الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلبت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى لأجل القرابة، لم يجز الجمع، وإلا جاز، إذ لو قلبت امرأة الأب ذكرا لاقتضى لها جواز التزوج ببنت الزوج، إذ لا قرابة بينهما، وإنما المنع للصهرية، والله أعلم.
[حرائر أهل الكتاب وذبائحهم]
قال: وحرائر أهل الكتاب، وذبائحهم حلال للمسلمين.
ش: لقول الله سبحانه: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5] وهذا يخصص قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] الآية.
2520 -
وقيل عن ابن عباس إنها نسخت بها، وقيل: لفظ المشركين لا يتناول بإطلاقه أهل الكتاب، بدليل قوله سبحانه:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وقوله: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 105]
وهو كثير، مع أن جواز نكاح حرائر أهل الكتاب إجماع أو كالإجماع، قال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل تحريم ذلك، إلا أن أحمد قال في رواية ابن إبراهيم: اختلفوا في اليهود والنصارى، أما المجوس فلم يختلفوا فيهم.
2521 -
وذكر البخاري عن نافع عن ابن عمر، كان إذا سئل عن نكاح النصرانية أو اليهودية، قال: إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله تعالى.
وقد دخل في كلام الخرقي الحربيات من الكتابيات، وهو أحد الأقوال، اختاره القاضي في المجرد وغيره، لدخولهن في الآية الكريمة، وقيل: لا يجوز مطلقا، حملا لآية المنع على ذلك، وآية الجواز على غير الحربيات، وقيل: يجوز في دار الإسلام لا في دار الحرب، وإن اضطر، وهو منصوص أحمد في غير رواية، واختيار ابن عقيل، وقيل بالجواز في دار الحرب مع الضرورة، وهو اختيار طائفة من الأصحاب، ونص عليه أحمد أيضا،
وعلل الإمام المنع في دار الحرب من أجل الولد، لئلا يستعبد، ويصير على دينهم.
2522 -
وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أنه كره ذلك، وفي أخرى أنه قال: لا يتزوج. وعامة نصوص أحمد في الأسير، فعلى تعليل أحمد لا يتزوج ولا مسلمة، ونص عليه في رواية حنبل، بل ولا يطأ زوجته إن كانت معه، ونص عليه في رواية الأثرم وغيره، وعلى مقتضى تعليله له أن يتزوج آيسة أو صغيرة.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يباح له نكاح الإماء الكتابيات، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، وأنه لا يباح له نكاح مشركة غير كتابية ولا طعامها، وذلك لقوله سبحانه:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] خرج من ذلك أهل الكتاب بما تقدم، فبقي من عداهم من عبدة الأوثان، والمرتدين، والمكفرين من أهل الملة، والمجوس ونحوهم، على مقتضى المنع.
2523 -
فإن قيل: قد روي عن علي كرم الله وجهه أن المجوس لهم كتاب.
2524 -
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ومن سنة أهل الكتاب حل نسائهم.
قيل قد قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] الآية، فبين سبحانه أنه أنزل القرآن كراهة أن يقولوا ذلك، ولو أنزل على أكثر من طائفتين لكان هذا القول كذبا، وأيضا قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: 17]
فذكر الملل الست، وأنه يفصل بينهم يوم القيامة، ولما ذكر الملل اللاتي فيها سعيد لم يذكر المجوس ولا المشركين، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 62] ولو كان في المجوس والمشركين سعيد لذكرهما كما ذكر اليهود والنصارى، إذ لو كان لهم كتاب لكانوا قبل النسخ على هدى.
2525 -
وقد روى وكيع عن سفيان، عن قيس، عن الحسن بن محمد ابن علي، قال:«كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل، ومن أبى ضربت عليه الجزية، على أن لا تؤكل لهم ذبيحة، ولا تنكح لهم امرأة» .
2526 -
وهذا وإن كان مرسلا، فقد عضده قول خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل جمهور أهل العلم، وأما ما روي عن
علي فقد أنكره أحمد في رواية محمد بن موسى، وقال إنه باطل.
2527 -
وأنكر أيضا ما روي عن حذيفة أنه تزوج مجوسية، ثم لو صح حمل على أنه كان بأيديهم ثم رفع، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي في الجزية، وهو يدل على أنه لا كتاب لهم.
وكما فهمته الصحابة، والدماء تعصم بالشبهات، وعكسها الفروج والذبائح لا تباح بالشبهات، لا يقال: الحديث وإن فهم منه أنه ليس لهم كتاب، إلا أنه يدل على أنه يسن بهم سنة أهل الكتاب، أي طريقتهم، ومن طريقتهم حل نسائهم وذبائحهم، لأنا نقول: الحديث لا عموم فيه، إذ التقدير: سنوا بهم سنة مثل سنة أهل الكتاب، والنكرة في سياق الإثبات لا عموم لها، ولئن سلم شمول الحديث للنكاح والذبائح لكنه يخص بمفهوم قوله سبحانه:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] الآية.
(تنبيه) أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل، فأهل التوراة اليهود، والسامرة، وأهل الإنجيل النصارى، ومن وافقهم في أصل دينهم من الفرنج، والأرمن وغيرهم، وأما الصائبة فقال أحمد: هم جنس من النصارى. وقال في موضع آخر: بلغني أنهم يسبتون فألحقهم باليهود، قال أبو محمد: والصحيح أن من وافق اليهود أو النصارى منهم في أصل دينهم، وخالفهم في فروعه فهو منهم، ومن خالفهم في أصل دينهم فليس منهم، وأما المتمسك بصحف إبراهيم وشيث، وزبر داود، فليسوا
بأهل كتاب على الصحيح، ذكره ابن عقيل وغيره، فلا تحل نساؤهم، ولا ذبائحهم، لقوله سبحانه:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] الآية، وقيل: إنهم من أهل الكتاب، فتحل نساؤهم وذبائحهم، ويقرون بالجزية، ومن عدا من ذكرنا فليسوا بأهل كتاب، والله أعلم.
قال: وإذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيا، والآخر وثنيا، لم ينكحها مسلم.
ش: هذا الذي قطع به عامة الأصحاب، الخرقي، وأبو بكر في الشافي والمقنع، وابن أبي موسى، والقاضي في المجرد، والجامع، والخلاف، وابن عقيل في الفصول، والشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، والشيرازي، وابن البنا، وأبو محمد في الكافي، ولم أر من ذكر عن أحمد بذلك نصا وذلك لأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل، فغلب جانب التحريم احتياطا، كالمتولد بين الحمار والفرس.
وحكى أبو البركات، وأبو محمد في كتابه الصغير رواية بالجواز، لأنها كتابية فتدخل في عموم الآية المبيحة.
وحكى ابن رزين رواية ثالثة أن الأب إذا كان كتابيا أبيحت، وإلا فلا، لأن الولد ينسب إلى أبيه، فيكون حكمه حكمه،
وخطأ أبو العباس هذا القول، وقال: إن كلام أحمد إنما يدل على أن العبرة بالدين، وأنه لم يعلق الحكم بالنسب ألبته، قلت: وكذلك ذكر القاضي في تعليقه، ردا على الشافعية، أن تحريم النكاح والذبيحة متعلق بالدين دون النسب، والدين المحرم موجود، فكان الاعتبار به دون النسب.
(تنبيه) ذكر أبو البركات هنا روايتين، وقال في عقد الذمة: إن من أقررناه على تهود أو تنصر متجدد بعد المبعث، أبحنا ذبيحته ومناكحته، ولم يذكر خلافا، وعكس القاضي، فجزم هنا بالمنع، وحكى في المنتقل إلى دين أهل الكتاب بعد النسخ روايتين، وهذا قد يستشكل على كلا النقلين، فإنه إذا منع من ذبيحة من أحد أبويه وثني، فمكن أبواه وثنيان أولى، إلا أن يقال: يجوز أن يكون هذا في من أبواه كتابيان، ثم توثن هو، ثم انتقل إلى الكتابية، أو يقال: إن المنع في من أحد أبويه كتابي، كان لأجل النسب، وقد تقدم ضعف هذا، وحمل أبو العباس كلام الخرقي وغيره من الجازمين بالمنع في هذه المسألة على أنه فيمن لم يثبت له دين بنفسه، لعدم تعرضهم للدين، وهذا كأن يتزوج صغيرة وأحد أبويها غير
كتابي، أما أن يدين بدين أهل الكتاب، فهو محل الروايتين، كما ذكره أبو البركات (قلت) : وهذا الجواب يحسن على قول القاضي، أما على قول جده فلا يحسن، والله أعلم.
قال: وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب أجبرت على الإسلام، فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها.
ش: إذا انتقل الكتابي من دينه إلى غير دين الإسلام، فلا يخلو إما أن ينتقل إلى دين من يتدين بكتاب أو لا، (فإن كان الأول) - كمن انتقل من يهودية إلى نصرانية أو بالعكس - فهل يقر، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار الخلال وصاحبه، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فكأنه لم ينتقل، أو لا يقر، وهو اختيار القاضي في الجامع الصغير، وعامة الأصحاب الشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وابن عقيل في التذكرة، والشيرازي وغيرهم، لأنه انتقل إلى دين أقر ببطلانه، أشبه المرتد.
2528 -
ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» خرج منه المسلم بالإجماع إذا رجع، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم، فعلى هذا يؤمر بالإسلام، فإن لم يسلم (فعنه) يقتل كالمسلم إذا ارتد (وعنه) يهدد ولا يقتل احتياطا للدماء (وعنه) أنه إن رجع إلى دينه الأول ترك كالمرتد من ملتنا، وإلا هدد ولم يقتل، (وإن كان الثاني) - كأن انتقل من الكتابية إلى المجوسية والوثنية ونحوهما - فلا يقر على إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، وبه جزم أبو محمد وغيره، لأن الوثنية ونحوها لا يقر أهلها عليها، فالمنتقل إليها أولى، والمجوسية قد أقر ببطلانها، مع كونها أنقص من دينه (وعنه) يقر على المجوسية، لأنه انتقل إلى دين يقر أهله عليه، أشبه المنتقل إلى دين أهل الكتاب، ولعموم {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: 29] الآية، (فعلى الأول) - وهو المذهب - لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف في إحدى الروايتين، واختيار الخلال وصاحبه، لأن غير الإسلام دين أقر ببطلانه، أشبه المرتد، وفي الرواية الأخرى لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه، كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام، وحيث يقبل فهل يستتاب كالمرتد أو لا كالكافر الأصلي؟ فيه احتمالان (وعلى
الثاني) أنه إن رجع إلى ما نقره عليه ترك، وحيث أقررنا المنتقل على ما انتقل إليه فكان المنتقل ذمية تحت مسلم فالنكاح بحاله، إلا أن تنتقل إلى المجوسية فإنه كالردة إذ المسلم لا يثبت له نكاح على مجوسية وكذلك إن لم يقر المنتقل وإذا إن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده فهل ينفسخ النكاح أو يقف على انقضاء العدة؟ فيه روايتان، المذهب منهما الثاني، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: وأمته الكتابية حلال له دون المجوسية.
ش: أمته الكتابية حلال له، لعموم قوله سبحانه:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] ولأن نكاح الأمة الكتابية غير المملوكة له إنما حرم حذارا من إرقاق ولده، وإبقائه مع كافرة، وهذا معدوم في مملوكته، ولا تباح له أمته المجوسية، ولا الوثنية بطريق الأولى، لعموم ما تقدم في تحريم نكاح المجوسيات ونحوهم، (فإن قيل) : ما تقدم من الآيتين ظاهر في الإباحة.
2529 -
ويؤيده ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين بعثا إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -
تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] » أي فهن لهن حلال إذا انقضت عدتهن. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
2530 -
وقال صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» رواه أبو داود، ثم إن الصحابة كان أكثر سباياهم من كفار العرب، وهم عبدة أوثان، ولم ينقل أنهم حرموا ذلك، وقد أخذ عمر وابنه من سبي هوازن، (قيل) : الآيتان مخصوصتان بما تقدم، وأما حديث أبي سعيد فقضية عين، إذ يحتمل أنهم أسلموا، وكذلك