الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الإيلاء]
ش: الإيلاء بالمد الحلف، مصدر آلى يؤلي إيلاء وتألى وأتلى، والألية بوزن فعلية اليمين، وكذلك الألوة بسكون اللام وتثليث الهمزة، والإيلاء شرعا حلف الزوج القادر على الوطء بالله تعالى أو بصفة من صفاته، على ترك وطء زوجته في قبلها مدة زائدة على أربعة أشهر، وفي بعض هذه القيود خلاف، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الآية.
2743 -
وثبت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه أو من بعض نسائه شهرا» .
[ألفاظ الإيلاء]
قال رحمه الله: والمولي هو الذي يحلف بالله عز وجل أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر.
ش: ذكر الخرقي رحمه الله أن للمولي ثلاث صفات (إحداها) أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته سبحانه، ولا نزاع أن من حلف بذلك يكون موليا، لإرادته من الآية الكريمة، إما بخصوصه وإما مع غيره، واختلف فيمن حلف بغير ذلك، كمن حلف بطلاق ونحوه هل يكون موليا أم لا؟ فعنه - وهو المشهور والمنصوص، والمختار لعامة الأصحاب - لا يكون موليا، لأن الإيلاء إذا أطلق ينصرف إلى القسم بالله تعالى.
2744 -
وقد قرأ ابن عباس وأبي: {يَقْسِمُونَ} [الزخرف: 32] .
2745 -
وفسره ترجمان القرآن عبد الله بن عباس بأنه الحلف بالله تعالى ذكره الإمام أحمد عنه.
2746 -
وعن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: «آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم، فجعل الحرام حلالا، وجعل في اليمين الكفارة» . رواه ابن ماجه والترمذي، وذكر أنه روي عن الشعبي مرسلا وأنه أصح، فدل على أن حلفه كان بالله،
وفعله خرج بيانا للإيلاء المشروع، ثم في الآية قرينة تدل على أن المراد اليمين به سبحانه، وهو قوله:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فالمغفرة لما حصل من انتهاك حرمة القسم، ولا انتهاك للطلاق ونحوه (وعنه) يكون موليا، لإطلاق:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} [البقرة: 226] أي يحلفون، والحالف بالطلاق ونحوه حالف، بدليل: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق. ثم قال: إن وطئتك فأنت طالق (وعنه) واختاره أبو بكر في الشافي: يحصل بكل يمين مكفرة، قال أبو بكر: أصل الإيلاء عند أبي عبد الله اليمين بالله تعالى، وكل يمين من حرام وغيره إذا وجبت في اليمين كفارة. انتهى، وهذا القول متوسط، وعليه فيخص الإيلاء باليمين بالله تعالى، والظهار، والنذر، وتحريم المباح.
2747 -
وفي الحديث: «النذر حلف، وكفارته كفارة يمين» وعلى الثانية لا بد أن يحلف بما يلزمه به حق، كالطلاق والعتاق، وتحريم
المباح، والنذر، وإن كان مباحا أو محرما، على مقتضى إطلاق كلام أبي الخطاب وأبي البركات وغيرهما، وقال أبو محمد: إنه قياس المذهب، بناء على انعقاد النذر بهما، ولو قال: إن وطئتك فأنت زانية. لم يكن موليا، لأنه لا يلزمه بالوطء شيء، لأنه إذا وطئ لا يصير قاذفا لانتفاء تعلق القذف بالشرط.
(تنبيه) قال أبو الخطاب في خلافه الصغير: هذه المسألة إنما تصح على أصلنا على الرواية التي تقول: إذا ترك وطأها مضارا من غير يمين لا يكون موليا.
قلت: كأنه بحلفه علم منه الإضرار، فحكم عليه بالإيلاء على المذهب، وإذا تنتفي هذه المسألة كما قال أبو الخطاب، ومقتضى كلام القاضي في التعليق أنه لا يكون موليا ثم حتى يمتنع من فعل ما حلف عليه، على وجه يعلم به قصد الإضرار، كأن يحلف بالطلاق لأفعلن كذا، ثم يتركه ولا عذر له، أو يظاهر منها ولا يكفر، ونحو ذلك، كذا مثل القاضي انتهى (الصفة الثانية) أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر أو مطلقا، وهذا هو المذهب المنصوص، والمختار للأصحاب، لأن قَوْله تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فظاهر الآية الكريمة يقتضي أن الفيئة بعد
مدة التربص، والفيئة هي الرجوع عما حلف عليه، وذلك إنما يكون مع بقاء اليمين، ولازم ذلك أن تكون اليمين على أكثر من أربعة أشهر (وعن أحمد) رواية أخرى يصح على أربعة أشهر، ولا يصح فيما دون ذلك، وهو مبني على أصل، وهو أن الفيئة تكون في مدة التربص، والتربص إنما هو أربعة أشهر.
2748 -
واستدل على ذلك بأن ابن مسعود قرأ: (فإن فاءوا فيهن) أي في الأربعة أشهر، ولأصحابنا ظاهر الآية الكريمة، فإن الفاء للتعقيب، فظاهر الآية الكريمة أن الفيئة والطلاق يكونان بعد مدة التربص.
2749 -
يرشح هذا ما قاله أحمد في رواية أبي طالب قال: قال عمر وعثمان وعلي، وابن عمر رضي الله عنهم: يوقف المولي بعد الأربعة الأشهر، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق.
2750 -
وعن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أنه قال: سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يولي، قالوا: ليس بشيء حتى تمضي أربعة أشهر، فيوقف فإن فاء وإلا طلق. رواه الدارقطني، وما يروى عن ابن مسعود فلا يعلم صحته (الصفة الثالثة) أن يحلف على ترك وطء زوجته، ووطء الزوجة إنما ينصرف غالبا لوطئها في الفرج، فتختص يمينه بذلك، بأن يقول: والله لا وطئتك في قبلك. أو لا وطئتك ويطلق، فلو حلف أن لا يطأها في الدبر، أو دون الفرج، لم يكن موليا، لأنه إنما يصير موليا من امتناعه مما وجب عليه، وهذا ليس بواجب عليه، ولو حلف أن لا يطأ أمته أو أجنبية مطلقا، أو إن تزوجها، لم يكن موليا على المذهب بلا ريب، لأن الإيلاء
الذي ذكره الله تعالى إنما ذكره في النساء، قال سبحانه:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] .
وخرج الشريف أبو جعفر وغيره صحته من الأجنبية مطلقا، من قول أحمد في الظهار: يصح قبل النكاح، لأنه يمين، فمقتضى تعليله صحة الإيلاء، لأنه يمين، وخرج أبو البركات صحته بشرط إضافته إلى النكاح كالطلاق في رواية.
(ويدخل) في كلام الشيخ الرجعية، لأنها زوجة فيصح الإيلاء منها، وهذا هو المشهور من الروايتين، والمذهب بلا ريب عند الأصحاب، بناء على دخولها في نسائه، (وعنه) لا يصح الإيلاء منها، وعلله بأن الطلاق منعه من الجماع، فبناه على تحريمها، والخرقي يقول بالتحريم فترد عليه، ويدخل في كلامه أيضا كل زوجة وإن كانت ذمية أو أمة أو صغيرة أو مجنونة، للآية الكريمة وتطالب الصغيرة والمجنونة عند تكليفهما، وكذلك يدخل من لم يمكن وطؤها لرتق ونحوه، وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا، وجزم به القاضي في تعليقه وجامعه، وجماعة من أصحابه، كالشريف وأبي الخطاب في خلافيهما، والشيرازي وابن البنا، للآية الكريمة، وهي قَوْله تَعَالَى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وزوج الرتقاء ونحوها قد آلى منها، فدخل تحت العموم، والعجز عن الوطء لا يمنع صحة الإيلاء، كما لو آلى منها وبينهما مسافة لا يصل إليها فيها (وفي المذهب) قول آخر
أنه لا يصح الإيلاء من الرتقاء ونحوها، وأورده أبو الخطاب وأبو محمد مذهبا، وصححه صاحب البلغة، لأن المنع هنا ليس باليمين، والمولي هو الممتنع بيمينه من وطء زوجته، وعلى الأول يفيء فيئة المعذور، صرح به القاضي وغيره.
ويدخل في كلام الخرقي كل زوج حلف على وطء زوجته وإن كان عبدا، للآية الكريمة، وكذلك إن كان ذميا للآية الكريمة أيضا، وفائدته في أنه يوقف بعد إسلامه، ويؤخذ بالكفارة، كذا قال القاضي في تعليقه، وقال أبو محمد: يلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا إلينا؛ وظاهر هذا أنه يوقف في كفره، وكذلك إن كان خصيا أو مريضا يرجى برؤه، للآية أيضا، وكذلك إن لم يتصور منه الوطء لجب أو شلل، على عموم كلام الخرقي، وصرح به من تقدم في المرأة إذا كانت رتقاء، والخلاف هنا كالخلاف ثم سواء.
نعم يستثنى من عموم كلام الشيخ إذا كان الزوج غير مكلف كالصبي والمجنون، فإنه لا يصح إيلاؤه، لانتفاء الشرط في حقهما، وهو اليمين بالله تعالى، نعم ينبغي على القول بصحة الإيلاء بالطلاق ونحوه أنه يصح الإيلاء من الصبي، حيث صح طلاقه، لوجود شرط الإيلاء في حقه إذًا، وأطلق أبو الخطاب في الهداية في السكران والمميز وجهين، وقال: بناء على طلاقهما. والله أعلم.