المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مقدار الصداق وما يشترط فيه] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٥

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[اشتراط الولي في النكاح]

- ‌[اشتراط الشهود في النكاح]

- ‌[أحق الناس بنكاح المرأة الحرة]

- ‌[تولي طرفي العقد في النكاح]

- ‌[ولاية الكافر عقد نكاح المسلمة]

- ‌[ولاية المسلم عقد نكاح الكافرة]

- ‌[الأولى بزواج المرأة عند غياب الولي]

- ‌[اشتراط الكفاءة في النكاح]

- ‌[إذن الثيب والبكر في النكاح]

- ‌[الحكم لو زوج ابنته بدون صداق مثلها]

- ‌[الحكم لو زوج الوليان المرأة من رجلين]

- ‌[الحكم لو تزوج الأمة على أنها حرة فأصابها وولدت منه]

- ‌[عتق الزوجة مقابل المهر]

- ‌[صيغة الإيجاب والقبول في النكاح]

- ‌[الجمع بين أربع نسوة]

- ‌[حكم الشروط في عقد النكاح]

- ‌[حكم النظر للمخطوبة]

- ‌[باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك]

- ‌[المحرمات بالأسباب]

- ‌[يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]

- ‌[لبن الفحل محرم]

- ‌[الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها]

- ‌[حرمة زوجة الأب على الابن وزوجة الابن على الأب بالعقد]

- ‌[وطء الحرام محرم]

- ‌[حكم من تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد أو عقدين]

- ‌[حرائر أهل الكتاب وذبائحهم]

- ‌[زواج المسلم من الأمة الكتابية]

- ‌[زواج الحر المسلم بالأمة المسلمة]

- ‌[حكم الخطبة على الخطبة]

- ‌[خطبة المرأة المعتدة]

- ‌[باب نكاح أهل الشرك وغيره]

- ‌[حكم إسلام الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات]

- ‌[حكم من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة]

- ‌[حكم من أسلم وتحته أختان]

- ‌[الحكم لو أسلم العبد وتحته زوجتان]

- ‌[نكاح الشغار]

- ‌[نكاح المتعة]

- ‌[نكاح التحليل]

- ‌[نكاح المحرم]

- ‌[العيوب التي توجب الخيار في النكاح]

- ‌[تخيير العبد والأمة المزوجين حال الرق]

- ‌[باب أجل العنين والخصي غير المجبوب]

- ‌[نكاح الخنثى المشكل]

- ‌[ما يحصل به الإحصان الذي يجب به الرجم]

- ‌[مقدار الصداق وما يشترط فيه]

- ‌[حكم الاختلاف في مقدار الصداق]

- ‌[الحكم لو تزوجها بغير صداق]

- ‌[ما يترتب على خلوة الزوجين بعد العقد]

- ‌[العفو عن الصداق أو الإبراء منه]

- ‌[الحكم لو تزوجها على صداقين سرا وعلانية]

- ‌[حكم نماء المهر والتصرف فيه]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[النثار في العرس]

- ‌[باب عشرة النساء والخلع]

- ‌[القسم بين الزوجات]

- ‌[النشوز بين الزوجين]

- ‌[مشروعية الخلع]

- ‌[الخلع طلاق أم فسخ]

- ‌[الخلع على غير عوض]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[طلاق السنة والبدعة]

- ‌[طلاق السكران]

- ‌[طلاق الصبي]

- ‌[طلاق المكره]

- ‌[باب صريح الطلاق وغيره]

- ‌[الحكم لو وهب زوجته لأهلها]

- ‌[التوكيل في الطلاق]

- ‌[الحكم لو طلقها بلسانه واستثنى بقلبه]

- ‌[الطلاق المضاف لوقت]

- ‌[تعليق الطلاق على الطلاق]

- ‌[حكم من طلق واحدة وهو ينوي ثلاثا]

- ‌[باب الطلاق بالحساب]

- ‌[الشك في الطلاق]

- ‌[الحكم لو طلق إحدى زوجاته ولم ينو واحدة بعينها]

- ‌[هدم الطلاق]

- ‌[باب الرجعة]

- ‌[ما تحصل به الرجعة]

- ‌[الخلاف بين الزوجين في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[ألفاظ الإيلاء]

- ‌[مدة الإيلاء]

- ‌[معنى الفيئة في الإيلاء]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي]

- ‌[موت المظاهر أو الزوجة قبل التكفير]

- ‌[الظهار من الأجنبية]

- ‌[ظاهر من زوجته وهي أمة فلم يكفر حتى ملكها]

- ‌[ظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة]

- ‌ كفارة الظهار

- ‌[كفارة العبد في الظهار]

- ‌[حكم الوطء قبل الكفارة في الظهار]

- ‌[حكم ظهار المرأة من زوجها]

- ‌[تكرر الكفارة بتكرار الظهار]

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌[تحريم الملاعنة على الملاعن على التأبيد]

- ‌[تكذيب الملاعن نفسه]

- ‌[ما يترتب على اللعان]

- ‌[اللعان الذي يبرأ به من الحد]

- ‌[كتاب العدد]

- ‌[وجوب العدة على المخلو بها]

- ‌[انقضاء العدة بانقضاء الثلاثة قروء]

- ‌[عدة الآيسات واللائي لم يحضن]

- ‌[عدة الأمة]

- ‌[الحمل الذي تنقضي به العدة]

- ‌[عدة أم الولد]

- ‌[إحداد الزوجة المتوفى عنها زوجها]

- ‌[إحداد المرأة المطلقة ثلاثا]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[شروط الرضاع المحرم]

- ‌[ثبوت التحريم بلبن الميتة]

- ‌[الإقرار بالرضاع قبل الدخول أو بعده]

الفصل: ‌[مقدار الصداق وما يشترط فيه]

[مقدار الصداق وما يشترط فيه]

قال: وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها بأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز، إذا كان شيئا له نصف يحصل.

ش: وضع هذه المسألة أن الصداق يجوز بما اتفقوا عليه من قليل أو كثير، ولا يتقدر أقله بعشرة دراهم ولا غيرها، ولا أكثره، (أما الأول) فلما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه، ولظاهر قَوْله تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] والدرهم والدرهمان مال، فيدخل في الآية الكريمة.

2615 -

وعن عامر بن ربيعة أن «امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرضيت من نفسك بنعلين؟» قالت: نعم. فأجازه رسول الله» صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وابن ماجه، والترمذي وصححه.

ص: 280

2616 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل» رواه أبو داود وغيره.

2617 -

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أراد أن يتزوج الموهوبة: «التمس ولو خاتما من حديد» ، ومعلوم أن الخاتم الحديد لا يساوي عشرة دراهم، وحمله على خاتم من حديد صيني يساويها، حمل للفظ على معناه النادر دون المعتاد، لا سيما والتنكير في مثل هذا المقام للتقليل، لكن الخرقي رحمه الله يشترط أن يكون له نصف يحصل، فلا يجوز على فلس ونحوه، حذارا من أن

ص: 281

يبتغي بغير مال، كما إذا طلقها قبل الدخول، وتبعه على ذلك ابن عقيل في الفصول، وأبو محمد، وفسره بنصف يتمول عادة، وليس في كلام أحمد هذا الشرط، وكذا كثير من أصحابه، حتى بالغ ابن عقيل في ضمن كلام له، فجوز الصداق بالحبة والتمرة التي ينتبذ مثلها ولا يعرف.

وأما (الثاني) فلظاهر قول الله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] الآية.

2618 -

قال أبو صالح: القنطار مائة رطل، وهو عرف الناس اليوم.

2619 -

وقال أبو سعيد الخدري: ملء مسك ثور ذهبا.

2620 -

وعن مجاهد: سبعون ألف مثقال.

ص: 282

2621 -

وعن عمر رضي الله عنه أنه أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفا، رواه أبو حفص، مع أن هذا إجماع حكاه ابن عبد البر وغيره، لكن الأولى تقليل المهر وتخفيفه.

2622 -

لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة» رواه أحمد.

2623 -

وعن أبي العجفاء، قال: لا تغالوا بصدق النساء، فإنه لو

ص: 283

كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وكماله عشرة دراهم، على ظاهر كلام القاضي أبي يعلى الصغير، خروجا من الخلاف، واتفق الكل على أن المستحب أن لا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، تأسيا به، وطلبا لبركته والاقتداء به، وهو من أربع مائة درهم إلى خمس مائة، لما تقدم عن عمر.

2624 -

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: أتدري ما

ص: 284

النش؟ قلت: لا. قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، هذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. رواه مسلم، وكلام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه بلغه أن صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم.

وقد تضمن كلام الخرقي أن من شرط صحة التسمية الرضى ممن هو معتبر منه، ولا نزاع في ذلك، قال الله سبحانه وتعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] .

2625 -

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العلائق ما تراضى عليه الأهلون» ثم إن كان العاقد الأب وهي صغيرة فالرضى منوط به، وإن كانت بالغة رشيدة اعتبر رضاها، نعم للأب أن يزوجها بدون صداق مثلها، كما تقدم في أول كتاب النكاح، والله أعلم.

ص: 285

(تنبيه) وجوب المهر في ابتداء النكاح هل هو حق لله تعالى أو للآدمي؟ فيه وجهان: (أحدهما) : أنه حق للآدمي، قاله القاضي في التعليق، في ضمن مسألة أقل الصداق، وفي تزويج الدنيء بغير مهر، وفي فساد المهر، وهو قول كثير من أصحابه في الخلاف، وبنوا عليه تزويج عبده من أمته ولا مهر، وذلك لأنه يسقط بالعفو بعد وجوبه، ولو كان حقا لله تعالى لما سقط. (والثاني) : أنه حق لله تعالى، قاله القاضي أبو يعلى الصغير، وابن عقيل في موضع، وهو قياس المنصوص في وجوب المهر فيما إذا زوج عبده من أمته، وذلك لأنه يجب مهر المثل للمفوضة، وإن رضيت بسقوطه، وهذا هو مأخذ المفوضة عند القاضي أبي يعلى الصغير، والقاضي يجيب عن ذلك بأنه إسقاط للحق قبل وجوبه فلذلك لم يسقط، والله أعلم.

قال: وإذا أصدقها عبدا بعينه، فوجدت به عيبا فردته به كان لها عليه قيمته.

ش: إذا أصدقها عبدا بعينه - كأن قال: تزوجتك على هذا العبد، فوجدت به عيبا، فإن لها رده وإن كان العيب يسيرا، بلا نزاع بين أصحابنا فيما نعلم، كالمبيع المعيب، فإذا ردته فلها قيمته صحيحا، لأنها قد رضيت ببذل نفسها بذلك، لا بما دونه، ولو كان الصداق مثليا والحال هذه، فردته فلها مثله،

ص: 286

فإن اختارت الإمساك وأخذ الأرش كان لها ذلك على المشهور، كالمبيع المعيب، ونقل عنه مهنا ما يدل على أنه لا أرش مع الإمساك، وأظن هذا أصل الرواية المذكورة في البيع، ولعله ظاهر كلام الخرقي هنا، وذلك لأن الأرش زيادة في الصداق لم يلتزمها الزوج، ولا رضي بها، والأرش هنا والله أعلم قيمة الجزء الفائت، ولو كان الصداق على عبد في الذمة، فسلمه لها فوجدت به عيبا، فالواجب إبداله لا أرش ولا قيمة، لأنا قد تبينا أنه قد سلم غير الواجب عليه، فالواجب باق في ذمته، فيجب دفعه، ووقع لأبي محمد في عوض الكتابة إذا بان معيبا أنه يخير بين الرد، والإمساك مع الأرش، وعوض الكتابة إنما يكون في الذمة، وهو سهو، والله أعلم.

قال: وكذلك إن خرج حرا أو استحق، سواء سلمه إليها أو لم يسلمه.

ش: كذلك إذا تزوجها على عبد بعينه فخرج حرا، أو استحق بأن بان غصبا ونحو ذلك، فإن لها قيمته، لأنه قد تعذر تسليمه، فوجب الرجوع إلى بدله، إذ البدل يقوم مقام المبدل عند تعذره، وتعتبر القيمة يوم التزويج، قاله القاضي في التعليق.

ص: 287

وقد تضمن كلام الخرقي صحة النكاح، ولا نزاع في ذلك، وتضمن كلام الخرقي أيضا وكلام الأصحاب والإمام أنها إذا ردت الصداق بالعيب في المسألة السابقة، أو خرج حرا أو مغصوبا أنها لا ترجع في مقابله وهو نفسها، فيفسخ النكاح، ولا يجب لها بدل ذلك، وهو مهر المثل، وعلل بأنها رضيت بما سمي لها، فلا ترجع إلا إلى بدله، وقد يقال: إن قاعدة المعاوضات خلاف هذا، لأنها متى فسخت في الثمن وتعذر الرجوع في العين المبيعة، فإنها ترجع ببدلها، لا ببدل الثمن، وذلك كما إذا بيع عبد بثوب بشرط الخيار ثلاثا فأعتق المشتري العبد أو تلف، وفسخ البائع البيع في الثوب، على إحدى الروايتين، فإنه يرجع ببدل العبد، لا بقيمة الثوب، وقياس هذا هنا أنه يرجع بمهر المثل، وقد يجاب عن هذا بأن ثم إنما وجب بدل العبد، لا بدل الثوب، لأن العقد انفسخ، ومع الانفساخ يرجع كل واحد منهما إلى ما خرج عنه، وقد تعذر الرجوع في العبد، فيرجع ببدله لمكان العذر، وليس هنا كذلك، إذ العقد لا ينفسخ بذلك، لأنه لا يفسد بفساد الصداق، ولا بعدمه، فبكونه معيبا أولى، وغايته أنه قد عدم الصداق في العقد، وذلك لا يفسده، وأبو العباس رحمه الله في بعض قواعده ينازع في هذا الأصل، ويختار أن للمرأة الفسخ، كما للبائع والمؤجر الفسخ مع العيب، والرجوع في العين المبيعة والمؤجرة، والجامع أنه عقد

ص: 288

معاوضة، بل هنا أولى، إذ المال والمنفعة يجوز بذلهما بغير عوض، أما النكاح فلا يجوز إلا بصداق، ولأن للمرأة الفسخ إذا ظهر الزوج معسرا قبل الدخول، كما لو ظهر معسرا بالثمن، فلها الفسخ إذا بان عيبه، أو ظهر معيبا بل أولى، ألا ترى أن العيب يثبت الفسخ في المبيع بالإجماع، وفي الإفلاس بالثمن بعد القبض نزاع، والبدل يقوم مقام المبدل في الاتلافات لتعذر الأصل، أما في العقود فالمقصود العين، فإذا لم تحصل فات الرضى المشروط، والقول بأن الصداق تابع لا مقصود لا يجدي، فإن الله سبحانه عظم شأن الصداق في كتابه، وأمر بإيتائه، وعلق الحل عليه، ونهى عن أخذ شيء منه إلا عند تعدي الحدود، فشأنه أعظم من شأن الثمن والأجرة، والوفاء به أوجب.

2626 -

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» والله أعلم.

قال: وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبدا بعينه، فلم يبع، أو طلب به أكثر من قيمته، أو لم يقدر عليه فلها قيمته.

ص: 289

ش: هذا منصوص أحمد رحمه الله في رواية الأثرم، وقاله القاضي، وأبو محمد وغيرهما، (وهو دال بتضمنه) على أن التسمية صحيحة إذا، غايته وقصاراه أنه أصدقها ملك الغير، وذلك لا يمنع الصحة، كما لو تزوجها على عبد فخرج حرا، ولأن هذا غرر يسير فيحتمل، إذ المعاوضة في الصداق ليست بمحضة، إذ المقصود الأعظم إنما هو الوصل والاستمتاع، ومقتضى كلام أبي بكر رحمه الله أن هذه التسمية لا تصح، قال في مقنعه: النكاح كالبيع، لا يصح إلا على معلوم كالبيع، وذلك، لأنه عقد معاوضة، فأشبه البيع، (ودل بمنطوقه) على أنه متى لم يبع العبد سيده أو طلب فيه أكثر من قيمته، أو لم يقدر عليه لإباقه أو غير ذلك أن لها قيمته، لما تقدم في التي قبلها، وفيه البحث السابق في وجوب مهر المثل، وفي فسخ النكاح، وقد يقال في الزيادة اليسيرة غير المجحفة: يلزم الشراء كما في نظائره.

ومقتضى كلام الخرقي أنه لو قدر على الشراء فبذل القيمة لم يلزمها القبول، وهو اختيار أبي محمد، وقيل: يلزمها، ولعله بناء على ما إذا أصدقها عبدا موصوفا وجاءها بقيمته، والله أعلم.

قال: وإذا تزوجها على خمر أو ما أشبهه من المحرم وهما مسلمان ثبت النكاح، وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول.

ص: 290

ش: إذا تزوجها على خمر أو ما أشبهه من المحرم، كالخنزير والميتة، والحال أنهما مسلمان، فالنكاح صحيح ثابت، على المشهور من الروايتين، والمختار لجمهور الأصحاب، الخرقي وابن حامد والقاضي، والشريف وأبي الخطاب، وابن عقيل وأبي محمد وغيرهم، حتى بالغ القاضي وأبو محمد فحملا الثانية على الاستحباب، وذلك لإطلاق «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ظاهره الصحة وإن كان المهر فاسدا، ولأن فساده لا يزيد على عدمه، ولو عدم صح النكاح، فكذلك إذا فسد، ولأن النكاح قد يخلو عن مهر، بدليل تزويج عبده من أمته، على اختيار القاضي، وكثير من أصحابه، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم وإذا انفرد عنه صح وإن فسد الصداق كالعقدين، (والرواية الثانية) : لا يصح، اختاره الخلال وصاحبه، والجوزجاني، لظاهر قَوْله تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فجعل سبحانه الحل بالمال، وما ذكر ليس بمال، ولأن النكاح لا بد فيه من مهر، وما رضيا به لا يصح مهرا، وما جعله الشارع وهو مهر المثل لم يرضيا به، حيث سميا مهرا، وإذا يبطل، وتزويجه صلى الله عليه وسلم من خصائصه، وتزويج عبده من أمته ممنوع، على

ص: 291

المنصوص، ولا تفريع على هذه الرواية، أما على الأولى فيجب لها مهر المثل، لتعذر المسمى، والرجوع في البضع، وإذا ينزل منزلة التالف، فتجب قيمته، وهو مهر المثل، كالمبيع المقبوض بعقد فاسد، وخرج ابن أبي موسى قولا أنه يجب مثل المثلي، وقيمة غيره، بناء على ما إذا جهلا ذلك، ونظرا إلى أن الرضى شيء رضي ببدله، وهذا اختيار أبي العباس، وظاهر إطلاق أحمد في رواية الأثرم إذا تزوج على شيء بعينه، فطلب ذلك الشيء فلم يقدر عليه، إما مملوك فأعتقوه أو رفعوا في ثمنه، وبلغوا به، فلها قيمته، فقيل له: ولا يكون لها صداق مثلها؟ فقال: كيف وقد تزوجت على شيء بعينه، إنما ذلك إذا تزوجها على حكمها فاختلفا؟ انتهى، ولو طلقها والحال هذه قبل الدخول وجب نصف مهر المثل لا المتعة، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى، والخلاف فيه.

وقول الخرقي: وهما مسلمان. يحترز به عما إذا كانا كافرين، وقد تقدم له ذلك في نكاح أهل الشرك، وقوله: على خمر أو ما أشبهه من المحرم. يحتمل: وما أشبه الخمر من محرم تحريمه لحق الله تعالى، كالخنزير والحر، فيخرج ما إذا كان تحريمه لحق الآدمي، كالمال المغصوب ونحوه، فإنه يصح بلا نزاع، وهذا اختيار

ص: 292

الشيخين، وبالغ أبو محمد فحكى الاتفاق عليه، ويحتمل: وما أشبه الخمر في التحريم، فيدخل ما تقدم، وبهذا صرح أبو بكر في التنبيه، وابن أبي موسى، وابن عقيل، وأبو الخطاب وغيرهم، وهو مقتضى نص أحمد الذي أخذ منه البطلان في الأصل، ومما يتبع أن الصداق لو فسد بجهالة أو عدم لا يفسد النكاح، وهو المعروف، حتى قال جماعة: رواية واحد، وشذ الشاشي في الحلية فحكى عن أحمد أن النكاح يفسد بجهالة العوض، وهو مقتضى إطلاق أبي عبد الله ابن تيمية، حيث قال: فإن فسد الصداق لم يؤثر في النكاح، على المشهور من الروايتين.

(تنبيه) محل الخلاف فيما إذا علما بذلك، أما إن جهلاه فإن النكاح يصح، قاله ابن أبي موسى والقاضي، والشيخان وغيرهم، والله أعلم.

قال: وإن تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها، كان ذلك جائزا، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين، ولم يكن على الأب شيء مما أخذ.

ش: إذا تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها، جاز ذلك، ولزم الشرط والعقد، نص على هذا أحمد، معللا بأن له أن يأخذ من

ص: 293

مال ابنه ما شاء، وهو المذهب عند الأصحاب، القاضي، وابن عقيل، وأبي الخطاب، والشيخين وغير واحد، وذلك لقصة شعيب عليه السلام:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فشرط الصداق رعي غنمه، وذلك شرط لنفسه، وإذا جاز اشتراط كل الصداق فبعضه أولى، وشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد نسخه.

2627 -

وأيضا عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» .

2628 -

«المسلمون عند شروطهم» .

2629 -

ثم يستدل على صحة هذا الشرط بخصوصه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» وإنما يكون الابن لأبيه بمعنى أن منفعته

ص: 294

له، ومن له المنفعة له أن يستوفيها بنفسه وبغيره، والقول بأن المال لا يتبعه حتى يقبضه، يجاب عنه بأن ثبوت الولاية هنا على الأبضاع بمنزلة القبض، وحكى أبو عبد الله ابن تيمية رواية أخرى: يبطل الشرط، وتصح التسمية، وقيل: يبطل ويجب مهر المثل.

وعلى المذهب إذا قبضا الألفين ووجد الطلاق قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين، إذ الطلاق قبل الدخول يوجب ذلك ولا شيء على الأب للزوج، لأنه إنما أخذ من مال ابنته، ولا للبنت إذ ما انتفع به من مال ولده لا يضمنه.

ومقتضى كلام الخرقي أن غير الأب ليس له ذلك، وهو صحيح، فلا يصح اشتراطه، ويكون الجميع لها على المذهب، وقيل: تبطل التسمية، ويجب لها مهر المثل، وعموم كلام غيره يقتضي أنه يصح اشتراط الأب في جميع أحوال البنت، وظاهر إطلاقه أنه لا يشترط لجواز اشتراط الأب فيما تقدم أن لا يكون الأخذ مجحفا بمال ابنته، وهو ظاهر إطلاق أحمد، والقاضي في

ص: 295

تعليقه، وأبي الخطاب وطائفة، وشرط ذلك القاضي في المجرد، وابن عقيل وأبو محمد في المغني، وأشار أبو العباس إلى ضعف ذلك، بأنه لا يتصور الإجحاف، لعدم ملكها له، وعلى ما في المجرد ومتابعيه إذا لم يوجد الشرط حكم الأب إذا حكم الأجنبي.

(تنبيهان) أحدهما: حكم اشتراط الأب للكل حكم اشتراطه للبعض، قاله القاضي وغيره، فلو وجد الطلاق والحال هذه قبل الدخول وبعد القبض، رجع عليها بنصف المسمى إذ أخذ الأب إنما هو من مالها، قاله القاضي، ولأبي محمد احتمال أنه يرجع على الأب بنصف ما أخذ، وهكذا الخلاف لو ارتدت في مسألة الخرقي، هل يرجع على الأب بألف أو عليها بالمجموع؟ على القولين.

الثاني: يملك الأب ما اشترطه بنفس العقد، كما تملك هي، حتى لو مات قبل القبض ورث عنه، لكن يقدر فيه الانتقال إلى الزوجة أولا، ثم الانتقال إليه كأعتق عبدك عن كفارتي، ذكر ذلك ابن عقيل في العمد، وعند القاضي وأبي محمد إنما يملك ذلك بالقبض مع النية وضعف بأنه يلزم منه بطلان خصيصة هذه المسألة، ويتفرع من هذا على قول أبي محمد لو وجد الطلاق قبل القبض، فللأب أن يأخذ من الألف التي استقرت ما شاء،

ص: 296

والقاضي يجعل الألف بينهما نصفين، كجملة الصداق، والله أعلم.

قال: وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر، ثم طلقها قبل الدخول، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، أو تدفع إليه نصفه زائدا، إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا، فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه.

ش: اعلم أنه قبل الخوض في كلام الخرقي نشير إلى قواعد: (أحدها) : أن المذهب المنصوص المعروف المجزوم به عند الأكثرين أن المرأة تملك الصداق جميعه بالعقد.

2630 -

لظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الموهوبة: «إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك» وأيضا قول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وظاهره الأمر بإيتاء الجميع ولأنه عقد يملك به المعوض بالعقد، فملك به العوض كاملا كالبيع.

وحكى القاضي وطائفة من متابعيه رواية أنها لا تملك إلا نصفه، وأخذها القاضي في تعليقه وغيره من رواية ابن منصور وقيل له: سئل سفيان عن رجل تزوج امرأة على خادم، ثم زوجها غلامه فولدت أولادا فطلق امرأته قبل الدخول، فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها، قال أحمد: جيد. قال القاضي: وظاهر هذا أنه

ص: 297

لم يحكم لها بملك جميعه، لأنه جعل لها نصف النماء، ولا تفريع على هذه الرواية، مع أن أبا البركات لم يعرج عليها، بل ظاهر كلامه إجراؤها على ظاهرها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(القاعدة الثانية) : إذا زادت العين المصدقة فلا يخلو إما أن تكون الزيادة متصلة، كالسمن وتعلم صناعة، أو منفصلة كالولد والكسب، فإن كانت متصلة فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائدا، فيكون ذلك إسقاطا لحقها من الزيادة، ويلزم الزوج القبول، لحصول حقه مع زيادة لا تضر ولا تتميز، وبين دفع نصف القيمة إذ الزيادة لها، لأنها نماء ملكها، فلا يلزمها بذلها، وإذا تعذر دفع الأصل فيصار إلى القيمة، وخرج أبو البركات رواية بوجوب دفع النصف بزيادته، من الرواية الآتية في الزيادة المنفصلة، وهو واضح، وقد يقال: إنه قياس البيع ونحوه، وقد أولع الفقهاء بقولهم: إن الزيادة المتصلة تتبع في الفسوخ والعقود، وقد فرق أبو محمد بين هذا والبيع بأن سبب الفسخ ثم العيب، وهو سابق على الزيادة، وسبب تنصف المهر الطلاق، وهو حادث بعد الزيادة، وبأن الزوج ثبت حقه في نصف المفروض دون العين، ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها، بخلاف المبيع المعيب، والمفروض لم يكن زائدا،

ص: 298

فلم يتعلق حقه به، والمبيع تعلق حقه بعينه، فتبعته زيادته، ويعترض على الأول بأنه لا أثر لتقدم السبب، إذ الفسخ للعقد من حينه على المذهب، فهو كالطلاق رفع للنكاح من حينه، وعلى الثاني بأن نصف المفروض هو نصف عين ما أصدقها، فحقه في الحقيقة تعلق بنصف العين، وكونه إذا وجدها ناقصة له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ممنوع، بل الرجوع في ذلك وأخذ الأرش على ما سيأتي، وقد يفرق بأن في البيع لما اختار المشتري الفسخ، من غير أن يمكنه أخذ الزيادة، فقد رضي بإسقاطها، بخلاف هنا، فإن الفسخ جاء للمرأة بغير اختيارها، فلا يجب عليها بذل ملكها بغير رضاها، وقد يعترض على هذا بما إذا كان الفسخ من جهتها.

واعلم أن محل التخيير إذا كانت المرأة جائزة التبرع في مالها، فإن لم تكن كالصغيرة والسفيهة والمفلسة تعين للزوج نصف القيمة، يشارك في الفلس الغرماء، لامتناع التبرع من جهتها.

وإن كانت الزيادة منفصلة - كالولد الحادث بعد النكاح، والثمرة ونحو ذلك - فالزيادة للمرأة، وللزوج نصف الأصل، لأنها نماء ملكها، ولأن الله سبحانه وتعالى إنما جعل للزوج نصف المفروض، والنماء ليس مفروضا، وحكى أبو البركات رواية أن الزوج يرجع بنصف الزيادة، وكأنه أخذها من رواية ابن منصور المتقدمة، وقد تعلل بأن الطلاق رفع للعقد من أصله تقديرا،

ص: 299

وليس بشيء، ولعل الرواية التي في البيع أخذت من هنا، وفي هذه الرواية بحث ليس هذا موضعه، وبالجملة أبو محمد يستثني من النماء المنفصل ولد الأمة، فلا يجوز للزوج الرجوع في نصف الأمة، حذارا من التفريق في بعض الزمان، وظاهر كلام جماعة من الأصحاب وصرح به القاضي في التعليق عدم الاستثناء.

(القاعدة الثالثة) : إذا نقص الصداق بعد القبض، ثم طلقت قبل الدخول فإن الزوج يخير بين أخذه ناقصا، وبين أخذ نصف قيمته، لأنه إن اختار أخذه فقد رضي بإسقاط حقه، وله ذلك، وإن اختار نصف القيمة فله ذلك، لأن في قبوله ناقصا ضرر عليه، وإنه منفي شرعا، وإذا اختار أخذ النصف ناقصا فهل له أرش النقص - وهو مختار القاضي في تعليقه، كالمبيع المعيب، أو لا أرش له كواجد متاعه عند المفلس، وهو اختيار الأكثرين؟ فيه قولان.

إذا تقرر هذا فقول الخرقي: إذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر، ثم طلقها قبل الدخول، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، أو تدفع إليه نصفه زائدا. مبني على أنها ملكت الصداق بالعقد، وإذا الزيادة حدثت على ملكها،

ص: 300

فتخير بين دفع النصف زائدا وبين دفع نصف قيمته، لكن متى تعتبر القيمة؟ اعتبرها الخرقي - وتبعه أبو محمد في الكافي والمغني، وابن حمدان وأطلقوا - بيوم العقد، وحرر ذلك أبو البركات فجعل ذلك في المتميز إذا قلنا على المذهب يضمنه بالعقد، وعلى هذا يحمل قولهم، إذ الزيادة في غير المتميز صورة نادرة، ولذلك علل أبو محمد بأن ضمان النقص عليها، فعلم أن كلامه في المتميز، وجعل غير المتميز أو المتميز إذا قيل ضمانه على الزوج الواجب قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض، لأن ما نقص بعد العقد والحال هذه فهو على الزوج، وما زاد فهو لها، ثم إن أبا البركات أوجب القيمة يوم الفرقة بصفته وقت العقد، لأنه وقت الاستحقاق، وكلام الخرقي يقتضي وجوب القيمة يوم العقد بصفته إذ ذاك، ولأبي البركات تحرير آخر، وهو أن الواجب قيمة النصف، لأن الله سبحانه جعل له نصف المفروض، وإذا تعذر رجع في بدله، وهو نصف قيمته، والخرقي وجماعة جعلوا الواجب نصف القيمة. انتهى.

وقوله: إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا، فيكون له نصف قيمته يوم وقع عليه العقد، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه، مبني على القاعدة الثالثة، وهي ما إذا تعيب

ص: 301