيلاء، لأن الغالب أنه لا يخلو منه شهر، وفي الاحتساب بمدة النفاس وجهان، واعلم أن من شرط مضي الأربعة أشهر والطلب عقبهن أن لا تنحل اليمين فيهن بحنث ولا تكفير ولا غيره، كما إذا أبانها في أثناء المدة، ولم يعدها إلى نكاحه حتى انقضت، لأن المقتضي للطلب الإيلاء وقد زال.
[معنى الفيئة في الإيلاء]
قال: والفيئة الجماع.
ش: الفيئة هي الرجوع عن الشيء الذي قد لابسه الإنسان، والزوج قد لابس الامتناع من الوطء، فيرجع عنه ويجامع، وهذا في حق القادر على الوطء كما سيأتي.
قال: أو يكون له عذر من مرض أو إحرام، أو شيء لا يمكن معه الجماع، فيقول: متى قدرت جامعتها. فيكون ذلك من قوله فيئة.
ش: يعني أن القادر على الوطء فيئته الجماع بلا ريب، أما العاجز عن الوطء لمرض ونحوه ففيئته باللسان، لأنه لما عجز عن
الوطء، قام اللسان مقامه، لأنه الذي يقدر عليه، فيدخل تحت «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ثم اختلف الأصحاب في صفة ذلك، فقال الخرقي: يعدها فيقول: متى قدرت جامعتك. وعلى هذا لو كان مجبوبا قال: لو قدرت جامعتك. وتبعه على ذلك القاضي في المجرد، وحسنه أبو محمد، وزاد القاضي في تعليقه أن يقول مع ذلك: قد ندمت على ما فعلت، وقال هو: إن صفة الفيئة أن يقول: فئت إليك. وهو مقتضى قول عامة أصحابه، ووقع في كلام القاضي أن المسألة على روايتين، وانبنى على ذلك إذا قدر على الوطء هل يلزمه؟ فالخرقي وأبو محمد يقولان يلزمه، وفاء بالوعد، وإليه ميل القاضي في الروايتين، وهو لازم قوله في المجرد، قال القاضي: وقد أومأ إليه أحمد في رواية حنبل، إذا فاء بلسانه، وأشهد على ذلك كان فايئا، قال: ومعنى قوله: أشهد على ذلك. أي أشهد على ما به من العذر أنه لو كان قادرا أو قدر على ذلك فأنا
أفعل؛ واختار القاضي في التعليق وجمهور أصحابه، كالشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وقبلهما أبو بكر أنه لا يلزمه، لحصول الواجب عليه وهو الفيئة، إذ لا وعد، قال القاضي في التعليق وفي الجامع، متابعة لأبي بكر - إنه ظاهر كلام أحمد في رواية مهنا، وسئل إذا آلى من امرأته وهو غائب عنها، بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر، أو تكون صغيرة أو رتقاء أو حائضا، يجزيه أن يفيء بلسانه وقلبه، إذا كان لا يقدر عليها، وقد سقط عنه الإيلاء، واعترض ذلك القاضي في الروايتين، فقال: معنى قوله: سقط عنه الإيلاء، يعني في الحال، لا أنه سقط مطلقا، وقد ذكر الخرقي ممن يفيء بلسانه المحرم، ولم يفرق بين أن تطول مدة إحرامه أو تقصر، قال أبو محمد: وكذلك على قياسه الاعتكاف المنذور، وقال أبو البركات يمهل المحرم حتى يحل، وأطلق ثم قال بعد ذلك: إن الزوج إذا كان به عذر من مرض أو إحرام، أو صوم فرض ونحوه، وطالت مدته، فاء فيئة المعذور، مع أنه قدم أن المظاهر لا يمهل لصيام الشهرين، بل يؤمر بالطلاق، وكذلك قال أبو محمد: إنه لا يمهل لصوم الشهرين، وخرج من المحرم فيه قولا أنه يمهل، وقولا أنه يفيء فيئة المعذور، انتهى.
قلت: وهذا من أبي البركات ظاهره التناقض. قال: فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق.
ش: إذا لم يفعل الفيئة الواجبة - وهي الجماع - مع القدرة، أو
القول مع عدمها، أمر بالطلاق، لظاهر قول الله تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226]{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] فظاهرها أنه إذا لم يفء يطلق، وكذا فهمت الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وقد تقدم، وأيضا فإن الله سبحانه قال:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وإذا لم يفء فلم يمسك بمعروف، فتسريح بإحسان. والله أعلم.
قال: فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار القاضي في تعليقه، والشريف وأبي الخطاب والشيرازي، وأبي محمد وغيرهم، لأنه حق تدخله النيابة، مستحقه متعين، فإذا امتنع من هو عليه من الإيفاء، كان للسلطان الاستيفاء كالدين، وخرج إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة، ولم يختر، لم يملك الحاكم الاختيار، لأن الحق غير متعين (والرواية الثانية) ليس للحاكم أن يطلق عليه، بل يحبسه ويضيق عليه حتى يطلق، لأن الله تعالى أضاف الطلاق إليه بقوله:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} [البقرة: 227] .
2752 -
ولعموم «الطلاق لمن أخذ بالساق» وحملا على حال الاختيار، وظاهر كلام الخرقي أن المولي إذا طلق واحدة اكتفي
بها، ولا ريب في ذلك، وظاهر كلامه أنها تكون رجعية، كالطلاق من غيره، وسيصرح بذلك، وذلك لأنه طلاق صادف مدخولا بها، من غير عوض ولا استيفاء عدد، فوجب أن يكون رجعيا، كما لو لم يكن موليا، وهذا إحدى الروايتين، واختيار أبي بكر، والقاضي وأصحابه، كالشريف وأبي الخطاب، والشيرازي، وابن عقيل، وأبي محمد (والرواية الثانية) يكون بائنا، لأن الطلاق إنما ثبت دفعا للضرر عنها، بامتناعه من وطئها، ومع كونه رجعيا لا يزول الضرر، لإمكان مراجعتها، وأجيب بأن الضرر يزول بضرب المدة بعد الرجعة إن بقيت مدة الإيلاء.
قال: فإن طلق عليه ثلاثا فهي ثلاث.
ش: الحاكم مخير بين أن يفسخ النكاح وبين أن يطلق، فإن فسخ فهل يقع بذلك طلاق؟ على روايتين، حكاهما الشيرازي وجمهور الأصحاب، والمشهور المعروف أنه لا يقع، وعليه فهل تحرم عليه على التأبيد كفرقة اللعان، وهو اختيار أبي بكر أو تحل له وهو المذهب؟ على قولين، حكاهما أبو بكر. وامتنع ابن حامد وجمهور الأصحاب من ذلك، وجعلوا محلهما في فرقة اللعان، وهكذا الطريقتان في كل فرقة من الحاكم، وإن طلق
فله أن يطلق واحدة واثنتين وثلاثا، نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، لأنه قام مقامه، فملك ما يملكه، كما لو وكله في ذلك، وإذا طلق دون الثلاث فهل ذلك رجعي أو بائن؟ مبني على طلاق المولي (وعنه) رواية ثالثة - وهي المنصوصة - أن طلاق الحاكم بائن، لأنه موضوع لرفع النزاع، وطلاق المولي رجعي لما تقدم.
قال: وإن طلق واحدة، وراجع وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر، كان الحكم كما حكمنا في الأول.
ش: هذا تصريح من الخرقي بأن طلاق المولي يكون رجعيا، فإذا طلق وراجع نظرت في المدة، فإن بقي منها قدر مدة الإيلاء - وهو أكثر من أربعة أشهر على المذهب - كان الحكم كما لو حلف ابتداء، في أنه تضرب له المدة، ثم يؤمر بعدها بالفيئة، فإن فاء وإلا أمر بالطلاق، فإن طلق وإلا طلق الحاكم عليه، وجميع ما تقدم يجري هنا، وذلك لأنها زوجة ممنوع من وطئها بيمينه، أشبه ما لو لم يطلقها، وفقهه أن الحكمة في ضرب المدة في النكاح الأول زوال الضرر عنها، وهذا موجود في النكاح الثاني.
ومقتضى كلام الخرقي أنه إذا وقف فطلق أنه لا يبدأ بالمدة من حين طلق، بل من حين راجع، وهو مقتضى قول القاضي وغيره من الأصحاب، قال أبو محمد: ومقتضى قول ابن حامد أنه إذا طلق استؤنفت مدة أخرى من حين طلق، فإن تمت قبل انقضاء العدة وقف ثانيا، فإن فاء وإلا أمر بالطلاق، وهذا أخذه من قول ابن حامد: إنه إذا صح الإيلاء من الرجعية على
المذهب تكون المدة من حين اليمين، وهو قول أبي بكر أيضا، قال القاضي: وهو قياس المذهب، بناء على أن الرجعية مباحة، وهذا من القاضي يقتضي أن على قول الخرقي لا يحتسب بالمدة إلا من حين الرجعة، إذ الرجعية عنده محرمة، وصرح بذلك أبو محمد فقال: يجيء على قول الخرقي أنه لا يحتسب بالمدة إلا من حين الرجعة، وملخصه أن هنا شيئين أحدهما إذا آلى من الرجعية وصححناه، فالمدة على المعروف من حين اليمين، وأبو محمد يأخذ من قول الخرقي بتحريم الرجعية، أن المدة لا تكون إلا من حين الرجعة، وهذا يجيء على قول أبي محمد، من أنه إذا كان مانع من جهتها لم يحتسب عليه بمدته، أما على قول غيره بالاحتساب فلا يتمشى، وإذا قول القاضي: إن هذا قياس المذهب، بناء على أن الرجعية مباحة. ليس بجيد، بل هو قياس المذهب، وإن قلنا بتحريمها، ولهذا قال هو وغيره: إن المدة من حين اليمين (الشيء الثاني) إذا وقف فطلق طلاقا رجعيا، فكل من وقفت على كلامه من الأصحاب يقول: لا تبتدئ المدة من حين الطلاق، وأبو محمد خرج من قول ابن حامد أن المدة تبتدئ من حين الطلاق، وهو غير مسلم له، والله أعلم.
قال: ولو أوقفناه بعد الأربعة أشهر فقال: قد أصبتها. فإن كانت ثيبا كان القول قوله مع يمينه.
ش: نظرا للأصل، إذ الأصل بقاء النكاح، والمرأة تدعي ما يلزم منه رفعه، ولا ريب أن القول قول مدعي الأصل، لأن الظاهر معه، ثم هل ذلك مع يمينه؟ اختلفت نسخ الخرقي، وأبو بكر يختار أن لا يمين، والمسألة فيها روايتان، ومفهوم كلام الخرقي أنها إذا كانت بكرا كان القول قولها، وهذا مشروط بما إذا شهدت البينة ببقاء عذرتها، وإلا فالقول قول الزوج لما تقدم، والله أعلم.
قال: ولو آلى منها فلم يصبها حتى طلقها، وانقضت عدتها منه، ثم نكحها وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر، وقف لها كما وصفت.
ش: لما تقدم فيما إذا طلقها ثم راجعها إذا والحال هذه هو ممتنع من وطء زوجته بيمينه، أكثر من أربعة أشهر، فأشبه ما لو لم يطلق، وقوله: أكثر من أربعة أشهر. بناء على المذهب، وعلى هذا لو بقي أقل من ذلك لم تضرب له مدة، وقوله: كما وصفت. من أنه يؤمر بعد مضي المدة بالفيئة، فإن لم يفء أمر بالطلاق، فإن طلق وإلا طلق الحاكم عليه لما تقدم.
قال: ولو آلى منها واختلفا في مضي الأربعة أشهر، كان القول قوله، في أنها لم تمض مع يمينه.
ش: لأن الاختلاف في ذلك يرجع إلى الاختلاف في وقت اليمين، ولو اختلفا في وقت اليمين كان القول قوله بلا ريب، إذ الأصل عدم الإيلاء في ما تقدم، ويكون ذلك مع يمينه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ولكن اليمين على المدعى عليه» واختار أبو بكر والقاضي أنه لا يمين، لأنه اختلاف في حكم من أحكام النكاح، أشبه الاختلاف في أصل النكاح، والله سبحانه وتعالى أعلم.