الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب أجل العنين والخصي غير المجبوب]
ش: العنين العاجز عند الوطء، وربما اشتهاه ولا يمكنه، مشتق من عن الشيء، إذا عرض، وقيل: الذي له ذكر لا ينتشر، والخصي من قطعت خصيتاه، وفي معناه الموجوء، وهو المرضوض والمسلول وهو الذي سلت بيضتاه، أما المجبوب فهو الذي قطع ذكره، وقد تقدم حكمه.
قال: وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها أجل سنة منذ ترافعه إلى الحاكم فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه، فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخا بلا طلاق.
ش: إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إلى جماعها، فإن اعترف الزوج بذلك أجل سنة على المذهب المنصوص، والمختار لعامة الأصحاب.
2604 -
لما روي عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه أنه أجل العنين سنة.
2605 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يؤجل سنة، فإن أتاها وإلا فرق بينهما. رواهما الدارقطني.
2606 -
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: العنين يؤجل سنة، ولأن عجزه عن الوصول إليها يحتمل أن يكون لمرض، فيضرب له سنة، لتمر عليه الفصول الأربعة، فإن كان من يبس زال في زمن الرطوبة، وإن كان من رطوبة زال في زمن الحرارة، وإن كان من انحراف مزاج زال في زمن الاعتدال، فإذا مضت الفصول ولم يزل علم أنه خلقة وجبلة، واختار أبو بكر وأبو البركات أنه لا يؤجل، ويفسخ في الحال، كالجب، ولأن المقتضي للفسخ قد وجد، وزواله محتمل، والأصل والظاهر عدمه، وإن لم يعترف الزوج بذلك، ولم يدع وطأ فهل القول قوله، قاله أبو الخطاب في
الهداية، والقاضي في التعليق وفي غيره، لأنه منكر، لا سيما وقد عضده أن الأصل السلامة، أو القول قولها، فيؤجل بمجرد دعواها، وهو ظاهر قول الخرقي، ووقع للقاضي في التعليق في موضع آخر لأن الأصل عدم الوطء أو القول قوله إن كانت ثيبا، وإن كانت بكرا أجل بقولها، وهو الذي جزم به في المغني، لاعتضاد عدم الوطء بالبكارة، على ثلاثة أقوال، وعلى الأول يحلف على الصحيح من الوجهين، فإن نكل قضي عليه وأجل، وقيل: لا يحلف كمدعي الطلاق انتهى. وحيث أجل فإن ابتداء التأجيل من حين رفعته إلى الحاكم، لأنها مدة مختلف فيها، فاحتيج في ضربها إلى الحاكم، بخلاف مدة الإيلاء، ثم إن أصابها في المدة المضروبة فقد تبينا أن لا عنة، وإن لم يصبها فيها خيرت بين المقام معه وبين فراقه، لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك، وكما لو امتنع الوطء من جهتها برتق ونحوه، لا يقال: الوطء حق للرجل دون المرأة، لأنا نقول: بل هو حق لهما، بدليل:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ؛ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ومن الإمساك بالمعروف الجماع.
2607 -
ولا يرد حديث امرأة رفاعة رضي الله عنه حيث أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بعنة زوجها، ولم يجعل لها الفسخ، لأن ابن عبد البر قال: صح أن ذلك كان بعد طلاقه، فلا معنى لثبوت الفسخ لها على أنا لا نسلم عنته، بل كان ضعيف الجماع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«حتى تذوقي عسيلته» ، وذوق العسيلة موقوف على إمكان الجماع، انتهى، ومن اختارت الفراق رجع إلى الحاكم، للاختلاف فيه، فإما أن يفسخ باختيارها، وإما أن يرده إليها، فتفسخ، ويقع الفراق فسخا لا طلاقا.
وقول الخرقي: والخصي، ظاهره أن حكمه حكم العنين، وكذا ترجم القاضي في الجامع، فيجري فيه ما تقدم، قال أبو محمد: وقد قيل: إن وطأه أكثر من وطء غيره، وقوله: غير
المجبوب. مقتضاه أن المجبوب لا يثبت فيه هذا الحكم، وقد تقدم له أن المجبوب يثبت لامرأته الفسخ في الحال، لكن قال أبو محمد في المغني: إذا بقي من ذكر المجبوب ما يمكن الوطء به، الأولى ضرب المدة، وبعده أبو العباس، بأنه لا يتجدد له قدرة لم تكن، بخلاف العنين، والله أعلم.
قال: فإن قال: قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها. فإن أقرت أو ثبت ما قال ببينة، فلا يؤجل، وهي امرأته.
ش: إذا ادعت المرأة عنة الرجل، فادعى أنها علمت ذلك قبل أن ينكحها، فإن أنكرت فالقول قولها مع يمينها، إذ الأصل عدم علمها، ويؤجل، وإن أقرت بذلك، أو أنكرت فأقام بينة بما ادعاه، فلا يؤجل، وهي امرأته، لا سبيل لها إلى فسخ العقد بحال، لأنها دخلت على بصيرة، أشبه ما لو علمته مجبوبا ونحو ذلك، والله أعلم.
قال: وإن علمت أنه عنين بعد الدخول، فسكتت عن المطالبة، ثم طالبت بعد، فلها ذلك، ويؤجل سنة من يوم ترافعه.
ش: لأن نفس السكوت لا يدل على الرضى، وقد أخذ من هذا القاضي، وأبو محمد أن الخيار في العيوب على التراخي، وهو اختيار القاضي في الجامع، وأبي الخطاب في الهداية، والشيخين وغيرهم، لأنه لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي،
كخيار القصاص، وحد القذف، وعكسه خيار الشفعة والمجبرة، فإن ضرره غير متحقق، وقال القاضي في المجرد، وابن عقيل، وابن البنا في الخصال: إنه على الفور، لأنه لدفع ضرر، أشبه خيار الشفعة، قال ابن عقيل: ومعناه أن المطالبة بحق الفسخ تكون على الفور، فمتى أخر ما لم تجر العادة به بطل، لأن الفسخ على الفور، وعلى الأول لا يسقط الخيار إلا بما يدل على الرضى من قول، أو استمتاع أو تمكين منه، ونحو ذلك، ولا يعتبر التصريح بالرضا، لأن الدال على الشيء قائم مقامه، ومنزل منزلته، واستثنى من ذلك أبو البركات خيار العنة، لا يسقط إلا بالقول، لا يسقط بالتمكين من الاستمتاع ونحوه، إذ عنته إنما تعلم بعجزه عن الوطء، وذلك لا بد فيه من التمكين من الوطء، وقال أبو العباس: إنه لم يجد هذه التفرقة لغيره، وجعل أنه متى أمكنته في حال لها الفسخ سقط خيارها، وحيث لم يثبت لها الفسخ، وإن ثبت العيب لا عبرة بتمكينها، ولا فرق في ذلك بين العنة وغيرها، والله أعلم.
قال: فإن قالت في وقت من الأوقات: قد رضيت به عنينا. لم تكن لها المطالبة بعد.
ش: إذا قالت المرأة في وقت من الأوقات - قبل العقد أو بعده، وقبل التأجيل أو بعده، وقبل مضي الأجل أو بعد مضيه -: قد رضيت به عنينا، سقط خيارها، ولم يكن لها المطالبة بعد،
وذلك لأنها صرحت برضاها به معيبا، أشبه ما لو رضيت به مجبوبا ونحوه، ومن هنا والله أعلم أخذ أبو البركات أن خيار العنة لا يسقط إلا بالقول، والله أعلم.
قال: وإن اعترفت أنه قد وصل إليها مرة، بطل أن يكون عنينا.
ش: كذا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وغيره، ولا نزاع في ذلك، إذا كان الوصول في الفرج في هذا النكاح، لتحقق قدرته على الوطء، أما لو كان الوصول في الدبر، أو في نكاح سابق، فوجهان (أحدهما) يزول، ويحتمله إطلاق الخرقي، وهو مقتضى قول أبي بكر، لقوله: إن العنين يختبر بتزويج امرأة من بيت المال، وذلك لأن العنة خلقة وجبلة، فلا تختلف باختلاف الأوقات والمحال (والثاني) وهو اختيار القاضي، وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم، لا يزول، إذ الفسخ ثبت لها دفعا للضرر الحاصل لها بعدم وطئها في هذا النكاح في محل الوطء، فلا يزول بغير ذلك، لبقاء الضرر، ولعل هذين الوجهين مبنيان على تصور طريان العنة، وقد وقع للقاضي وابن عقيل أنها لا تطرأ، وكلامهما هنا يدل على طريانها، وقال ابن حمدان: إنه الأصح.
وعموم كلام الخرقي يقتضي أن عنته تزول بالوصول إليها، وإن كان محرما، كما إذا وطئها، وهي حائض أو نفساء ونحو ذلك، وهو الصحيح من الوجهين، لتحقق قدرته على الوطء، والوجه
الآخر: لا تزول، كما لا تحصل به الإباحة للزوج الأول، ولو كان التحريم لأمر خارجي عن المحل، كما لو وطئها وهو في المسجد، أو وهو مانع لصداقها زالت به العنة قولا واحدا ذكره القاضي، وعكسه لو وطئها في حال الردة، لا تزول به العنة، ذكره القاضي في الجامع محل وفاق مع الشافعية.
(تنبيه) والوطء الذي يخرج به من العنة في حق سليم الذكر غيبوبة الحشفة في الفرج، كسائر أحكام الوطء، وقيل يشترط إيلاج جميعه، إذ الحشفة قد تدخل بمعالجة، فلا يعلم دخولها باعتماد من الذكر، وفي حق مقطوع الذكر بقدر الحشفة، كما لو كان سليما، وقيل لا بد هنا من تغييب الباقي، قاله القاضي في الجامع، إذ لا حد هنا يعتبر، والله أعلم.
قال: وإن جب قبل الحلول كان لها الخيار في وقتها.
ش: يعني إذا أجلناه فجب ذكره قبل الحول، فلها الخيار في الحال، لأنه قد تحقق عجزه عن الوطء والحال هذه، فلا حاجة إلى انتظار الحول، وقد تقدم أن القاضي وغيره أخذوا من هذا ثبوت الخيار
بالعيب الحادث، قال أبو محمد: ويحتمل أن ثبوت الفسخ هنا بالجب الحادث لتضمنه مقصود العنة في العجز عن الوطء، بخلاف غيره من العيوب، والله أعلم.
قال: وإن زعم أنه قد وصل إليها، وقالت: أنا عذراء أريت النساء الثقات، فإن شهدت بما قالت أجل سنة.
ش: يعني إذا أنكر العنة، وادعى أنه وصل إليها، وقالت: أنا عذراء. فإنها ترى النساء، فإن شهدن بما قالت فالقول قولها، فيؤجل، لأنه قد ظهر كذب دعواه، وهل تجب عليها اليمين إن قال: أزلت بكارتها ثم عادت؟ فيه احتمالان، (أحدهما) - وبه قطع القاضي، وأبو الخطاب في الهداية، وأبو البركات وغيرهم - تجب، لأن ما ادعاه محتمل، (والثاني) - ويحتمله كلام الخرقي، وابن أبي موسى -: لا تجب، لأن ما يبعد جدا لا التفات إليه كاحتمال كذب البينة، وإن شهدت بزوال عذرتها فالقول قول الزوج، لتبين كذبها، فلا يؤجل، ولا يمين، حذارا من مخالفة الأصل، وهو وجوب اليمين مع البينة إلا إن قالت: زالت بغير ما ادعاه.
وقول الخرقي: أريت النساء. المراد به الجنس، إذ يكتفى بامرأة في رواية مشهورة، وفي أخرى بامرأتين، والله أعلم.
قال: وإن كانت ثيبا وادعى أنه يصل إليها، أخلي معها، وقيل له: أخرج ماءك على شيء. فإن ادعت أنه ليس بمني، جعل على النار، فإن ذاب فهو مني، وبطل قولها، وقد روي عن أبي عبد الله قول آخر أن القول قوله مع يمينه.
ش: (الأول) رواه مهنا، وأبو داود، وأبو الحرث وغيرهم، واختاره القاضي، والشريف، وأبو الخطاب في خلافاتهم، والشيرازي، إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها، إذ الغالب أن العنين لا ينزل، فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها، فيكون
القول قوله، ومع عدم الإنزال يظهر صدقها، فيكون القول قولها، ومع الإنزال إذا أنكرت أنه مني يختبر بجعله على النار، فإن ذاب فهو مني، إذ ذلك من علاماته، وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض (والثاني) نقله ابن منصور، واختاره أبو محمد، والقاضي في روايتيه، لأنها تدعي عليه ما يقتضي فسخ العقد، والأصل عدمه، وبقاء النكاح، وتجب عليه اليمين على الصحيح.
2608 -
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن اليمين على المدعي عليه» ، قال القاضي: ويتخرج أن لا يمين، بناء على إنكار الطلاق (وعنه رواية ثالثة) نقلها ابن منصور أيضا: القول قولها، إذ الأصل عدم الوطء، وتجب عليها اليمين على الصحيح أيضا، لما تقدم، وقيل: لا، بناء على أن لا استحلاف في غير المال.
واعلم أن هذه الرواية الأخيرة خصها أبو البركات بما إذا ادعى الوطء بعد ما ثبتت عنته وأجل، لأنه انضم إلى عدم الوطء وجود ما يقتضي الفسخ، وجعل على هذه الرواية إذا ادعى الوطء ابتداء، وأنكر العنة القول قوله مع يمينه، وأطلقها جمهور الأصحاب، ولفظها يشهد لهم، قال: إذا ادعت المرأة أن زوجها لا يصل إليها استحلفت انتهى، وقال أبو بكر في التنبيه: يزوج امرأة من بيت المال، قال القاضي: لها دين، وقال أبو