الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم من تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد أو عقدين]
قال: وإن تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد واحد فسد نكاحهما.
ش: قد تقدم أنه يحرم الجمع بين الأختين مطلقا، فإذا جمع فسد النكاح فيهما، لارتكابه النهي، مع أنه لا مزية لإحداهما على الأخرى، أشبه ما لو زوجت المرأة من رجلين، أو عقد عليها وليان عقدين لرجلين فوقعا معا، ونقل ابن منصور عن أحمد: إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما. قال القاضي: وهو محمول على أنه يختار إحداهما بعقد مستأنف، والله أعلم.
قال: وإن تزوجهما في عقدين فالأولى زوجته.
ش: أي إذا تزوجهما في عقدين، فوقعا واحدا بعد واحد، وعلم السابق، فإن الحكم له، إذ الجمع المحرم إنما يحصل بالثاني، فاختص البطلان به، أما إن علم وقوعهما معا فقد تقدم، وإن لم يعلم كيف وقعا، أو علم السبق ولم يعلم السابق، أو علم ثم نسي، فظاهر كلام جماعة من الأصحاب أن حكم ذلك حكم الوليين يزوجان من رجلين، قال ابن أبي موسى: فإن جهل أولهما بطل النكاحان، (وقيل عنه) يقرع بينهما، والأول أصح، والله أعلم.
قال: والقول فيهما القول في المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها.
ش: هذا من باب المقلوب، أي القول في المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، كالقول في الأختين، إن تزوجهما في عقد واحد لم يصح، وإن تزوجهما في عقدين صح الأول، والله أعلم.
قال: وإن تزوج أخته من الرضاعة وأجنبية في عقد واحد ثبت نكاح الأجنبية.
ش: هذا إحدى الروايتين، وهو اختيار القاضي في تعليقه، والشريف، وأبي الخطاب في خلافيهما، وأبي محمد، لأن الأجنبية محل قابل للنكاح، صدر عليها عقد من أهله فصح، كما لو انفردت، (والثانية) لا يصح فيهما، اختارها أبو بكر، لأنه عقد اشتمل على مباح ومحظور، فغلب الحظر، كما لو اختلطت المذكاة والميتة، وكذبيحة من أحد أبويه كتابيا، والآخر مجوسيا وأجيب عن المذكاة والميتة بأن عين المباح مجهول، وهاهنا معلوم، وعن من أحد أبويه كتابيا، بأن المباح والمحظور اجتمعا في عين واحدة، وها هنا في عينين، وهكذا الحكم في كل من جمع بين محرمة ومحللة، هل يصح النكاح في المحللة؟ على روايتين، والله أعلم.
قال: وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما، لم يصب الأخرى حتى يحرم عليه الأولى، ببيع أو نكاح، أو هبة، أو ما أشبهه، ويعلم أنها ليست بحامل منه.
ش: يجوز أن يشتري أختين في عقد، لأن الممنوع منه الجمع بينهما في الفراش، ولا يصيران بذلك فراشا بالإجماع، ولا يجوز أن يجمع بينهما في الوطء، على المشهور والمنصوص من الروايتين، وهو المختار للأصحاب، لقوله سبحانه:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وهو شامل للجمع في النكاح والجمع بملك اليمين، وإن قيل: حقيقة الجمع المقارنة، وذلك
متعذر في الوطء؟ قيل: الجمع يعبر به عن فعل الشيئين أحدهما عقب الآخر.
2515 -
كما أنه قد جاء «أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين» ولأن الذي علل به النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع في النكاح - وهو قطع الرحم - موجود هنا.
2516 -
وقد روي عن عثمان رضي الله عنه، وعلي وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا: أحلتهما آية، وحرمتهما آية. يريدون بالمحللة
قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وبالمحرمة {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فغلبنا آية التحريم احتياطا، وأيضا فآية التحليل قد خصصت بالاتفاق، فضعف عمومها، (وحكى القاضي) . وطائفة من أصحابه، والشيخان وغيرهم رواية بالكراهة من غير تحريم، معتمدين في ذلك على قوله في رواية ابن منصور - وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين: تقول: إنه حرام؟ قال: لا أقول أنه حرام، ولكن ينهى عنه. وامتنع أبو العباس من إثبات هذه الرواية، قال: لأنه لم يقل: ليس بحرام. ولكنه قال: لا أقول إنه حرام. وهذا الأدب في الفتوى كثيرا ما يستعمله السلف، لا يطلقون لفظ التحريم، بل: يقولون منهي عنه؛ ولا لفظ الفرض، بل يقولون: يؤمر به. ونحو ذلك، استهابة لعهدة اللفظية إلا فيما علم دليله بالقاطع.
وبالجملة هذا القول يستدل له بالعمومات نحو: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5 - 6] ،
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ولا تفريع على هذا القول، أما على الأول فإذا ملك أختين كان له أن يطأ إحداهما أيتهما شاء، على ظاهر كلام أحمد، والخرقي، واختيار القاضي، وابن عقيل، والشيخين، وغيرهم، إذ الممنوع منه الجمع في الوطء ولم يوجد، وقطع أبو الخطاب في هدايته بالمنع من وطء إحداهما حتى يحرم الأخرى بما سيأتي إن شاء الله تعالى، إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى، فاستباحة وطء إحداهما دون الأخرى ترجيح من غير مرجح، ويرد بأن اختياره ترجيح أحد الجائزين، ومتى وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بتزويج، أو بيع، أو هبة أو عتق، ويعلم أنها ليست بحامل منه، بأن يستبرئها.
2517 -
نص أحمد رحمه الله على ذلك في الجملة، محتجا بأن هذا قول علي وابن عمر رضي الله عنهم. والمعنى فيه أنه لو لم يفعل ذلك
أفضى إلى الجمع بين الأختين في الوطء، أو جمع مائه في رحم أختين، وإنه غير جائز، ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك على الصحيح، سدا للذريعة، إذ الاستبراء لا يمنع وطأها.
2518 -
واتباعا لحكم الصحابة، وقال ابن عقيل: ينبغي أن يكتفى به، إذ به يزول الفراش المحرم للجمع، ولا يكفي زوال ملكه بدون استبراء، حذارا من أن يجمع ماءه في رحم أختين، ولا التحريم بدون زوال ملك، كما إذا ظاهر منها، نص عليه أحمد، معللا بأن هذا قد يكفر، وكما إذا رهنها على الأشهر، لتمكنه من فك الرهن، وفيه وجه لانعقاد سبب الانتقال، وتكفي الكتابة في وجه، اختاره القاضي وغيره، لأنها نوع من البيع، ولا تكفي في آخر، اختاره أبو محمد، لبقاء الملك، ولا يكفي تحريمها بصوم أو اعتكاف، أو ردة أو عدة، ونحو ذلك، لبقاء الفراش، وظاهر إطلاق أحمد وكثير من الأصحاب أنه يكفي زوال الملك، وإن أمكنه الاسترجاع، كما إذا وهبها لولده، أو باعها بشرط الخيار، وظاهر ضابط ابن عقيل المنع، فإنه قال: عقد الباب أن يحرمها تحريما لا يمكنه رفعه بنفسه، وحكى ابن تيمية الكبير المسألة على وجهين، والله أعلم.
قال: فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى.
ش: يعني إذا عادت المحرمة إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى، وتحت هذا صورتان (إحداهما) إذا عادت بعد وطء الأخرى، فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة، وعليه عامة الأصحاب، أنه يجتنبها حتى يحرم إحداهما حذارا من الجمع بينهما في الفراش، لأن الأولى قد كانت فراشا، والثانية قد صارت فراشا، واختار أبو البركات أنه يقيم على وطء الثانية، ويجتنب الراجعة، لأن فراشها قد انقطع، والعود لا يصيرها فراشا (الصورة الثانية) عادت قبل أن يطأ الباقية، فظاهر كلام أحمد والخرقي، وكثير من الأصحاب اجتنابهما حتى يحرم إحداهما كالأولى، لأنه استفرش الأولى، واستباح الثانية، فتصير في حكم المستفرشة، واختار أبو البركات أنه يطأ أيتهما شاء، إذ الأولى قد زال فراشها، والثانية لم يستفرشها، كالمشتراتين ابتداء، واختار أبو محمد إباحة الراجعة، لثبوت الفراش لها دون الباقية، حذارا من الاجتماع في الفراش، والله أعلم.
قال: وعمة المرأة وخالتها في ذلك كأختها.
ش: كل من حرم الجمع بينه وبين آخر في الفراش كالأختين في جميع ما تقدم، لاستوائهما معنى، فاستويا حكما، والله أعلم.
قال: ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها.
ش: نص على هذا أحمد رحمه الله.
2519 -
وذكره عن عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن صفوان، وعن جملة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ذكر البخاري عن عبد الله بن جعفر أنه جمع بين ابنة علي وامرأته، ورواه الدارقطني عن ابن عباس، وعن رجل من الصحابة من أهل مصر يقال له جبلة، وهو راجع إلى القاعدة السابقة، وهو أن كل امرأتين لو