الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإذا زوج عبده وهو كاره، لم يجز إلا أن يكون صغيرا.
ش: لا يملك السيد إجبار عبده الكبير على النكاح، نص عليه أحمد، وقاله الأصحاب، لأنه مكلف يملك الطلاق، فلا يجبر على النكاح كالحر، لأن النكاح خالص حقه، ونفعه له فأشبه الحر، وكذلك الصغير على وجه، قاله أبو الخطاب في الانتصار، والمذهب - وهو المنصوص - أن له إجباره قياسا على الابن الصغير بل أولى، لثبوت الملك له عليه، والحكم في العبد المجنون كالحكم في الصغير، قاله الشيخان، والله أعلم.
[الحكم لو زوج الوليان المرأة من رجلين]
قال: وإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما.
2461 -
.
ش: لما روى الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما، وأيما رجل باع بيعين من رجلين فهو للأول منهما» رواه الخمسة، وحسنه الترمذي. . . وروى الأثرم بسنده عن إبراهيم أن عليا قضى بذلك، لكن في سماع الحسن من سمرة خلاف. وقد شمل كلام الخرقي وإن لم يعلم الثاني، ودخل بها، وهو كذلك خلافا لمالك، لعموم الحديث.
وقول الخرقي: زوج الوليان يعني بشرطه، وهو أن تأذن لهما في نكاحها، ويتساويان في الدرجة كالابنين والأخوين ونحوهما، وهذا قد علم مما تقدم، والله أعلم.
قال: فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما، وكان لها عليه مهر مثلها.
ش: إذا زوج الوليان فدخل بها الثاني، والحال أنه لا يعلم أنها مزوجة، فإنه يفرق بينهما، لترد إلى زوجها، وهذا تفريق حسي من غير فسخ، لبطلان النكاح، قاله أبو محمد، وكذلك قال ابن أبي موسى نزل عنها من غير طلاق، واستشكل بأن مالكا رحمه الله قال: تصير زوجة الثاني بالدخول، وإذا يجب الطلاق كالأنكحة الفاسدة، وأجيب بأن الإباحة حصلت بالوطء لا بالعقد، انتهى. ويجب لها عليه المهر، لأنه وطء شبهة، أشبه المنكوحة بغير ولي.
2462 -
ودليل الأصل قوله عليه الصلاة والسلام «أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما
استحل من فرجها» الحديث، وهل يجب مهر المثل أو المسمى؟ قال الخرقي: مهر المثل. وصححه أبو محمد، لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية، وقال أبو بكر في الخلاف: يجب المسمى. قال القاضي: وهو قياس المذهب. إذ من أصلنا أن النكاح الفاسد إذا حصل فيه دخول وجب المسمى، وحمل كلام الخرقي على أنه لا مسمى.
ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا لم يدخل بها الثاني لا تفريق لوجوده حسا، ولا مهر، لأن وجوبه بالإصابة لا بالتسمية، ولا إصابة، ومقتضى قول القاضي وجوبه بالخلوة كما في النكاح الفاسد عنده، وقوله: وهو لا يعلم. قد يقال: خرج مخرج الغالب، حملا لحال المسلم على السداد، وإذا لا مفهوم له، فيفرق بينهما أيضا، ويجب لها المهر، نعم إن كانت هي أيضا عالمة فلا مهر لها، لأنها إذا زانية، والله أعلم.
قال: ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد آخر وقت وطئها فيه الثاني.
ش: إنما لم يصبها زوجها حتى تحيض ما ذكر فلأنها معتدة من غيره، والمعتدة لا يجوز وطؤها، حذارا من اختلاط المياه.
2463 -
قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره» وبيان لزوم العدة عليها أنها موطوءة بشبهة، والموطوءة بشبهة تلزمها العدة، لتحصل براءة رحمها، حفظا للأنساب، وتعتد عدة المطلقة، لاشتراكهما في لحوق النسب، ولو كان الخرقي رحمه الله قال: تعتد عدة المطلقة. لكان أجود لشموله.
ومفهوم كلام الخرقي أن له أن يستمتع بها لتخصيصه المنع بالإصابة، وهو أحد الوجهين، والله أعلم.
قال: وإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان.
ش: هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله واختيار أبي محمد في المغني، لأن كل واحد منهما والحال هذه يحتمل أن نكاحه صحيح، ولا سبيل إلى الجمع، ولا إلى معرفة الزوج يقينا، والانتظار لا إلى غاية مجهول، فتعين فسخ النكاحين، لإزالة الضرر المنفي شرعا، (والرواية الثانية) : - وهي اختيار أبي بكر النجاد، والقاضي في التعليق، والشريف ، وأبي
الخطاب، والشيرازي - يقرع بينهما، إذ القرعة تزيل الإبهام، وقد دخلت في السفر بإحدى نسائه، والبداءة بالمبيت عند إحداهن، فكذلك ها هنا، ولأن القرعة قد دخلت في استدامة النكاح، كما إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها، أو بعينها ثم أنسيها على المشهور، فكذلك في ابتدائه، وقال ابن أبي موسى: يبطل النكاحان. وظاهره الحكم ببطلانهما من غير احتياج إلى فسخ، ولا إلى قرعة.
وكلام الخرقي يشمل ما إذا علم عين السابق ثم جهل، أو علم السبق ولم يعلم السابق، ولا إشكال في جريان الروايتين في هاتين الصورتين، وقد يشمل أيضا ما إذا جهل كيف وقعا، وقد اختلف الأصحاب في هذه الصورة، فعند أبي الخطاب والشيخين، والقاضي في الجامع فيما أظن أنها على الروايتين أيضا، وليس عند القاضي في التعليق والجامع الكبير إلا البطلان، وكذلك ابن حمدان في رعايتيه، إلا أنه في الكبرى حكى قولا بالبطلان ظاهرا لا باطنا.
وقد خرج من كلام الخرقي ما إذا وقعا معا، وللأصحاب فيه أيضا طريقتان:(إحداهما) : - وهي طريقة الأكثرين، أبي الخطاب في الهداية، وابن البنا، والشيخين، وابن حمدان وغيرهم - الجزم بالبطلان من غير فسخ ولا قرعة، إذ القرعة إنما تدخل لتمييز الصحيح، ولا صحيح. (والثانية) : - وهي
طريقة القاضي في الروايتين - جريان الروايتين فيه، معللا بأنه إذا جازت القرعة مع العلم بفساد المتأخر، فأولى أن تجوز إذا لم يحكم بفساد أحدهما، ومستشهدا بأن القرعة تدخل بين العبيد الذين أعتقهم في مرضه، وإن كانوا دفعة، وله في تعليقه احتمالان كالطريقتين.
(تنبيهات) : أحدها على الرواية الأولى الفاسخ هو الحاكم، قاله القاضي في تعليقه، وفي جامعه الصغير، وأبو الخطاب والشيخان، لأنه فسخ مختلف فيه، والمختلفات ترجع إلى الحكام، وقال ابن عقيل، والسامري، وابن حمدان في رعايتيه: للزوجين الفسخ، ولعلهم يريدون بإذنه، وعن أبي بكر يطلقانها.
(الثاني) : على الرواية الثانية إذا أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته فهي زوجته بالنكاح الأول، من غير تجديد عقد، على ظاهر كلام [أحمد في رواية ابن منصور يقرع بينهم، فمن وقعت عليها القرعة فهي له، وهو ظاهر كلام] الجمهور - ابن أبي موسى، والقاضي وأصحابه، وصرح به القاضي في الروايتين، وابن عقيل، معللا بأن القرعة جعلت في الشرع حكما للتمييز، وقال أبو بكر بن سليمان النجاد: من خرجت القرعة له جدد نكاحه. وكذا قال الشيخان، قال أبو محمد: وينبغي أن لا تجبر المرأة على نكاح من خرجت له القرعة، بل لها أن تتزوج من شاءت منهما ومن غيرهما، وضعف هذا أبو العباس، لاتفاق الروايتين أيضا، وقد أشار إلى هذا ابن عقيل، فقال - بعد
ذكر قول النجاد -: وهذا استظهار حسن، غير أن اعتباره تعطيل للقرعة عن جهة الإباحة، قال أبو العباس: وإنما على هذا القول، يجب أن يقال: هي زوجة القارع، تجب عليه نفقتها وسكناها، ونحو ذلك، ولا يطأ حتى يجدد، فالتجديد لحل الوطء، قال أو يقال: لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد، ويكون التجديد عليه وعليها، انتهى.
(الثالث) : على هذه الرواية أيضا لا يؤمر من لم تخرج له القرعة بطلاق، ذكره القاضي في المجرد، وابن عقيل، معتمدين على أنه ظاهر كلام أحمد، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى، وقال النجاد والقاضي في الروايتين، وفي الجامع، وأبو الخطاب في الهداية، والشيخان: يؤمر بالطلاق، لجواز أن تكون زوجته، كما يفسخ الحاكم النكاح الفاسد، المختلف فيه، وحكى المسألة ابن البنا على روايتين، وقد تبين أن من قال لا تجديد منهم، قال بالطلاق، فإذا في الفرعين ثلاثة أقوال، ثالثها يؤمر المقروع بالطلاق، ولا يجدد القارع، ولعله المذهب، والله أعلم.
قال: وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل.
ش: هذا هو المذهب بلا ريب.
2464 -
لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه، فهو عاهر» رواه أبو داود، والترمذي وحسنه. والعاهر الزاني، ولأن في ذلك تفويتا لمنفعة السيد الواجبة له، لانشغاله بحقوق الزوجية، وأنه لا يجوز، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعا، (وعن أحمد) رواية بالوقف على الإجازة وتحكى عن الحنفية، والله أعلم.
قال: وإن كان دخل بها فعلى سيده خمسا المهر، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه، إلا أن يجاوز الخمسان قيمته، فلا
يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه.
ش: إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ودخل بها، وجب عليه شيء في الجملة كما اقتضاه كلام الخرقي، ونص عليه أحمد والأصحاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها» والعبد والحال هذه قد استحل فرجها، فيكون لها المهر، (وقد روى عنه حنبل) : إذا تزوج بغير إذن سيده فلا مهر. قال أبو محمد: فيحتمل أن تحمل على إطلاقها، ويحتمل أن تحمل على ما قبل الدخول، ويحتمل أن تحمل على أن المهر لا يجب في الحال، بل يجب في ذمة العبد، يتبع به إذا عتق، وحملها أبو البركات على ما إذا كانا عالمين بالتحريم، وتبعه ابن حمدان، وزاد: قلت: أو علمت المرأة وحدها، وهذا حكاه أبو محمد عن القاضي.
2465 -
(فعلى المذهب) الواجب خمسا المهر، اتباعا لقضاء عثمان رضي الله عنه، وهو ما روى أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس، أن غلاما لأبي موسى تزوج مولاة - أحسبه قال - تيجان التيمي بغير إذن أبي موسى، فكتب في ذلك إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فكتب إليه: أن فرق بينهما، وخذ لها الخمسين من صداقها، وكان صداقها خمسة أبعرة، قال قتادة: فذكرت ذلك لبلال، فقال: نعم ذاك غلامنا
تزوج أم رواح. وهذه قضية في مظنة الشهرة، ولم ينقل إنكارها، فيكون حجة، ولأنها تخالف القياس، فالظاهر أنها
بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم لا يقال: يجوز أن يكون خمسا المهر قدر مهر المثل، لأنا نقول هذا بعيد من الظاهر، لأن مهر المثل يحتاج إلى نظر وتأمل، ثم إنه لا يترك في الحديث ما الحكم منوط به، (وهذا إحدى الروايات) وأشهرها، واختيار القاضي، والشريف، وأبي الخطاب، والشيرازي، وغيرهم.
(والثانية) الواجب مهر المثل، اختارها أبو بكر، قياسا على سائر الأنكحة الفاسدة.
(والثالثة) الواجب المسمى، بناء أيضا - والله أعلم - على أن الواجب في الأنكحة الفاسدة ذلك، ويشهد له حديث المنكوحة بغير ولي، ولعل أصل هاتين الروايتين الروايتان ثم، وقد استشهد القاضي على وجوب مهر المثل هنا بقول أحمد في رواية المروذي: إذا تزوج بغير إذن سيده يعطي شيئا، قيل له: تذهب إلى قول عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ قال: أذهب إلى أن يعطي شيئا، وفي هذا نظر؛ لأن هذا إنما يدل على أنه يعطي شيئا، إما ما اصطلحا عليه، أو ما يراه الحاكم، انتهى.
(والرواية الرابعة) يجب الخمسان إن علمت عبوديته، وإلا فالمهر كاملا، حكاها أبو محمد، انتهى.