الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومختار أبي محمد أنه يلاعن، وكلام أبي البركات محتمل لجريان الخلاف، وأن الصحيح عنده مشروعية اللعان، ومناط المسألة عند القاضي أن لا يكون له طريق إلى نفي الولد إلا اللعان، والمناط عند أبي محمد والخرقي أن يقذف زوجته بالزنا، والمناط عند أبي البركات أنه يحتاج إلى نفي الولد، وإن أمكن نفيه بالعرض على القافة، ونحو ذلك، لأن القافة قد تتعذر، وقد يشتبه الأمر عليها، ونحو ذلك.
(التنبيه الثاني) حيث شرع اللعان في هذه الصور فإن الولد ينتفي بمجرد لعان الزوج وحده، ذكره أبو البركات، والله أعلم.
[اللعان الذي يبرأ به من الحد]
قال: واللعان الذي يبرأ به من الحد أن يقول الزوج بمحضر من الحاكم: أشهد بالله لقد زنت. ويشير إليها، وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها، حتى يكمل ذلك أربع مرات، ثم يوقف عند الخامسة ويقال له: اتق الله، فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن أبى إلا أن يتم فليقل: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فيما رماها به من الزنا، وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب. أربع مرات، ثم توقف عند الخامسة، وتخوف كما يخوف الرجل، فإن أبت إلا أن تتم فلتقل: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فيما رماني به من الزنا، ثم يقول الحاكم: قد فرقت بينكما.
ش: هذا بيان لصفة اللعان، والأصل فيه في الجملة الآية الكريمة، وقد تقدمت.
2789 -
وظاهر كلام الخرقي أن جميع ما ذكره تتوقف صحة اللعان عليه، فيكون شرطا فيه، ونحن نتكلم عليه مفصلا، فأما كون ذلك بمحضر الحاكم فلا بد منه.
2790 -
لأن في «قصة هلال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرسلوا إليها، فتلا عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الدنيا
أهون من عذاب الآخرة، فقال هلال: والله لقد صدقت عليهما، فقالت: كذب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاعنوا بينهما» » وظاهره أنه كان بحضوره، وكذلك بقية الأحاديث، تدل على ذلك، نعم لو كانت المرأة خفرة، بعث الحاكم من يلاعن بينهما، إذ هو نائب عنه، ونائبه قائم مقامه، وأما كون الزوج يقول: أشهد بالله أربع مرات. فللآية الكريمة والحديث، وأما كونه يقول: لقد زنت. فلأن الذي يشهد به هو زناها، وأما كونه يشير إليها فلتتميز عن غيرها، وهذا إذا كانت حاضرة، فإن كانت غائبة أسماها ونسبها، حتى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها، وهذا كله شرط، وقيل لأحمد: كيف يلاعن؟ قال: على ما في كتاب الله، يقول أربع مرات: أشهد بالله إني فيما رميتها به من الزنا لمن الصادقين. وهو ظاهر النصوص، والخرقي رحمه الله تعالى استغنى عن ذلك بقوله: لقد زنت. لأن معناهما واحد، قال أبو محمد: واتباع لفظ النص أولى وأحسن.
2791 -
وأما كون الزوج يوقف بعد الرابعة، ويقال له ما ذكر، فلأن في «حديث هلال لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لاعنوا بينهما» فقيل لهلال: اشهد. فشهد: {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6] فلما كانت الخامسة قيل: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخر، وإن هذه الموجبة التي
توجب العذاب. فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها، فشهد:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] ثم قيل لها: اشهدي. فشهدت: {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت:{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] » الحديث رواه أبو داود وأحمد، وهو ظاهر النصوص، وهذا الإيقاف والموعظة مستحبان عند الأصحاب، لأنهما ليسا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الصحيح، وإنما فيه الموعظة أولا، وأما كونه إن لم يرجع وأبى إلا أن يتم فليقل: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، للآية الكريمة والحديث، وهذا أيضا شرط، إلا أنه لو أبدل لفظة اللعنة بالإبعاد أو بالغضب ففي الإجزاء ثلاثة أوجه (ثالثها) الاجتزاء بالغضب لا بالإبعاد، وفي إبدال لفظه أشهد بأقسم أو أحلف وجهان، أصحهما: لا يجزئ: وقال الوزير ابن هبيرة من أصحابنا: من اشترط من الفقهاء أنه يزاد بعد قوله: {مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] : فيما رميتها به من الزنا. اشترط في نفيها عن نفسها: فيما رماني به من الزنا. ولا أراه يحتاج إلى ذلك، لأن
الله تعالى أنزل ذلك وبينه، ولم يذكر هذا الاشتراط، وأما كون المرأة تقول بعد ذلك: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، أو لقد كذب. على ما قال الخرقي إلى آخره، فلما تقدم، وهو كله أيضا شرط إلا الموعظة والإيقاف كما في الرجل، وإذا أبدلت الغضب باللعنة لم يجز، لأن الغضب أبلغ، وإن أبدلت الغضب بالسخط فوجهان، وقد تضمن كلام الخرقي أن لعان الزوج مقدم، وهو كذلك، فلو ابتدأت المرأة لم يعتد بذلك، وكذلك الترتيب في الألفاظ شرط، واعلم أن من شرط اللعان أيضا الإلقاء من الحاكم أو نائبه، فلو ابتدأ الرجل من غير إلقاء لم يعتد به، كما لو حلف من غير أن يأذن له الحاكم، أو شهد من غير سؤال، والله أعلم.
قال: فإن كان بينهما في اللعان ولد ذكر الولد، فإذا قال: أشهد بالله لقد زنت، يقول: ما هذا الولد ولدي. وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب، وهذا الولد ولده.
ش: قد تقدم أنه يشترط لنفي الولد ذكره في اللعان، وأنه لا ينتفي إلا بذلك، على مختار الخرقي، ثم إن الخرقي اكتفى بأن يقول: وما هذا الولد ولدي. وتبعه على ذلك أبو محمد، وقال القاضي: يشترط أن يقول: هذا الولد من زنا، وليس هو مني. يعني خلقا وخلقا، والله أعلم.
قال: فإن التعن هو ولم تلتعن هي فلا حد عليها، والزوجية بحالها.
ش: أما انتفاء الحد عنها فلا نعلم فيه خلافا في مذهبنا، لأن
الحد يدرأ بالشبهة، ونكولها شبهة، لأنه يحتمل أن يكون لشدة حيائها، أو لعقدة على لسانها، أو غير ذلك، وهذا شبهة فدرأت الحد.
2792 -
ويرشح هذا قول عمر رضي الله عنه: إن الحد على من زنا وقد أحصن، إذا كانت بينة، أو كان الحمل أو الاعتراف، وظاهره أنه لا حد بغير ذلك، وقول الله سبحانه:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: 8] يحتمل أن يراد بالعذاب الحد، ويحتمل أن يراد الحبس، ويحتمل أن يراد غيره، فلا يثبت الحد بالاحتمال، وأما كون الزوجية بحالها فلأن الفرقة إنما تحصل بالتعانهما، ولم يوجد ذلك.
وظاهر كلام الخرقي أنه يخلى سبيلها، وهو إحدى الروايتين، واختيار أبي بكر، لأن هذا لعان لم يوجب حدا، فلم يوجب حبسا، كما لو لم تكمل البينة، (والثانية) : وهي اختيار القاضي، وأبي علي بن البنا، والشيرازي وغيرهم - أنها تحبس حتى تقر أو تلاعن، نظرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: 8] فإذا لم تشهد لم يندرئ العذاب عنها، وإنما قلنا: العذاب الحبس لآية النساء وهي قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] الآية إلى {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] وإنما لم يقل إنه الحد حذارا
من ارتكاب الأثقل بالاحتمال، ومقتضى كلام الخرقي أن الولد لاحق له، وهو كذلك، والله أعلم.
قال: وكذلك إن أقرت دون الأربع مرات.
ش: يعني لا حد عليها، لأنه لم يثبت بلعانه كما تقدم، ولا بإقرارها المذكور، إذ شرط ثبوت الحد عليها بالإقرار أن تقر أربعا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والزوجية بحالها كما تقدم، وحكم هذه حكم من نكلت على ما تقدم، في حبسها أو تخليتها، وفي أن الولد لاحق بالزوج على المنصوص، وقد تقدم فيه قول آخر أن للزوج أن يلتعن وحده لنفيه، وحكى ابن حمدان قولا أنها إذا أقرت بعد النكول ثلاثا أنها تحد، وكأن مدركه أن شهادة الرجل بمنزلة شاهد، فقد وجد بلعانه ربع النصاب، وبإقرارها ثلاثة أرباعه، ويلزم على هذا لو أقرت ثلاث مرات، وشهد شاهد أنها تحد، ولا أعرف النقل في ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.